بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية. لنتطرق إلى شيء من معاناتها وواقعها.


احمد عبد الستار
2021 / 10 / 18 - 19:32     

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية.
لنتطرق إلى شيء من معاناتها وواقعها.
أحمد عبد الستار

تقول وثائق الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنها قد حددتْ يوم الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، يوماً عالمياً للمرأة الريفية، بموجب قرارها 136/62 المؤرخ في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2007، وذلك احتفاءً منها" بما تضطلع به النساء الريفيات، بمن فيهن نساء الشعوب الأصلية، من دور وإسهام حاسمين في تعزيز التنمية الزراعية والريفية وتحسين مستوى الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الأرياف".
هذا الاحتفاء الكريم بالمرأة الريفية كمرأة عاملة، ودورها الكبير في دعم ورعاية الحياة الأسرية في الريف مهما كان سامياً، يبقى قاصراً عما تستحقه من إشادة وتسليط ضوء أضافي، لما تبذله من جهد استثنائي في الحقل والمنزل، دون أجور وأحيانا كثيرة باستغلال مقصود، يجردها من حقوقها البسيطة ويجعل منها وسيلة عمل لا غير.
ولو قارنّا بما تشرحه نظرية فائض القيمة، وديالكتيك العمل ورأس المال لكارل ماركس، وبرهانها الذي لا يقبل الجدل، بأن عمل العمال منقوص الأجر، يقوم الرأسمالي باقتطاعه كأرباح تتراكم على أساسها ثروته ضمن آلية عمل الرأسمالية كنظام يقوم على الاستغلال، إضافة إلى التمييز بأجور المرأة العاملة وعمل الأطفال. نجد إن عمل المرأة في الريف، بدون أي أجر مُشدد وساعاته مديدة، بالتوازي مع عمل العاملات في الحواضر والمراكز الصناعية.
المرأة الريفية وفي واحدة من معاني الظلم الذي يلحقها، قلة الاهتمام بشؤون حياتها على جميع الأصعدة الاجتماعية والمستويات الاعلامية، أو انعدامه أحياناً كثيرة. فأن الاهتمام بالمرأة ماثل أمامنا بالمدن، والتجمعات الحضرية بمختلف أسبابها، رغم زهد هذا الاهتمام وطبيعته، الذي لا يعني بالمحصلة النهائية، سوى اهتمام شكلي وخدمةً لأهداف دعائية.
يعود هذا الحيف بحق المرأة الريفية، إلى عصور موغلة بالقدم. في العصر الذي دشن تجريد المرأة فيه من الملكية وألحاقها، ضمن ممتلكات الرجل عندما بدأ عصر الزراعة وامتلاك الحقول والمراعي والحاجة إلى أيدي عاملة تعمل بالسخرة، هيّ وأطفالها.
رافق ذلك بناء منظومة فوقية، لتبرير هذه السيطرة وترسيخها، مثل الحقوق القانونية والأعراف والتشريعات الدينية والتقاليد العامة، تعمل بثبات منذ ذلك الحين كإطار اجتماعي لتقييد المرأة وتجعل منها مرهونة لمتطلبات أعمال الحقل حصراً، وتحديد إرادتها. بل أبعد من ذلك كثيراً، في مناطق واسعة من العالم خصوصاً في قارتي أفريقيا وآسيا التي يبلغ عدد سكان أريافها بما يزيد عن المليارين ونصف المليار نسمة وتطعم المرأة العاملة في هذه الأرياف، 80% من السكان وتنتج يديها كل الغلة الزراعية بدون أن تعود عليها جهودها بأي أجر كان، ليتأنث الفقر وتترسخ المعادلة القائلة بأن ثلثي فقراء العالم نساء.
منعتها القوانين الحقوقية والأعراف الاجتماعية المتخلفة من التعليم والرعاية الصحية الخاصة بالنساء، وحق الميراث واختيار الشريك، وتزويجهن بعمر الطفولة، وتشويه أعضائهن التناسلية، وتعرضها للعنف الممنهج والمسكوت عنه، مثلما كانت لوقت قريب عادة إحراق المرأة وهي حية مع زوجها المتوفى في أرياف الهند.
وعند غياب الزوج لمختلف الأسباب تضطلع المرأة في الريف في دور إضافي حيث تؤدي مهمة الرجل في تسويق المحاصيل، وتأمين متطلبات الأرض والدواجن فضلاً عن رعاية الأسرة وضمان معيشتها. وهذا الأمر ليس غريباً على المرأة الريفية، فقد عُدت لهذه الوظيفة منذ آلاف السنين، للعمل بين اثني عشر ساعة إلى ستة عشر ساعة في اليوم واعتبار عملها في الحقل امتداداً لواجباتها المنزلية، وهنا تستوجب الإشارة إلى إن جميع النساء في الريف، بمختلف أعمارهنّ يقع عليهن عبأ هذا النمط من العمل المضني مرتين، قياساً إلى نسبة النساء في المناطق الحضرية التي تنحصر معاناتها داخل المنزل، ونسبة من تجمع منهن بين العمل في الوظائف خارج المنزل، والأعمال المنزلية، أقل بكثير من جمهور المرأة الريفية الطاغي.
لم يحصل تغيير في واقع المرأة الريفية حتى الزمن الراهن، رغم ما شهده العالم من تغييرات وتطورات في الكثير من المستويات الاجتماعية والتقنية، بل ظل كدحها الأزلي وغياب حقوقها يُعاد إنتاجه ليبقى متوطن ومزمن ومقبول.
حرصت الرأسمالية بكل ما أتيح لها من وسائل، للحفاظ على التقاليد السالبة لحقوق المرأة وإرادتها، في مجتمعات البلدان المتخلفة، التابعة انظمتها لفلك الرأسمالية العالمي، كي تحافظ على مصدر الأرباح الوفيرة من عمل المرأة الريفية المجاني، وتغرس حتى في أذهان المهاجرين للغرب من هذه البلدان هذا التفاوت الحضاري، بالنظرة الدونية للمرأة بدواعي ما أطلق عليه "بالنسبية الثقافية" كي توطن الفوارق وتجعل منها أبدية، وتستغلها لجني الفوائد المالية.
من أجل تمكين المرأة، كما تدعي لوائح وتقارير الأمم المتحدة وغيرها من منظمات وجمعيات، ومن أجل أن يكون هذا الزعم فعلياً، لا يجب أن يظهر الشجب لمعاناة المرأة الريفية، بمظهر خجول ومتردد من فقدان سيطرة الرجل لملكيته وبالتالي فقدان نظام الملكية القائم، بل يجب تشخيص أسباب هذا الخلل وتسميته بلا مواربة أو تردد.
لا يمكن الحديث عن تمكين المرأة الريفية ونيل حقوقها الإنسانية كاملةً، إلا باجتثاث مصدرها. الذي بدأ تاريخياً منذ ظهور الملكية الخاصة، كما يقول فريديرك إنجلز" إن العلاقة بين الرجل والمرأة تحوّلت إلى علاقة سيطرة لمصلحة الرجل، مع تطوّر تقسيم العمل ووقوع الملكية الخاصّة التي تنتج القيم في يده..."
وعليه ولكي تتمكن المرأة وتستعيد علاقاتها الاجتماعية، ما قبل ظهور الملكية الخاصة، يجب إنهاء هذا النظام القائم على هذا النمط من الملكية الذي لا يعود على البشرية والمرأة الريفية، والانتقال إلى عالم بلا عبودية وتبعية وفقر.