نساء أمل -9-


نادية خلوف
2021 / 10 / 16 - 09:35     

كنت أدردش مع المهندسة أمل حول الوضع في لبنان وسورية ، و الوطن العربي، و أخشى على هذه الأمة العربية" العظيمة" من أن تكون ضحية المؤامرة الكونية ، تماماُ كما كانت سورية ضحيتها لولا وجود المهدي المرتضى بالصدفة ! ليس هذا بل أخشى أن تصيغ الصهيونية والماسونية ، والإمبريالية قرارات ، تهدّم بناء هذه الأمة العظيمة.
لم أكن أتصور أن المهندسة أمل سوف تثور .على كلامي ، وكأنها لم تتلقى الدراسة في مدارس الوطن! قالت لي : القضاء و الانتخابات لا يلزمان للأمة العربية ، أما الصهيونية و الإمبريالية، فإن تلك الأمة العظيمة ، تصلي أمام أقدامهما ، لكن حتى الآن لم تضحكا في وجه الجميع. لا تكوني سخيفة مثل زوجي يا صديقتي !
-ما دخل زوجك في الأمر ؟
زوجي يصادر التلفاز ، ويتنقل من أخبار إلى أخبار هي نفسها ، ثم يحلل الوضع السياسي على الفيس بوك. البارحة غيّر صورة بروفايله إلى صورة المحقق العدلي اللبناني طارق بيطار، بعد أن كانت صورة غيفارا ، تحدث لي عن بطولاته الفيسبوكية بينما يروح ويجيء ،وهو يمسح فمه بكم قميصه . زوجي مدمن كحول .القصة طويلة ، هو مهندس ، نعمل معاً في نفس المكتب ، لم أعد أحتمل إدمانه على المشروب ،فهو يشرب في المكتب ، وفي المساء، ولا يضع الكأس علناً إلا في عيد السكارى يقول : ها! امنعونا اليوم أيضاً . اقترحت أن أستعمل الغرفة المطلة على البلكون في بيتنا كمكتب لي كي لا نلتقي كثيرا ، وتفادياً للصراخ ، و المشاجرات. لا أنوي تطليقه ، فحتى اليوم هو أفضل من العودة إلى منزل عائلتي . بل إنّ الجنة هنا ، ولا أريد أن أتخلى عن جنتي ، "-موضوع الجنة نسبي-ولكن!. . .
أقول لك سراً يا صديقتي : السّكران لا يفقد وعيه، بل يفقد حياءه .
أحاول أن أكون راقية في تربية أولادي ، لكن عندما يجعر كي يوقظهم ويضعهم في حالة رعب أخجل مني ، كما أخجل من أهل الحيّ. البارحة بالصدفة رأيت قنينتان من عرق الريان مخبأتان في خزانة الثياب، واحدة في المستودع ، نصف واحدة قرب الياسمينة . شيء لا يطاق . أحسد من التقت بزوج لا يشرب الخمر.
قلت لها : كل شيء له أصول ، لكن يبدو أنّ زوجك خرج عن الأصول ، لكن ماذا يضرّك لو شرب؟ يكفي أنه لا يفرض عليك الحجاب مثلي ، ويزمك بالصلاة و الصّيام .أغلب الزعماء مدمني كحول ، أو مخدرات ، هم يحكمون العالم. الردال أذكياء يا أمل ، ولهذا السبب يحكمون ، يبحث الرجل عن سعادته ، يتخلى حتى عن أطفاله ، بالنسبة لي : أحاول أن أرضي زوجي كي لايتزوج بأخرة ، أي أنني أرقص له شبه عارية ، لكنه وعدني أن لا يتزوج إلا إذا أدى فريضة الحج أولاً ، و أنا أحاول أن لا أترك معه ثمن حجته . لا أعرف إلى متى سوف أتحايل على الأمر.
نظرت إليّ بغضب ، وقالت : هل على الرجل إما أن يكون متطرفاً أو مدمناً ؟ ثم أكملت :
هل تدرين ماحل بغرفتي التي أستعملها كمكتب في المنزل؟ أصبح اسمها غرفة العرق ، يتهامس أولادنا ، يقولون. بابا في غرفة العرق!
لم يعد يذهب إلى المكتب كوننا نعمل في نفس المهنة، وعندما يذهب يغلق الباب عليه ، إما أن يشرب ، أو يستدعي امرأة يمارس معها " العادة الشّمية " ، فهو قد فقد قدرته الجنسية بسبب المشروب ، ماذا تلزمه المرأة؟ إنه يبدد دخلنا فقط .
أفراد عائلته يغارون منّي فهم يستغربون كيف أقضي معه حياتي، ينتظرون أن أطلّقه كي يتشرّد أولادي كي لا يتفوقوا على أولادهم.
غداّ يوم الاستفتاء على دستور الوطن ، وقد دعيت لألقاء كلمة بهذه المناسبة ، ربما المؤامرة من زوجي فهو عضو بارز في تجمع حقوق الإنسان، و يعرف أنني لا أشتمه أام الناس سوف أقرأ لك ما كتبت:
نحن أبناء هذا الوطن الأشمّ ، لن نفرّط بذرّة من ترابه. أدعو النساء و الرجال إلى ممارسة حقهم في هذا اليوم العظيم . أيتها النّساء : اخترن حياة تليق بكنّ ، كما فعلت أنا ، فزوجي هو الدّاعم الأول لي ، وهو فقط من يفهمني . أود أن أشكره من هنا ، و أتمنى أن يكون جميع الرجال مثله.
توقفي يا أمل ! أنت كاذبة. قبل قليل شتمتيه ، و الآن تمتدحيه .
أنا لا أمدحه ياعزيزتي . هذا الخطاب موجه إلى عائلته . ماذا سوف يقولون؟ هل سوف يقولون : عليك بتطليقه. هذا الخطاب سوف يجعلهم لا ينامون الليلة، وكلّهم من أنصار الزّعيم.
و أعصابك ؟
أنا لا مبالية ، ولا تتأثّر أعصابي لدرجة أنني تركت لزوجي غرفة العرق ، أصبحت أدخل زبائني إلى المطبخ . أصلاً لا يوجد زبائن . . .
يالك من قوية؟
ماذا؟ قولي : يالك من مهزومة! ، لكن فنّ الهزيمة يتغيّر حسب الحاجة . داخلي ياعزيزتي كومة قش ، وخارجي طرق شتى . عليّ أن أعوي على زوجي ، و أنهق في وجه أخيه، و أموء في وجه أخته ، و أن أدرس الحالة النفسية لموقفي ، وبعد دراسة متأنية رأيت أن مديح زوجي يجلب لي جزءاً من حربي على الجبهة الخارجية ، أما على الجبهة الداخلية ، فإن لمست يدي يده ارتجفت . قال البارحة فيّ كلمات غزل . أدرت ظهري. قال لي لماذا هجرتني، قلت له لديك غيري . قال: كلّه يصب في مصلحتك ، بصقت على الأرض لأن غثياناً أصابني.على كلّ عليك أن تعرفي أن المهندسة أمل مخلوقة من فخار ، وليس من طين . أحدد هدفي معه: يبعق بأعلى صوت . أختبئ في المطبخ ، ثم أعود فأشتمه ، و أضمن أنه سوف يكون شبه طبيعي لبضعة أيام. مع ذلك فإن ابني ذو العشر سنوات أدخله البارح من البلكون بينما كان يشرب القهوة . قال له : ادخل بابا إلى غرفة العرق ، جميع أصدقائي يعرفون أنك تضع العرق في فنجان القهوة. كم كنت غبيّة ! كنت قد ملآت فنجان قهوتي ، وأردت أن أجلس قربه ، لم أشك أنّه يشرب العرق . . .