ذكريات طفولة سعدون .6.


مهند البراك
2021 / 10 / 20 - 23:24     

سعدون

جمعت حلقات الورق و الشرب و اللهو في مضيف ابو الهيل السيد عبد المحسن الذي كان مديراً عاماً في متصرفية لواء الحلّة، و هو ابن الضابط العثماني الذي كان يعود الى عائلة معروفة من نجد اهّلته لأكمال كلية الحقوق الحربية في اسطنبول و تزوج من ابنة احد رؤوساء عشائر الفرات الذي كان قادماً من نجد ايضاً . . جمعته بعبد الإله و سعدون .
وكانت الجلسات الجادة بينهم بين دورة ورق و اخرى تدور عن الإستفادة من الإنكليز و علومهم و معارفهم و عن التحرر منهم . . و تطورت تلك الجلسات الى النوادي الليلية في حلب ثم في بيروت، اضافة الى الملاهي بين بغداد و بيوتات الفرات . .
كان الملازم سعدون يبحث عن الزعامة كعديد من ضباط مقرات القيادة، و كان يقرأ الكثير من الكتب و الصحف الهابطة و التافهة عن آفّاقين تزعموا دولهم مثل هتلر و ستالين . . كما كان يردد. و كان يرى في الشعوب بكونها لا أكثر من قطعان ماشية، تسير وراء من تخاف منه و من سوطه، و كان يردد كلهم خرفان !! و ان السلطة لا تأتي الاّ من سيقان النساء و سراويلهن، اللواتي يجمعن لك اسرار كبار القوم و اهل القوة في سراويلهن، ان اهتممت بهن و اشبعتهن و رعيتهن بسريّة و بعيداً عن العيون . . هكذا كان يفكّر، و يصرّح بذلك للقريبين بما كان يفكّر به احياناً.
و كان يزداد تعمّقاً، في دراسة كيفية اثارة الفتن و المؤامرات، و كيفية اخمادها ايضاً، و دراسة الحسد و التوريطات لإسقاط بعض و تصعيد آخر، و عن حرب الإشاعات، التي كان يقول عنها: بعمل طَرَقَة صغيرة كاشاعة لقضية لاأخلاقية و سترون تاثيرها الهائل خاصة ان قصد بها امرأة معروفة بحسنها او ثروتها، او زوجة فلان و علاّن خاصة ان كان مشهوراً . . اضافة الى توريطات كبار من خلال حثالات مدفوع لها، سواء كانوا اشقياء او موظفين صغار و غيرهم، مع عدم نسيان ان الإحتماء يكون بالدولة و القوانين، و الإستفادة منها كدرع واقٍ في كل الاحوال . .
. . . .
. . . .
و فيما كانت احوال الفرات و ريف الحلة و الديوانية ملتهبة بسبب انتفاضات الفلاحين و الخلافات بين المزارعين و الملاكين، و مشاكل التسنن و التشيّع . . استطاع عبد المحسن كمدير عام في متصرفية الحلة تهدئة المواقف الملتهبة بالمنح المالية و بوضع اليد على اسباب تبني فخذ من عشيرة ما المذهب الشيعي الجعفري، و الفخذ الآخر السُّني الحنفي، رغم انهما من عشيرة واحدة و لماذا تحوّل قسم من السنة الى الشيعة و بالعكس، و وضع يده على ان المصالح المادية و حب الزعامة و النفوذ لا غيرهما كانا وراء ذلك، فيما يخص تقسيم الإرث و حقوق الارض و الماء، التي تختلف بين شريعة السنّه و الشيّعة . .
استطاع عبد المحسن بمساعدة نشاط و دبلوماسية و مغامرات سعدون، و بمساعدة مزهر و مجبل و عمّهما سعوّدي، استطاع حلّ مشكلة نزاع اكبر عشيرتين في المنطقة و ايصالهما الى التصاهر لتثبيت الصلح المبرم بينهما و قد اوصل تحالف العشيرتين الى نجاحات كبيرة للحكومة في مناطق الفرات، كآل جابر بقوة شكيمة رجالها الذين برز منهم الشيخ شعلان الذي ورثه بالشجاعة و البأس ابنه مجبل، الذي وجد السيد عبد المحسن نفسه يعتمد على بأسه و جماعته في السيطرة و في حماية اراضي العشيرة الممتدة في الفرات في مناطق و انحاء طويريج (الهندية)، و التفاهم مع العشيرة الأخرى على الارض و السقي . .
في وقت كانت افخاذ من العشيرتين تتبع المذهب الجعفري و افخاذ اخرى تتبع مذهب ابو حنيفة النعمان لأسباب عادت ايضاً الى الموقف من الحكم العثماني و الحكم الذي تلاه و للتقرب منه، و الى سبل الحفاظ على الأرض و الماء . . و قد لعب ذلك التنوع و التبادل دورا كبيراً في زيادة فعالية العشيرتين الموحدتين، بعد التفاهم مع آل سعد الذين اشتهروا بصناعة و اجادة الخشوت (المفرد خِشِتْ، و هو نوع من السكاكين الطويلة الشبيهه بالقامات) الذين كان الضابط سعدون يعود لهم . .
و بسبب تلك النجاحات الكبيرة في الفرات، تم استيزار السيد عبد المحسن، و ترتّب على ذلك النجاح انتقال سكن السيد عبد المحسن الى العاصمة بغداد، و سفر الضابط سعدون معه لخدمة الوزير و لمرافقته و حمايته، و استطاع الوزير بتوصياته وعلاقاته، ان يوصي بسعدون بالانتقال الى القوة الجوية التي تأسست حديثاً، و قد قبل فيها رغم قصر قامته، و ساعده في ذلك مباشرة الملازم " سعيد المصلوب " ابن صديق السيد عبد المحسن الذي كان من كبار تجار الموصل ... و بالمقابل ساعد عبد المحسن على ان تُشدّ لسعيد الرتبة العسكرية بعد اختيار السيد مولود نائب الوزير عبد المحسن ايّاه كمرافق له ... و صار بعد ذلك صديقاَ لـ سعدون، و نُسّب الى الشرطة العسكرية (الانضباط العسكري).
و هكذا استطاع سعدون عبر راتبه من ديوان الوزير، ثم من مخصصاته كمتدرب في القوة الجوية التي تأسست عام 1950 ،ومن الإكراميات والهدايا و الرشاوي ان يؤمن له مورداً شهرياً جيداً
يؤهله لدفع ايجار سكن جيد بدل الثكنة العسكرية، و بدأ بالسؤال و الاستفسار عن بيت للايجار مع تفكيره و تساؤلاته بمن سيعتني بالبيت، رجل ام امرأة و من ؟؟ لأنه لا يطيق اعمال المنزل من كنس و مسح و تنظيف و طبخ !!
بعد نقاشات متنوعة اتفق مع فكرة سعيد المصلوب بالسكن في بانسيون نظيف يقدم الطعام بوجباته . . فكلّف سعيد الجندي المرافق له جورج، بمساعدة سعدون و مرافقته الى نزل لعائلة ارمنية من العوائل التي اضطرتها المذابح و المعارك والأحداث في جنوب تركيا وفي فايدة . . الى الهروب و الهجرة . .
و صار سعدون يسكن في بانسيون راقي في محلة البتاوين في جنوب بغداد . . حيث تزايد اختلاطه مع عدد من العوائل المسيحية الفقيرة التي اضطرتها ظروفها المعاشية الصعبة و القاسية في الريف الجبلي في مناطق كردستان في شمال البلاد، بسبب ظلم الأقطاع و بسبب الأضطهاد الديني و القومي . . فاشتغلوا بشتى المهن كي يعيشوا ، و خاصة في البارات و المراقص الحديثة، كبوابين و خدم و منظفين و آخرين منهم كسمسارين و قوادين . .
وتزايد اختلاطه مع عدد من نزلاء البانسيون الاجانب من العاملين في المصالح البريطانية، و قرر ان يصاحبهم لتقوية لغته الأنكليزية، بعد ان عرّفه عليهم صديقه سعيد المصلوب الذي كان يتكلّم الأنكليزية بطلاقة . . و هو دائب على اللغة الانكليزية باعتبارها اللغة الأساسية في مدرسة الطيران العسكري .
كان سعدون متأنقاً متعطراً دوماً، و يحمل تحت ابطه مسدساً، و كان واضحاً لمن يقابله بكونه مسلّحاً، و قد احتمى به كثيرون و اغدقوا له العطاء مقابل الحماية، حتى صار ينظّم ايرادات ذلك في تشكيل مورد معتبرٍ اضافي له. وبقدر ما كان سعدون نشيطاً في اعماله و كثير الجدّ، الا انه كان شرّاباً عربيداً للخمر، و مهووساً بالنساء الى حد اللعنة . . وقد اكثر من ارتياد بانسيوناً لأمرأة اربعينية تدعى ماري امتهنت السمسرة، و كانت تهتم به و تسعى لأرضاءه، بعد ضمان سعيد له و تعريفه عليها.
ولاحظ سعدون بصمت الصداقة الغرامية القوية التي ربطت ابنتها ذات الجاذبية الجنسية الخيالية جوزفين المدلّعة باسم جوزة، بسعيد رغم امتهان جوزة الدعارة مقابل مبالغ خيالية، حيث كان يتردد عليها في مخدعها ضباط متنوعون بريطانيون و عراقيون من الرتب العالية، وسط سكوت سعيد و عدم تدخله، معتبراً ان ذلك شأناً خاصاً بها، مادامت لاتثقل عليه بمصاريفها و ملابسها الانيقة و عطورها، التي كانت تشتريها من باريس . .
. . . .
. . . .
ذات خميس و بينما كان سعدون جالساً عند محل زياد الشلاتي للدانتيلا و الازرار المنوّعة، كعادته في اماسي الخميس حيث يجلس عند دكان صديقه زياد الملقّب بـ " الشلاتي " في سوق دانيال للحاجات النسائية، و هو السوق المتفرّع عن سوق السراي، والذي تؤمه النساء في العادة . . لجمع الاخبار لقريبه الوزير و للتمتع برؤية النساء اللواتي في العادة يكُنّ بلا غطاء وجه او سافرات، و التمتع بمناظر اثدائهن نصف العاريات خاصة اثناء تفتيشهن في المحل، عن حاجات في الاسفل و يضطررن الى ان ينحنين باقصى ما استطعن للبحث عن الاجمل و الافضل، و منهن من كنّ تتمتعن من جانبهن ايضاً بنظرات رجل فاحصة على الاقل، نظرات تعبّر عن الاهتمام و الرغبة بجمالهن و جمال اعضائهن ايّاها. و كذلك حين كان يلتقي بـ الشلاتي في نزل للمسافرين في محلة التوراة، الذي يؤمه باحثون عن ليالي حمراء . .
جاءت امرأتان قدّر ان احداهما ام و الثانية ابنتها، كانت الأم تلبس ملابس عادية و تلف شعرها بمنديل حريري، وكانت البنت تلبس فستاناً من قطعة واحدة لبست عليه صداري داكنة اللون مطرّزة بحبات معدنية رقيقة و دائرية الشكل لامعة كانت تدعى باللهجة الشعبية (بُلَكْ)، شعرها الكستنائي معقوص خلف الرأس، ذات عينين عسليتين .
اثار منظر المرأتين السافرتين انتباه سعدون كالعادة واثاره اكثر جمال الشابة ذات البشرة البيضاء المائلة الى الأحمرار المثير، بعينيها الجميلتين الشبيهتين بعيني قطة جميلة جذّابة، كانت تنظر بشكل مباشر نظرات متعالية تزيدها جاذبية و وحشية، كما ترائى له .
قدّر سعدون من متابعته تعامل الأم مع البائع زياد الشلاتي ، " انها على الأكثر خيّاطة " كما حدّث نفسه و تأكّد بذلك بعدئذ من زياد . . كان سعدون يتابع الشابة بكل حوّاسه ملاحظاً شعوره بتزايد دقات قلبه و زيادتها عنفاً ثم بحركة في عضوه، حتى التقت عيناهما و شعر بخدر لذيذ يسري في جسده . . فيما كان وجهها يتضرّج حمرة . .
وبينما كانت السيدة تتحدّث مع البائع ويتحدّث معها، قال سعدون لنفسه :
" لابدّ و انها ليست المرّة الأولى التي تزوره فيها ، او انها احدى زبوناته الدائمات المجئ الى دكانه ، نظرات الفتاة اليّ تدل بلا جدال على انها تتجاوب مع نظراتي " . .
لاحقهما لاهثاً من شدة الانفعال في السوق، و الى سوق البزّازين . . و لم يحصل على اكثر من نظرة اعجاب لامعة، و رجع الى صديقه زياد متقهقراً جارّاً اذيال الهزيمة . . و فجأة كسر خوفه من تنزيل نفسه و التعبير عن احساسه لصديقه و سأله ان كان يعرفهما، فقال زياد :
ـ الأم خياطة و تأتي في العادة مرة كل اسبوعين مع ابنتها او بدونها لشراء حاجات للخياطة، و ان راقبت لهجتها يكون من الواضح انها من مسيحيات الموصل و على الاكثر من اللاجئين من المذابح التركية بحق اهل الديانات غير الاسلامية . .
في تلك الليلة عاد سعدون الى بانسيون ماري و استمر بالشرب و لم يستطع النوم رغم سكره و بقي متقلباً في فراشه و تارة يخرج لبار البانسيون و تارة الى فراشه . . . لم يعرْ اي اهتمام لأية ممن رغبن به تلك الليلة في البانسيون، حتى وصل بالطفهن اليه ريتا الى ان تخلع سروالها و ترميه بلطف على وجهه بعطره و هي تهمس " سعدوني . . سويّلك همة . . صدّقني من هسه انت منثار كما اشاهد بعيني " . . " زين ارافقك بهدوء و دون كلام الى السرير"، لم يجب و هو يردد بقهر (رمتني بسهمها و انسلّت) واضعاً عضده على رقبتها و يده تداعب ثديها الطري النافر. ساعدته على خلع ملابسه و هي تداعب عضوه الذي لاحراك به، الذي بقي دون حراك حتى داعبته بثديها و يدها تدور بلطف على مؤخرته . . فتحرّك، و انسلت معه تحت الغطاء . .
. . . .
. . . .

بعد ان نام قليلاً عند الفجر، استيقظ سعدون و وجه الفتاة لايغادر خياله، و في اثناء الفطور سألته ريتا:
ـ كنت تردد امس انه اصابك سهم او سكيّن و السلّ، هل تعني مرض السلّ ؟؟ يعني انت معاشر وحده عدها سلّ ؟؟ ماتخاف على نفسك و عليّ ؟؟
ـ لا عيني ريتا ياسلّ يا بطيّخ، ماكو هيجي شي . . كنت اخرّف بسبب المشروب اللي اعتقد انه كان مغشوش !!
ـ الحمد الله آني هم حسيّت هالشكل !!
و لبس ملابسه العسكرية و مسدسه و تحرّك فوراً الى صديقه زياد في سوق دانيال و سأله رأساً :
ـ هل سيأتون هذا الخميس ؟؟
ـ مممماماما . . . ما ادري بالضبط بس اكيد الاسبوع القادم لأنها ارادت التأكد هل وافقت الازرار لون القميص الذي تخيّطه و يمكن اكثر من قميص . .
ـ عزيزي زياد اكتب اليك رقم تلفون البانسيون و تلفون مكتبي و تلفون الثكنة . . ان لم اكن هنا معك عند مجيئهم اتصل بي فوراً و اخبرني !!
و دخل مع زياد الشلاتي في نقاش حول زواج المسلم بالمسيحية و لماذا محرّم ؟؟ و لماذا المسيحيون يرفضون تزويج بناتهم لمسلمين و المسلمين يرفضون تزويج بناتهم لمسيحيين ؟؟
قال زياد :
ـ على حد علمي ، انه في الزواج يعود الابناء لدين آبائهم عدا اليهود فانهم يعودون الى دين امهاتهم . . و بما اننا دولة مسلمة، تحافظ الدولة على ديانة المواليد الجدد ليكونوا مسلمين و هذا يثير المسيحيين و يمكن حقهم لأنهم سيخسرون ابنتهم و اطفالها، لأن القانون عندنا لحد الآن يفرض على المسيحية الاسلام ان قررت الزواج بمسلم، و ان تغيّر هذا القانون بان تحتفظ المسيحية بدينها في هكذا حالات، تقل المشاكل بالتأكيد.
و لذلك هم حازمون في هذه المسألة و تنتشر قضايا الثأر و الغيرة على دينهم، من جهة اخرى فإن المرأة المسيحية اكثر تحرراً من المسلمة، فالحجاب غير مفروض عليها، و لا مفروض عليها البقاء في البيت، فالمرأة المسيحية تشتغل و تختلط بالمجتمع حالها حال الرجل، و الاختلاط عندهم عادي من الطفولة اضافة الى شرب الخمر بالنسبة للبالغات . . و هي امور تجعل نساء الطرفين في عالمين مختلفين . .
. . . .
. . . .
و في مساء الخميس اللاحق و بينما كان سعدون جالساً على مقعد امام دكان صديقه زياد و هو بملابسه العسكرية و مسدسه . . جاءت الام لاهثة من ثقل لفات القماش التي كانت تحملها، و لم تكن ابنتها معها، فوقف سعدون لا إرادياً و بقي صامتاً و ملئت الحمرة وجهه . . و بعد التحية طلبت الأم ازراراً اضافية لما قد اشترته في المرة السابقة . . حيّاها زياد و احضر لها ما ارادت و قال :
ـ تبدين متعبة خاتون و لم تأتِ معك الخاتون الصغيرة اللي اعتقد انها ابنتك.
ـ نعم و الله تعبانة و ابنتي لم تأتِ معي لإصابتها بنزلة برد . .
تدخل سعدون قائلاً :
ـ خاتون لا تهتميّ انا مستعد لحمل الحوائج و ايصالك للمنزل بسيارتي. و نظر الى زياد بقوة متمنياً ان يقول شيئاً يجعل الأم توافق، و استجاب زياد بسرعة قائلاً :
ـ اقدّم لك سعدون و هو ابن عميّ و انسان طيّب حاضر للمساعدات الضرورية و يخفف عنك الاحمال.
اجابته بابتسامة :
ـ و انا كثيرة الامتنان و لكن بيتنا بعيد يقع في منطقة الغدير في اطراف بغداد، يمكن زحمة عليك !
ـ ابداً يللا . .
وضع سعدون الاحمال بسيارته الدودج الحمراء و دعاها للجلوس على المقعد الامامي، الاّ انها رفضت قائلة قد يُساء تفسير ذلك عندنا و استسمحته مستأذنة بالجلوس في الخلف و انتظرت، و جلست في الخلف و هي تنظر الى قيافته العسكرية الجويّة بنجمتين على كتفه، بعد ان ابتسم بالموافقة . .
و على طول الطريق استمرا بالحديث معاً، و استطاع ان يكوّن صداقة و الفة بينهما، و عرف بانهم آثوريين من الخابور، و دخلوا في معارك مع الجندرمة الاتراك و مع انواع العصابات التي كانت ترعاها دول كبرى، و خسروا اباهم و اخوين، و بقيت الام و ابنتها من العائلة، و يسكن بالقرب منهم عمّهم الذي خسر ابناُ، و يعيش الآن مع عائلته قربهم . .
بعد ماقارب الساعة، دخلا الى منطقة الغدير شبه القاحلة و من منطقة مرتفعة من الشارع اطلّت السيارة على صفوف من البيوت البيضاء، مصفوفة و كأنها مخيم عسكري، و بعد الشارع الرئيسي دخلت السيارة الى طريق فرعي و اشارت الى بيتها المرقم 8 ، فاوقف سيارته و انزلت المرأة حوائجها و هي تلحّ عليه بتناول العشاء معهم و هو يعتذر و بالحاحها و وصولها الى " نبني صداقتنا بالخبز و الملح و الاّ فانت ترفض صداقتنا " ، نزل عند طلبها و حمل معها بعض الاغراض . .
و سلّم على الصبية الحلوة " الماس " التي عرف اسمها من امها، و عرف ان الام تدعى " ياسمين " و على الطعام اللذيذ و بعد انواع الاحاديث و استراقه النظر كلما سنحت الفرصة، الى الماس التي وجدها فرحة بوجوده رائحة غادية لخدمة المائدة . . شرب قدحاً صغيراً من الشراب الذي اتت به الام، بصحتهن !
و بلغة عالية التهذيب و بشعور من الخجل في مرّة من المرات القليلة في حياته . . اوضح لهما استعداده الكامل لمساعدتهما و في اية حاجة، و اعطى لهما ارقام تلفوناته للحالات الطارئة المستعدّ لها و هو الضابط و مكتبه في ديوان وزارة. اتفق مع الام في زياراتها الى سوق دانيال على الاوقات التي يكون هو فيها هناك، بشرط ان يخدمهم بسيارته مقابل عشاء المنزل اللذيذ عندهم في ذلك اليوم لإشتياقه لطعام المنزل لأنه يعيش عزّابي، فوافقتا بفرح على ذلك، خاصة و انه صار معروفاً لهم من عناوينه و من كونه يعود الى الوزير الفلاني و يعمل في ديوانه.
. . . .
. . . .
و من حي الغدير ذهب سعدون بسيارته الى بانسيون ماري، و التقى هناك بصديقه سعيد المصلوب الذي وجده غارقاً في حضن جوزة و استأذن منه للذهاب الى مائدة اخرى بانتظار ريتا التي وجدها بملابس تشبه المايو البكيني مرتدية عليها روب شفاف و هي تجالس ضابطاً بريطانياً كبيراً و كانا غارقين بالحديث و الضحك و يشربان من زجاجة ويسكي فاخر غالي الثمن و كانت الزجاجة شبه فارغة . . و بعد فترة قصيرة بدا ان الضابط البريطاني كان قد انهى ما جاء من اجله مع ريتا، او شاهدها و هي تتلصلص على سعدون مبتسمة و بعيدة عنه، و استاذن منها و ذهب . .
فقامت ريتا و ذهبت مسرعة الى سعدون مرحّبة به، و سعدون يحاول تقليد سعيد في لامبالاته من زوار جوزة. قال سعدون :
ـ ها شلونها الاموّرة . . يبيّن هسه القيادة البريطانية تزورك ؟؟
ضحكت ريتا ضحكة رنانة و هي تقول بهمس :
ـ يبيّن المطي سقط في غرامي . .
ـ شلون يعني ؟
ـ يعني اخذ المقسوم و يريد بعد، و لم اسمح له . . و بعد ان اخبرني بالقوات الضاربة الجديدة التي اتت من بريطانيا و كان يرافقها، قال انه يريد الزواج منيّ، او يرتبط بي بالشكل الذي يناسبني . .
ابدى سعدون عصبيّته قائلاً :
ـ يضحك عليك هذا الكلب، لاتصدّقيه !!
ـ ها غرِتْ ؟؟ و هي تبتسم من غيرته عليها . . بس انت ماتهتم بيّ، طبعاً آني هم ابحث عن نصيبي . .
فعانقها بقوة و هو يقول : الحق معك و سأتجاوز اخطائي و سنتكلم بالتفاصيل . .
ـ يعني صدك انت تحبني ؟؟ و الله من الآن لن آخذ منك فلوس عن كل مرّة، بس انتظر هداياك !
و سحبها من يدها و هو يربّت على مؤخرتها بلطف نحو غرفتها، و هي تحلّ رباط الروب . . بعد ان شعر بعمق نفسه انه ضامن ان الماس ستكون له وحده، الأمر الذي قوىّ عزيمته و رجولته !! (يتبع)

20 /10 / 2021 ، مهند البراك