عقلانيّة التعليم كمضاد للتطرف والإرهاب


حسن مدن
2021 / 10 / 18 - 11:53     

ليس عبثاً الحديث عن ضرورة إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم في بلداننا العربية، في ضوء غلواء التطرف والتعصب اللذين يستحوذان على أذهان أعداد ليست بالقليلة من الشبان العرب، الذين قذفت بهم تيارات الإسلام السياسي في نسخه المختلفة إلى أتون التهلكة .
ليست مناهج التعليم وحدها هي المسؤولة عن ذلك، كي نكون منصفين، فالتطرف ظاهرة مركّبة تتشابك عوامل مختلفة في استفحالها واستشراء نفوذها، لكن اليقين أن مناهج التعليم تلعب دوراً فارقاً في الحالين: إما تهيئة الشباب لتقبل الأفكار التكفيرية الناقمة على العصر والمجتمع، لا على السلطات وحدها، وإما تحصين أذهانهم بوجه الترهات التي تبثها التنظيمات المتطرفة والتي تتخذ من العنف والتكفير منهجين لها .
في ثقافتنا العربية الإسلامية تراث حافل بقيم العقلانية والتسامح والانفتاح على الآخر، وسبق أن تساءلنا هنا لو أن تراث رواد النهضة العربية الموءودة، وجميعهم آتون من تأسيس ديني وفقهي مكين ومتين، وجدت لها مكاناً في مناهجنا التعليمية والتربوية، وفي التكوين الثقافي للناشئة أما كانت أحوالنا أفضل؟
على صلة بهذا، علينا السؤال عن المساحة التي يحتلها تدريس مادة مثل الفلسفة في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ولو سعينا للإجابة نلاحظ أن هذه المادة بالذات تكاد تكون مغيبة، لا بل منبوذة، وفي الكثير من البلدان جرى استبعادها من مقررات ما قبل الجامعة، وإن وجدت ضمن مقررات الجامعة فيتم النظر إليها على أنها مادة ثانوية وغير ضرورية، وقليلة هي الجامعات العربية التي تخصص أقساماً خاصة بها .
ثمة حاجة للتوضيح أننا حين نتحدث عن أهمية هذه المادة، كونها تربي مهارات التفكير العقلاني عند الشباب، وتوسّع من أفقهم، فإننا ندرك أنها مادة معقّدة، وربما تبدو ثقيلة الدم، في أعين الكثيرين، بالنظر لتعميم نظرة الازدراء لها، وبالتالي فليس المطلوب حشو أذهان التلاميذ والطلبة بمقولات فلسفية جامدة أو صماء، فلا يجدون سبيلاً لرؤية تجلياتها في الواقع، وإنما المطلوب هو انفتاح المقررات الدراسية الأخرى في التاريخ والاقتصاد والقانون وعلمي الاجتماع والنفس على الفلسفة، فذلك ييسر للدارس متابعة الجديد المعرفي في عالم اليوم، ويحقق في الآن ذاته دخول الفلسفة الى المنظومة التعليمية والتربوية، وعبرها إلى الحياة، أي إلى نمط التفكير .
مهمة مثل هذه تشترط أن يكون القائمون على التعليم، هم أنفسهم عقلانيين.