استهداف القطاع العام , استهداف للدولة


عبد الهادي الشاوي
2021 / 10 / 24 - 20:42     

يرفض جميع المواطنين الغيورين استهداف القطاع العام لأنه يمثل الهوية الوطنية وبدونه ينتهي دور الدولة حيث تتحول الى اللادولة كما هو حالنا الآن .
مع اشراقة شمس ثورة 14 تموز 1958 في العراق بدأ الاهتمام بالقطاع العام في مختلف قطاعاته الزراعية والصناعية والسياحية والخدمية . فمن ناحية الصناعة تم تشييد المعامل والمصانع في مختلف مدن العراق مع توفير كافة الخدمات المطلوبة للسكات العاملين في تلك المصانع والمعامل , وتم اختيار المواقع المناسبة لكل معمل من حيث توفر الطرق والمواد الأولية والخامات التي يحتاجها كل مصنع . فأنشأت مصانع لإنتاج المواد الغذائية كمعمل تعليب كربلاء في محافظة كربلاء , ومعمل البان ابو غريب في بغداد ومعمل السكر في العمارة / قضاء المجر الكبير حيث مزارع قصب السكر , ومعمل الورق في البصرة قرب الخامات المطلوبة لصناعة الورق من القصب والبردي , اضافة الى معمل الزجاج في الرمادي لتوفر الصخور الزجاجية , كما تم انشاء معامل الأسمدة والبتروكيمياويات والحديد والصلب , اضافة الى ثلاث معامل للبناء الجاهز في بغداد وكربلاء والبصرة , الى جانب النهوض بالقطاع الزراعي من استصلاح الأراضي وتوفير مياه الري اللازمة , مع تشكيل الجمعيات الفلاحية والمزارع الجماعية .
لقد اهتمت حكومة الثورة بالتعليم من رياض الأطفال وحتى التعليم العالي الذي توج ببناء جامعة بغداد الصرح العلمي حيث كلف العالم الفيزيائي الدكتور عبد الجبار عبد الله برئاستها .
اما القطاع الصحي فقد حظي باهتمام خاص من قبل حكومة 14 تموز حيث وصلت الخدمات الطبية الى ابعد القرى والأرياف جنبا الى المدارس التي عمت كل قرى وارياف العراق . كل هذه الانجازات وغيرها تمت خلال اربع سنوات ونصف من عمر الثورة الخالدة . غير ان انقلاب شباط الأسود في 8 شباط 1963 قد اجهض الثورة وعطل منجزاتها مستهدفا خيرة ابناء الوطن المخلصين والكفوئين بالقتل والتعذيب والتشريد طيلة تسعة اشهر من عمر الانقلاب الفاشي الذي انتهى بانقلاب تشرين 1963 عندما انقلب عبد السلام عارف ورهطه على الحرس اللاقومي , وخلال سنة 1964 تم تحويل القطاع العام الى ما سمي بـ (( القطاع الاشتراكي ! )) . وعند عودة حزب البعث الى استلام السلطة في 17 تموز 1968 وبالذات عند استلام الديكتاتور ( صدام حسين ) زمام السلطة بعد تنحية البكر عنها عام 1979 بدأ توجه النظام للسيطرة على جميع مفاصل السياسة والاقتصاد وجعلها جزءا من العملية الشمولية لكون ذلك النظام لم يكن يتحمل وجود قطاع عام سليم يقدم خدماته لأبناء الوطن والشعب وبهدف تنمية كافة جوانب القطاع العام الصناعية والزراعية والخدمية حيث تصدت زمر البعث لشله وتصفيته وصولا الى بيع الكثير من ركائزه في الزراعة والصناعة الى ازلام النظام بحيث تم بيع حقول الدواجن واحواض تربية الاسماك وحقول الابقار والمزارع الجماعية الى الموالين للحكم .وعندما اشعل فتيل الحرب مع ايران عام 1980 والتي دامت ثماني سنوات فأحرق الأخضر واليابس وازهقت ارواح ما يقارب المليون انسان من القوات المسلحة والمواطنين الآخرين والملايين من المعاقين , ولم يكتف بتلك الكوارث فقد ارتكب خطأ فادحا عندما غزا الكويت الداعم الأول لحربه مع ايران , وكانت الكارثة الكبرى عندما تحالفت عليه قوى الاستعمار لطرد الجيش العراقي من الكويت حيث هزم شر هزيمة . وبعد ذلك خضع العراق للحصار الظالم الذي دام ثلاثة عشر عاما حيث تم عزل العراق عن التقدم العلمي والتكنولوجي مما جعل العراق في صدارة الدول المتخلفة . ثم جاءت الطامة الكبرى الاحتلال الأمريكي / الدولي عام 2003 لمسح العراق من الوجود واعادة بنائه على تصور القيادة الأمريكية التي اصطحبت معها عملائها واوكلت لهم حكم العراق حسب مشيئتها فكان الهجوم على ما تبقى من القطاع العام والتوجه نحو الخصخصة بإنشاء قطاع خاص طفيلي من شذاذ القوم .
والآن لا سبيل للنهوض بالعراق ما لم يكن لدينا قطاع عام بأيدي أمينة كفؤة مخلصة يحملون جنسية العراق وهوية المواطنة العراقية بعيدا عن الهويات الفرعية التي عمل المتنفذون على الاعتماد عليها لتمزيق ابناء الشعب العراقي .