ثورةً -- 1917 -- كانت بلشفية لكنها تحورت لاحقاً


عصام محمد جميل مروة
2021 / 10 / 17 - 17:11     

يعود البحث التاريخي الذي غير وجه الامبراطورية الروسية وجعلها في مصافٍ كالدول الحديثة بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 وتتالى نتائجها المفجعة . بعد ما بدأت الثورة الحمراء التي كان جوهر ولُدن حِراكها يتم في فعالية وزخم وقوة ونفوذ الفلاحين والعمال والمزارعين والطبقة المسحوقة التي عاشت وذاقت الأمرين نتيجة حكم الأباطرة والقياصرة الروس . وجعل الفارق الشاسع والواسع ما بين طبقات المجتمع حيثُ كان الفقراء يعملون خُداماً لأزلام المرتزقة من العصابات الحاكمة المنتشرة في شرق اوروبا ، ومثيلتها ونظيرتها في اوروبا الغربية ، المتمثلة في دول صناعية ضخمة . واصبح الجميع بعد الحرب المدوية التي اخدت تداعياتها المدرجة إبان فترة العقدين الاولين من القرن العشرين ، بعد ما سادت لغة جديدة ولهجة فارضةً في تغييرها سوف تطال كافة المجتمعات في وسط وقلب اوروبا . لكن عوارض الثورات ونمط تفاعلها الشعبي والسلطوي كان يتنقل سريعاً من بلد الى أخر .
وإن لم نقل او نحدد إن الثورة الفرنسية الكبرى التي ساهمت في ايصال الفكر "" الفلسفي وإعتناقهِ "" كمخلصٍ نهائي لفك ""نيّر العبودية عن رقاب الطبقات المعدومة "" في كل مكان من هذا العالم . طبعاً هناك عوامل مهمة تكبدتها الشعوب لكي تخرج من محنتها وازماتها الأقتصادية الفارقة والغارقة في حفر عميق ما بين" الفلاحين -والاقطاعيين " من جهة ، وهم قلة جداً في المجتمعات مالكى الدوقيات المقتطعة والمقسمة في ما بينهم ، كما كانت الفئات المسحوقة ، وهي الاكثرية تحتوى وتضم اغلبية من المشردين الذين يعملون مقابل أجر زهيد ، وقليل لسد رمق عائلاتهم المرتمية تحت " اقدام ونعال اشباه حماة الحكام" من بقايا القياصرة العالية في " شأنها الأرستقراطي المقيت " ، وتعاملها مع الاباطرة والمالكة لكل المساحات والاراضي الخصبة الغارقة تحت حراسة جحافل الرأسمالية في بطشها البشع . منذ بداية ثورة اكتوبر الشعبية في اكثريتها اصبحت التسميات قبل وبعد تاريخ اكتوبر وثورتها الشهيرة 1917 حيث برزت الافكار الماركسية اللينينية ،
وصارت ربما سبباً جوهرياً في فتح كوة في جدار التاريخ الاحمر بغية حصار إستغلال وإستعباد غلو الاقطاع حسب "" نظرية كارل ماركس وفريدريك انغليز "" ، من خلال كتاب رأس المال . واصبحت الثورة منارة في مسيرتها قد تطورت وبانت حيثياتها الناتجة عن نزاعها وصراعها الطبقي مع مالكى الاراضي ، ومع الفلاحين والمزارعين والأيادي العاملة التى تتمسك "" بالمناجل والمطارق "" معتمدة على زنودها وسواعدها . كان العمال زُهاد فقراء ليس على اجسادهم سوى اسمال من بقايا اثواب الفقر المزمنة ، يعملون ويستخدمهم الاقطاع في اراضيه كعبيد ويطبق عليهم ""نظام القنانة الفظيع حيث يتم تحديد فترات ومواسم سكنهم في اكواخ حقيرة لا تصلح حتى زريبة للحيوانات"" !؟.
نعم انه شهر اكتوبر من كل عام بعدما وصلت الثورة الشعبية في مراحلها المتتالية حققت بعضاً من آمال الطبقات المسحوقة . وكانت الاحتفالات تعم كل دول تلك المنطقة التي إتخذت شعار المنجل والمطرقة كهدف اساسي في إرساء تطبيق الاشتراكية الناتجة عن نضال العمال والفلاحين وغيرهم من الفقراء والمعدومين الذين ليس لديهم سوى ابدانهم لكى يعتاشوا من اجل حياة حرة وكريمة تقود الشعوب الى العيش الكريم والتطلع الى المستقبل . طبعاً كان الانتشار السريع بعد عقود من نجاح"" ثورة البلاشفة وهم الاكثرية القصوى في روسيا والاتحاد السوفياتي لاحقاً "" ، وصولاً الى خارج اوروبا . كانت الاحتفالات في ساحات موسكو وميادينها تتميز في رفع الاعلام الحمراء التي كانت تلهب حماسة الطبقة الفقيرة والمعدومة . كان التنظيم مهماً يضم في الاحتفالات كافة الجهات المهمة والشابة منها بلا تمييز ما بين شاب او صبية وما بين طبيب او ممرض وما بين جنديُ او ضابط ،وكنا نشاهد مرور العشرات من الألاف من جماهير موسكو وضواحيها يخرجون في ذِكرى انتصار الثورة كتعبير عن مد جسور الصداقة مع بقية دول الاتحاد السوفياتي الذي رسم درباً طليعياً اثناءها لكى يتم تصدير الثورة الحمراء خارج جدار اوروبا . لماذا غابت الاحتفالات في ما يعني الثورة ودربها الاحمر ؟ كان السؤال ثقيلاً جداً في ما يخص النكوص والاحباط المثير حول مسيرة الاتحاد السوفياتي الذي ربما ذهبت امكانيات القيادة في تنافسها مع ما سُمىّ التسابق مع الخصوم لكي يتمكن الاتحاد السوفياتي في عقود متراتبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث برزت علنًا عملية السباق في التسلّح مما ادى الى ضياع صيغة الثورة البلشفية الحمراء التي كان السبب الاساسي في إندلاعها هو رفض الاستغلال للشعب الروسي وخصوصا الطبقات الفقيرة . نتذكر اليوم ايام ظهور التلفزيون في العالم وكانت الشاشات الفضية حينها تبث المسيرات الشعبية الحمراء احتفالاً في انتصارها على الامبريالية العالمية التي تحميها الدول الغنية والصناعية التي تستغل حكمها انطلاقاً من صناعاتها المثيرة للجدل في إنتاج سلاح فتاك وقاتل وعابر للقارات بالإضافة الى السلاح النووي الخطير والذي يجب ان يكون محظورا ً على الجميع وليس هناك بديلاً او تفرقة عن امتلاك دول للسلاح الخطير خارج سرب دول حلف شمال الاطلسي الناتو ،الحرب الباردة مثالاً لا يحتاج الى تدقيق او ابحاث . فلذلك اليوم بعد مرور " 104 "
اعوام على نجاح الثورة العمالية البلشفية الكبرى لكم نفتقد مزاياها واثارها التي اصبحت بمثابة الغائب الحاضر . عندما نتذكر الايام اثناء استعراض الشعوب العالمية والثورات الحرة نستدرك حينها كم كان صاحب نظرية " ما العمل " كان لينين يدعو الى التنبه دائماً وخوفاً من التراجع !؟. كما انهُ درس تحول التطور للعمال وللشغيلة وللفلاحين وللمزارعين وللمثقفين ولكل اركان المجتمع في حثهم على العمل دون اللفت الى الوراء خوفاً من الشعور بالإنتقاص والدونية مما يؤدي الى تغيير مبدئياً في شعارات الثورة الحمراء . الجماهير الشعبية هي الوحيدة التي خسرت المذاق الجميل والبهيج الذي ساد عقوداً عاماً بعد عام في اضاءة الساحة الحمراء في موسكو بعد دعوات داخلية وخارجية لإداء التحية الثورية الحمراء بعد ثورة اكتوبر الكبرى عام " 1917 " .
يُظهِرُ لنا مجددا ان الذكرى العابرة منذ عقود تتجدد برغم الجحود والنكوص بعد افول نجم الاتحاد السوفياتي وبروز امبراطورية روسيا الحديثة كأنها تعادى العمال والطبقة المسحوقة ويبرز من خلال القيادة الروسية الحالية وجهة نظر مغايرة ولا ترتقى في حيثياتها الى الحفاظ على حقوق اكبر ثورة في تاريخ شعب روسيا والاتحاد السوفياتي !؟.
مجدداً تحية لكل من مرَ ويمر وسوف يمر على إستحضار شعارات الحرية الحمراء التي كانت ونتمنى لها العودة السريعة الى تعافيها كقضية شعبية تستحق الذكرى .

عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في - 17 - اكتوبر تشرين الاول - 2021 - ..