الدكتور كاظم حبيب والحركة القرمطية .. الحلقة الاولى


ياسر جاسم قاسم
2021 / 10 / 9 - 13:25     

لقد اهتم الدكتور كاظم حبيب بالحركة القرمطية كثيرا وافرد لها مبحثا هاما في كتابه (لمحات عراق القرن العشرين) ج1 وذلك لكونها حسب وجهة نظره "تطلعت لمشروع نحو العدالة الاجتماعية ، وعن استعداد كبير لمقاومة الطغيان، والظلم، كما تميزت هه الحركة عن غيرها، من الحركات التي قاومت الدولة العباسية بانها اتخذت ابعادا اجتماعية اكثر شمولية وعمقا وأكثر التصاقا بحياة الغالبية الواسعة من كادحي الريف والمدن العراقية في الوسط والجنوب" كما تأثرت الحركة بالفكر الفلسفي اليوناني المتحرر ، ولديه رؤية لم اجدها عند غيره ممن كتبوا عن الحركة " ان الحركة استفادت من الحضارات التي مر بها او عاشها العراق القديم، او الثقافات المجاورة التي تأثر بها المجتمع العراقي، خاصة الثقافة الفارسية " وبالتالي فان هذه الحركة كانت قد تجاوزت عصرها من الناحيتين الفكرية والسياسية .
كما اكد حبيب انها تلتقي مع الحركة البابكية في ايران وحركة الزنج في العراق ضمن علاقة محورية مهمة .
كما ان الارضية الشيعية للقرامطة لم تجعلهم متطابقين مع الشيعة في وجهات النظر ، اذ اختلفوا عنهم في الموقف الثوري المتحرر واتسامهم بروح التسامح ازاء الاديان والمذاهب الاخرى ، كما انهم بنوا موقفهم الفكري والسياسي على ارضية الواقع الاجتماعي انطلاقا من مصالح الفئات الاكثر كدحا وحرمانا في المجتمع. وهنا فان ما رآه الدكتور حبيب ادى الى كره الشيعة لهم واعتبارهم من الحركات المغالية والمارقة والخارجة عن الدين والشريعة ، بل ان الشيعة حاربوهم كما حاربهم اهل السنة واكثر .
ويبين كاظم حبيب وجهات النظر المؤيدة لهم .. اما السبب الرئيسي وراء قيام ثورتهم وغيرها من الحركات المسلحة هو (الانقسام الاجتماعي او الطبقي الصارخ ، اذ كان هو احد ابرز العوامل المحركة والمحفزة والدافعة لتلك الحركات ) وهذا هو الاساس الذي اشتغلنا عليه في كتابنا الموسوم (القرامطة والعدالة الاجتماعية) ويبدو ان اغلب انصار هذه الحركة من المفكرين كانت رؤيتهم وفق هذا المبدأ ويعتبر حبيب ان المجتمع العباسي ما كان مقسما كما اشار المؤرخون الى عامة وخاصة ، بل ان هنالك ثلاث طبقات مميزة هي: / العامة والخاصة وطبقة العبيد/الرقيق. كما ان هنالك التجار وهم طبقة بين العامة والخاصة . فكبارهم ضمن الخاصة وصغارهم ضمن العامة ، وكانت بينهما عملية حراك وانتقال مستمرتين . والطبقة الخاصة كانت كثيرا ما تثير النوازع والصراعات بين العامة لضمان عدم تآلفها ووحدتها والتي يمكن ان تتوجه ضدها، وهو ما حصل عندما وحدت هذه الحركات في العامة رؤاها ضد الطبقات الخاصة .
ويشير د كاظم حبيب الى الصراعات بين الطبقات الخاصة فيها وظروف الحياة لدى الطبقات العامة ، فيعتبر ان حياة الفلاح في الدولة العباسية شبيهة مع البدو والرعاة ويواجهون ظروف حياة صعبة لم تكن تختلف كثيرا عن حياة العبيد وهذا ما اشرنا اليه في اثناء دراستنا للمجتمع، وما يؤكدخ حبيب هنا، كذلك معاناة اصحاب المهن والتي لخصها حبيب بأن مهنهم كانت فقط لسد رمق جوعهم واشباع حاجاتهم ، وهكذا فنحن امام تمييز عرقي، ديني ، اذ كان يُعتبر اصحاب الاديان الاخرى اقل منزلة من المسلمين واستمر هذا التمييز حتى يومنا هذا ، فالمجتمع يتمايز حسب: السلطة والثروة والنفوذ او الجاه وهي تمايزات ما زالت فاعلة حتى يومنا هذا .
وهكذا ساهمت الخاصة في ابعاد العامة بتاتا عن الثروة والنفوذ، وعن المشاركة في العمل السياسي وعن قرارات الحكمة تماما، فلم يك لهم حقوق ولا واجبات سياسية في سياسة العباسيين ولكن كان عليهم ان يشتركوا بالحروب وكانوا وقودها باستمرار .
وهكذا (جاء القرامطة ليرعوا مصالح الفئات الاكثر كدحا وحرمانا في المجتمع) كاظم حبيب ، م س ، ص 314.
اي/ فلاحي الريف، سكان البادية ،حرفيي المدن ، ويعتبر حبيب ان الحركة من اكثر الحركات الفكرية في الاسلام تحررا وثورية ودعوة لأقامة العدالة الاجتماعية ، بين الناس وارساء الحكم على تلك الاسس كما يشير الى انهم حوربوا ليس فقط من قبل الدولة انذاك بل شاركت مع الدولة جماعات وشخصيات دينية بارزة سعت الى استخدام الاساليب المعروفة في مكافحة مثل هذه الحركات ، في حين حاربهم ابوحامد الغزالي الذي افتى بسفك دمهم ، وتشير بعض المصادر الى ان ابا حنيفة قد أفتى بالقتال الى جانبهم حينذاك كما يورد حبيب بعض النصوص التأريخية من اعدائهم ....