الدكتور كاظم حبيب والحركة القرمطية ، الحلقة الثانية


ياسر جاسم قاسم
2021 / 10 / 11 - 01:04     

وهي تتعلق باباحة القرامطة للمرأة ويعلق عليها مدافعا" من قراءة مثل هذه النصوص يدرك الانسان مدى الكراهية التي كانت تتحرك في صدور جمهرة من المسلمين المتزمتين المرتبطين بالسلطة حينذاك ازاء هذه الحركات التي استطاعت ان تكسب جمهرة الكادحين وان هؤلاء عجزوا عن محاربة الحركة فكريا وسياسيا"
كما ويعتبر حبيب ان مثل هذه الاتهامات هي الاداة التي تستخدمها القوى الظلامية والمحافظة لمهاجمة حركات التحرر الفكري والتنويري في كل زمان ومكان، وهي ما تزال تواجه قوى التغيير في المجتمعات المختلفة ، حتى الوقت الحاضر وخاصة في المجتمعات التي ينتسب اكثر افرادها الى الاسلام، ويعتبر الكاتب علي احمد باكثير "اكثر الكتاب العرب المعاصرين حقدا وكرها وتشنيعا بالقرامطة ، ويمكن للانسان ان يطلع على تشنيعاته المبتذلة وغير المعقولة والمسيئة للحركة القرمطية في كتابه الموسوم الثائر الاحمر الصادر في القاهرة ، اما اوجه التشابه بينهم وبين الفرق الاخرى فيتحدث عنها د حبيب وكذلك عن مزامنتها لعدد من الفرق المذهبية والحركات المعاصرة ، فقد عاصرت حركة صاحب الزنج كما اشرنا وقد سبقتها الحركة البابكية وهذا ما افردنا له فصلا في كتابنا (القرامطة والعدالة الاجتماعية ) الصادر عن دار ضفاف 2018م ، كما اخذ القرامطة ابرز مقولات المعتزلة الذين سبقوهم ، مثل خلق القرآن واعتماد التأويل في تفسير الكتاب والسنة واخذوا منهم مبدأ العدالة والامر بالمعروف ، كما انهم اخذوا عن الشيعة مبدأ الامامة والقول ب(المهدي المنتظر)، ويفلسف د كاظم مقولة المنتظر بأنها : صرخة المستقبل عند العاجزين عن تغيير الواقع الذي يعيشون فيه والمرفوض منهم ، اضافة الى انه يفتح باب رزق امام تلك الحركات لتأمين مواد مالية للحركة ، وهذا ما فعله القرامطة كما مر بنا في كتابنا (القرامطة والعدالة الاجتماعية) .
اما الفكر القرمطي في نظر د كاظم حبيب فقد اعتمد على عدة عوامل ادت الى نجاح حركتهم وامتدادها وهي:
1- الموقف العقلي المشحون بنزعة مادية .
2- وعي فلسفي من قادة الحركة او تعامل عفوي لايخلو من وعي نسبي في كل الاحوال.
3- تحدر قادة الحركة من اوساط شعبية كادحة .
4- قرب الحركة من واقع الناس ومعاناتهم اليومية .
5- تبني برننامج ثوري طموح ومتقدم .
6- سعي الحركة الى اقامة سلطة سياسية وتنفيذ برنامج اجتمااقتصادي. اما العوامل التي ساعدت على انتشار افكارهم بين الكوفة والبصرة حينذاك ومناطق اخرى فيلخصها د كاظم بالشكل التالي دون الاشارة الى اسباب عدم انتشار حركتهم في البصرة مثلا وهذا ما ناقشته بالتفصيل في كتابي القرامطة والعدالة المشار اليه.
1- انتشار الظلم والفساد ، على نطاق واسع وغياب العدالة الاجتماعية في مجتمع الدولة العباسية .
2- تعرض النبط والزنج والموالي وبعض العشائر العربية الى استغلال بشع من جانب المستحوذين على الاراضي الزراعية .
3- التزام قادتهم بمبادئ اجتماعية واخلاقية سامية ، واستنادهم الى ارضية دينية واقعية يفهمها الكادحون المعرضون للاستغلال والظلم على نحو خاص . كما ويعارض كاظم حبيب ابوحامد الغزالي نتيجة استخفافه بهذه الفئات الاجتماعية الكادحة ، التي كانت تلتحق بهذه الحركات السياسية والاجتماعية نتيجة ادراكها لواقعها التعس والحيف النازل بها، وكان يعتبرهم جهلة لايفقهون حيث يقول عنهم " والعامي الجاهل يظن ان التلبيس بالاديان والعقائد مثل المواصلات والمعاقدات الاختيارية ، فيصلها مرة بحكم المصلحة ويقطعها اخرى ، ويعلق كاظم حبيب منتقدا فقيه السلطة هذا "وهو في هذا يدل على ابتعاده عن حياة الناس وسكناه في برجه العاجي حينذاك...." بل ويشير حبيب ضمنا الى التحالف المخفي بين الحاكم ورجل الدين وهو تحالف ثيوقراطي مقيت.
4- استعدادهم الكامل لخوض النضال ضد الظلم من خلال المعارك المسلحة مع العباسيين بشجاعة فائقة وحفظهم لاسرار العاملين معهم نتيجة ايمانهم بالقضايا .
5- التسامح الديني الذي تميزوا به ، فهم من جانب كانوا مؤمنين بقضايا ورافضين لاخرى تبعدهم عن بعض الفرق الاسلامية الشيعية ، او عن اهل الحديث ، لكنها في الوقت نفسه كانت لاترفض اداء اولئك الناس لطقوسهم الدينية ، وفي الجوامع ، ويعلق كاظم حبيب عن ذلك " وهي في هذا ايضا تقدم ظاهرة جديدة ومهمة في الحركات الفكرية الاسلامية في العصر العباسي ، لم تظهر بالضرورة لدى الكثير من الحركات السابقة لها" ، لكننا مع ذلك نتوقف مع الدكتور حبيب ونشير الى ردات الفعل العنفية من القرامطة كانت واضحة نتيجة العنف ضدهم من قبل العباسيين لذلك قاموا مثلا بهدم المساجد على رؤوس اصحابها وهذا ما عبر عنه بالرفض د كاظم لكنه لم يشر الى ان هذه الاعمال تخرجهم من دائرة التسامح الذي وسمهم به، مع ذلك فانه قد يكون قد قصد ما رآه ناصر خسرو في سفرنامة في اواخر دولة البحرين وتحدث عن المسجد الوحيد لديهم في هجر والذي يسمحون للزائرين الى مناطق الاحساء بالصلاة فيه من التجار دون التعرض لهم وهم اي عموم القرامطة حسب مشاهدات خسرو لايصلون فهذه صورة تسامحية تؤكد كلام حبيب الا انه لم يذكرها ، وقد يكون هو قصدها دون ذكرها تفصيلا ، اما ان يكون تعميم كلامه على عموم الحركة بانها عرفت بالتسامح فهذا شيء خارج عن اطار الصحة سيما في الشام على يد ال زكروه وكذلك قرامطة العراق وكذلك قرامطة البحرين في بداية دولتهم فقد كانوا عنفيين بقدر عنف العباسيين وكانوا يجابهون العنف بالعنف ، فان تكون حركتهم تسامحية على وصف الدكتور كاظم حبيب فهو وصف غير دقيق بتاتا.