خرافة جائزة نوبل في الاقتصاد


عبدالرحمن مصطفى
2021 / 10 / 9 - 19:04     

في هذه الفترة من كل عام يتم تكريم الفائزين في جائزة نوبل في حقول الفيزياء والطب والكيمياء والأدب والسلام ،وهذه الحقول هي التي اعتمدها ألفرد نوبل عند وضعه للجائزة في أواخر القرن التاسع عشر ،ولم تكن هناك أي جائزة بإسم نوبل للاقتصاد ،لكن بعد 70 عام من تاريخ الجائزة ،ارتأى البنك السويدي المركزي اختراع جائزة بهذا الاسم أو بعنوان (جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية) وكانت هذه الخطوة محاولة فاضحة لإضفاء الصبغة العلمية على مبحث الاقتصاد ،الذي كان ميداناً تتنازع فيه مذاهب ومدارس فكرية مختلفة ،لم تكن دوافع البنك بريئة ،ففي تلك الفترة كانت أوروبا الغربية محكومة بالاشتراكية الديمقراطية التي فرضت شروطا جديدة على رجال الأعمال وعلى النظام الاقتصادي ؛ بحيث أعطت دوراً أكبر للدولة وللنقابات العمالية ،وكانت الدوافع الأهم لقوى الضغط النيوليبرالية التي كسبت نفوذا في مؤسسات اقتصادية واجتماعية وتبنتها الأحزاب المحافظة تتمثل في تقليص دور الدولة في تنظيم الاقتصاد من خلال اجراءات عدة ؛ كتحرير الأسعار ،خصخصة القطاعات الصناعية وفيما بعد الخدمية ،الاقتراض اللامحدود والذي توج بإنهاء قاعدة الذهب في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ،تعويم العملات وإبعاد الحكومات عن دورها التنظيمي لأسعار الصرف ،وإخضاع سعر الصرف للعبة السوق ،بعد أن كان يدمج كنعصر فاعل في المشاريع التنموية ،وفي هذا كان البنك المركزي السويدي يهدف الى كف يد الحكومة السويدية عن دورها في تحديد أسعار الصرف من خلال الغاء العلاقة بين البنك نفسه من جهة والحكومة السويدية من جهة أخرى ،وذلك من خلال لعبة التعويم وإخضاع أسعار الصرف للعبة الطلب والعرض ،والتي ترافقت مع مضاربات مالية على العملات بغية شراء الأصول بأسعار بخسة كما حدث في الأزمة الأوروبية 1992 وأزمة النمور الاسيوية 1997 أو الأزمات المتعاقبة في دول أمريكا الجنوبية بعد تحرير الاقتصاد،وكان من اللافت أن هذه الجائزة محصورة في مدرسة اقتصادية معينة وهي المدرسة النيوكلاسيكية بفرعيها النمساوي والإنجلوسكسوني ،ورواد هذه المدرسة هم من أهم الداعين لبرنامج التكييف الهيكلي الذي ترافق تطبيقه مع إفقار شامل للسكان في الدول الأوروبية ودول العالم الثالث ومع زيادة الأثرياء ثراءا والفقراء فقرا ،ومع ارتفاع معدلات البطالة وظهور النزعات الفاشية الدينية والقومية ..وليس مستغربا أن تطبيق هذا البرنامج ترافق مع انقلابات عسكرية كما حدث في دول أمريكا الجنوبية (البرازيل والأرجنتين والتشيلي الخ..) ومع تيار المحافظين الجدد في أمريكا وبريطانيا (ريغن وتاتشر) ،فكان اختراع جائزة بهذا الإسم (وتمويلها وتقديمها من المصرف المركزي السويدي) محاولة خادعة لإيهام الناس بأن الاقتصاد علم كغيره من العلوم ،بينما ميدان الاقتصاد هو في الحقيقة خاضع للاختلافات الايديولوجية والفكرية ،ليس بين المدراس الاشتراكية والرأسمالية فقط ..بل داخل المدرسة الرأسمالية نفسها ،فالمدرسة النمساوية مثلا ومن أبرز روادها فريدريك فون هايك (والفائز بجائزة نوبل التذكارية) ترفض ترييض الاقتصاد واستخدام الأساليب القياسية والرياضية في المباحث الاقتصادية التي يستخدمها رواد الاقتصاد النيوكلاسيكي الإنجلوسكسون كما ترفض هذه المدرسة الاقتصاد الكلي الذي ابتدعه كينز ،وتركز اهتمامها في اختيارات الأفراد (المستوى الجزئي) دون الإدعاء بأن اختيارات الناس هي عقلانية بالضرورة ..الأمر ذاته بالنسبة للمدرسة الكينيزية التي تخالف المذهب النيوكلاسيكي والتي ترى في السوق كميدان فوضوي يعوزه الضبط والكينيزية تم اقصاؤها أصلا بعد سيطرة المذهب النيوكلاسيكي والليبرالي الجديد ..

وأمام هذه الفوضى المعرفية لم تؤدي توصيات الاقتصاديين إلا الى مزيد من الإفقار وتدهور الانتاج والخدمات وتمعيق اللامساواة ،والأمثلة لاتعد ولاتحصى ،من تجارب روسيا وأوربا الشرقية بعد تطبيق برنامج (العلاج بالصدمة) في فترة التسعينيات ،وتجارب أمريكا الجنوبية وأبرز روادها من الجنرالات العسكريين كبونشييه الذي استعان بميلتون فريدمان (الفائز بالجائزة التذكارية) وصبيانه وكانت النتيجة افقار أكثر للسكان وارتفاع في معدلات البطالة واسقاط الديكتاتور في 1990 وظهور تيار ال pink tide في أمريكا الجنوبية كرد على الأزمات التي خلفتها النيوليبرالية ونتائج تطبيق توصيات الاقتصاديين ،نفس النتائج تكررت في دول النمور الاسيوية 1997 والدول الشرق أوسطية والإفريقية الخ ...أما الفضيحة الأكبر فكانت أزمة 2008 والتي كان الاقتصاديون قبلها يبشرون بحلول عصر خالي من الأزمات رغم كل كوارث عقد التسعينيات !!! لكن وعلى النقيض تم توقع هذه الأزمة والتحذير منها مفكرين من مدارس مختلفة غير التيار السائد مايسمى heterodox وبالأخص من الماركسيين كجيوفاني أريجي وسمير أمين وديفيد هارفي ..

والتعليم الذي يتبعه المذهب النيوكلاسيكي والذي يسمى زوراً بعلم الاقتصاد لايخرج عن مجموعة من الفرضيات الخيالية ،كفرضية توزان السوق ؛وهي فرضية تم ابتداعها في عصور الرأسمالية الأولى في القرن التاسع عشر تحديدا وتقوم على بضع مسلمات ،كالمنافسة الكاملة ودور اليد الخفية في السوق ؛ فلو أن الكميات المعروضة من منتج ما كانت تفوق الطلبات على هذا المنتج فالأسعار سوف تهوي أوتوماتيكيا والعكس أيضا..ويمكن تطبيق هذه الفكرة في أسواق العمالة والنقد أو أي شيء! وهذا التصور يقوم على فكرة توزان توزيع الطاقة في الكون والتي كانت تسيطر على أبحاث الفيزيائيين في القرن التاسع عشر ،لكن تم التخلي عن هذه الفرضية فيما بعد مع نظرية الكون المتوسع والذي يختل فيه توزيع الطاقة في نطاقات معينة لصالح نطاقات أخرى ،لهذا يقوم (((العلم)))) الاقتصادي على تصور زائف عن المجتمع وحركة الاقتصاد ،وعلى العموم لم يعد لفرضية المنافسة التامة أي قيمة مع ظهور الاحتكارات المالية والصناعية (وتبعية هذه للأولى) ومع نمو وبزوغ دور الدولة والنقابات العمالية في الاقتصاد في النصف الأول من القرن العشرين ،فهناك فاعلين في الاقتصاد يحددون حركة السوق وينظمون الاقتصاد ،وتقوم هذه الفرضية على تصور استاتيكي للاقتصاد وهي نقيض لمبدأ التراكم الذي تبناه كارل ماركس ،فالاقتصاد بالنسبة لفرضية التوازن هذه يتجه من وقت الى آخر الى الثبات والاستقرار ودون أي حاجة لضبطه وتنظيم حركته وليس هناك تصور أكثر كسافة من هذا فندته تجارب القرن العشرين ،تراكم رأس المال هو حقيقة واقعة لايمكن انكارها ،فعلى المستوى الجزئي ،تحقق الشركات أرباح وفوائض في انتاجها وتتوسع في اختراعات جديدة تدفن القديمة أو تتوسع في فروع جديدة ،وبطبيعة الحال الفوائض لا يتم استثمارها انتاجيا فقط ،بل تستثمر أيضا كخدمات مدنية وعسكرية وفي القطاعات المالية (الخدمات المالية طغت على القطاعات الانتاجية بعدة أضعاف!) لهذا الاقتصاد يتوسع في نطاقاته ويترافق مع اختلالات لدول وعلى حساب دول أخرى وطبقات وعلى حساب طبقات أخرى وشركات ومؤسسات مالية أو انتاجية على حساب أخرى ...ولهذا فكرة التوازن (الأمثل اجتماعيا) هي فكرة فارغة تكذبها الوقائع ،فالاقتصاد ينتقل من لاتوازن الى توازن ،من اختلالات الى اختلالات أعمق ..

وعلى العموم تم الاحتجاج على هذه الجائزة من قبل أفراد في عائلة نوبل كمثال :

Here’s a Nobel family member describing it: “The Economics Prize has nestled itself in and is awarded as if it were a Nobel Prize. But it’s a PR coup by economists to improve their reputation,” Nobel’s great great nephew Peter Nobel told AFP in 2005, adding that “It’s most often awarded to stock market speculators. . . . There is nothing to indicate that [Alfred Nobel] would have wanted such a prize.”
عائلة نوبل تصف الجائزة بأنها تبدو كما لو أنها جائزة نوبل حقيقية ،وهي محاولة لتحسين سمعة الاقتصاديين بحسب بيتر نوبل حفيد مخترع الديناميت ومؤسس جائزة نوبل ألفرد نوبل ويقول أنها غالبا ما تعطى للمضاربين في سوق الأسهم وليس هناك أي اشارة من ألفرد نوبل على أنه كان يريد هذه الجائزة
http://exiledonline.com/the-nobel-prize-in-economics-there-is-no-nobel-prize-in-economics/

four family members published a letter in the Swedish paper Svenska Dagbladet, arguing that the economics prize degrades and cheapens the real Nobel Prizes. They aren’t the only ones.
"أربعة أعضاء من عائلة نوبل نشروا رسالة في صحيفة Svenska Dagbladet السويدية ،يقولون فيها أن جائزة نوبل للاقتصاد رخصت وحطت من قيمة جوائز نوبل الحقيقية

وعلماء من حقول معرفية أخرى احتجوا على وضع هذه الجائزة ،"

Scientists never had much respect for the new economic Nobel prize. In fact, a scientist who headed Nixon’s Science Advisory Committee in 1969, was shocked to learn that economists were even allowed on stage to accept their award with the real Nobel laureates. He was incredulous: “You mean they sat on the platform with you?”

"علماء لم يحترموا جائزة نوبل الجديدة في الاقتصاد ،أحدهم والذين كان يرأس اللجنة العلمية الاستشارية للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ،كان قد صُدم عندما علم أن الاقتصاديين سيسمح لهم باعتلاء منصة التتويج للحصول على الجائزة مع جوائز نوبل الحقيقية
وعبر عن شكه بالقول ؛ هل تقصد أنهم جلسوا معك على منصة التتويج ."

ost recently, in 2004, three prominent Swedish scientists and members of the Nobel committee published an open letter in a Swedish newspaper savaging the fraudulent “scientific” credentials of the Swedish Central Bank Prize in Economics. “The economics prize diminishes the value of the other Nobel prizes. If the prize is to be kept, it must be broadened in scope and be disassociated with Nobel,” they wrote in the letter, arguing that achievements of most of the economists who win the prize are so abstract and disconnected from the real world as to utterly meaningless.

"في 2004 ثلاثة ،من العلماء السويدين وأعضاء في لجنة نوبل نشروا رسالة مفتوحة في صحيفة سويدية يهاجمون فيها المعايير العلمية لجائزة البنك المركزي السويدي في الاقتصاد ،وقالوا أن الجائزة خفضت من قيمة جوائز نوبل الأخرى ،ولو أن الجائزة ستبقى فينبغي أن توسع نطاقها (شمولها لأفرع معرفية اجتماعية أخرى) وأن يلغى ارتباطها مع نوبل ،وكتبوا في الرسالة ، أن غالبية انجازات الاقتصاديين الذين فازوا بالجائزة هي أبحاث مجردة ومنفصلة عن العالم الواقعي ولا معنى لها مطلقا"

https://www.alternet.org/2012/10/there-no-nobel-prize-economics/

وبعد ؛ لم يكن الاقتصاد علماً مجرداً عند الكلاسيك وماركس فيما بعد وكينز ،الاقتصاد كان تابعا للعلوم الاجتماعية والسياسية لهذا سمي (بالاقتصاد السياسي) في عصر أدم سميث وديفيد ريكاردو ،وكان هؤلاء لايتحرجون من ربط الاقتصاد بالقيم الأخلاقية والأهداف المجتمعية ،لكن مع النيوكلاسيك سيبدو الاقتصاد علما مجرداً فارغاً لا تربطه أي علاقة مع الواقع ،وقد جابه كينز ومن بعده جوان روبنسون (مدرسة كامريدج البريطانية) كل هذه المحاولات بالنقد والتفنيد ،وفكرة الخبير الاقتصادي لاتختلف عن فكرة خبير التنمية البشرية أو الخبير السياسي التي تحتفي بها القنوات الفضائية وبجهل تام ،فالتقسيم بين الحقول الاجتماعية المعرفية هو تقسيم مصطنع ظهر مع موجة التخصص الزائد التي اجتاحت العالم المعاصر وإن كانت تجد لها ما يؤيدها في ميدان العلوم الطبيعية ،فهي لا أساس لها في ميدان الحقول الاجتماعية التي تتشابك فيه الظواهر السياسية والاقتصادية والثقافية الخ...وما محاولة البنك المركزي السويدي هذه الا طريقة لتعميق الاستلاب الاقتصادي وتقديم الاقتصاد للناس كشيء مستقل عن اراداتهم ورغباتهم ،كقوانين طبيعية أو ميتا طبيعية مفروضة عليهم!!! وعلى العموم ؛ الجائزة تسمى رسمياً بجائزة مصرف أسوج (البنك المركزي السويدي) بذكرى ألفرد نوبل ويتولى البنك تمويل الجائزة وتقديمها لا لجنة نوبل نفسها.
ويحتج على هذا التزوير من فترة الى أخرى ،من قبل باحثين وعلماء واقتصاديين أيضا ،لكن بينما يمكن مطالعة هذا في المواقع الأجنبية ،فإن المواقع والفضائيات العربية تنقل بجهل تام ودون تمحيص لمثل هذه الحقائق ،وعلى العموم هذا ليس مستغربا في بلاد تعتبر قارئي الطالع والفنجان وخبراء الأبراج كباحثين ويؤخذ برأيهم وتغدق عليهم الأموال والجوائز!!