السياسة الصينية تجاه أفغانستان بعد إنسحاب الناتو.


حازم كويي
2021 / 10 / 21 - 20:51     

رستم محمودوف*
ترجمة:حازم كويي
أدى إنسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو من أفغانستان وإستيلاء طالبان على السلطة
إلى خلق فرص وتهديدات وتحديات جديدة لجميع الأطراف الخارجية التي لها مصالح في البيئة الجيوسياسية لأفغانستان وفي وسط وجنوب آسيا. الصين مؤثرة بشكل خاص بعد إنسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، حيث يمكن أن تثبت نفسها هناك بقوة وتستفيد من فراغ السلطة الذي نشأ.
وفوق كل شئ، تُعد الإمكانات الاقتصادية لودائع المواد الخام غير المُستغلة في أفغانستان فرصاً للاستثمار الكبيرة لجمهورية الصين الشعبية كعوامل حاسمة.
تمتلك أفغانستان موارد طبيعية هائلة تُقدر بعدة تريليونات من الدولارات. وتشمل هذه على وجه الخصوص أكبر رواسب النحاس غير المطورة في أوراسيا، والتي تبلغ حوالي 11 مليون طن، ورواسب خام الحديد باحتياطيات تبلغ حوالي ملياري طن. وتمتلك المعادن، التي تعد أساسية للثورة الصناعية الخضراء. أولاً وقبل كل شئ، الأمر المتعلق بالليثيوم ، الضروري لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. هذاالتطور التجاري للرواسب الأرضية النادرة واعدة. وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تبلغ قيمة الودائع ثلاثة تريليونات دولار. وهي تشمل القصدير، الذهب، الزنك، الرخام، الجرانيت، والحجر الجيري، وما إلى ذلك.
ومنذ 14 عاماً أعربت الصين بالفعل عن إهتمامها بقطاع الفحم والصلب الأفغاني. ففي عام 2007، حصلت شركة( Jiangxi Copper and Metallurgical Corporation) الصينية على عقد تطوير "Aynaks" ، لكنها لم تتمكن من بدء تنفيذ المشروع بسبب الوضع الأمني الصعب في مقاطعة لوغار. كانت الخطة هي بناء بنية تحتية معقدة، بما في ذلك محطة كهربائية وخط للسكك الحديدية.
ونظراً لهدف بكين أن تصبح رائدة عالمياً في مجال الابتكار والتقنيات الخضراء، كون الشركات الصينية مهتمة بالليثيوم والأتربة النادرة. فقد خططت لزيادة إنتاجها السنوي من السيارات الكهربائية إلى ثمانية ملايين بحلول عام 2028. وهذا من شأنه أن يتجاوز إنتاج السيارات الكهربائية في أوروبا والولايات المتحدة مجتمعين. لذلك يحتاج المزيد من الليثيوم. والمفهوم في هذا الصدد، أن الشركات الصينية الكبيرة مثل Sichuan Tianqi) (Lithium و( Jiangxi Ganfeng Lithium) تقوم بتوسيع وجودها في قطاع التعدين والاستيراد والإنتاج العالمي لهذا المعدن.
لدى الصين أيضاً مصلحة محتملة في الرواسب الأفغانية للأتربة النادرة. تسيطر الصين حاليًا على السوق العالمية لللانثانيدات. عندما يتعلق الأمر بالتعدين وتصدير المعادن الأرضية النادرة المسماة الريم (REM)، فهي مهيمنة مثل المملكة العربية السعودية في قطاع النفط.
وفي وقت مبكر من عام 1992، صرح دنغ شياو بينغ، مؤسس الإصلاحات الصينية"الشرق الأوسط لديه نفط. الصين لديها التربة نادرة ". تسيطر الشركات الصينية على أكثر من 80 بالمائة من التعدين العالمي لهذه المادة الخام. في بعض قطاعات السوق ، مثل تصنيع أكاسيد (SEM)، تمتلك الصين حصة في السوق تبلغ 97 بالمائة.
بالنسبة لبكين، فإن السيطرة على سوق المعادن الأرضية النادرة ليست اقتصادية فحسب، بل لها أهمية جيوسياسية أيضاً. ومع بلوغ الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى ذروتها عام 2019،أنتشرت الأخبار في وسائل الإعلام بأن بكين تخطط لحظر تصدير الريم. ولكون شركات التكنولوجيا الفائقة في الولايات المتحدة تعتمد بنسبة 80 في المائة تقريباًعلى واردات هذه المادة الخام من جمهورية الصين الشعبية ، فقد كان لانتشار هذه الشائعات آثار نفسية أنعكست في زيادة الأسعار بنسبة 30 في المائة.
يعزز أستقلالية الصين في واردات (REM) بشكل كبير موقعها في السباق المحتمل للريادة في قطاع التكنولوجيا الناشئة. فشركات التكنولوجيا الصينية الرائدة، التي تعمل باحتياطياتها من المواد الخام، تتنافس بالفعل مع الشركات العملاقة العابرة للحدود في الغرب والشرق الأقصى. مثل Huawei) و Lenovo Xiaomi و( ZTE وأخرى شركات عالمية عديدة، التي سوف تقودالصين إلى القمة تكنولوجياً في منتصف القرن الحادي والعشرين.
ولذلك فإن إهتمام الصين بمخزون المواد الخام الأفغانية له دوافع أستراتيجية، من خلال الوصول إلى الودائع،حيث تعمل على توسيع قوتها السوقية وفي نفس الوقت تفتح مصادر جديدة للمواد الخام لشركاتها الخاصة. وقد أرسلت بكين بالفعل إشارات إلى أفغانستان، على سبيل المثال، ووفقاً لطالبان هنأ سفير الصين أفغانستان على تشكيل حكومتها الجديدة. وقالت أيضاً شركة( Jianxi Copper) ، إنها تراقب الوضع في أفغاستان وستبدأ في تطوير رواسب النحاس في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، فإن إستثمارت بكين في أفغانستان لا يعتمد على إحتمالات الربح فقط، ولكن أيضاً على مسألة ما إذا كانت ترى أمنها القومي مضموناً.

طالبان تعطي ضمانات أمنية لبكين.
ليس سراً أن ضمان الأمن القومي وسلامة أراضي الصين يمثل أولوية لها.ومن أحد الأسباب العديدة هو فترة قرن من عدم الاستقرار الداخلي،الذي بدأ زمن حروب الأفيون في القرن التاسع عشر وأستمر حتى منتصف القرن الماضي. لقد كانت فترة زمنية ضائعة بالنسبة للصين. وهذا هو السبب في أن بكين تراقب عن كثب ما إذا كانت الجماعات الإرهابية ستشكل قواعد في أفغانستان، وهو أمر غير مرجح، لأن مثل هذه الجماعات يمكن أن تهدف إلى زعزعة استقرار المناطق الغربية من الصين.حيث تعيش الأقليات المسلمة هناك، وخاصة الأويغور.
وقبل كل شئ، فإن ما يسمى بحركة تركستان الشرقية الإسلامية هو مدعاة للقلق،التي تأسست في عام 1993، بهدف إقامة دولة إسلامية في تركستان الشرقية. والجماعة مسؤولة عن العديد من الهجمات الإرهابية التي قتل وجرح فيها العديد من المدنيين الصينيين المُسالمين.
سبب آخريدعو للقلق هو فرع من تنظيم الدولة الإسلامية "ولاية خراسان" (ISIS-K) ، الذي ينشط في أفغانستان وأجزاء من باكستان. كما هو معروف، تهدف فيها داعش إلى إقامة خلافة عالمية. في عام 2017 وجهت المنظمة تهديدات تعرضت لها الصين لأول مرة. هناك أدلة على أن عدة مئات من الأويغور قاتلوا في صفوف داعش.
عندما أنسحبت القوات الأمريكية، قامت ولاية خراسان بهجمات إرهابية في مطار كابول وأظهرت أنه سيواصل نشاطه في أفغانستان.
كما يمكن أن يأتي تهديد محتمل للأمن القومي الصيني من تنظيم القاعدة، حين عاد أمين الحق، رئيس الأمن السابق لأسامة بن لادن إلى أفغانستان بعد 20 عاماً من العمل السري في نهاية أغسطس 2021. ووفقاً لتقديرات أجهزة المخابرات الأمريكية، يمكن للقاعدة أن تكون قادرة على التحرك مرة أخرى خلال عام إلى عامين.
في غضون ذلك، تحاول طالبان إقناع بكين بأنها لن تسمح بأعمال تخريبية ضد الصين على الأراضي الأفغانية. حيث صرح مسؤولون رفيعوا المستوى، أن جميع مقاتلي "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية" تلقوا أوامرَ بمغادرة أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، أكدت حركة طالبان للمجتمع الدولي، أنه لن يُسمح لتنظيم الدولة الإسلامية بالقيام بأنشطة في المناطق التي تسيطر عليها طالبان، ولا تسمح للمقاتلين الأجانب بدخول أفغانستان، ولا حتى من الصين.
إن ما يدفع طالبان للإدلاء بمثل هذه التصريحات واضح، فالحكام الأفغان الجُدد يتوقعون باستثمارات صينية واسعة النطاق. في الوقت نفسه، بدون الأموال الصينية والوظائف التي أوجدتها الصين، سيكون من الصعب على طالبان تحقيق الاستقرار في الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد. قد يكون لهاعواقب سلبية بعيدة المدى على طالبان. وصرح المتحدث الصحفي الخاص ذبيح الله مجاهد بشكل صريح عن الآمال الكبيرة التي توضع على بكين. وقال حرفياً: "تمثل الصين فرصة أساسية وفريدة بالنسبة لنا، وهي مستعدة للاستثمار في بلدنا وإعادة بنائه. الصين هي تذكرتنا إلى السوق العالمية."
إمكانية أستفادة آسيا الوسطى.
إذا اعتقدت الصين فعلاً أن طالبان تلتزم بوعدها وتزيل الجماعات الإرهابية الأجنبية على الأراضي الأفغانية، وأنهم سيحصلون على سيطرة كاملة على الوضع السياسي الداخلي ، فإن فرص أستثمار الصين في الاقتصاد الأفغاني ستزداد بشكل كبير. سيكون لذلك تأثير فوري على آسيا الوسطى.
أولاً، ستكون الاستثمارات علامة على أستمرار الاستقرار في أفغانستان. وسيكون لذلك تأثير إيجابي على الوضع الأمني العام في آسيا الوسطى وعلى مناخ الاستثمار الإقليمي، لأن المخاطر السياسية ستقل. سيكون للاستثمارات الصينية أيضاً تأثير نفسي، لأن تصور أفغانستان الذي نشأ في آسيا الوسطى سيتغير، فبدلاً من التهديدات والصعوبات الدائمة ، يمكن ربطها بمنطقة اقتصادية مليئة بالإمكانيات.
ثانياً، الاستثمارات الصينية ستكون إشارة إلى الدول في المنطقة والشركات الدولية إلى أن طالبان قد أحدثت تغييراً إيجابياً، وأنهم يريدون إقامة دولة من أجل إعادة بناء البلاد وتنميتها وإقامة مؤسسات مستقرة.
على المدى الطويل، يمكن للاستثمارات الصينية، إذا تمت إدارتها بشكل صحيح من قبل الحكومة الجديدة، أن تحفز حتى وإن لم يكن بالكامل على الطلب الاستهلاكي في السوق الأفغانية، التي تراجعت بعد سحب الأموال الغربية، ويمكن للاقتصاد أن ينمو مرة أخرى بخلق وظائف جديدة. ومن المؤكد أن آسيا الوسطى ستستفيد من ذلك أيضاً، لأن أفغانستان كانت وجهة تصدير مربحة على مدار العشرين عاماً الماضية.
كذلك يمكن أيضاً الشروع في عملية تحديث للمجتمع الأفغاني بأكمله. هذا من شأنه أن يقلل من الاختلافات الثقافية والأيديولوجية بين البلدان الحديثة في آسيا الوسطى وأفغانستان ذات الشكل التقليدي. سوف يشارك سكان الريف بشكل كبير في التصنيع والتحضر ودمج أفغانستان في سلسلة القيم الإقليمية والعالمية. الذي يعمل على أضعاف الهياكل الاجتماعية القديمة ويخلق ظروفاً ومؤسسات جديدة للإطار الاجتماعي.
قد يؤدي دخول بكين إلى الاقتصاد الأفغاني إلى تغيير جذري في هياكل لوجستيات النقل والتجارة في المنطقة. النقطة المهمة هي أن الربط بين قسمي مبادرة طريق الحرير الصينية(حزام واحد، طريق واحد) في آسيا الوسطى وباكستان قد منعه عدم الاستقرار في أفغانستان. يمكن ربط الطرق باستقرار البلاد، لذلك ستوسع الصين بشكل كبير وجودها الاقتصادي والنقل الاستثماري والتجاري في أجزاء كبيرة من وسط وجنوب آسيا.
تشير حركة طالبان بالفعل إلى تفهم خطط الصين طويلة الأجل المتعلقة بالحزام والطريق. بيان عبد السلام حنفي، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر، يشهد على ذلك ووفقا له، فإن الحكومة الأفغانية الجديدة تدعم الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق وهي مستعدة للعمل مع الصين للمساهمة في التنمية والازدهار في أفغانستان والمنطقة.
تتوافق حقيقة دمج قسمي "الحزام والطريق" على الأراضي الأفغانية مع مصالح آسيا الوسطى، مثل الخطط اللوجستية لأوزبكستان لبدء مشاريع تعاون تدريجية في وسط وجنوب آسيا. قال الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف في المؤتمر الدولي الذي عقد في طشقند في يوليو من هذا العام، "وسط وجنوب آسيا: العلاقات الإقليمية. التحديات والفرص" »فيما يتعلق بخطط بناء خط سكة حديد ترميز- مزار الشريف- كابول- بيشاور، بحيث يتطابق تماماً مع أهداف طريق الحرير الجديد ».
إن اهتمام الصين بأفغانستان واضح، من حيث الموارد والتجارة ولوجستيات النقل الاستراتيجية، هناك مزايا كبيرة محتملة يمكن تحقيقها. يمكن أيضاً أن تنشأ حقائق جديدة في المنطقة بناءاً على رأس المال والاستثمار والتكنولوجيا من الصين. السؤال الوحيد هو ما إذا كانت طالبان ستكون قادرة على تحقيق الاستقرار الكامل في البلاد ومنع الجماعات الإرهابية من استخدام أراضيها للقيام بأنشطة تخريبية ضد جمهورية الصين الشعبية. قد يكون عدم إعتراف الغرب بحكومة طالبان في السنوات القادمة إشكالية. وهذا ينطوي على مخاطر للاستثمار في الموارد الأفغانية وتجارة المنتجات المصنوعة منها في السوق العالمية وبالتالي، فإن سياسة الصين المستقبلية تجاه أفغانستان على المستويين الإقليمي والعالمي تخضع لمراقبة بنوع من التوتروالتي تجري متابعتها عن كثب في آسيا الوسطى.

*رستم محمودوف: زميل أبحاث أول في جامعة الاقتصاد العالمي والدبلوماسية في أوزبكستان