استعادة طريق النضال.. ضد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الشيوعي

تامر خرمه
2021 / 10 / 16 - 20:35     

موجة النهب التي حدثت في جنوب إفريقيا في شهر تموز أظهرت إفلاس نموذج الحكومة الثلاثية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ومؤتمر اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا، والحزب الشيوعي. اليسار بشكل عام، واليسار الإصلاحي بشكل خاص، يحاول التقليل من الأحداث في هذا البلد. هذا النص سيحاول توضيح التالي: أ) أن وجود 300 قتيل يبين مدى قمعية أمة مانديلا القوس قزحية. ب) أن النهب الجماعي هو تعبير عن فقر الجماهير. ج) أن النموذج الستاليني للثورة على مراحل، والذي فرضه الحزب الشيوعي، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، واتحاد النقابات العمالية المركزي قد فشل. اليسار الإصلاحي، واليسار الستاليني على وجه الخصوص، يفضل عدم مناقشة فشل هذا النموذج. البرجوازية وصحافتها الكبرى أكثر واقعية، وباتت تتحدث عن نهاية هذا العصر. حتى أن البعض يربط بين السبعة والعشرين سنة من حكم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ومؤتمر اتحاد نقابات عمال جنوب افريقيا، والحزب الشيوعي، وبين السبعة والعشرين سنة لحكومة كينيث كاوندا في زامبيا. هناك الكثير من الشبه بين هاتين الصيرورتين: أصل نضالاتهما، وتدهورهما السياسي، وقمعهما لأولئك الذين يقاومون.


بقلم: سيزار نيتو وإيف موانا ماياس _ 21 أيلول 2021



“في اللحظة الحالية، في النصف الأول من شهر تموز، قد يبدو ظاهريا كما لو أن كل شيء قد عاد إلى طبيعته بشكل أو بآخر. في واقع الأمر، داخل أعماق البروليتاريا، وكذلك بين قمم الطبقات الحاكمة، يجري الآن إعداد تلقائي تقريبا لصراع جديد”. ليون تروتسكي[i].


النضال البطولي ضد الفصل العنصري



تم تطبيق نظام الفصل العنصري عام 1948 من قبل رئيس الوزراء آنذاك، والقس البروتستانتي، دانيال فرانسوا مالان من الحزب الوطني. كان للفصل العنصري هدف اقتصادي واضح، بقدر ما كانت الصناعة المتخلفة في جنوب إفريقيا غير قادرة على منافسة الشركات الرأسمالية الأوروبية الكبرى، ولكي تكون قادرة على المقاومة بالحد الأدنى، كانت بحاجة إلى تقليل كلفة الإنتاج، والقيام بالإنتاج في ظروف شبيهة بالاستعباد.. وهكذا، كان من الضرورة قمع وتثبيط العمال من أجل إخضاعهم. كان منع السود من التردد على الساحات، والمستشفيات، والمدارس المخصصة للبيض، إضافة إلى تجريم الزواج بين الأعراق، جزء من نظام القمع الاستغلالي هذا من أجل الإنتاج بكلفة منخفضة.

مقاومة الفصل العنصري الذي فرضت عام 1948 بدأت في أيامه الأولى، وقد اكتسبت زخمها في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. وقد ألهمت مقاومة نظام الفصل العنصري نضال النشطاء السود والحركة العمالية في كافة أنحاء العالم. في الثمانينيات والتسعينيات، أصبحت النضالات جذرية، وذلك باندلاع الإضرابات العامة الجماهيرية، والإضرابات الطلابية، وأشكال المقاطعة المختلفة، واحتلال الأراضي، وما إلى ذلك. في ذروة النضال من أجل الإطاحة بنظام الفصل العنصري، باتت العديد من البلدات (الأحياء الفقيرة) مناطق محررة حقيقية لم تدخلها الدولة، وكان المجتمع المحلي منظما ذاتيا لمهام التعليم، وتوزيع الطعام، والخدمات، والدفاع عن النفس. العمال والشباب قاموا بتسليح أنفسهم للدفاع عن مجتمعاتهم ضد ممثلي دولة جنوب إفريقيا.

في ذلك الوقت، كانت الجماهير السوداء، غالبا بدعم من العمال البيض، تتعرق كراهية ضد الفصل العنصري، وضد دولة جنوب إفريقيا، وكانت تتقدم بخطوات واسعة نحو فهم الحاجة إلى تدمير الرأسمالية. لقد كانت صيرورة ثورية مستمرة أرعبت البرجوازية الكبيرة الوطنية والأجنبية.


التفاوض أم تعميق النضال؟ ثورة على مراحل أم ثورة مستمرة؟



الضغط الهائل للوضع الثوري أرغم رأس المال الكبير على فتح قنوات التفاوض. هل من الصواب القيام بالتفاوض، وتقديم التنازلات، وتفكيك التعبئة عندما نكون في حالة هجوم؟ هذا السؤال تم طرحه من قبل العديد من النشطاء. في الواقع، النشطاء تساءلوا عن الطريق الأمثل: التفاوض أم تعميق النضال؟ بالتفكير نظريا، بتصور أكثر ماركسية، يبرز الجدال القديم ما بين النظرية الستالينية للثورة على مراحل وبين نظرية الماركسية الثورية، أو الرسالة الموجهة إلى اللجنة المركزية لرابطة الشيوعيين التي كتبها ماركس، أو أطروحة نيسان للينين، أو ثورة تروتسكي الدائمة.

التفاوض كان يعني انسحاب العمال والشباب من الشوارع، والتأني، وتفكيك التعبئة، مقابل التنازل بالحقوق الديمقراطية.

تعميق النضال كان يعني بناء منظمات ثنائية السلطة من شأنها أن تطرح نقاش “من هو المسؤول هنا” الشهير، العمال أم البرجوازية؟ وكذلك تطوير تسليح العمال والشباب الذي كان موجودا بالفعل في بعض البلدات.. هل هذا متطرف؟ كلا، لقد كان العمال يكافحون منذ العام 1948 ضد الفصل العنصري، وكما قلنا، كانت الثمانينيات والتسعينيات سنوات الجذرية العميقة.

المفاوضات تم فرضها على الحركة الجماهيرية من قبل المنظمات السياسية.. المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الشيوعي، والاتحاد المركزي للنقابات العمالية.

المفاوضات جرت باستخدام ثلاثية تتألف من الاحتواء، وتفكيك التعبئة، وإحباط الحراك.

في عملية الاحتواء، تم دمج شخصيات هامة في المفاوضات، من بينهم ثابو مبيكي، الذي بدأ كفاحه كقائد طلابي، ودرس في روسيا وتم انتخابه لاحقا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وجاكوب زوما، الذي سجن لمدة عشر سنوات في جزيرة روبن مع نيلسون مانديلا، والقائد الرئيسي لعمال المناجم سيريل رامافوزا. هذه الشخصيات الثلاث انتهى بها المطاف كرؤساء لجنوب إفريقيا. وللمصادفة، فقد مبيكي السلطة والسيطرة على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لصالح زوما، وأرغم على الاستقالة. تولى زوما السلطة وعانى من العزل الذي فرضه حزبه بقيادة رامافوزا.
إضافة إلى هذه الشخصيات الثلاث الهامة، الذين أصبحوا رؤساء للجمهورية، كان هناك عدد لا يحصى من القادة الآخرين الذين تم احتواؤهم في أنواع مختلفة من أجهزة السيطرة السياسية والنقابية للعمال، الذين كانوا في ذلك الوقت في حالة نضال.

عاقبة الاحتواء كانت تفكيك التعبئة، وانسحاب العمال من الشوارع، وسيطرة المنظمات المستقلة التي تم بناؤها. ومن خلال احتواء وتفكيك التعبئة، كان من الممكن تضليل العمال والشبيبة بوعد: “أمة قوس قزح”.

أول أثر رئيسي لتفكيك التعبئة كان اغتيال كريس هاني، زعيم الحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا، وقائد “رمح الأمة”، الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي. وقد تم اغتياله على يد يانوش فالوس، وهو مهاجر بولندي عضو في منظمة “حركة المقاومة الافريقية” اليمينية المتطرفة. أثار مقتل كريس هاني ضجة وطنية، وكان قد جاء في ذروة النضال ضد الفصل العنصري. وقد ووري جثمان هاني الثرى في ملعب البنك الوطني الأول في سويتو. تمت مصادرة الحافلات وسيارات الأجرة وأي مركبات أخرى عندما حاولت المسير من الاستاد إلى موقع الدفن. خلال الوقفة الاحتجاجية الليلية التي أقيمت في ذكرى هاني، أضرم حشد من الشباب السود النار في المنازل المجاورة وهاجموا السيارات المارة[ii]. قتل شخصان على الأقل في أعمال الشغب تلك، وتم حرق رجل أبيض، كان عضوا في قيادة “حركة المقاومة الافريقية”، حتى الموت في أحد المنازل المحترقة. تقريبا كل مركز حضري رئيسي في جنوب أفريقيا تعرض للنهب من قبل الحشود الغاضبة. حدث هذا في بلد يترأسه فريدريك دي كليرك من الحزب الوطني. ونلسون مانديلا، الشخصية المعارضة الرئيسية، الذي سبق وأن تفاوض مع نظام الفصل العنصري، وقد ظهر على شاشة التلفاز ليرثي كريس هاني، ويدعو إلى السلام، وبقاء الناس في المنازل، والصلاة من أجل روح كريس هاني.

قضية كريس هاني هي مثال على تداعيات تفكيك التعبئة بتحيز سياسي. كانت هناك أشكال أخرى لذلك، على سبيل المثال ما حدث عبر تفريغ وتدمير المنظمات الشعبية والشبابية والنقابية.

في حالة النقابات العمالية، كانت هناك سياسة متعمدة لتفريغ المنظمات النقابية من خلال مؤسسة المجلس الوطني للتنمية الاقتصادية والعمل. في عام 1994، مع بداية حكومة نيلسون مانديلا تم إنشاء المجلس الوطني للتنمية الاقتصادية والعمل. وظيفة هذا المجلس[iii]، من بين أمور أخرى، كانت “تعزيز النمو الاقتصادي والسعي إلى توفيق الآراء والاتفاق على سياسة اجتماعية واقتصادية”[iv]. بعبارة أخرى، كانت الوظيفة الأساسية هي السعي إلى توفيق الآراء بين أرباب العمل والموظفين والحكومة، والتوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا العمل.

بداية، نظرا لترابط القوى المواتية للطبقة العاملة، قامت الحكومة بالتصويت في هذه الهيئة الثلاثية مع العمال. كان هذا هو الإجماع بين العمال والحكومة الذي “خضع” له أرباب العمل. ومع مرور الوقت، انحازت الحكومة تدريجيا إلى أصحاب العمل. وبما أن المجلس الوطني للتنمية الاقتصادية والعمل كان نتيجة لقانون، فإن تجاهل قراراته يعد مخالفة وجريمة.

وبالتالي، في الوقت الحاضر، قبل أن يكون الإضراب ممكنا، لا بد أولا من السعي إلى إيجاد إجماع. بهذه الطريقة، تمر الأشهر والسنوات دون التوصل إلى التوافق. وإذا لم يكن الإضراب “مصرحًا به” من قبل المجلس الوطني، يكون غير قانوني. في أيار 2020، تم اعتبار إضراب عمال شركة فولكس فاجن[v]، احتجاجا على عدوى كوفيد_ 19، غير قانوني، وتم فصل النشطاء. ولتنفيذ الفصل، لجأت فولكس فاجن إلى القانون الذي يدعم المجلس، وتم اتهام العمال بأنهم متطرفون لعدم السعي إلى الإجماع.

وهكذا، بهذا القمع الذي شرعه المجلس الوطني للتنمية الاقتصادية والعمل، تمت السيطرة على الحركة النقابية المذهلة للثمانينيات والتسعينيات، وتم القضاء عليها وقمعها.


1994: الفرصة الضائعة



المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الشيوعي، واتحاد النقابات العمالية المركزي وصلوا إلى السلطة بالانتخابات الرئاسية لعام 1994، مدعومين بتاريخ طويل من النضال، وبتشكيل الكوادر، وبالاندماج في النضالات الاجتماعية، ولكن فوق كل شيء، بوزن جماهيري هائل.

كونغرس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لعام 1955 صادق على وثيقة ميثاق الحرية، الذي دافع عن تأميم التعدين، والبنوك، والصناعة الاحتكارية على النحو التالي: “الشعب سيتشارك في ثروة البلاد! الثروة الوطنية لبلدنا، وميراث كل مواطني جنوب افريقي، يجب أن يعودا إلى الشعب.. الثروة المعدنية الموجودة تحت الأرض، والبنوك، والصناعة الاحتكارية سيتم نقلها إلى ملكية الشعب ككل.. وسيتم التحكم في كل الصناعات الأخرى والتجارة للمساعدة في رفاهية الشعب.. ولكل الأشخاص حقوق متساوية في التجارة أينما يختارون، وفي التصنيع والدخول في كافة الأعمال التجارية والحرف والمهن”.

المرحلة الستالينية للحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي كانت حاضرة بوضوح في برنامج إعادة الإعمار والتنمية. في وقت مبكر من العام 1994. مانديلا، في مقدمة برنامج إعادة الإعمار والتنمية يعلن: “.. إننا مستعدون لتحمل المسؤوليات المتعلقة بالحكومة، ويجب أن نتجاوز الميثاق إلى برنامج حكومي حقيقي. وثيقة إعادة الإعمار والتنمية هذه هي مرحلة حيوية في تلك العملية. إنها تمثل بنية متماسكة وقابلة للتطبيق ومدعومة على نطاق واسع”.

كما يقول مانديلا نفسه في المقدمة: “إنها بنية متماسكة وقابلة للتطبيق ومدعومة على نطاق واسع”. وبالتالي، فإن التأميم تم استبداله بالمهمات الديمقراطية، كمرحلة أولى ولانهائية. “برنامج إعادة الإعمار والتنمية هو إطار سياسة اجتماعية_ اقتصادية متكاملة ومتماسكة. إنها تسعى إلى تعبئة كل شعبنا، وموارد بلدنا، من أجل الاستئصال النهائي للفصل العنصري، وبناء مستقبل ديمقراطي غير عنصري، وغير متحيز جنسيا”. (النقطة 1.1.1 من البرنامج). وهكذا، بهذا البرنامج، تم تغيير السيادة على المعادن إلى “بناء مستقبل ديمقراطي غير عنصري وغير متحيز جنسيا”.

بعد أقل من عامين في الحكومة، بين الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الوطني ماذا كانت سياستهما الاقتصادية الحقيقية. مرحلة المكاسب الديمقراطية، و”البنية المتماسكة والقابلة للحياة والمدعومة على نطاق واسع”، كما قال مانديلا، تحولت إلى خطة نيوليبرالية بتنفيذ خطة “النمو والتوظيف وإعادة التوزيع”. الخطة أكدت على التقشف المالي وخفض العجز عبر ربط الضرائب والإنفاق بنسب ثابتة من الناتج المحلي الإجمالي. عبر هذه الخطة، باتت أولويات الاقتصاد الكلي التي أعلنتها الحكومة هي التضخم، وتحرير الأسواق المالية، وخفض التعرفة الجمركية، وتحرير التجارة، بالإضافة إلى الحد من الإنفاق الحكومي. خطة نيوليبرالية ولدت من أحشاء المرحلية الستالينية.


انفتاح الاقتصاد وتراجع التصنيع



كجزء من المفاوضات التي شارك فيها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي/ الحزب الشيوعي والبرجوازية الكبيرة الوطنية والإمبريالية، تم فتح الاقتصاد أمام المنتجات المستوردة. وهكذا، فإن النظام الديمقراطي البرجوازي الناشئ، بقيادة مانديلا، قبل بالإملاءات الإمبريالية، تماما مثل الحكومات النيوليبرالية لمنعم في الأرجنتين، وكولور في البرازيل، وغيرهما من الحكومات الأخرى في ذلك الوقت. نتيجة لهذه العملية[vi]، فإن الصناعة الوطنية لم تتمكن من منافسة التكنولوجيا الأجنبية، ولم تستطع المنافسة من خلال تكثيف استغلال العمال، واستخدام العمالة شبه المستعبدة كما في حقبة الفصل العنصري. جذرية العمال لم تسمح بمثل هذه الهجمة. كانت نتيجة هذه العملية أن الصناعة الوطنية أغلقت أبوابها أو دخلت في الإفلاس، وتراجع التصنيع في البلاد، وتزايدت البطالة التي كانت أساسا مرتفعة للغاية. بتراجع التصنيع، بات استغلال التعدين الذي تسيطر عليه الشركات الإمبريالية تماما مركز اقتصاد البلاد. بعبارة أخرى، الإمبريالية تسيطر على الاقتصاد اليوم أكثر بكثير مما كانت تسيطر عليه في حقبة الفصل العنصري.


الإمبريالية لا تسامح: إستراتيجية عمال المناجم في إفريقيا



لا شك في دور الإمبريالية بمرحلة التدهور الرأسمالي هذه. إن هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ضخمة. لهذا السبب، لا نعتقد أن الثورة يمكن أن تنجز على مراحل. أو كما يقول الستالينيون والكاسترويون والتشافيزيون، أولا، ننتزع الحقوق الديمقراطية ونعززها، ومن ثم ننتقل إلى القضايا الاقتصادية.

هذه السياسة ذات المرحلتين قادت الستالينية، التي كانت تسيطر على الحركة الجماهيرية، عبر حزب المؤتمر الوطني الافريقي واتحاد نقابات عمال جنوب افريقيا، إلى أن تقبل بصبر سياسة البنك الدولي وتطبقها، بما يدعى بسياسة عمال المناجم في افريقيا[vii]. استراتيجية عمال المناجم في إفريقيا احتوت على قضيتين مركزيتين: أ) السيادة على الموارد الطبيعية، و ب) إنهاء استغلال هذه الموارد من قبل مؤسسات الدولة. كل من تتاح له الفرصة لقراءة وثيقة البنك الدولي سيرى أنه قد تم تطبيقها حرفيا في هذه السنوات السبعة وعشرين من حكم الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وتفرض الوثيقة: أ) الاستمرار في تطوير برامج التكيف الاقتصادي لسداد الديون. ب) يجب على الحكومات أن تحدد بوضوح استراتيجيات تطوير التعدين الخاصة بها، وعلى القطاع الخاص أن يتولى القيادة. ج) ينبغي تحديد الحوافز للمستثمرين في مجال التعدين بوضوح في تشريعات الاستثمار. د) يجب أن تأخذ ضرائب التعدين في الاعتبار مستويات الضرائب في بلدان التعدين الأخرى، للحفاظ على القدرة التنافسية للصناعة المحلية، أو تشييدها. هـ) ينبغي أن تقلل تشريعات التعدين من المخاطر وحالة عدم اليقين للمستثمرين المحتملين، وأن تضمن سهولة الوصول إلى تراخيص التعدين والامتيازات المتعلقة به. و) يجب على المؤسسات الحكومية التوقف عن الوظائف التشغيلية والتسويقية، و ز) مراقبة التعدين الحرفي.


الدين العام غير المستحق الدفع



التعبئة الضخمة ضد الفصل العنصري منذ السبعينيات كانت تتنامى يوما بعد يوم، وتعرض وجود نظام جنوب إفريقيا للخطر، بل وجنوب إفريقيا الرأسمالية نفسها. إضافة إلى النضال الداخلي، كان الرفض الدولي لنظام الفصل العنصري يتزايد في نفس الوقت. في عام 1976، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار 31/ 33، الذي حثت بموجبه البنوك على عدم تقديم المساعدة المالية لحكومة الأقلية البيضاء، ووسعت التوصية لجميع الدول بوقف الاستثمارات المستقبلية والقروض المالية لجنوب إفريقيا.

النظام، أثناء قيامه بالقمع الداخلي، هاجم أيضا البلدان المجاورة في نضالها ضد الاستعمار، ولا سيما أنغولا وناميبيا وموزمبيق. لهذه الغاية، في خضم الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة، كان من الضرورة شراء الأسلحة والذخيرة، وتوفير التدريب والمساعدة، والقيام بأعمال التجسس. وقد تم بيعها في السوق السوداء، وارتفع سعر الأسلحة بنسبة 25 إلى 30%.

حتى مع الحصار المفروض، قامت العديد من البنوك بإقراض الأموال لجنوب إفريقيا. وهكذا، نستطيع القول إن الدين العام لجنوب إفريقيا هو (أ) دين شنيع، كونه صنع لشراء الأسلحة والقمع داخل وخارج البلاد. ب) دين غير قانوني، لأنه تحقق في وقت الحصار المفروض من قبل الأمم المتحدة، حيث تم حظر المعاملات التجارية والمالية مع جنوب إفريقيا أثناء سريان الفصل العنصري. جـ) دين غير شرعي، حيث تم إجراؤه لصالح قطاع واحد (الفصل العنصري)، وضد مصالح أولئك الذين حاربوا الفصل العنصري والاستعمار.

على الرغم من كونه شائن وغير قانوني وغير شرعي، إلا أن الحكومة التي وصلت إلى السلطة عام 1994 وافقت على سداد هذا الدين.

الفقر في جنوب أفريقيا هو نتيجة لسرقة الموارد الطبيعية، والدين الذي لا يمكن تحمله.

بعد سبعة وعشرين سنة من حكم الحكومة المركزية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، والحزب الشيوعي، واتحاد النقابات، التي طبقت النظرية الستالينية المتمثلة بانتزاع الديمقراطية أولا ثم التقدم، علينا القيام بإجراء تقييم جاد للغاية لسياسة التعدين، والسياسة تجاه الدين العام، لأن الظروف المعيشية للطبقة العاملة لم تتحسن، وفي كثير من النواحي، آلت إلى الأسوأ.

العمال فقدوا كل حقوقهم، ومعاشاتهم، وتفاقمت البطالة. وإذا أرادوا القتال، عليهم أولا طلب الإذن من المجلس الوطني. وفي هذا السياق، رأوا قياداتهم النقابية يتم ترويضها وتدميرها. غالبية الطبقة العاملة تعيش في الأحياء الفقيرة الكبيرة (البلدات)، دون مياه وصرف صحي.

التعليم لم يعد مجانيا في كل المدارس والمستويات. كلفة دورة القانون في جامعة كيب تاون تبلغ 70,000 راند سنويا، ويكسب العامل 48,000 راند كحد أقصى في نفس الفترة. رواتب المعلمين يتم دفعها جزئيا من قبل الدولة وجزئيا من قبل الطلبة. الحكومة تنصلت تماما من التزاماتها تجاه التعليم والصحة.


أخيرا، الإحباط



تطبيق المرحلية الستالينية في الوقت الذي كانت فيه الجماهير بكامل انطلاقها، كان بلا شك خيانة من جانب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الشيوعي. إجراءات الحفاظ على استغلال التعدين، وتوسيعه، من قبل الشركات غير الوطنية العابرة للحدود، ودفع الدين، والسياسات النيوليبرالية لإزالة التصنيع، وإضفاء المرونة على حقوق العمال، والتخفيضات في الإنفاق على الصحة والتعليم، المطبقة على مدى سبعة وعشرين سنة، هي السبب الأول والأخير للبطالة والفقر ووفيات كوفيد.

كما قلنا من قبل، الحل التفاوضي تم تقديمه باستخدام الثلاثية التي تتألف من احتواء المقاتلين والنشطاء، وجعلهم في بنية السلطة، كما قام أولئك الذين تم احتواؤهم حاولوا بحرف كل محاولات التعبئة. الإحباط جاء خلال هذه السنوات السبع والعشرين لحكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الشيوعي، واتحاد النقابات العمالية المركزي.

الاستقطاب ساعد في جعل هؤلاء النشطاء يرتقون اجتماعيا. رامافوزا، الرئيس الحالي، كان قائدا طلابيا وقائدا مهماً لاتحاد عمال التعدين، وأصبح مديرا للشركة الإنجليزية “لندن للتعدين”. تم تحويل العديد منهم إلى برجوازية صغيرة أو مباشرة إلى برجوازية. هذا الاعتداء على هياكل الدولة والإثراء مرئي لأي مراقب يقظ. ولكن حتى أولئك الذين يتابعون السياسة من خلال وسائل الإعلام فقط، ينتهي بهم الأمر إلى اكتشاف أن القادة الرئيسيين متورطون في الاحتيال، والسرقة، والفساد.

وهكذا، فإن تلك الطليعة التي هزمت الفصل العنصري، والتي عانت كل أنواع الاضطهاد، والتي تم نفيها، وقضت سنوات طويلة في السجن، استسلمت في النهاية لعملية الاحتواء. الاحتواء ليس مشكلة أخلاقية، بل هو معضلة سياسية. معضلة سياسية لأنهم طبقوا بالكامل التصور الستاليني للثورة على مراحل، ما أدى إلى التحول من ميثاق الحرية إلى برنامج “إعادة الإعمار والتنمية”، وخطة ” النمو والتوظيف وإعادة التوزيع”، وسلسلة من السياسات الاقتصادية التي هي أساس الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها جنوب إفريقيا.

نعلم جميعا أنه في النضالات هناك عدة عوامل لا بد من أخذها بعين الاعتبار. في الحالة الخاصة بالعمال تحديدا، نحتاج إلى النظر في دور قيادتهم، هذه القيادة، حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الشيوعي، واتحاد النقابات العمالية المركزي، تسببت بالإحباط. لقد عملت بشكل واعي على إخراج الناس من الشوارع. وضمان الحكم الذي تشتد الحاجة إليه، أو “السلم الاجتماعي”، الذي تحتاجه البرجوازية بشدة. وقد عملت بوعي على الاحتواء، وتفكيك التعبئة، وإحباط الحراك.


انفجار الحراك الجماهيري. لا يزال الفصل الأول



مؤتمر اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا، المنظمة النقابية الرئيسية في البلاد، هو جزء من الحكومة. المنظمات الأخرى، وخاصة الاتحاد الوطني لعمال المعادن في جنوب أفريقيا، واتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا، هي انشقاق عن يسار المؤتمر. ولكن كونها منشقة، فإنها تستحضر العلامات النقابية القديمة، دون مشاركة الرتب، ويسيطر عليها القادة الذين تعلموا على يد الكوادر الستالينية القديمة، على أساس الامتيازات والسلطوية والمصالحة الطبقية.

وهكذا، فإن غضب العمال وحنقهم لا يحتوي على شكل تنظيمي يوحدهم، ويناقش خطة نضالية وبرنامج يجب تحقيقه.

حدث خارج الحياة اليومية للعمال انتهى به المطاف ليكون إضرابا. القتال الداخلي بين كتل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الشيوعي، واتحاد العمال المركزي قاد قطاعا، بقيادة الرئيس السابق زوما، إلى تنظيم بعض أعمال النهب الصغيرة من أجل الضغط على الفصيل الآخر. كان يمكن أن يكون هذا تكتيكا جيدا لولا الوضع اليائس للجماهير في ذلك البلد.

مناوشات زوما تحولت على الفور إلى حراك اجتماعي هائل، مع نهب محلات السوبر ماركت الكبيرة، ومراكز التسوق، والمتاجر، وشاحنات البضائع. كان رد فعل دولة جنوب إفريقيا كما كان خلال الفصل العنصري: أكثر من 300 قتيل.

لكن هذا كان فقط الفصل الأول. الجماهير أظهرت قوتها بالفعل. وستعود إلى الشوارع أو، كما قال تروتسكي في “الوضع في فرنسا عام 1936”: “قد يبدو للوهلة الأولى أن كل شيء عاد إلى طبيعته بشكل أو بآخر، في الواقع، بأعماق البروليتاريا، كما هو الحال في قمة الطبقات الحاكمة، يجري التحضير التلقائي تقريبا لصراع جديد”.


النهب: سرقة أم تجريد ملكية؟



من وجهة النظر المتعلقة بالنضالات العمالية، هناك العديد من الجدل حول النهب. هناك من يدرك أن النضالات العفوية لا تعمل على تنظيم الطبقة العاملة وبالتالي لا تدافع عنها. وهناك من يضعون أنفسهم في معسكر الطبقة العاملة، ويعترفون بالنهب كشكل مشروع من أشكال النضال. هذا جدل بين أولئك، الذين هم منا، يقاتلون كتفا بكتف مع العمال.

هناك جدل آخر يعتبر أنه إذا كانت كل البضائع هي نتاج عمل، استملكته البرجوازية، فإن النهب ليس أكثر من مصادرة ما كان بالفعل ملكا للطبقة العاملة. فقط البرجوازية، التي تستفيد من مصادرة عمل الآخرين، يمكنها أن تقول إن هذه سرقة.

الحزب الشيوعي يقول إنها سرقة ويجب تجريمها.

الحزب الشيوعي، عبر اللجنة التنفيذية لمقاطعة غوتنغ، اتخذ موقفا واضحا ضد النهب، مدافعا عن النظام الرأسمالي. البيان الصادر في أيام النهب واضح جدا: [اللجنة التنفيذية في غوتنغ] “قررت بالإجماع إدانة العنف المستمر والنهب بأشد العبارات الممكنة. بصفتنا الحزب الشيوعي لجنوب افريقيا في غوتنغ، فإننا نعتبر هذه الأعمال الإجرامية والتخريب الاقتصادي جزء من ثورة مضادة جيدة التنسيق”[viii].

وفي بيان آخر، قام الحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا، وهو عضو في الحكومة الثلاثية، بالدفاع علانية عن القمع الذي كانت نتيجته مقتل 300 شخص. في اليوم الذي نُشر فيه البيان، على حد قولهم، كان هناك 72 قتيلا. بعبارة أخرى، الإجراء الذي دافعوا عنه أدى إلى مقتل أكثر من 220 شخصا. البيان يتحدث عن نفسه:

” يجب محاسبة أولئك المسؤولين عن الوفيات، وأعمال العنف الأخرى، والتدمير، والنهب، وانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بها. يجب حماية ودعم سيادة دستورنا، واستنادا إليه، سيادة القانون. في هذا السياق، فإن التدابير التي أعلنتها الحكومة لضمان سلامة وأمن المواطنين الملتزمين بالقانون، وأبناء القوميات الأخرى في جنوب إفريقيا، قد لقيت، باتخاذ خطوات لمحاسبة المسؤولين، ترحيبا واسعا من قبل محبي السلام في جنوب إفريقيا. على الدولة أن تعزز تدخلها وفقا لتفويضها الدستوري، لوضع حد للعنف، والنهب، والتدمير، والتخريب ، بأثر فوري”[ix].


من الضرورة الاستعداد للنضالات القادمة



العمال، وخاصة العاطلين عن العمل، والشباب، وسكان الأحياء الفقيرة، انضموا إلى النضال خارج منظماتهم، ولم ينتظروا اتحاد النقابات العمالية المركزي، أو الاتحاد الوطني لعمال المعادن في جنوب إفريقيا، أو اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا. صحيح أنهم أخطأوا في كثير من الأحيان، بسبب كتل زوما، لكن هذا لا يبطل رغبتهم في القتال. أكثر من أي شيء آخر، أظهروا أنهم عندما يخرجون إلى الشوارع، فإنهم يثيرون الخوف لدى الحكومة والبرجوازية.

الاحتياجات من الواضح أنه لم تتم تلبيتها، لأنه في تلك العملية، كانت أكبر نقاط الضعف على الإطلاق حاضرة: غياب البرنامج والقيادة التي من شأنها تحويل الجذرية إلى نصر.

البرجوازية والحكومة تستعدان للهجمة المضادة. لن تكون ضد زوما. سيكون ضد الفقراء. الأعمال الأولى كانت غزو منازل الفقراء في البلدات دون إذن قضائي، وقد تمت مصادرة كل البضائع التي تم العثور عليها، دون إيصال أو فاتورة، وإعادتها إلى البرجوازية. أما الإجراء الثاني فقد كان موجة حبس وتجريم للجياع، بدعم صريح من الحزب الشيوعي.

الجماهير أحصت موتاها، لكنها أيضا أحصت بفخر عدد أعمالها المتمردة والشجاعة. الجماهير شعرت، على أقل تقدير، بأنها شبه منتصرة. لقد كانت بالتأكيد تردد العبارة القديمة التي كانت تنشد منذ عهد الفصل العنصري: “النضال مستمر”.

ولكن، من أجل “استمرار النضال”، لا بد من تجاوز المنظمات القائمة، وخاصة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الشيوعي، ومؤتمر اتحاد نقابات العمال. من الضرورة مساعدة الطبقة العاملة، والشباب، والفقراء في بناء برنامج مناهض للإمبريالية والرأسمالية. برنامج يتعارض تماما مع البرامج التي تم تطبيقها في السنوات السبع والعشرين الماضية. إضافة إلى البرنامج، من الضرورة أيضا بناء منظمات عمالية وسياسية تطبق هذا البرنامج. إننا في الرابطة الأممية للعمال، وبتواضع شديد، نضع أنفسنا إلى جانب أولئك الذين يريدون بناء البرنامج والتنظيم السياسي لهذا الهدف.





[i] تروتسكي، ليون، فرنسا إلى أين؟ 1934_ 36

https://www.marxists.org/archive/trotsky/1936/whitherfrance/ch03d.htm

الفقرة الثالثة

[ii] وفاة كريس هاني: مصيبة افريقية

https://omalley.nelsonmandela.org/omalley/index.php/site/q/03lv02424/04lv03370/05lv03422.htm



[iii] ttp://www.labour.gov.za/national_economic_developmnt_and_labour_council



[iv] https://nedlac.org.za/wp-content/uploads/2020/11/Nedlac-Protocols.pdf



[v] https://litci.org/en/german-government-and-volkswagen-populism-and-repression-in-the-south-african-pandemic/



[vi] أفريقيا: تأميم وراقبة الدولة لبقاء إنتاج المعادن. متوفر باللغة الانجليزية على:

https://litci.org/es/africa-nacionalizar-y-estatizar-la-produccion-mineral-para-poder-vivir/, 18/2/2020



[vii] البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية/ البنك الدولي. استراتيجية عمال المناجم الأفارقة_ واشنطن العاصمة_ 1993



[viii] https://www.sacp.org.za/content/sacp-gauteng-calls-its-red-brigade-members-and-people-defend-our-hard-won-democracy



[ix] https://www.sacp.org.za/content/sacp-expresses-its-message-heartfelt-condolences-families-lost-their-loved-ones-because



المقال نشر في:

www.pstu.org.br

16 أيلول 2021



ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس