أفغانستان: كيف نحلل الحرب؟

تامر خرمه
2021 / 10 / 9 - 00:22     

هزيمة الولايات المتحدة وعودة طالبان إلى السلطة خلقتا نقاشا داخل اليسار الأممي. هل سيكون لانتهاء الاحتلال الأمريكي تداعيات إيجابية أم سلبية على عمال وجماهير العالم؟

بقلم أليخاندرو إيتوربي
قطاع بأكمله من اليسار يتناول الطابع الأيديولوجي والسياسي للطالبان على أنه عنصر مركزي لتحليل التساؤل أعلاه. ومن هناك توصلوا إلى استنتاج مفاده أن انتصار طالبان واستلامها للسلطة ستكون له انعكاسات سلبية على الطبقة العاملة الأممية. للتحاور مع هذا القطاع، سنبدأ بالتأكيد على أن لدينا فهما واضحا للغاية للطابع الأيديولوجي والسياسي لطالبان، وهو ما حافظنا عليه منذ بداية الحرب (2001). نحن نعرف طالبان على أنها منظمة ذات توجه برجوازي في الأساس، “رجعية بعمق، وذات ميول فاشية كثيرة”.
ومع ذلك، فليس من الصواب تقديم ذلك باعتباره العنصر الوحيد الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار، لأن هذا سيقودنا إلى استنتاجات خاطئة. بالنسبة لنا، للرد على السؤال المتعلق بمغزى هزيمة الولايات المتحدة، من الضرورة مراعاة خصائص الحرب نفسها. من أجل هذا التحليل، سنقوم باستخدام المعايير التي وضعتها الماركسية. أوضح مرجع هو مؤلف الاشتراكية والحرب (1915)، الذي كتبه لينين بهدف توجيه الحزب البلشفي الروسي والجناح الثوري للأممية الثانية في سياق الحرب العالمية الأولى.
في هذا العمل، يستعيد لينين المفهوم الذي وضعه الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز في عام 1832: “الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”. بعبارة أخرى، لتوصيف أي حرب وللتمكن من اتخاذ موقف بشأنها، يجب على الماركسيين أولا دراسة وفهم الطابع السياسي للحرب.
لينين وصف الحرب العالمية الأولى بشكل صحيح بأنها حرب إمبريالية داخلية ولا يوجد للإشتراكيين فيها أي طرف للقتال من أجله. من هنا، وجه نقدا شرسا للأحزاب الرئيسية في الأممية الثانية (الألمانية والفرنسية) التي دعمت برجوازياتها الوطنية في الحرب. بالنسبة للينين، كان الخيار الوحيد في مواجهة هذا النوع من الحروب هو الانهزامية الثورية (“لا يمكن للطبقة الثورية إلا أن تتمنى هزيمة حكومتها في الحرب الرجعية”) ووجه الحزب البلشفي إلى “تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية”، وهو شيء تم تحقيقه على الأرض في ثورة أكتوبر (1917).
“في ذات الوقت، حلل أن هناك أنواعا أخرى من الحروب، تلك التي وصفها بأنها ضرورية وعادلة: “في التاريخ، هناك العديد من الحروب التي كانت تقدمية، رغم كل الرعب، والفظائع، والمصائب، والمعاناة، التي ترافق كافة الحروب بشكل حتمي.. أي أنها أفادت تطور البشرية”.
ضمن هذا النوع الأخير من الحروب، عرف إحداها على وجه التحديد: “بهذا المعنى فقط اعتبر الاشتراكيون، ويعتبرون الآن، حروب “الدفاع عن أرض الوطن”، أو الحروب “الدفاعية”، شرعية وتقدمية وعادلة. إذا كان المغرب سيعلن الحرب على فرنسا، أو الهند على إنجلترا، أو بلاد فارس أو الصين على روسيا، وما إلى ذلك، فستكون تلك حروبا “دفاعية” “عادلة”، بصرف النظر عمن هاجم أولا، وسيتعاطف كل اشتراكي مع انتصار الدول المضطهدة والتابعة والمظلومة على القوى القمعية الوحشية “العظمى” التي تمتلك العبيد”. بعبارة أخرى، بالنسبة للينين، فإن الموقف في مواجهة الحرب ومخرجاتها لا يعتمد على نوع القيادة التي يمتلكها النضال المناهض للإمبريالية في بلد مضطهد، بل على طبيعة البلدان المتنازعة. في هذه الحالة، على الإشتراكيين “الدفاع عن أرض وطن” البلد المضطهد، والانخراط في جهوده العسكرية.
كان لموقف لينين منطق هام: منذ بداية ما أسماه بـ “الحقبة الإمبريالية”، كان العدو الرئيسي للعمال في العالم، والذي تنبغي محاربته وهزيمته، هو الإمبريالية بالتحديد (أو، إذا شئت، البرجوازية الإمبريالية في عدد صغير من البلدان). كان هذا بالنسبة له العامل والخط المركزيين الذي يجب اتباعه بالنسبة للاشتراكيين الثوريين: “لا يمكن للاشتراكيين تحقيق هدفهم العظيم دون النضال ضد كل أشكال اضطهاد الأمم”.

تروتسكي والحرب الافتراضية بين إنجلترا والبرازيل
معايير لينين لهذا النوع من الحروب، حيث لا يعتمد دعم البلد المضطهد على طبيعة قيادة الجيش المعني، تبرز ضمنا في أعماله. وبعد عقدين من الزمن قام تروتسكي بصياغة وجهة نظر أكثر وضوحا في مقابلة أجراها مع زعيم النقابات الأرجنتينية ماتيو فاسو عام 1938 في المكسيك. في تلك المقابلة، التي جاءت في سياق الأشهر التي سبقت الحرب العالمية الثانية، قدر تروتسكي حربا افتراضية بين إنجلترا والبرازيل.
“سأقوم بأخذ المثال الأكثر بساطة ووضوحا. في البرازيل يسود الآن نظام شبه فاشي لا يمكن لأي ثوري إلا أن ينظر إليه بكراهية. دعنا نفترض، مع ذلك، أن إنجلترا دخلت غدا في نزاع عسكري مع البرازيل. أسألكم: إلى أي جانب من طرفي النزاع ستكون الطبقة العاملة؟ سأجيب بالنسبة لي أنا_ في هذه الحالة سأكون إلى جانب البرازيل “الفاشية” ضد بريطانيا العظمى “الديمقراطية”. لماذا؟ لأنه في الصراع بينهما لن تكون المسألة الديمقراطية أو الفاشية. إذا كانت إنجلترا هي المنتصرة فإنها ستقيم فاشية أخرى في ريو دي جانيرو، وستضع سلاسل مضاعفة على البرازيل. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت البرازيل هي المنتصرة، فإنها هذا سيعطي دفعة عظيمة للوعي الوطني والديمقراطي للبلاد، وسيقود إلى إسقاط ديكتاتورية فارجاس. وهزيمة إنجلترا ستوجه في نفس الوقت ضربة للإمبريالية البريطانية، وستعطي دفعة للحركة الثورية للبروليتاريا البريطانية. حقا، على المرء أن يكون لديه رأس فارغ لاختزال الخصومات الدولية والصراعات العسكرية في صراع بين الفاشية والديمقراطية. تحت كل الأقنعة، على المرء أن يعرف كيف يميز المستغِلين ومالكي العبيد واللصوص! في كافة بلدان أمريكا اللاتينية، ترتبط مشاكل الثورة الزراعية ارتباطا وثيقا بالنضال المناهض للإمبريالية”.
بعد عقود، “الصراع الافتراضي” أصبح حقيقة، وإن كان قد جاء في سياق مختلف تماما، خلال حرب جزر مالفيناس بين إنجلترا والأرجنتين (1982). في هذا البلد الأخير، كانت دكتاتورية عسكرية دموية مؤيدة للإمبريالية، والتي قامت بخطف واغتيال آلاف العمال، هي من في السلطة. الدكتاتورية، التي كان يترأسها في تلك اللحظة ليوبولدو جاليتييري، غزت جزر مالفيناس، وهو طموح وطني قديم منذ أن طالبت إنجلترا بالجزيرة عام 1833. ليس من أهداف هذا المقال تحليل كيفية بداية هذه الحرب وتطورها. يمكن لأي مهتم الاطلاع على المقالات المختلفة المنشورة على هذا الموقع.
ما نريد تسليط الضوء عليه هنا هو أن الموقف الذي تم تبنيه في مواجهة هذه الحرب أدى إلى انقسام عميق في اليسار بالأرجنتين وفي أجزاء أخرى من العالم. من المخجل أنه كان هناك قطاع يأمل في انتصار إنجلترا، وقطاع آخر كان موقفه وسطيا “لا لانجلترا ولا للدكتاتورية الأرجنتينية”. منظمة المورينيون (نسبة إلى نهويل مورينو) بالأرجنتين في تلك السنوات (حزب العمال الاشتراكي)، والرابطة الأممية للعمال_ الأممية الرابعة، التي كانت قد تأسست مؤخرا آنذاك، لم تترددا في اتباع تعاليم لينين وتروتسكي.
رغم أن حزب العمال الإشتراكي كان حزبا سريا، إلا أنه قاتل ببطولة ضد الدكتاتورية، وخلف أكثر من 100 قتيل بين أعضائها. وبصرف النظر عن ذلك، فقد رسخ نفسه في الخندق العسكري المناهض بشدة للإمبريالية، وإلى جانب الشعب الأرجنتيني، وضع كل قواه باتجاه كسب تلك الحرب. ومن الجدير بالذكر أنه بعد هزيمة الأرجنتين، عاد الحزب إلى الشوارع مجددا، للدفع بالتعبة نحو إسقاط الدكتاتورية.

جدال كنا قد خضناه من قبل
هذا الجدل حول السمة التقدمية أو الرجعية لانتصار طالبان هو تكرار لنفس الجدل شهده اليسار الأممي في بداية الحرب عام 2001. من جهة الولايات المتحدة الإمبريالية، قامت حكومة جورج دبليو بوش باستغلال فرصة الرد على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتفجير البرجين التوأمين، لإطلاق “حربه على الإرهاب” الموجهة ضد ما أسماه بـ “محور الشر” (بين حكومات أخرى، تضمن هذا حكومات أفغانستان، والعراق، وسورية، وكوريا الشمالية، وإيران). كان غزو أفغانستان والإطاحة بنظام طالبان الحلقة الأولى في هذه الحرب الأكبر.
في حالة أفغانستان، وصفنا طالبان بأنها ديكتاتورية ثيوقراطية بقوانين تستند إلى تفسير متطرف وغير متسامح للشريعة الإسلامية. هذه القوانين ظالمة وقمعية بشدة، خاصة ضد النساء ومجتمع المثليين، وضد الأقليات العرقية والدينية واللغوية. كان هذا الطابع الخاص بنظام طالبان تحديدا هو ما جعل الكثيرين يتساؤلون حول ما إذا كان ينبغي دعم الحرب الدفاعية التي قادتها طالبان، والتي بدأت ضد الغزاة.
بهذا الفهم، نشرت الرابطة الأممية للعمال_ الأممية الرابعة مقالتها: “أي نوع من الحروب هي هذه الحرب؟” بقلم مارتن هيرنانديز. في تلك المقالة، يأخذ هيرنانديز المعايير التي وضعها لينين وتروتسكي لتحليل طبيعة الحرب والموقف الذي يجب أن يتبناه الثوريون. وردا على سؤال “إلى أي جانب يجب أن يكون الاشتراكيون؟”، ورد في المقالة:
“إذا تركنا جانبا ما يدعي الطرفان أنهما يقومان به، سواء “الدفاع عن الحرية” (بوش) أو “الحرب على الكفار” (طالبان) ، فإن صورة هذه الحرب تبدو لنا تقريبا كرسوم كاريكاتورية. من جانب، الولايات المتحدة مدعومة من قبل كافة أقوى الجيوش في العالم. ومن الجانب الآخر، بلد متأخر في التكنولوجيا بما يقارب الألف عام… يديره تيار (طالبان)، والذي بعد أن شكلته وكالة المخابرات المركزية بات يرفض اليوم قبول الأوامر الإمبريالية. إذا أجرينا الحسابات… فسنجد أن هذا هو النوع الأكثر نمطية للصراع الذي نراه اليوم: حرب لغزو مستعمرة جديدة في منطقة استراتيجية في العالم”.
المقالة تؤكد أن النقاش حول “المستعمرات الجديدة” ليس مفارقة تاريخية لأن النزعة العميقة للإمبريالية تقودها إلى استعمار أو إعادة استعمار البلدان غير الإمبريالية. كان هذا هو جوهر “القرن الأمريكي الجديد” الذي دفع به بوش. في مواجهة جريمة إعادة الاستعمار هذه:
“حاليا، غالبية برجوازية البلدان التابعة/ المتخلفة مدرجة ومندمجة في الإمبريالية ولا تبدي حتى أدنى مقاومة للاحتلال. ومع ذلك، هناك حكومات و/ أو قطاعات من البرجوازية تحاول، بحالة من اليأس، مقاومة جهود إعادة الاستعمار، وبالتالي فهي تتطلع إلى التمركز في التعبئة الجماهيرية. هذه المواجهة بين الجماهير في البلدان التابعة وبين الإمبريالية، وهي مواجهة تشارك فيها قطاعات مختلفة من البرجوازية بسرور (ويمكننا أن نضيف أنها تقودها في كثير من الحالات)، هي ما وراء هذه الحروب”.
يخلص المقال إلى أنه عندما نحلل مسألة أمة متخلفة و/ أو تابعة تهاجمها أمة إمبريالية، عندها نعم، لدينا بلد علينا أن ندعمه. بعبارة أخرى، إذا كان هناك جهد عسكري واضح للدفاع عن البلاد من هجوم إمبريالي، فعندها ندفع، بما هو ممكن، باتجاه نجاح هذا الجهد العسكري إلى جانب الطالبان.

هل يمكننا التعاون مع جماعة كطالبان؟
انطلاقا من هذا الموقف، تساءلنا عن خطر حقيقي: “أليس من الممكن في لحظة معينة أن تقوم طالبان باضطهاد الثوار ومحاولة قتلهم؟ فهي تيار سياسي رجعي للغاية، وذات ميول فاشية”. من الواضح أن هذا الخطر موجود بالفعل. لكن إمكانية وقوعه (هجوم داخلي ضد المعارضين أو الخصوم داخل كتلة عسكرية) كانت موجودة ليس فقط مع الطالبان، بل أيضا مع عدة قيادات برجوازية أو ستالينية.
على سبيل المثال، في الصين، في الجبهة التي تم تنظيمها ضد الغزو الياباني، كان جيش شيانغ كاي شيك البرجوازي يقوم، كلما أمكنه، بمهاجمة جيش الفلاحين الشيوعيين بقيادة ماو. في الحرب الأهلية الإسبانية، وأثناء القتال المشترك ضد فرانكو، قام الستالينيون بقتل الكثير من المناضلين في حزب العمال للوحدة الماركسية، والأناركيين، والتروتسكيين. وفي فيتنام، خلال مرحلة المقاومة ضد الإمبريالية اليابانية، عانى التروتسكيون القمع من القيادة الستالينية بقدر ما عانوه من اليابانيين. مثلا، القيادي التروتسكي تا تو ثاو تم اعتقاله في معسكر اعتقال ياباني، واغتيل لاحقا بأمر من هو شي منه عام 1957.
هذا مجرد جزء من الأمثلة التاريخية الكثيرة التي يمكننا سردها. بعبارة أخرى، نتعاون بدراية في ظروف صعبة للغاية، مواجهين خطرا مزدوجا: القتال ضد عدو إمبريالي أو فاشي من جهة، وإمكانية القمع من قبل قيادة الجيش الذي نتعاون معه من جهة أخرى.
ومع ذلك، وحتى في ظل هذه الظروف بالغة الصعوبة، لا بد من المساعدة في دعم هذا العمل العسكري لسببين: الأول هو أن هذه هي الطريقة الملموسة لتطوير النضال ضد عدونا الرئيسي (الإمبريالية أو الفاشية). الثوريون لا يقومون باستخدام كلماتنا ببساطة للشجب والإصرار على أننا نحتفظ بموقعنا المناسب في الصراع الطبقي، بمجرد أن نعرف موقعنا نحاول (ضمن الإمكان) أن نترجمه إلى ممارسة.
ثانيا، مشاركتنا في هذا الجهد الموحد هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا عبرها الدفع ببرنامجنا السياسي، والتنازع المباشر مع القيادة خلال الصيرورة. على سبيل المثال، أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، وجه تروتسكي أتباعه في إسبانيا للتدخل من خلال دعم الجمهوريين بقيادتهم البرجوازية ذات الميول الستالينية: “إننا نشارك في النضال ضد فرانكو كأفضل الجنود..”. وأضاف في مقال آخر: “طالما أننا لسنا أقوياء كفاية.. سنقاتل تحت علمهم (العلم الجمهوري). لكننا في كل المناسبات، سنعبر عن عدم ثقتنا به..”.
في هذه الظروف المحددة، يعد تكتيك الوحدة العسكرية في العمل ضرورة مفروضة علينا بفعل الواقع الحالي، الذي يطالبنا بالدفع قدما بمبدأين: مشاركتنا في النضال ضد الإمبريالية (أو الفاشية) وتقديم برنامجنا السياسي لمحاولة الفوز بالقيادة خلال الصيرورة النضالية. بعبارة أخرى، إننا في ذات المعسكر العسكري مع قيادة البرجوازية أو البيروقراطيين الذين يقودون القتال (وبهذا المعنى، يجب أن نقبل توجههم العسكري) طالما أن هذه هي الشروط الموضوعية. لكننا لسنا في نفس المعسكر السياسي معهم، ونخوض دوما قتالا على الصعيد السياسي.
هذا ما أسمته الماركسية تكتيك الجبهة المتحدة. لأن جزء منه هو تكتيك وحدة النضال ضد الإمبريالية والفاشية، لكن الآخر هو نضال مستمر ودائم ضد القيادة السياسية.
إننا نطالب وندفع بالإجراءات اللازمة لكسب النضال، بينما نحارب أيضا واقع أنه، تحت ذرائع الانضباط العسكري الضروري، تفرض نفس هذه القيادة ذات الانضباط المناهض للديمقراطية في الساحة السياسية لعرقلة (وحتى قمع) إمكانية صنع القرار الديمقراطي بين العمال والجماهير. بعبارة أخرى، في هذه الحالة بالذات، وتحت تكتيك وحدة العمل، لن نتوقف أبدا عن التنديد بالطابع السياسي لطالبان.

هل هو جيد أم سيء أن الإمبريالية قد تمت هزيمتها؟
بعد مراجعة المعايير التي وضعتها الماركسية الثورية حول الحروب من هذا النوع، وتذكير أنفسنا بكيفية تطبيقنا لهذه التكتيكات في الحالة المحددة للحرب في أفغانستان، نعود إلى السؤال الأولي: هل هو جيد أم سيئ أن الإمبريالية تمت هزيمتها؟
بالنسبة لنا، وبالنظر إلى تحليلنا، فإن هذا يعد حدثا إيجابيا، وذلك لسببين: الأول هو أن الإمبريالية تم إضعافها، وهي في وضع دفاعي أكثر بكثير مما لو كان هناك انتصار عسكري في أفغانستان. الدول الإمبريالية تركت هذه الحرب في أزمة وبتناقضات عميقة حول كيفية الدفاع عن مصالحها من خلال سياسة إعادة الاستعمار التي سبق وأن أشرنا إليها.
لن نناقش هنا ما إذا كانت هذه الهزيمة تعادل ما حدث في فيتنام في السبعينيات. كلاهما كان هزيمة عسكرية، وكان لهما، بهذا المعنى، تأثير مماثل. ليس صدفة أنه في تلك المرحلة قام المحللون السياسيون الإمبرياليون بصياغة مصطلح “متلازمة فيتنام” للإشارة إلى التخلي (على الأقل لفترة من الوقت) عن السياسات العدائية والتدخلات، التي بدأت في الخمسينيات ضد الطبقة العاملة والجماهير، تحت عباءة “الحرب ضد الشيوعية”.
بدءاً برئاسة جيمي كارتر عام 1977، بدأت الحكومة بتطبيق تكتيك القوة الناعمة، الذي وضعه مستشاره الأمني ​، زبيغنيو بريجنسكي. بريجنسكي كان مدركا تماما للرأي غير المواتي للتدخل العسكري بعد فيتنام، ولهذا السبب جعل الجانب العسكري ثانويا. وفقًا لرؤيته، كانت هناك لعبة طويلة تتجاوز مجرد النزاع العسكري.
بوش، بـ “حربه على الإرهاب”، أثار مسألة العودة إلى السياسة التي بدأت في الخمسينيات. لكن مشروعه انتهى رسميا بالهزيمة في العراق وأفغانستان. كما أنه ليس صدفة أنه بعد عقد من الصراع، كانت الهزيمة تلوح في الأفق في كلتا الحربين المتوازيتين. المحللون السياسيون بدأوا باستخدام مصطلح “متلازمة العراق”، وقد تجلى ذلك في الاستدارة الأولية باتجاه التعاون السياسي الدولي الذي طبقه باراك أوباما.
حتى دونالد ترمب، الذي بميله المعتاد كان سيرغب بالتعثر ومن ثم شق طريقه خارج الأوضاع، كان عالقا في الواقع الراهن. لم يكن بإمكانه مجرد قصف كوريا الشمالية، وعوضا عن ذلك كان عليه أن يختار التفاوض مع الصين. لقد فشل على نحو بائس في تهديداته بغزو فنزويلا، وفي نهاية عهد حكومته، كات ترمب هو الذي بدأ بالحديث عن مغادرة جبهتي الحرب في الشرق الأوسط بشكل نهائي، قائلا إن الوقت قد حان لكافة أفراد الخدمة الأمريكية لمغادرة أفغانستان. حكومة بايدين كانت هي التي نفذت أخيرا هذه الخطط.
الأزمة التي أنتجتها متلازمة العراق – أفغانستان بعثت بالاعتراف الأخير بالهزيمة العسكرية (رغم أن حدة هذه الأزمة قد تم تخفيفها على الأرجح من خلال الخروج المطول). فقط انظر إلى النقاشات في غرف الأخبار الإمبريالية، وداخل مجتمع الاستخبارات، والهيئات السياسية كالمجلس الأطلسي. هذه النقاشات تدور أيضا في وسائل إعلام البلدان الإمبريالية الأخرى التي تعاني الهزيمة، كالـ “بي بي سي” أو “إل باييس”. في المقالات التي أنتجت عبر وسائل الإعلام هذه نرى مزيجا من المحاولات الجادة لتحليل سبب الهزيمة، مختلطة باتهامات لوم فردية.
حكومة بايدن تركت ضعيفة على الرغم من أنه، كما قلنا، تم تخفيف الضربة، وذلك لأنه ببساطة ينفذ ما كان يبدو هزيمة جلية لحكومات متعددة. حتى أنه أعلن أن “المسؤولية تقع على عاتقي” بشأن عودة طالبان إلى السلطة، بينما يواصل الدفاع عن سحب جميع القوات.
جانب آخر من جوانب الإمبريالية قد تم إضعافه: الإحباط العسكري، خاصة بالنسبة لأولئك الجنود الذين آمنوا حقا بالقتال من أجل “الحرية والديمقراطية”. على سبيل المثال، جاك كمينغ (جندي بريطاني سابق في أفغانستان فقد ساقيه في القتال) قال مؤخرا: “أشعر بالخيانة – لقد فقدت ساقي من أجل بلادنا، ورؤية ما يحدث لأفغانستان أمر مروع ومفجع”. هذا شعور مماثل لما عبر عنه قدامى المحاربين الأمريكيين. أنطوني فالديز، مثلا، (الذي قاتل لمدة عشرين عاما في العراق وأفغانستان) صرح بقوله: “إنه أمر مزعج بطريقة ما. كل العمل الذي قمنا به لمحاولة بناء الأوضاع من أجل مساعدة أفغانستان لكي تصبح دولة أفضل. لقد شعرت نوعا ما بالكيفية التي تسير وفقها الأمور”.

أثر التعبئة الشعبية
مفهوم “المتلازمة” (سواء أكانت فيتنام أو العراق – أفغانستان) يشير إلى تأثير الإمبريالية وهزائمها. هذا، رغم ذلك، له دوما جانب آخر، وهو انتصار التعبئة الجماهيرية التي تظهر عبر النضالات الصعبة أنه من الممكن هزيمة عدو أكبر.
مثلا، كما نوقش في بيان الرابطة الأممية للعمال_ الأممية الرابعة الأخير: من الصعب تخيل الصعود الثوري الضخم في العالم العربي والإسلامي بعد العام 2011 دون إدراك أن ذلك كان مدفوعا بالهجمات الإمبريالية.
لذا، دعنا نعود إلى الموقف الإمبريالي الواضح لزبغينو بريجنسكي، الذي صرح في مقابلة له عام 2014 بأن “أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة. لكن قيادتنا يتم اختبارها في الشرق الأوسط. وبعض الأشياء التي قمنا بها في الشرق الأوسط تسهم في حدوث انفجار محتمل على مستوى المنطقة. وإذا خرج هذا الانفجار عن السيطرة، فقد ينتهي بنا الأمر إلى الوقوع، لسنوات عديدة قادمة، في مستنقع صراع سيضر بشدة بقدرتنا على ممارسة قوتنا، ومعالجة المشاكل الكامنة في هذه اليقظة العالمية، وقد نواجه عالما يبتعد عنا كثيرا، ساعيا إلى توازنه الخاص، ولكن قد ينزلق إلى فوضى متنامية”.
منذ العام 2014، تغير الكثير، وشهدنا صراعات خارج الشرق الأوسط، شملت قلب الإمبريالية العالمية بالانتفاضات التي أعقبت مقتل جورج فلويد. الإمبريالية بدورها توصلت إلى استجابات جديدة لنضالاتنا. بغض النظر عن هذا، ما نعرفه هو أن هزيمة الإمبريالية الأمريكية في أفغانستان، بكل تناقضاتها، سيكون لها في النهاية تأثير إيجابي على نضالات الطبقة العاملة في كافة أنحاء العالم.
بقي لدينا نقطة أخيرة، والتي سنشرحها بمزيد من التفصيل في المقالات المستقبلية. إننا ندرك أن حركة طالبان، التي استولت على السلطة في أفغانستان، هي مجموعة نصفها مرة أخرى بأنها مجموعة رجعية للغاية ذات ميول فاشية، والتي ستحاول على الأرجح تثبيت ديكتاتورية ثيوقراطية لترسيخ البرجوازية في بلد رأسمالي. لذا، من الطبيعي أن توقف أي هجمات أخرى ضد الإمبريالية.
لكلا العاملين، فإن وحدة العمل العسكري، التي أيدناها حتى الآن، مع طالبان (تكتيك الجبهة الموحدة الذي حللناه أعلاه)، تنتهي بهزيمة القوة الإمبريالية واستلام الحكومة. من ناحية أخرى، كما تم التعبير عنه مؤخرا في بيان صادر عن الرابطة الأممية للعمال_ الأممية الرابعة: “نعتقد أن العمل الذي ينبغي القيام به الآن هو الانضمام إلى الجماهير في أفغانستان، وخاصة النساء والجماهير المضطهدة، في النضال ضد الدكتاتورية”. لهذا السبب، ندافع وندعم التحركات الأولية للنساء في الدفاع عن حقوقهن، والتي بدأت في كابول. ومن جهة أخرى نطالب بأن تستمر طالبان في قتالها ضد الإمبريالية، حيث أن كل التجارب التاريخية (بما فيها تجربة طالبان) قد بينت أنها إذا بقيت مقتصرة على بلد واحد، يختار قادته أن يحاصروا أنفسهم داخل حدودهم الوطنية (لا سيما في بلد مثل أفغانستان)، فسيحكم عليها بالاستسلام للمصالح الإمبريالية.
النسخة الأصلية لهذه المقالة، باللغة الإسبانية، على الرابط التالي:

Afganistán | ¿Cuáles son los criterios para analizar la guerra?

ترجمة تامر خرمه