تأملات فى الإنسان والإيمان وفكرة الإله


سامى لبيب
2021 / 10 / 19 - 19:22     

أعشق كتابة التأملات فهي تقدم وجبة فكرية تأملية فى سطور قليلة لتكون بمثابة إيجاز لأفكار وأبحاث عميقة جديرة بالإهتمام والجدل .. كتبت التأملات منذ صباي وحتى شيخوختى لأعتز بما كتبته دوماً ولأجد أنني أبحر فى التأملات القديمة لأعمقها وأدعمها وأري أنها جديرة بالنشر والجدال .
هذه تأملات كتبتها منذ عشرين سنه ونشرتها بإحدي المنتديات التي إختفت تحت وطأة الظلاميين الإسلاميين , وإن كنت أتمني حينها الرسو فى موقع الحوار المتمدن الذي تصورته حينها أنه صعب المنال ولكن هاأنا فيه الآن .
الإنسان البدئي بحث عن إشباع الجسد بالغذاء وعندما أدرك الألم واللذة بحث في حقيقة الحياة وحل إشكالية غموض وجوده ليبحث عن المصالحة مع الطبيعة وعدم التصادم معها , ولكن عندما تراكم الوعى والمعرفة بحث في مشاكسة هذا العالم ليقف نداً لها بالرغم أنه إنسلخ منه ليراجع كل إرثه وخيالاته .. فمن يمتلك الرغبة في المشاكسة فليتبعنا .


- الإيمان هو أن تقتنع بمقولة احدهم بأن عليك الوقوع في بئر لتناضل من أجل الخروج منه .. أن تبحث عن النار لتبتعد عنها ..أن تفتش عن فيروس مرض لتحتضنه وتجاهد للتخلص منه !

- الإنسان عبد لما يجهله , فإنسحق أمام الجهل والمجهول لتكون حياته نضال للتغلب على الجهل لينجح أحيانا في ذلك ولكن عندما يفشل يتغلب على فشله بخيالاته وأوهامه .. مشكلة الإنسان الديني أنه مازال يتبني فرضيات وخيالات إنسان قديم بالرغم أن علمه ينفي ويتجاوز ذلك .

- الإنسان كائن نفعي برجماتي دائم البحث عن غاية ومصلحة فلا يتقبل فكرة أو ينحاز لها ما لم تقدم له فائدة ومصلحة ومن هنا نشأت فكرة وجود إله ووجدت قبولاً , فالإله هو الحامي والستار من المصائب والمُنجي والمُبدد للمخاوف وهو الرازق والمغني ألخ , فلولا هذه المنافع المتوهمة ما ضيع الإنسان دقيقة من وقته في عبادة .. عندما ندرك ماهية الطبيعة والحياة وعندما نصنع منافعنا فلن نحتاج أن نعبد آلهة .

- دوافع الواهمين للتمسك بأوهامهم هي الفزع من المجهول والطمع في المجهول أيضا , لذلك هم لا يهتمون بالحُجة والبرهان عند انتقاد أفكارهم بقدر اهتمامهم بطلب البديل ! وكأن فُقدان الطريق الصحيح يُبرر السير في الطريق الخاطئ !

- علاقة البشر بالمعتقدات الدينية مقلوبة فهم يحمونها ويدافعون عنها بدلاً من أن يحتموا بها ذلك لأنهم ليسوا واثقين من رسوخ قواعدها وصلابة جدرانها .. يمكن تفسير سبب التشبث بالمعتقدات الدينية أنها هوية وإنتماء لجماعة بشرية معينة ومن هنا جاء التعصب والتناحر .

- الإنسان ينهج نظرية الأرجوحة دون أن يدري , فبماذا تفسر أهوال يوم القيامة وتوصيفات الجحيم وعذاب القبر وفي المقابل الجنه والنعيم ؟ لذة الحياة أو الوعى بها أن يوجد الألم بجوار اللذة حتى يتم إدراك معنى الراحة واللذة , فمتعة الأرجوحة أنها تصعد وتهبط وهذا ما يبغيه الإنسان فهو لا يريد الراحة فقط بل يريد شواهد للألم لتبقى هذه هي فلسفة ونهج الأديان لنؤاخذ علي هذا أن الراحة والألم المتوهم ليست موضوعي ولا حقيقي .

- إيمان البشر بالأديان والمعتقدات متهافت , فالعلم يقدم رؤية للحياة والوجود في نهجها المادي , فلماذا يؤمنون رغم تهافت المعتقدات بما تقدمه من سذاجة ؟ الأديان تخاطب وتداعب طفولية الإنسان النفسية , فالإنسان يتأرجح بين سلام حالته النفسية وإضطرابها ليركب الدين هذه الأرجوحة لتعطى للحياة معنى ولذة , لذا من الخطأ تفسير المعتقد أنه يمنح السكينة والهدوء لنفس وجلة ضائعة في عالم مادي لا تدركه ليكون المنح في متعة الأرجوحة .

- المؤمن لا يريد أن يؤمن بأزلية المنظومة الطبيعية ولكن لا تجد لديه مشكلة في قبول أزلية خالق واعي شخصي قرر في إحدى اللحظات خلق الكون من العدم .. طبعا هو يقبل أزلية الإله ليس من منطلق منطقي بل كمهرب من مواجهة نفس التحدي الذي يطرحه على الملحد .

- يتخلق الإيمان من العجز والمزج الشديد في التمييز بين المُجرد والمادي , فالفكر الخرافي يُشخصن المجرد ويعطي كل تخيل جسداً , فالشر له إله أو ملاك أو شيطان , والخير أيضا له إله , والحرب لها إله أو ملاك أو شيطان وهكذا تذوب بسذاجة كل الفواصل بين المجرد والواقعي .. هذا العجز عن التمييز يتحول عند المعاصرين في عصر العلم إلي هدف عقلي مقصود لذاته , فتجد مثلاً مقولة عقلية بسيطة حول الكل والجزء تتحول بفعل الفكر الخرافي إلي كائن مشخص واحد .

- نشأة الفكر الميتافزيقى جاء من عدم الفصل بين الحلم والواقع , فالإنسان في الأزمنة الأولى للإنسانية إعتقد انه اكتشف عوالم في حلمه ليتصور أنها حقيقة ذات وجود , فلولا الحلم لما وجد الناس أدنى سبب لتقسيم العالم إلى قسمين ..إن انفصال الروح والجسد يرتبط كذلك بأقدم تصور للحلم مثل فرضية صورة جسدية للروح كما يرتبط به إجمالاً أصل كل اعتقاد في الأرواح وحتى أصل الإيمان بالآلهة , ليتصور أن الميت يظل حياً لأنه يظهر في الحلم ومن هذا الإستدلال الذي ساد في البدايات تخلقت الآلهة وتحقق الحلم ولتجد هذه التصورات الذهنية الخيالية أو إنتاجية العقل الباطن أرضية ووجود واستحقاقات .

- نحن نؤمن لأننا لا نعلم ولا نجزم برمية الزهر القادمة ومن هنا خلقنا من يعلم بتلك الرمية .. لا نريد أن نعترف بأن رمية الزهر التي هي حياتنا الطبيعية العدمية العشوائية خاضعة لظروفها المادية المحضة وليست ذات عناية وإهتمام وترتيب , ومن هنا نتوجس من اللحظة القادمة المتمثلة فى رمية زهر مجهولة لا ندركها لتشكل لنا علامة استفهام كبيرة تهز استقرارنا وتوازننا النفسي فنحن أمام المجهول المتمثل فى الزمن القادم حاملاً معه الغموض والقلق والخوف لنخلق فكرة الإله القادر أن يرتب ويعبر بنا اللحظة القادمة فلا نتصادم مع عشوائية وفوضى الحياة .

- فرضية الإله ككائن أعلي مطلق أي منفصل وخارق ولكنه يحتاج للجميع ليعبدوه ويقدسوه بينما لا يحتاجه الجميع , فلا مفر لفكرة الإله إما أن تتوحد مع الطبيعة وإما أن تتوحد مع الإنسان فمقولة أن الإله لا يحتاج ولا يعتمد علي أحد هي من أكبر المقولات زيفاً في التاريخ .

- إنفصلت فكرة الله عن الطبيعة فكيف تحولت الطبيعة من الأصل إلي الصورة الزائفة وكيف استطاع هذا الكائن الخيالي أن يسلب الطبيعة كل فعالياتها لدرجة أن المؤمنين به يدعون أنه هو الذي يغذينا بدلاً من الطعام وأن كلمته هي التي تحفظنا وترعانا وتعمل علي نمونا .. هذا يقودنا إلى أن الإنسان هو من أبدع فكرة الإله وأن في عمقها أنه إله نفسه .

- الإيمان هو الخوف من لحظة مستقبلية تحمل الألم , ولولا الألم ماخلقنا آلهة ولا أوليناها أي إهتمام .. من رحم الوعى المشوش عن الألم جاءت كل الخرافة .

- الله فكرة خيالية فى رؤوس البشر لقوى تتحكم فى وجودهم وما كان لهذه الفكرة أن تتواجد في عدم وجود غايات وصراعات فهي إسقاط وأدلجة الصراع البشرى وتقنين العلاقة بين السيد والعبد .. الملك والرعية .. الحاكم والمحكومين من خلال فكرة إله يؤدلج الهيمنة والسيطرة ويرسخها وينزع عنها قوى المقاومة .

- شئ غريب وساذج في الإيمان الديني فهم يجهلون ذات الله وكينونته وماهيته ورغماً عن ذلك لديهم يقين به ومتحمسون لعبادته مع عدم وجود أى دليل ملموس يدفعهم للإيمان به أو بغيبياته , لتجد البجاحة بقولهم وهل تريد أن تراه وتشاهد ملائكته وجنته وعفاريته فما قيمتك لتطلب هذا , فأنت عبد ثم عظمة الإيمان أن تصدق وتمرر وتعتمد بدون أن ترى" طوبى لمن آمن ولم يرى " وقمة الإيمان أن تصرخ بأعلى صوتك كالببغاء بكل ما مررته .

- المعتقدات الدينية تمنح القيمة لسلوك الإنسان على حساب وجوده , فالمعتقدات تقول: إن سلوك الإنسان هو الأساس, وأن وجود الإنسان لا قيمة مستقلة له بمعنى أن وجود الإنسان هو مجرد وسيلة لأداء دور محدد بالسلوك الصحيح المنوط به لأداء هذا الدور كسلوك محدد مسبقًا وبتوجيه من الخارج ! رؤية المعتقدات لوجود الإنسان تتراوح بين منح ونزع القيمة عن وجود الإنسان , وبين منح ونزع حق الإنسان في الوجود بحسب سلوكه- أداءاً أو امتناعًا !

- نحن نرفض مبدأ الغاية تبرر الوسيلة كفكر برجماتي إنتهازي ولكن الفكر الديني الإيماني ينحو نحو مبدأ غريب ومقلوب فلديه الوسيلة هي التي تُبرر الغاية !

- الإيمان بالله يتم بمنطق مقلوب ودائري , فعندما تسأل من هو الله , فسيقولون لك أنه الخالق وبالرغم أنها إجابة خاطئة فهي تتعاطي مع صفة أو مهنة ولا تُعرف ذات وكينونة ولكنك ستجد البؤس المنطقي عندما تسأل ومن قال لك أنه الخالق فهل شاهدت الحدث فسيقول لك لأن كتبه المقدسة ذكرت أنه الخالق .. وهنا سيلح عليك سؤال من قال أن هذه الكتب من الله ..حينها سيقول لك لأنه قال أن هذه كتبه ! .. يا أخي هذا منطق دائري متهافت وساذج لم يفلح فى إثبات وجود الإله !!

- لو قالوا لنا أن العلاقة بيننا وبين الله هي علاقة سفروتية ما فهمنا ماذا يعنون ولكن لو قالوا لنا أن العلاقة هي عبودية لفهمنا ..ومن هنا نسأل هل هم إستعاروا معنى العبودية من الواقع وأسقطوه على فكرة الإله أم أن الإله هو من له هذه الهيئة ونحن من إستعرنا منه مشهده , فخلق لنا النظام العبودى ليكون لنا مثال لنفهم من خلاله العبودية ونحتذى بها !! .. ولكن مشهد العبودية للسادة على الأرض هو الذي نراه ونتعاطى معه ولم نشهد مشهد الإله السيد !! .. نحن من رأينا الملك جالس على كرسيه يحمله ثمانية من العبيد الأشداء ولم نشهد الإله الجالس على عرشه يحمله ثمانية من الملائكة الأشداء بل هم قالوا لنا .. فمن إستعار المشهد مِن مَن ؟!

- هناك مقامرة كبرى لا يفطن لها المقامر .. فوسط مئات الأديان والمذاهب والفرق الإيمانية يوجد دين ومذهب وفرقة واحدة هي التى تتبع الإيمان الصحيح التى إعتمدته مؤسسة الرئاسة الإلهية .. فأليست مقامرة أن تلعب هذا الدور أم هو حظك كلعبة الروليت أم للدقة هو حظك من الجغرافيا والتاريخ .. المصيبة أن المقامر لن تكون له فرصة أخرى للتعويض فاللعبة هي لعبة الموت والذي يديرها حكيم عليم عادل ! وبالمناسبة أطرح سؤالي الذي أنتج كل أفكاري وتأملاتي منذ البدء : فما ذنب من ولد فى بيئة تعتنق الدين الخطأ وما ذنب من ولدوا قبل هذا الدين ؟!

- الإيمان وجد حضوراً لعزفه على نغمة العنصرية والتمايز والفوقية فلتنظر إلى هذا المثال الفج من سفر المكابين الثاني (15-34) و نصه : إن إسرائيل- أي يعقوب يسأل إلهه لماذا خلقت خلقا سوى شعبك المختار ؟ فقال له لتركبوا ظهورهم و تمتصوا دمائهم و تحرقوا أخضرهم و تلوثوا طاهرهم و تهدموا عامرهم ! فها فهمنا الآن من أين تأتي العنصرية والصهيونية .

- تجد أن هناك شعوب كثيرة تؤمن بإله في السماء يتفقون على سماته وصفاته وقدراته ورغما عن ذلك ستجد من يُكفر إيمان الآخر أو يعتبره ضال كونه لا يؤمن بنفس النسخة التي في ذهنه وهذا ليس لتعصب غبي يعتريه فحسب , فالتعصب لا يكون لفكرة لأن الفكرة تعبر عن حاجة بل لهوية وإنتماء لجماعة بشرية لها إرادة ومصالح كما هى فرصة رائعة لخلق التمايز والعنف والتلذذ بممارساته فكراً واحساس وقولا وفعلا .

- المؤمنون يمتلكون إزدواجية عقلية ومنطقية غريبة فتجده يؤمن بمن يقوم من الموت ولكن يستصعب قبول من يتجول في الفضاء راكبا ً بغلته .. هى القدرة على غلق منافذ العقل حينا ً وفتحها حينا ً أخرى حسب حالة مزاجية تستمد وجودها من هوية إجتماعية جعلت خرافاتنا مقبولة وخرافات الآخرين سخيفة وغبية ..هي المعجزة فى عيوننا وأوهامنا

- مشكلة الإنسان الذى يرضخ وينبطح أمام التراث الديني أنه يستقبل رؤية ومفاهيم وخيالات إنسان قديم ليسجد أمامها مانحاً إياها القداسة ..هو يحافظ على الفكرة وقد يعطيها ملامح وهالات لم يقصدها صاحبها فالحجاب مثلا ليس للعفة وفضيلة ففى نشأته هو تمييز عنصري بين الأَمة والحرة ..والختان أصبح طهارة من النجاسة بينما هو علامة تمييزية عنصرية لشعب عن آخر .

- يؤمنون ويوقنون بالبعث والخلود بعد الموت ولا يستطيع أحد أمام ضخامة وميديا هذه الفكرة تقديم دليل ثبوتي واحد لذا تعتبر كل المعتقدات التى تسوق تلك الفكرة أنها من الغيبيات بل من أساسيات الإيمان فتساويها بالإيمان بالإله , فمن آمن بالإله ورفض الإعتقاد بوجود عالم آخروي فقد خرج من الإيمان .

- هل الإيمان بعالم أخروى مفيد للإنسان على مستواه الإنساني والفكري والسلوكي أم أن الإيمان بأفكار ميتافزيقية تنال من الإنسان وتهدر قيم راقية فيه ليبدلها بسلوكيات سلبية يبدد فيها حياته .. العالم الآخر ياله من عالم ساحر فنتازي يجد حضور غريب فى أذهان البشر المؤمنين فلا يفرق عالم من جاهل , غنى من فقير , سيد من عبد , ملك وإمبراطور من شحاذ أو مهمش, فالكل يحلق في آفاق الفكرة ويعتقد بها كحقيقة بالرغم أنها لا تمتلك أي ذرة حقيقة .

- تصنيف وتوصيف الإيمان بالعالم الآخر أنه من الغيبيات هو تحصين لهذه الفكرة الفنتازية من الفحص والنقد والشك فهكذا الإيمان أن تصدق ولا ترى ولا تناقش أو تعترض بل إحتفظ بها هكذا تكون مؤمناً .. تناولت استحالة فكرة البعث فى مقال سابق ولابأس أن نذكرها ثانية فلو أن الحياة على الأرض تحتوى على مليون جزئ مثلا ومنها جاءت كل تمظهرات الحياة فإن وجودى هو عبارة عن مجموعة جزيئات قليلة من المليون جزئ ما يلبث أن أموت لتتحلل هذه الجزيئات وتدخل فى تكوين بنائى لكيان حى آخر وتتكرر ملايين من دورات الحياة لتنتقل جزيئاتي من كائن لآخر وتدخل فى تكوينه الحيوي ليعتريه الموت وتنقل إلى كيان آخر أي ببساطة شديدة نحن نستعير جزيئات من الحياة ثم نردها ثانية .. نحن جميعا نذوب ونتحلل في الطبيعة ليمارس جزئ الحياة حركته من إنسان لآخر أو حيوان أو نبات فى سلسلة لم تنتهى بعد ... أي لا توجد جزيئات خاصة بي لأبعث فيها وهذا يثبت إستحالة فكرة البعث والتجميع .

- مشكلتنا فى فهم الوجود أننا نتبع نفس نهج النظرية القديمة التي كانت تفسر الرؤية بأنها نتاج سقوط شعاع من العين على الجسم فتراه , بينما الحقيقة أن الضوء يسقط على الجسم فينعكس الشعاع على أعيننا .. هكذا الأفكار والمعتقدات والرؤى هي نتاج سقوط واقع مادي على عقولنا فينتج الأفكار .. هذه نظرية حقيقية يمكن إثباتها على أي فكرة بتتبع الظرف الموضوعي الذى خلقها بل هى جدلية الحياة .

- منذ بداية الوجود الإنساني وحتى الآن لم تخرج الحياة عن الصراع ومهما تعقدت أشكال الصراع لتصل للحروب فلن تخرج عن مضمون الصراع و رغبة البعض في أن ينالوا خبز أكثر من الآخرين ليتولد لديهم لذة ف اإإستحواذ وتزداد سعادتهم فى أن ينفردوا ويسودوا ويتمايزوا , ويزداد سعار اللذة المجنونة في أن نحرم الآخرين من اللقمة لنحس بتميزنا .. تكون المعتقدات والأديان غطاء ايدلوجي لرغبات بشعة فى التمايز والإستحواذ .

- خطورة الأديان أنها تلهي عن الصراعات الحقيقية لتغرق أتباعها في صراعات وهمية تلهيهم عن الصراع وقضاياهم الحقيقية كالإيهام بوجود مؤامرات للشيطان والحضور القوي للجن والعفاريت إلى وهم الصراع مع أصحاب العقائد الأخري .

- الخطية هراء .. فهي سبيل البعض للهيمنة والسيادة وفق مصالحهم وتحقيق التمايز والتوازن كما تراه فلا تجد سبيلاً سوى خلق فوبيا في الإنسان لتتلاعب علي خوفه وقلقه .. إياك تتصور أن الإنسان يحرم نفسه من الطعام ليرضى إلهه أو يمتنع عن الممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج خوفا من عقابه فلو تأملت قليلا عن جدوى هذا الإله الذي يأمل فى بطون خالية فى شهر من السنه أو يجعله يغضب وينتفض من ممارسة جنسية حرة لا تختلف شيئا عن نظيرتها فى مؤسسة الزواج فلن تجد أى معنى مغاير .. يكون الصيام لترويض المؤمن على الإنصياع للمقدس فحسب كما يكون اللإمتناع عن العلاقات الجنسية لرغبة أصحاب الأملاك فى الحفاظ على ممتلكاتهم من التبدد بإختلاط الأنساب.

- هناك فكرة عبقرية فطرية أدركها الإنسان أن اللذة تأتى من الألم والحرمان ليأتي الصيام عن الطعام والعزوف عن الجنس لإعطاء نكهة وشهوة ولذة رائعة إضافية لهما بالتمتع بعد إمتناع وحرمان.. لقد تعلمنا شئ غريب أن نحتفى بإيفاء حاجتنا الطبيعية .

- تحدي لفكرة الإله , فبأي من الغيبيات نؤمن؟ وكيف نفرق بين صحيح الغيبيات وما بين الأوهام التي يخترعها بعض الدجالون دون دليل , هل شرط الإيمان أن نكون سُذج لنصدق ما يأتينا من الغيبيات دون أي دليل ملموس لنعيش في عالم الأوهام .

- من العبث أن تخرج بنتيجة مع إنسان مصاب بالإعتقاد لأنك تخاطب الوهم وتطلب منه أن يُصبح حقيقة .. الإعتقاد لم يدخل العقل بطريقة منطقية وعقلية فلن يخرج بهما .

- الحقيقة هي أن العقلية القبلية والعشائرية والعرقية وثقافة تقديس الماضي وعبادة رموزه والتستر على أخطاءه الفادحة وما صاحبها من جرائم فكرية وإنسانية لا نزال ندفع أثمانها .. هذه المعطيات هي أسباب مآساتنا وواقعنا المرير, وليست الحكومات والحكام , فلو أن حاكماً تنازل عن منصبه فإن حزباً دينياً أو فرداً من طائفة أو من قبيلة أخرى سيحل محله ويُعظّم عشيرته أو يُقدّس مذهبه وطائفته , وهي بدورها تخلّده وتجد لأخطائه الأعذار, ولن يتغير حال المجتمع والفرد وستذهب أوهامهم أدراج الرياح !

- ختاما أقدم هذا التوقف :
أقدم توقفات ومحطات فى حياتي الفكرية قابلة للتأمل والنقاش فهى تغوص فيما هو ثابت من أفكار ورؤى لأرى فى نهاية المطاف أننا نعيش فى أوهام نسجناها من زاوية رؤيتنا وأهوائنا وحالتنا النفسية ..فلنبدأ من فكرة أن المادة والوجود المادي سابق لوعينا بل الوجود المادي هو الذى يشكل كل مفردات وعينا , فوعينا هو مرآة لما نرصده من وجود مادي ومدى تأثرنا وإنطباعاتنا من هذا الوجود .
هذه الرؤية هى حقيقة لا يستطيع أحد أن يتشكك فيها فنحن يستحيل أن نكون وعيَ عن شئ بدون صورة له في الوجود وما أفكارنا وإبداعنا وإختراعاتنا إلا تركيب لصور مادية , وما خيالنا وأحلامنا وصورنا الفنتازية إلا تركيب لصور مادية بشكل متحرر فى الأحيان من المنطق والعقلانية فلا توجد صورة حتي ولو خيالية إلا من مفردات الوجود المادي .
على هذا الأساس تكون أى فكرة فى الدماغ هى تركيبات معقدة من صور مادية فى الطبيعة ولا تستثنى أى فكرة من هذا الإنتاج , وعليه تكون فكرة الآلهة والأديان والمعتقدات وحتى الأيدلوجيات هي إنعكاس الواقع المادي الموضوعي على الدماغ ومن هنا من يريد البحث عن تشكل فكرة معينة أن يرصد الظروف المادية التى أنتجتها.
من الأهمية بمكان عدم منح أى فكرة الحقيقة بالرغم أن منتجاتها ظروف مادية , فالوعى هنا هو عملية تركيب وصياغة للصور التي تسقط على مرآة الوعى وأن تلك الصياغة للصور تتوقف على زاوية رؤيتنا الخاصة ومعارفنا ونفسيتنا وهذه الجوانب خاضغة لحالة كيميائية بيولوجية متفردة .
من منطلق المادة سابقة على الوعى نصل إلى أن كل أفكارنا وهمية ومن إختلاقنا وليس لها وجود بالرغم أن مفرداتها هى من ظروف مادية بحته لأشبه ذلك بصورة الحصان المجنح فى الفلكلور الاسطوري القديم فتركيبة صورة الحصان المجنح جاءت من صورة حصان ليركب عليها بشكل خيالي فنتازي أجنحة لطائر , فالحصان والأجنحة تكوينات مادية وما لم تكون تلك الصور موجودة ما تكون فكرة الحصان المجنح .
من هذا المنطلق ندرك أن كل الأفكار كالآلهة والمعتقدات وحتى الأيدلوجيات هى نتاج تركيبات لصور وظروف مادية موضوعية سواء تم تركيبها وصياغتها بصورة منطقية أم لا , ومن هذا المنطلق أيضا نتوقف أمام وهم الحرية والإرادة فلا وجود لتلك الرؤية المثالية عن الحرية والمشيئة , فالأمور لا تزيد عن حركة نقطة متأثرة بظروف مادية بحتة وعديدة ليكون محصلة هذه القوى مظهر لقوة معينة , ليترائى لوعينا أن هذا القرار والإختيار هو حريتنا بينما الأمور لا تزيد عن مادة أدركت ذاتها أى إدراك محصلة ظروف مادية فيزيائية بيلوجية .
من هنا يكون من الغباء والقسوة والإجحاف ممارسة ذلك الناموس الشائع بمعاقبة المخطئين , فسلوكهم هو نتاج ظروف مادية بحتة من بيئية وإجتماعية وثقافية وجينية ليكون البديل عن العقاب هو زرعهم فى ظروف مادية مغايرة من بيئة ومجتمع وثقافة بديلة ولكن ماذا نفعل في الجينات وكيمياء الجسد .. هذه هي المعضلة .

- دمتم بخير .
فلنستفيق .