الاسلام السياسي


عبد الهادي الشاوي
2021 / 10 / 27 - 21:42     

ظهر مصطلح الاسلام السياسي حديثا بسبب انعزال الأقطاب الدينية في العالم الاسلامي عن السياسة , حيث يمكن ان يشير المصطلح الى مجموعة واسعة من الأفراد او الجماعات الذين يدافعون عن تشكيل الدولة والمجتمع وفقا لفهمهم للمبادئ الاسلامية , والاشارة الى نشاطات واسعة التطبيق للأفراد والمنظمات المؤيدة لتحويل الدولة والمجتمع ككل للاستناد لمرجعية القوانين الاسلامية . وهذا يتعارض ويتناقض مع مبادئ وقوانين تطور المجتمعات ويتنافى مع قانون حقوق الانسان وحرياته في الحياة والرأي والتعبير والسعي للتغيير , وهذا يعني الغاء العدالة الاجتماعية التي هي امل كل انسان وفي اي مكان من العالم ويعيد المجتمع الى الفكر الشمولي والداعشي المتخلفين . وفي العراق لم تحظ الأحزاب الدينية طيلة تاريخها السياسي بفرصة ذهبية للظهور في المسرح السياسي بقوة مثلما اتيح لها ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003 , فقد طغى الاسلام السياسي على ملامح المشهد السياسي من خلال بروز وحضور وتحكم في المؤسسات او الأحزاب او المرجعيات الدينية في السلطة والثروة , ساعدتها على ذلك عدة عوامل , لعل اهمها التنسيق المبكر وتحالف الكثير من هذه القوى الدينية مع قوى الاحتلال في محطات ما قبل الاحتلال من جهة ( ما يعني عمالة للمحتل ), ومن الجهة الاخرى تراجع وانحسار معظم الأحزاب الايدلوجية التقليدية القومية او الديمقراطية والوطنية وعجزها عن تقديم حلول عملية وواقعية لتناقضات المجتمع العراقي . وفي سياق الرغبة العارمة لدى المواطن العراقي وحاجته للتغيير نتيجة وطأة الحروب العبثية المتلاحقة والحصار الخانق من جهة والشعور المتراكم لدى بعض الشرائح ولعقود طويلة بالمظلومية وهيمنة نظام الحزب الواحد كنتيجة مباشرة لليأس والاحباط من جهة اخرى .
لقد وجد الملايين من العراقيين انفسهم مباشرة بعد الاحتلال الأمريكي امام مشهد جديد في الساحة السياسية , وهو مشهد الاسلام السياسي الذي تولى زمام الأمور والحكم .مما دفع الكثيرين في بداية الأمر الى التعامل والتعاطف مع هذه الظاهرة – كل حسب جذوره – والتفاعل معها آملين انها نمط قد يحقق لهم العدالة والازدهار والاستقرار الذي افتقدوه على مر السنوات السابقة . ومع ان التنوع الطائفي والمذهبي والديني في العراق امر في غاية التعقيد مقارنة مع المجتمعات العربية الاخرى , فإن هذا التعقيد قد انسجم تماما مع الفلسفة السياسية الجديدة لنظام الحكم والقائمة على نظام المحاصصة الطائفية والعنصرية .
لقد ادى التدمير المبرمج لمؤسسات الدولة العراقية على يد قوات الاحتلال الامريكي وحل كافة صمامات الضبط الاجتماعي المتمثلة بالجيش والشرطة ومؤسساتها , اضافة الى الوهن والضعف في عناصر الوحدة الوطنية وعدم تبلور هوية وطنية موحدة عابرة للهويات الفرعية ادت الى تداعيات كانت اول نتائجها ذلك البركان الهائل الذي اعقب الاحتلال والذي اتخذ من الستار الديني غطاء له وانتج مئات المنظمات والميليشيات الدينية ظاهريا والمعززة بعشرات الفضائيات ذات التمويل الخارجي لترسيخ صورة عهد جديد ارخى ظلاله على العراق فانتج مزيجا وخليطا عجيبا بين احزاب دينية موغلة في القدم والغيبية ومؤطرة ومبرقعة بادعاءات وشعارات غربية ليبرالية , وغالبا ما تنتج الظاهرة السياسية الدينية هامشا يندرج بين حدود الترويج والتعامل والتعاون مع اهداف قوى الاحتلال واطماعه في تدمير كل شئ , ليس فقط ضد قوى الاحتلال وانما تمتد الى تكفير واستهداف ابناء الوطن , وقد تتوغل احيانا الى داخل الطائفة او المذهب ذاته . لذلك فإن هذه الظاهرة حملت منذ البداية جذور تدميرها الذاتي من خلال تناقضاتها سواء عبر اعتماد معظم برامجها السياسية على اساس الطائفة او عبر اعتمادها وسيلتي التعاون مع المحتل او التطرف المذهبي طريقا لها في تكريس حقيقتها السياسية الجديدة في العراق . اضف الى ذلك امتداد جذور معظم هذه القوى خارج العراق . واخيرا فشلها في تقديم اية رؤى سياسية واقعية لشكل الدولة , نظرا لتناقض خلفياتها الايدلوجية والعقائدية الغيبية التي تصل في بعض الاحيان الى الاساطير والخرافات البعيدة كل البعد عن الاسلام الحقيقي وجوهره السامي .
والحديث عن طبيعة الاحزاب السياسية ذات التوجه الاسلامي في العراق وتاريخ نشأتها يمكن معرفة اسباب فشلها الذي قاد العراق الى انحدار شامل على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية .
لقد تدرجت هذه الأحزاب من حالة الضياع الى موقع التسلط بفعل الفراغ السياسي الذي خلفه الاحتلال الأجنبي وبإسناد من القوى الاقليمية التي ترعرعت في كنفها ليكشف عصر سلطتها الراهن عن طبيعتها في التصدي لمهام الواجب الوطني , فهي لم تنشأ وفق حاجة شرائح مجتمعية وجدت في الاحزاب الدينية وبرامجها تغيرا طبقيا وسياسيا حاملا لتطلعاتها الاقتصادية والوطنية , وانما تسلطت ة بفعل الامر الواقع المتسم بالانهيار المجتمعي الشامل مستندة على حالة اجتماعية مستحدثة , قوامها طبقة طفيلية من المستفيدين من مميزات السلطة ونهب المال العام الذي وصل الى مستويات قياسية .
ان نتائج فشل قوى الاسلام السياسي بعد ثمانية عشر عاما من التسلط بدا واضحا في الوعي الشعبي العام , بتعبيره عن الميل الكبير للخلاص من حكم الاحزاب الدينية في التظاهرات والاعتصامات الشعبية التي لا زالت تشهدها معظم مدن العراق منذ انطلاقها في عام 2011 حيث اختلطت الهموم المعيشية والوطنية بالسياسة وانتجت تعبيرات وطنية هتف لها الشارع العراقي تربط بشكل عفوي الفشل الاقتصادي والامني بالطبيعة الدينية للأحزاب الحاكمة التي لا تمتلك سوى الخطاب الطائفي والغيبي لتغطية فشلها وفسادها وتبعيتها .