ثلاثية استعمارية وصهيونية وفارسية تتبارى في كراهية العروبة (1/ 4)


حسن خليل غريب
2021 / 10 / 5 - 21:54     

الحلقة الأولى:
كراهية الاستعمار الأوروبي للعروبة

في أواسط الخمسينيات من القرن العشرين، منذ أن تفتَّحت أنظاري على هذه الحياة، إن نسيت فلن أنسى عبارة كان يرددها أحد الرجال من قريتي كان يعمل في شركة بريطانية في لبنان، ونص تلك العبارة »العرب جرب«.
لقد حفرت العبارة في ذاكرتي عميقاً، ورحت أفتش عن دلالاتها وأبعادها منذ تلك الفترة. وحتى الآن وبعد أن رحت أتعمَّق بالبحث، لا تزال الصورة لم تكتمل، لأنني كلما تعمَّقت أكثر، كانت تتكشف بعض الحقائق الأخرى أمامي. فوجدت مظاهر جديدة، ومن أهمها مظاهر العداء الأميركي تحت غطاء »الانتصار للعرق الأميركي الأبيض«. ومظاهر العداء الصهيوني تحت غطاء عنصرية دينية تنمُّ دلالاتها عن إيمان الصهيونية بنظرية »شعب الله المختار«.
وتوالت الصور الجديدة بعد احتلال إيران للعراق، والتي أكثر ما صفعني فيها شريط فيديو يصوِّر قصة جندي عراقي أرغم على تقبيل أرجل زائر إيراني. وينقل الفيديو أنه بعد أن انزوى الجندي جانباً، راح يكفكف دموع الذل والمهانة عن جفنيه. والأكثر إيلاماً أن الجندي المذكور ينتمي إلى الطائفة ذاتها التي ينتمي إليها الزائر الإيراني. وتواصلت الصور أمامي من سماع زائرين للمراقد الدينية في إيران، وكان أول ما ينقلون معهم صور احتقار الإيرانيين لهم لكونهم عرباً.
إن المشاهد التي انطبعت في ذاكرتي منذ الخمسينيات، والتي رحت أبحث عنها لأجد تفسيراً موضوعياً لها، فقد وجدت التالي مرفقة بنصوصها المنقولة.
-مظاهر العداء الأوروبي الغربي:
أما عن عبارة »العرب جرب« التي كان المسؤولون في الشركة البريطانية يرددونها على أسماع الموظفين اللبنانيين، فقد وجدتها في وثيقة هنري كامبل بنرمان، التي صدرت في العام 1907. تلك الوثيقة تمت صياغتها بعد مؤتمر دام سنتين، ابتدأ في العام 1905، وانتهى في العام 1907.
لقد دعا إلى انعقاده هنري كامبل بانرمان، وزير خارجية بريطانيا، بعد موافقة مجلس العموم البريطاني، وذلك لرسم خرائط للمنطقة العربية بعد إسقاط الإمبراطورية العثمانية التي أُطلِق عليها يومذاك اسم »الرجل المريض«. وحضر المؤتمر ممثلون عن كل الدول الأوروبية الغربية، بالإضافة إلى ممثل عن الصهيونية العالمية.
ولكي لا نرهق المقال بتفصيلات عن جميع مقررات المؤتمر، وعن دلالاته وأبعاده، فإننا سنحصر الشواهد بما له علاقة بمسألة الكراهية التي يكنها الغرب للعرب. وهذه الاقتباسات تفسر أبعاد هذه المسألة. وهذا هو النص الذي قمنا بانتخابه من نصوص المؤتمر:
»من أجل ضمان مصالح الغرب في المنطقة العربية بعد إسقاط الدولة العثمانية الإسلامية، أوصى مؤتمر كامبل بانرمان«، بما يلي:‏ »أ-على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزئة هذه المنطقة وتأخرها، وإبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتأخر وجهل«.‏
وقد رأيت تطبيقاتها عيانياً من خلال الكثير من المواقع والتقارير والوثائق. لعلَّ بدايتها انطلقت من وثيقة (سايكس – بيكو) التي قسمَّت المنطقة الناطقة باللغة العربية إلى دول، استناداً إلى خطوط جغرافية. فعلت ذلك خلافاً لما فعلته في الدول المجاورة، كتركيا التي رسمت حدودها استناداً إلى عوامل جغرافية وديموغرافية، وألحقت بها منطقة الإسكندرون العربية. وكإيران التي احتفظت بحدودها التاريخية، وأُلحقت بها منطقة الأحواز العربية.
في الوقت الذي تعرَّضت فيه المنطقة الناطقة باللغة العربية للتقسيم والتفتيت، وحافظت فيه غيرها من الدول المحيطة بها على هوياتها القومية، لها دلالاتها المرتبطة بعامل العدائية الغربية للقومية العربية.
إن عدائيتهم استندت إلى مخاوفهم تحديداً من وحدة العرب القومية التي إذا حصلت، فإنها تشكل الخطر الكبير على مصالحهم. وهذا الخوف كان واضحاً في نص لأحد قرارات المؤتمر حيث جء فيه: »إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات«. والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة : »ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان«.
وفيما تلا المؤتمر من أحداث ووقائع تؤكد على تنفيذ تلك المقررات التي مضى على اتخاذها أكثر من قرن من الزمن. وإذا كان التنفيذ قد ابتدأ بتنفيذ شق التفتيت حسب (اتفاقية سايكس – بيكو). وزراعة حاجز بين الجزئين الآسيوي - الإفريقي الذي هو (دولة إسرائيل) حسب (وعد بلفور)، فإن التنفيذ لم يتوقف حتى الآن. وكان الأقسى من ذلك كله، هو ما ينال الأقطار المفتتة من مشاريع خطيرة، وأكثرها حقداً هو ما عبثت به الدول الأوروبية الغربية من تدمير وتهجير وحروب أهلية، في مرحلة ما بعد العام 2011، تحت شعار شعبوي جذَّاب، أطلقت عليه إسم (الربيع العربي). وما تفعله عبر مشاريع التطبيع بين تلك الأقطار وبين العدو الصهيوني. كل ذلك، ولا تزال خناجر التفتيت والتقسيم الأوروبي الغربي، تفعل فعلها الإجرامي، في جسد الوطن العربي.