النفط والخليج في المنظور الأدبي


حسن مدن
2021 / 10 / 28 - 15:05     

يتساءل الكاتب السعودي أحمد بوقري: "ألا تستحق (أرامكو) عملاً روائياً ملحميا"؟، في معرض تناوله للأثر الكبير الذي تركته شركة النفط الشهيرة في المملكة العربيّة السعوديّة على غير صعيد: اقتصادياً واجتماعياً ومهنياً وثقافياً أيضاً.

جاء ذلك في كتابه الشائق: "الكتابة والزمن"، الذي حوى مجموعة من مقالاته ودراساته المختلفة في الحقول الفكريّة والثقافيّة والأدبيّة، وحوى بين ما حوى مقاله الموسوم: "المهني والإنساني – أرامكو السعودية نموذجاً"، والذي ورد فيه السؤال أعلاه حول الحاجة إلى عمل روائي ينطلق من تجربة هذه الشركة، ليرصد التحوّلات التي شهدها المجتمع في السعوديّة، وهو سؤال يصحّ على المجتمعات الخليجيّة الأخرى التي صنع فيها اكتشاف النفط وصناعته ما صنع من تحوّلات، وأحدث ما أحدث فيها من آثار، لا يمكن قراءة وفهم خصائص التطور الاجتماعي – الثقافي في بلداننا دون الوقوف المتأني عندها.

في هذا السياق يحضر العمل الروائي الملحمي "مدن الملح" لعبدالرحمن منيف، ولكن هذا العمل، على أهميته، لا يعني انتفاء الحاجة إلى معالجات إبداعيّة أخرى للموضوع، ومفهوم أن تنصرف الأنظار إلى جنس الرواية بالذات، لا انسياقاً مع مقولة "هذا زمن الرواية" الرائجة، وإنما لأن الإحاطة بهذا الموضوع من جوانبه المختلفة تتطلب رؤية بانوراميّة ليس بوسع جنس أدبي آخر، غير الرواية، أن ينهض بها.

في مقاله المذكور أشار أحمد بوقري إلى أنه ينظر للأمر من "منظومة مفهومية ثلاثية الأبعاد هي الإنسان والمال والزمن"، ولا ينطلق الرجل في تناوله للموضوع من منظور تنظيري مجرد، وإنما من تجربة عمليّة كونه هو نفسه عمل في شركة "أرامكو" ثلاثة عقود متواصلة بعد أن أتاها شاباً من مسقط راسه في مكّة.

يتمنى الكاتب أن "نرى عملاً سردياً ملحمياً يقبض جمالياً على هذه اللحظة التاريخية التي هي جماع للحظات متصلة ومنفصلة يقدم البديل الجمالي التخييلي الذي يمتعنا ويقربنا من التجربة أكثر"، وهذا السؤال – الأمنية يجعلنا نلاحظ أن السرد الخليجي عامة الذي قارب تاريخ التّحوّلات المجتمعيّة في بلدان المنطقة انصرف في جله، لأن هناك استنثناءات بالتأكيد، للفترة السابقة لاكتشاف النفط، متناولاً مرحلة الغوص على اللؤلؤ بدرجة أساسية، وما رافقها من شظف في العيش، وهذا أمر كان يمكن النظر إليه، قبل عقد أو عقدين من الآن، كأمر منطقي ومفهوم لإننا كنا إزاء ذاكرة مكتملة للمرحلة السابقة، فيما المرحلة التالية ما زالت قيّد التشكّل.

أما وقد مضى الزمن، فإن ضرورة المقاربة الأدبيّة لبدايات الإنعطاف الذي جاء مع اكتشاف النفط تجعل من سؤال أحمد بوقري سؤالاً في مكانه.