تونس:أي موقف لمنتسبي الاتحاد من خلاف البيروقراطية النقابية مع الاستبداد الناشئ لقيس سعيد والحلقة التي أحاطها به؟


بشير الحامدي
2021 / 10 / 26 - 17:26     

هكذا هم دائما المستبدون لا شيء يقلقهم أكثر من الدعوة للانتظام بعيدا عنهم وعدم الاصطفاف وراءهم والتصفيق لهم بوصفهم مخلّصين. ولا شيء يقض مضاجعهم أكثر من الدعوة للتدبير الذاتي لكل مناحي الحياة وما يتطلبه ذلك من استقلالية للأغلبية عن كل البيروقراطيات: الحكومية والحزبية والنقابية والجمعياتية ومافيات المال والسلاح.
عداء الحاكم المستبد للأغلبية كان دائما يتجلى في عداء قطاعاتها الأكثر قدرة على الوقوف في وجهه: الأغلبية المنظمة نقابيا وسياسيا أو التي يخشى انتظامها النقابي والسياسي الراديكالي وهو في ذلك يلتقي مع النقابي البيروقراطي الذي بدوره يخشى هذه الميول داخل الحركة النقابية ويفعل كل المستحيلات لكبحها وقتلها في المهد وابقائها كتلة تحت نفوذه وبالتالي تحت نفوذ المستبد بمحاولاته المتكررة أن يكون الشريك المعترف به لدى هذا المستبد.
هكذا كان شأن المستبد والنقابي البيروقراطي دائما وقيس سعيد ونور الدين الطبوبي لن يشذا عن هذه القاعدة التي كُرست في العهود الديكتاتورية الثلاثة التي عرفتها تونس ديكتاتورية بورقيبة وديكتاتورية بن على وديكتاتورية الطغمة الفاسدة التي جاء بها الانقلاب على 17 ديسمبر في العشر سنوات الماضية.
ولئن كان بورقيبة تعاطى مع الحركة النقابية "الاتحاد العام التونسي للشغل" كأحد أضلاع ما كان يسميه بالمنظمات القومية "اتحاد الصناعة والتجارة ـ اتحاد الفلاحين ـ الاتحاد النسائي" وحصر دورها في بتطبيق سياساته والدعوة له بوصفه الزعيم الذي سيرسو بسفينة تونس على بر الأمان عبر تلك السياسات واعتبر دائما أنه في صراع مع هذه المنظمة وهو ما دفعه في عديد المرات إلى مواجهات معها وبقي ينظر إليها دائما بوصفها جسما يمكن أن يخرج عن سيطرته وبالتالي لا يجب الاطمئنان إليه فإن بن علي سلك مع الاتحاد العام التونسي للشغل سياسة أخرى. لقد عمل على "أخذ القلعة من الداخل" وضمن بالتالي موالاة قيادتها وبلغ به الأمر حد أن لا قيادة تنتخب في مؤتمرات الاتحاد في عهده لا يكون له رأي في تركيبتها وفي الموافقة عليها. في العشر سنوات الماضية من حكم النهضة وحلفائها تغيرت سياسة التعاطي مع الاتحاد العام التونسي للشغل حيث شهدنا ومنذ بدايات 2011 سواء مع حكومة محمد الغنوشي الأولى أو الثانية أو فيما بعد حكومات الترويكا أو الحكومات التي جاءت عقب وفاق حركة النهضة مع حزب نداء تونس أو حتى بعد انتخابات 2019 مع حكومة إلياس الفخفاخ وحكومة هشام المشيشي تشريكا فعليا لبيروقراطية الاتحاد في الحكم مباشرة أو بصورة غير مباشرة تماشيا مع السياسة التي استثمرت فيها بيروقراطية الاتحاد: "دعم" الانتقال الديمقراطي واعتبار نفسها شريكا في الحكم يجب الاعتراف به وعدم تجاوزه.
مع قيس سعيد وبعد 25 جويلية تغيرت العلاقة مع بيروقراطية الاتحاد التي احترقت كل أوراقها وبان شللها. فسعيد والحلقة المغلقة التي أحاطها بنفسه نسفوا كل الجسور القديمة التي كانت تربط الحاكم ببيروقراطية الاتحاد. فهم وهذا من طبيعة أمور كل حكم استبدادي برغم أن استبداد الطغمة الجديدة مازال ناشئا معادون في الجوهر للحريات النقابية وليسوا حريصين كثيرا على أن يكون للحركة النقابية أي دور مستقل عنهم. والأمر متعلق بما هو أكثر من مجرد موقف من القيادة النقابية البيروقراطية الفاسدة المهيمنة اليوم إنه يتعداه لجوهر مشروعهم الاستبدادي المانع لكل انتظام نقابي أو قطاعي أو سياسي مستقل عنهم.
لذلك سمعنا نور الدين الطبوبي في مؤتمر بن عروس قبل أيام يقول "أن لا حوار دون مشاركة الاتحاد" وأن "الحوار من ثوابت الاتحاد وتقاليده، والاتحاد منحاز للحوار بشرط وضوح الأهداف والآليات المرتقب اعتمادها ضمن مقاربة توافقية وتشاركية" وأضاف أنه "يجب ألا يحيلنا الحوار إلى بعض التجارب على غرار اللجان الشعبية وأنه لا مفر من الحوار لتأمين المسار الانتقالي وتشريك جميع الأطراف فيه" ليعود بعد يومين للتأكيد على أنه "ليس في مواجهة مع رئيس البلاد"، لكنه يختلف معه في "بعض التوجهات والأفكار"..
عودة نور الدين الطبوبي للتأكيد على أنه ليس في مواجهة مع الرئيس ولكنه يختلف معه في بعض التوجهات والأفكار لا يفهم منها إلا تواصل لسياسة بيروقراطية الاتحاد التي لا ترى نفسها إلا شريكا معترفا به من قبل من يحكم. وهي سياسة يمكن القول إنها كل ما بقي لهذه البيروقراطية للرهان على الاستمرار على رأس الحركة النقابية خصوصا وهؤلاء البيروقراطيون يعلمون صعوبة تعبئة معارضة نقابية فاعلة لإجراءات سعيد دون أن يخاطروا بموقعهم لأن معارضة نقابية لإجراءات سعيد لا يمكن أن تكون إلا معارضة جذرية وبسياسات راديكالية لا تتوقف عند سياسة الشريك بل تتعداه لمعارضة الاستبداد الناشئ وبالتالي ستعود عليهم وبالا لأنها ستتحرر من هيمنتهم ولن يقدروا على تفكيكها لأنها وقتها لن تفصل بين المعركة ضد قصر قرطاج والمعركة ضد المهيمنين على ساحة محمد علي من النقابيين البيروقراطيين المسؤولين على ما انتهت إليه أوضاع الحركة النقابية والعمل النقابي في العشر سنوات الأخيرة.

26 أكتوبر 2021