- دراما عربية -: آسيوية – إفريقية ..! تأملات -طائر مُحلِّق-


محمد عبد الشفيع عيسى
2021 / 10 / 9 - 09:34     

كان الاقتصادي السويدي الكبير جونار ميردال، الحائز على جائزة نوبل في علم الاقتصاد، قد أصدر كتابه "دراما آسيوية Asian Drama" عام 1968، و عرض فيه لما اعتبرها أسباب فقر الأمم، وخاصة في منطقة جنوب آسيا، في ذلك الوقت. و قد لاحت لي فكرة محاكاة عنوان الكتاب المذكور، ولكن على نطاق أعرض من حيث نقطة البحث، حيث لا تتركز على الاقتصاد فقط، و لا على البعد الاقتصادي – الاجتماعي بصورة أعمّ، ولكن على ما هو أوسع من ذلك، وأشدّ إيغالاً فى الأعماق. تلك هي ما يمكن تسميتها "الدراما العربية" ، على مستواها الجغرا-سياسي العريض، فى " أفريقا سيا" إن صح التعبير، AfricAsia، حيث مساحة التلاقي المشترك للأمة العربية بين القارتين العريقتين، على امتداد المشرق العربي و وادي النيل و المغرب العربي الكبير . إنها ليست فقط مأساة للتنمية الاقتصادية، أو الاقتصادية-الاجتماعية، ولا حتى الاقتصادية الاجتماعية -السياسية، ولكنها مأساة معقدة ذات شُعَب، و ما هي بمحض مأساة مركبة من عنصرين أو نحوهما.
الحق أنه حين يتأمل المرء فى "المأساة العربية" تلك، يأخذ منه العجب مأخذه، و (يستغرب)..! فما الذى جعل تلك البقعة من الأرض، وهذه الجماعة من الناس ، فيما يعرف من اجتماع الوطن والشعب بــــــ "الأمة العربية"، تبدو، في الفترة التاريخية الراهنة بالذات، على هذا النحو المشهود حاليا "من التعثر المزمن و "الضياع المعمّق" خلال مسيرة التنمية والتوحد والاستقلال كمشروع تاريخي. ثم أنها وكأنها "ألعوبة" أو "أرجوحة" فى يد قوى غريبة ، غربية-صهيونية ، تجعل منها مثلما قال البعض يوماً بمثابة (ميدان ضرب نار)... ساحة للتدرّب على الحرب والنزال، أو تجعل منها، مثلما قال البعض يوما ًفي معرض النهْي عن لبنان الجريح ، ممرْاً ومقراً .. ممرّا يعبر منه العابرون، إلى حيث يذهبون، و مقرّاً يستقر فيه من يقيم ليغنم ما يغنم على فترات تطول وتقصر، أفراداً وجماعات، ودولاً كاملة أو مجموعات دولية ..!
فلماذا يا ترى ..؟
لماذا يتهافت (الشرق والغرب) على "القصعة" العربية، فينالون ما يريدون أو بعض ما يريدون ، ثم يمضون، كما هي الحال في (الخليج و ليبيا)..؟ حتى "شذاذ الآفاق" من هنا وهنالك ، كما كنا نقول، أتوا واستقروا في شطر منها، وقالوا لن نبرح المكان ، ولن نسمح لأهلها بممارسة البقاء والحياة: (فلسطين) . و كيف أن بلاداً بأكملها، أغلقت لحساب التأمين المحتمل للمشروع الصهيوني؛ وهذا حال "الشام الكبير" أى سوريا-لبنان ، بما فيه الأردن وقبله فلسطين التاريخية ، بل ولم لا نقول العراق أيضا، درّة العقد فيما أسماه البعض "الهلال الخصيب" .. ولم لا نقول إن ذلك ايضا قد جرى من خلال الترصد لدولة مركزية هي مصر، و محاولة جذْبها من طوْقها، عبثا، ناحية الامتداد الشرقي المعادي صهيونيا، و تأليبها (و تأديبها) من وقت إلى آخر ، فضلاً عن العدوان المسلح الواسع على أراضيها بين فينة وأخرى ..! وتكون النتيجة لذلك حتى بعد (إبرام السلام) منذ أكثر من أربعين عاماً، أو زهاء نصف قر ، أن تجرى المحاولة تلْو المحاولة، على قدم وساق، من أجل أن تبقى مصر في أحسن الأحوال، من وجهة نظرهم هُمْ، "طافية" فوق سطح الماء، فلا هى مُغرَقة تماما، ولا هى تخرج بالسلامة إلى شطّ الأمان أو تسبح فى حرية طليقة حيث تشاء.
لعل هناك أربعة أسباب ، فيما نرى أو نظنّ ، جعلت (من هب ودب) يهفو و يتهافت على (ميدان ضرب النار ..!) العربي الوسيع ذاك :
1- وفرة مورد النفط والغاز، حيث الثروة العظيمة الناضبة، فى منطقة جغرافية تكاد أن تكون في جانب منها، خالية من ساكنيها، حيث "الفراغ الديموغرافي" المتفاوت، إلا من هجرة شرق آسيوية غالبة، ذات آثار خطِرة، حالّة أو مؤجلة إلى حين..! .
2- وجود إسرائيل، الذى يستتبع محاولة تأمينها بالإضعاف المبرمج لكل من هم حولها ، بدءً من الحرص على اختلال "توازن القوى الاقتصادي والعسكري" لصالحها بالذات، وانتهاءً ب(رفع العصا لمن عصا)، مع استخدام أسلحة (الترغيب والترهيب) المجرّبة...!.
3- رابطة "العروبة" كوشيجة جامعة لمنْ بين المحيط والخليج، و عروة وثقى من التكوين الحضاري عبر الزمن، و من المستقبل المأمول المشترك .
4- قدرة كوامن "الإسلام الحضاري" كجامعة ثقافية مؤتلفة مع المسيحية الشرقية، عماداً للتاريخ المشترك، و رافعة أساسية من روافع التكوين الاجتماعي بمدلوله العريض .
لهذه العوامل الأربعة ، اجتمع الغرباء والطامعون ( وشذّاذ الآفاق) ، وإن شئت فقل ، بالتعبير الأكاديمى لدارسى العلاقات الدولية : اجتمع الاستعمار القديم والجديد و"الإمبريالية الصغرى – إسرائيل"، لتحقيق أكبر عائد ممكن لهم، وتجريد الأرض والناس على الرقعة العربية الجامعة من عوامل القوة الفعلية أو الكامنة حتى أمد بعيد .





ومن أجل ذلك رصدنا عشرة أحداث جليلة ، تمثل علامات على "المأساة العربية" المزمنة، فى نطاقها الآسيوي – الإفريقي، خلال ثلاثة أرباع قرن مضى، بما فيها العقد الأخير أو العقدين الأخيريْن:
1- الدائرة المفرغة للتقلّب السياسي والنظامي في السودان الشقيق .
2- "طبوغرافية" الحياة السياسية "المحدّبة" فى جمهورية مصر العربية ، باتجاه تعاظم قوة عنصر معيّن من عناصر القوة السياسية، دون تخلّق البديل المناسب عبر الزمن، بالقدر الضروري الكافي .
3- ربيع –خريف : سوريا وليبيا .
4- "العشرية السوداء" في الجزائر(1988-98 تقريباً) ، و مآلاتها و ظلالها الراهنة.
5- الحرب الأهلية وتوابعها الباقية : لبنان .
6- الغزو و الاحتلال الأمريكي المباشر عام 2003 ثم غير المباشر : حالة العراق .
7- "الإقصاء الدامي" أو "التهميش العنيف": اليمن – الصومال .
8- الإقصاء غير الدامى أو "الصامت" : حالة موريتانيا أو "شنقيط" مثالا .
9- فاجعة أو فواجع "الديمقراطية التمثيلية" أحادية البعُد: تونس نموذجاً ، وربما المغرب الأقصى أيضا، في حدود معينة .
10-ما يمكن أن نسمّيه (مستودع الأمان المشروط للغرب اقتصاديا وعسكريا) : الخليج ، وليبيا في حالتها الراهنة إلى حد ما.
وفى الأخير، إنّا لندرك أن مسيرة التطور والتغير التاريخي فى بلد أو منطقة ما، تعتبر محصلة للتشابك بين نوعين من العوامل، لا انفكاك بينهما، ولا انفراد لأحدهما دون الآخر، وفق ما ذكر عالم الاجتماع من أعمدة مدرسة "نفْي التبعية" في الفكر التنموي المعاصر، أندريه جوندر فرانك. ونقصد كلاّ من: التكوينات الاقتصادية – الاجتماعية المحلية (بمعناها الواسع)، من جهة أولى، و العوامل الخارجية ، بما فيها أعمال الاختراق الموسّع بسلّة أدوات متنوعة ، بدءً من "التلامس الناعم" وانتهاء بالحرب العدوانية؛ من جهة أخرى. و يتداخل العاملان المذكوران بقوة في حالة "الدراما العربية" ، ولكن يبدو لى أن العامل الخارجى له الغلبة حتى الآن. فكيف ستكون-عربيا- مقاومة التأثير ومعاودة الانبعاث ؟ هذا هو السؤال، موجّهٌ إلى "نخبة النخبة" الواعدة.
.... و إنها لمجرد "نظرة طائر محلّق"، يطلّ من حالقٍ على الغابة الواسعة كثيفة الأشجار..!