روزا لوكسمبورغ والنضال من أجل الصحة العامة

ريتشارد هورتون
2021 / 10 / 6 - 12:39     

يوم ١٥ كانون الثاني/يناير عام ١٩١٩، خلال بدايات الثورة(*) في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى، أعدمت الاقتصادية البولندية وزعيمة اليسار الألماني الراديكالي، روزا لوكسمبورغ، في برلين على يد ميليشيا تعمل بالنيابة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم. كان عمرها ٤٧ عاماً. ألقي جسدها المحمل بالأثقال في قناة قريبة. أصبحت لوكسمبورغ أسطورة، فحظت بالإعجاب بكونها شهيدة أكثر من دراستها كمثقفة ثورية.

كانت مناضلة مناهضة للحرب، وكافحت من أجل تحرر النساء، وعارضت القمع الروسي الوحشي للحرية والديمقراطية. لم تكتب لوكسمبورغ مباشرة عن الصحة أو العلوم. لكنها كانت قلقة جداً بشأن المعاناة الإنسانية وأدركت بالتالي أهمية المعرفة كأداة للتغيير الاجتماعي. تعتبر الذكرى المئوية لمقتل لوكسمبورغ فرصة لإعادة استكشاف إرثها في مجال الصحة.

أبرز عمل لروزا لوكسمبورغ هو تراكم رأس المال (١٩١٣). كان هدفها التحقيق حول كيفية نمو الدول. اعتبرت فيه أن استدامة المجتمعات الرأسمالية المعتمدة على النمو الاقتصادي تعتمد على النمو خارج حدود الدولة-القومية. وهي اقتصاديات تحتاج إلى إمدادات دائمة من الموارد الطبيعية والعمال غير المكلفين. كانت الوسيلة المفضلة للحصول على تلك السلع من خلال التوسع الإمبريالي. فثارت لوكسمبورغ ضده كاتبة: “رأس المال يحتاج إلى أعراق أخرى لاستغلال المناطق التي لا يستطيع الرجل الأبيض العمل فيها. يجب أن تكون قادراً على تحريك قوة العمال العالمية دون قيود من أجل الاستفادة من جميع القوى المنتجة في العالم”؛ وأضافت: “الامبريالية هي الطريقة التاريخية لإطالة مسيرة الرأسمالية”، وكتبت في مكان آخر”اليوم، الأمة ليست سوى غطاء لرغبات الامبريالية”، كما أن “انتصار الامبريالية سيؤدي إلى تدمير الحضارة”.

لماذا هذه الحجج على صلة بالصحة اليوم؟ مؤخراً نُشِرَتْ دراسة تحليلية، بعنوان النضال من أجل الصحة، كتبها آميت سينغوبتا، وشيارا بوديني وسيباستيان فرانكو، والتي تشكل بياناً لوكسمبورغياً من أجل الصحة. تحاجج الدراسة بأن تنظيم المجتمع الحديث “يقف في تناقض بين حقوق السكان في الصحة والرعاية الصحية”. في وسط هذا التناقض تتجسد الآثار السلبية للعولمة- الاستنساخ الحديث للامبريالية- من بين تلك الآثار الصراعات وانعدام المساواة وتنامي الحكومات الاستبدادية. ونتيجة كل ذلك حصول “أزمة صحية عالمية”.

الوصول إلى صحة جيدة يعتمد على القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشكل ظروف المعيشة- البطالة وانعدام الأمن والهشاشة. والأزمة العالمية أضعفت التضامن الذي ساعد على قيام أنظمة الحماية الاجتماعية بعد عام ١٩٤٥ (**). في هذا الوقت، أدى التأثير المتزايد للبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمؤسسات الخاصة إلى تقويض عمل منظمة الصحة العالمية وإضعاف التعددية. وكانت إحدى النتائج تعميق العجز الديمقراطي في الصحة العالمية.

سمحت المساءلة الضعيفة لأن تصبح آليات السوق الحل المفضل لتقديم الرعاية الصحية. فتحولت الصحة إلى علاقة تجارية بين المورّد والمشتري. وأدى انتشار التأمين الصحي الخاص، والاستعانة بمصادر خارجية، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب النقص المقصود في تمويل الرعاية الصحية من قبل الدول، إلى تهميش وشرذمة النظم الصحية الوطنية.

في الوقت الذي أصبحت السردية الصحية العالمية حول التغطية الصحية الشاملة، وإمكانية إنشاء وإدارة أنظمة صحية شاملة ومتكاملة أكثر صعوبة من أي وقت مضى، ما هو الرد المطلوب؟ “الصحة العامة يجب أن تقوم على مبادئ التضامن ومنفصلة عن علاقات السوق.” الصحة لها قوة اجتماعية خاصة. الصحة تهدف إلى قيام “مطالَبة مشتركة، وعلوم مشتركة توحدنا في النضال”. “الصحة هي دعوة قوية من أجل التعبئة”.

في كتيبها المعنون الثورة الروسية، كتبت لوكسمبورغ: “الحرية، هي دوماً حرية من يفكر بشكل مختلف”. وشددت على أن درجة اصطلاح الأحوال تقاس فقط من خلال حصول الأكثر تعرضاً للإقصاء والتهميش على حقوقهم الأساسية. بعد مرور قرن على اغتيالها الوحشي، تدعونا لوكسمبورغ إلى قياس مقدار توفر الصحة في مجتمعاتنا لأكثر الأشخاص فقراً والمحرومين من كل الحقوق. بمواجهة ذلك، علينا أن نطأطئ رؤوسنا عاراً. لكن كلمات لوكسمبورغ ما زالت موجودة لتشجعنا للانخراط من جديد في النضال من أجل الصحة العامة.

ملاحظتان من المترجم:

*امتدت الثورة الألمانية بين عامي ١٩١٨ ١٩٢٣، للمزيد إقرأ(ي) كتاب كريس هرمان عن الثورة الألمانية المفقودة، بوكماركس، ١٩٨٢

**من دون شك التضامن الذي سعت إليه لوكسمبورغ، واستشهدت في سبيله، يختلف اختلافاً جذرياً عن “التضامن” الذي تحقق بأوروبا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية خاصة عبر حكومات الوحدة الوطنية، التي ضمت اليسار الذي ناضلت ضده روزا، أي اليسار الذي قتلها، اليسار الذي دعم الحرب العالمية الأولى والثانية مانعاً إمكانية تمدد الثورة الأممية خلال القرن الماضي. بكل الأحوال، وحتى لا أقع في الفخ، لم تسعَ روزا إلى تضامن أنجيأوزي إنما إلى اشتراكية أممية إنسانية وديمقراطية.