انتقام التاريخ و الايديولوجيا : تلامذة ادوار سعيد يتقمصون روح كنعان مكية


مازن كم الماز
2021 / 10 / 24 - 20:40     

التاريخ شرير ، فضائحي ، منتقم ، لأنه محايد ، لا يفقه في الأيديولوجيا و لا في الوطنية أو أي هراء آخر ، هو الذي يكتبنا و لا يكتبه أحد … يضحك التاريخ أخيرًا وحده ، يدفن كل شيء و يمضي ، لا يترك وراءه إلا بعض القبور ، تلك التي نسميها بالآثار ، لا شيء سوى التراب … يقول التاريخ أنه بينما كان جنود المارينز يشحذون أسلحتهم لمهاجمة جيش صدام أو الجيش العراقي ، كما تشاء ، هاجم ادوار سعيد العراقيين الذين كانوا يعدون الساعات قبل أن يطيح المارينز بديكتاتور بغداد و خص منهم كنعان مكية ، بدا مكية مهمًا لأنه بدا على علاقة جيدة برجال البنتاغون و لذلك استحق سخط سعيد أكثر من غيره … هذه القصة تبدو اليوم بلا معنى ، سعيد مات و صدام أعدم و كنعان نفسه اعتذر عما فعل ، لكن التاريخ ببرودته المحايدة و سخريته العابثة ينتقم من كاتب الاستشراق شر انتقام ، و هل هناك أسوأ من هذا الانتقام : تلامذة ادوار سعيد يكررون ما قاله كنعان مكية عام 1990 و 2002 و استحق عليه لعنة أستاذهم : إنهم يحاججون ، ينادون ، يشتمون و يتهمون كل شخص و كل شيء يعترض طريقهم ، و ينتظرون و ينتظرون ، أن يأتي جنود المارينز ليقضوا على الطغاة الذين عجزوا عن إسقاطهم ، ليخلصوا شعوبهم أو شعوبنا من طغاة كصدام … تبلغ الكوميديا ذروتها في حرص هؤلاء و دعواتهم "لحصار" يفرض على الديكتاتوريات التي يحلمون بإسقاطها لا يختلف في شيء عن الحصار الذي تعرض له الشعب العراقي تحت حكم صدام … دعونا نعيش النكتة حتى الثمالة كما كتبها التاريخ ، تلامذة ادوار سعيد يقولون ، يطالبون ، يكررون و بحماسة لا توصف كل ما انتقده أستاذهم و وصمه بكل ما أمكنه من اتهامات قبل عقدين فقط من الزمان … في الوقت الذي يعتذر فيه مكية عن كل ما قاله يومها ، لأن من حكم العراق بعد السقوط ، أي السلفيون و الإخوان الشيعيون ، لم يبنوا "عراقا جديدًا" بل نسخة معدلة ، أسوأ ، من عراق صدام حسين ، بينما السلفيون و الإخوان السنة السوريون الذين حكموا أجزاء واسعة من سوريا قبل أن تتقلص إلى حدود ادلب "المحررة" حسب المعارضة السورية التي تجمع بين تكتيكات كنعان مكية و نظريات مؤلف الاستشراق في طبق واحد : لم ينتظر حكام سوريا الحرة ، النسخة المحلية من ميليشيات الله العراقية ، قيام "الناشطين" السوريين بمظاهرات ضدهم أو بثورات "جوكرية" ليقتلوهم و يخطفوهم بل بدأوا بخطف و قتل الناشطين و مطاردتهم حتى قبل أن يبدأ هؤلاء بنقد سلوك الإسلاميين و جرائمهم … يكرر تلامذة سعيد كلام مكية بحماسة و إصرار بينما يعتذر الرجل عما فعل ، "أعتذر أولا من الشعب العراقي و ثانيًا من الطائفة الشيعية ، لأنني لعبت دورًا قبل حرب 2003 لإضفاء الشرعية الدولية و العالمية على أولئك الذين كنا نسميهم طيلة التسعينات المعارضة العراقية ، و هم الذين حكموا العراق بعد عام 2003 ، هؤلاء لا يستحقون وصفهم بمعارضين لنظام البعث و لا يستحقون أن يحكموا أحدًا" …