أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-4


سعيد مضيه
2021 / 10 / 5 - 17:43     

أ
مخدرون بأفيون العنصرية

كتب هيرتزل عام 1895، وكان في حيرة أين ستقام " الدولة اليهودية "، ان شعبه اليهودي سوف ينعزل بدولته المرجوة عن أصحاب الديا ر، السكان الأصليين. ومن قبل، عام 1891، رصد أشر تسفي غينزبرغ، المكنى احد هعام، إثر جولة قام بها في فلسطين من "كانوا عبيداً في منافيهم" و "العبد غدا ملكا في بلاد لا حدود لحريتها في قُطر مثل تركيا... فيعاملون العرب بعداء وقسوة". وفي العام 1907، تزعم الحركة الصهيونية مثقفون وكتاب إثر وفاة هيرتزل بازمة قلبية عام 1904، ترددت في كتاباتهم تطلعات العيش المشترك مع العرب والأخذ بأيديهم للنهوض؛ فزجرهم كلاوزنر في مقالة نقدية. قال كلاوزنر، الذي رحل الى فلسطين عام 1919، وعمل ملهما في النظرة العنصرية لوالد نتياهو ، بن زيون نتنياهو،" منذ ألفي عام ونحن نعيش بين أقوام متحضرين، ولم نأت الى فلسطين للاندماج". لا يجوز التفكير في الاختلاط والتعايش مع من وصفهم " أشباه متوحشين". منذ ذلك الحين ومقولة " أشباه المتوحشين" تخفي وراءها مصائب القتل العشوائي والتهجير وتدمير الممتلكات. عجز مزمن عن التكيف مع الواقع اوقع المجتمع اليهودي في هلوسات العنصرية، تداعت من حكايات التوراة ومن ثقافة عنصرية افرزتها في أوروبا تطلعات الغزو الامبريالي؛ وفرضت واقعا متخيلا ونظام أبارتهايد يكاد ان يكون سجنا يحكم الحصار، بفضل دعم السيطرة الامبريالية على بلدان المنطقة. فصل في بنية السجن الأكبر الاكاديمي والمفكر إيلان بابه في كتابه الجديد "أكبر سجن على الأرض". هذه المقالة تنقل عن بابه ما أورده في كتابه المشار اليه. نقل بابه عن رئيس الاستخبارات العسكرية شلومو غازيت، الذي عمل عام 1967 اول منسق للحكم العسكري، قوله : " إسرائيل أرادت للفلسطينيين مواجهة البطالة والنقص في الأرض والمياه والتدمير، وهكذا يمكن ان نخلق الأسباب المؤدية لرحيلهم عن الضفة الغربية وغزة [290] . حالة وجودية يمكن ان تتشكل في أي يوم وأي لحظة، جراء هدم المنازل وتخريب البنية التحتية واقتلاع الأشجار والتهجير والقتل العشوائي وشح المياه والبطالة العامة بمجرد "غلق الحدود" وما من حدود لدولة إسرائيل. كان هدف عدوان حزيران وضع الفلسطينيين تحت تهديد تلك الحالة بحيث تضطرهم الى المغادرة "طواعية". وكان للأميركيين هدف آخر، الى جانب خدمة مشروع الصهيونية بفلسطين، إفشال خطة عبد الناصر لطرد الأميركيين من المنطقة؛ قتغدوا به قبل ان يتعشى بهم؛ إذ وجهوا لطمة زلزلت نفوذه بالمنطقة. "أحاطت هالة تكاد تكون الاهية بصانعي القرار( الإسرائيليين) في تلك الحقبة، وشجعتهم على اتخاذ قرارات صارمة ذات عواقب تاريخية ، عجزت الحكومات اللاحقة عن تغييرها أو إبطالها[23]. قرارات أثبتت انها امنع من حواجز الأسلاك المكهربة. كما ارتفعت أسهم إسرائيل داخل الولايات المتحدة ونشطت حركة التضامن معها وتبني مشروعها .
حظر على الفلسطينيين المبدأ التاح لكل شعوب الكرة الأرضية- حق تقريرالمصير؛ "كان المطلب الرئيس المفروض على السكان ان يقبلوا بان لا رأي لهم على الإطلاق بتقرير مستقبلهم"[98]. وضع الفلسطينيون بين خياري الجزرة والعصا ؛ " أما العصا فلم تكن اقتصادية بالدرجة الأولى ، بل تضمنت قضاء شاملا على كرامة الإنسان وحريته وغالبا على حياته في مواجهة اي فعل فردي او جماعي، تخريبي او اعتبر تخريبيا حسب نظرالحكام الجدد "[177].
بتأثر بالغ كتب بابه: "لا يستسيغ هذا الكتاب استخدام مصطلح ‘ احتلال’، ولهذا التحفظ محددان : الأول ان المصطلح يوحي بوجود فصل وهمي بين إسرائيل والأراضي المحتلة، ما يشرعن بطريقة غير مباشرة الوجود الإسرائيلي في كل المناطق الأخرى على ما كان يعرف بأرض فلسطين الخاضعة للانتداب، كما يؤسس للانقسام غير المقبول بين إسرائيل ‘الديمقراطية ’ والأراضي المحتلة ‘ غير الديمقراطية’.
"اما التحفظ الثاني فيتعلق بالتداعيات السياسية والقانونية التي غالبا ما تقترن بمصطلح ‘احتلال’، فالاحتلال ينظر إليه عادة على انه تدبير مؤقت لتأمين أرض في أعقاب نزاع مسلح أو حرب. وتكون لهذا الاحتلال بداية ونهاية، وهو يخضع لأخكام وقواعد دولية تنبع من الطابع المؤقت لأي احتلال مفترض"[36-37] . وأضاف :" السلطات التي تتشبث بالأرض المحتلة وتلك التي تؤيد ‘المحتل’ تتقبل ان واقع ‘ الاحتلال’ سيدوم لسنوات طويلة قادمة.... اما الناحية الثانيةعن حالات الاحتلال العسكري المعروفة فتكمن في ان المحتل يمارس سيطرة كاملةعلى الضفة والقطاع ...جزءا من عملية منهجية للإقصاء او الإبادة الجماعية لذلك فإن الحد الذي وصلت اليه ممارسات السيطرة الكاملة على ما صار يعرف بالأراضي المحتلة يدفعنا الى البحث عن مصطلح لغوي أفضل" [37].
عمليا اندمجت فلسطين التاريخية من جديد في بيئة عنصرية – أبارتهايد – ينجز مجتمع التقدم والازدهار بينما يتم إفقار المجتمع الثاني بلا حدود. بيئة نسفت بدعة الديمقراطية والليبرالية، حيث يشكل اضطهاد مجموعة عرقية غير يهودية المعلم الأبرز في نظامه السيسي والاقتصادي.
يناشد بابه أصحاب الضمائر الحية: "أهدي هذا الكتاب الى اولئك الذين حاولوا بلا كلل تنبيه البشر الشرفاء الى اهمية عدم الاكتفاء بالوقوف متفرجين فيما يعامل ملايين البشر بطريقة وحشية ومذلة ، لمجرد انهم ليسوا يهودا.[32]. فقد حسمت قوى العدوان الأمور وارتأت أنها وحدها باتت تقرر شئون المنطقة بأسرها وليس فلسطين فقط. "كان مجلس الوزراء وقيادة الجيش على ثقة مطلقة بأن "لامبالاة الدول سنة 1948، عندما سيطرت الحركة الصهيونية على 78 بالمائة من فلسطين" سوف تتكر عام 1967؛ "ولهذا كانوا مقتنعين بأن المجتمع الدولي سيسمح لهم مرة جديدة بالقيام بخطوات أحادية الجانب بعدما احتل الجيس الإسرائيلي ال 23 بالمائة المتبقية من الأرض" [26]. كانت وعود الجلوس حول طاولة المفاوضات او إعادة النظر في الإجراءات المتخذة ذرا للرماد في العيون، و" النقاشات السياسية المزعومة التي دارت بعد ذلك ، بين ‘معسكر السلام’ و ‘معسكر الحرب’ في اسرائيل عديمة الأهمية في أفضل وصف لها ، وكاذبة في أسوأ وصف. وإن كان هذا التقييم صحيحا فمعناه ان عملية السلام المتمحورة كليا حول هذا ‘ النقاش’ كانت محكومة بالفشل منذ لحظة انطلاقها" [41].
لم يك بد من التحايل والمراوغة، إذ كان ذلك من أساسيات نهج السياسة الإسرائيلية، نظرا لأنها لم تحمل للعالم مشروعا تحرريا وتقدميا، بل مغامرات قرصنة دولية. "حددت الحكومة الإسرائيلية مواقع استيطانية لليهود ضمن أسافين دقتها في الضفة والقطاع؛ "ينظر في هذا الكتاب الى ان المستوطنين اليهود ومستوطناتهم على انهم وسيلة لتضييق الفسحة التي يعيش فيها الفلسطينيون وتقليص اعدادهم في الأراضي المحتلة ، أكثر منهم استجابة لرغبة ايديولوجية صهيونية في التوسع نحو باقي ارض فلسطين[42]. اتخذت القيادة الإسرائيلية " قرارا واضحا بشأن النظام القضائي الذي سوف يُعتمَد لإدارة شئون السكان في الأراضي المحتلة؛ لكنها تركت مسألة تحديد وضعهم القانوني في مهب الريح (وهي لا تزال كذلك حتى يومنا هذا) [49] .
ترسخ في إلإعلام إسرائيل نهج المخاتلة والمراوغة ، يقول المسئولون الشيء ونقيضه. اكتست جميع جدران البلدة القديمة في القدس بملصقات تدعو جميع الفلسطينيين الراغبين في الانتقال الى الأردن الى تسجيل اسمائهم في محكمة المدينة..أعطوا مهلة خمسة ايام للانتقال طوعا [111]. وفي 19 يونيو 1967 افاد مدير الأنروا بالأردن ان 100 الف لاجئ جديد وصلوا الضفة الشرقية ، ومعظمهم لاجئون للمرة الثانية.... وسوف ينضم اليهم كثيرون آخرون فيما بدأت الحكومة الإسرائيلية في توطين اليهود مكانهم في منطقة القدس الكبرى"[188].
" ابتدع مصطلح ‘الترحيل الإرادي’ تسمية أخرى للتطهير العرقي"[107]. في أيام الاحتلال الأولى رحل سكان احياء من القدس ." رحيل جماعي ’طوعي ‘ بادر اليه الفلسطينيون من القدس عبر جسر اللنبي المدمر. هذه الازدواجية في الكلام ستتتحول الى إحدى سمات التغطية الإعلامية الإسرائيلية ‘التي ما زالت قائمة حتى اليوم"[186]. ..."راح الإسرائيليون يطلقون أكاذيب سافرة بدون ان يرف لهم جفن، ما ادى الى نشوء لغة مضللة. فعلى سبيل المثال تحدث حاييم هيرتزوغ ،الحاكم العام للقدس الذي اصبح لاحقا رئيس دولة إسرائيل، عن رغبة الفلسطينيين في لم شمل عائلاتهم في الأردن"[187].
"تبرز من كنز الحكومة وأرشيف الأمم المتحدة الدفين خمس قضايا مروعة : التدميرالشامل للبيوت في قلقيلية، وترحيل اعداد كبيرة من طولكرم، والترحيل الجماعي لحوالي خمسين الف لاجئ من اريحا وتدمير ثلاث قرى في اللطرون ؛ وأخير تدمير قريتين في منطقة الخليل، إضافة الى طرد السكان من قرى كبيت عوا وعددهم 2500 شخص وبيت مرسم وعددهم 500 نسمة[ 191].
وحسب تقدير دايان – وكان صريحا في تصريحاته- بلغ عدد النازحين جراء سياسات الطرد ، الإسرائيلية 20 الفا في ذلك الوقت من يونيو[192]. زعم دايان بان الأمر مجرد ‘‘رحيل طوعي ‘رحيل طوعي’، في توصيف لغوي مخادع ومالوف للتطهير العرقي عام 1948، والذي لعب فيه دايان دورا رئيسا".[197].
و"بحسب مصادر الأمم المتحدة فقد طردت إسرائيل نحو 189 الف فلسطيني"[205].
راح مجلس الوزراء" يفكر في وسيلة لتجميع كل الفلسطينيين في مكان واحد يكون عبارة عن
‘كانتون حكم ذاتي’"[102]. ألحقت المناطق المحتلة بوزارة الدفاع ، إلا ان "وزير الداخلية، حاييم موشيه شابيرا، فهم انه سيترتب اعتماد لغة مزدوجة لمخاطبة المجتمع الدولي.. معظم الوزراء كانوا على قناعة بعدم الحاجة لاعتماد لغة مزدوجة في مسألة القدس، وشددوا منذ البداية ان تلك المسالة ستبقى دائما خارج إطارأي مفاوضات مستقبلية"[112]
"من جهة كان يطلب من الشعب الأميركي مساندة داوود الضعيف يعيش في ‘خطر وجودي دائم’
ممثل في احتمال حصول هولوكوست وشيك، ومن جهة أخرى يُعمل على إقناع الإدارة الأميركية بان إسرائيل قوةعسكرية لا تقهر، ورصيد قيم في الحرب الباردة التي تخوضها الولايات المتحدة آنذاك"[118].
بنتوف ، وزير الإسكان من (اليسار الصهيوني) اقترح فكرة عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة "قبل التوصل الى إبرام معاهدة سلام". راقت العبارة لبقية الوزراء.. "ومنذ ذلك الحين بات طرح معاهدة سلام كشرط مسبق للانسحاب، هو المنطق الإسرائيلي الأساسي، وعذرا لتعزيز الاحتلال ورفض اي تسوية جديدة مع اي طرف كان يمثل الفلسطينيين"[106] . ومع الوقت اصبحت عبارة " لا يوجد شريك للسلام" شرطا رائجا يستخدمه الساسة الإسرائيليون لتبريرفعالهم العدوانية ضد السكان العرب. لخص (يوسف) بورغ الأمربالقول "سوف نحكم قبضتنا على الأراضي لمدة طويلة جدا، فيما ندعي امام الخارج اننا نريد إحقاق السلام"[127].
وجدت إسرائيل فوائد جمة في ازدواجية التضليل الإعلامي. " خلال عقد السبعينات ، وهي الحقبة التي تغنّى بها المؤرخون ووصفوها بأنها فترة رخاء فلسطيني بإشراف إسرائيلي ترافق الاستعمار الاقتصادي المنهجي مع إهمال تطويرالبنى المحلية التحتية في الأراضي المحتلة. الضفة والقطاع كانا مجرد مصدر للعمالة الرخيصة وسوق اسير للبضائع الإسرائيلية. روجت الدعاية ل‘مجتمع عربي بدائي’ فرصة ذهبية لفتح صفحة جديدة في التاريخ الاقتصادي للشرق الأوسط"[ 235].
المفارقة الأبشع ادعاء إسرائيل أنها دولة ديمقراطية بينما تمد ذأذرعها الأخطبوطية على شعب تضطهده وتحاول خنقه . مفهوم الاحتلال يطمس واقع الأبارتهايد.
وعندما تفجرت الانتفضة عام 1987، أخفت إسرائيل حقيقة أن الانتفاضة رد فعل على المعاملة اللاإنسانية تحت وابل من الدعاية؛ فزعمت ان "من اطلقت الانتفاضة كانت قوة سياسية جديدة حماس . برزت حماس على الساحة "[276] حدث ذلك ابان احتدام ظاهرة الإسلاموفوبيا؛ الدولية . "هكذا فإن حماس ، وفي آن واحد ،عقّدت حياة الإسرائيليين، وساعدتهم في وسم النضال الفلسطيني بانه جزء من قوة اسلامية مناهضة للغرب ومنخرطة في الصراع بين الحضارات. وهذا هو السبب وراء اعتقاد عدد كبير من الباحثين الذين كتبوا تاريخ حركة حماس ان اسرائيل لعبت دورا مهما في تأسيسها وبروزها[277].
عقدت اتفاقية اوسلو عام 1993 مقنّعة بمسعى التسوية السلمية ؛ "علينا الإقرار أن عملية اوسلو لم تكن سعيا عادلا ومتوازنا الى السلام ، بل مساومة أقدم عليها شعب مهزوم ومستعمَر . وبالنتيجة اجبر الفلسطينيون على السعي ألى حلول سارت ضد مصالحهم وعرّض وجودهم ذاته للخطر. [206]. ... "نوعية الحياة للفلسطينيين أصبحت بعد الاتفاق أسوأ بكثير مما كانت عليه قبله"[314].
المستغرب ان القيادة الفلسطينية صمتت بينما تكال ضدها تهم إفشال مؤتمركامب ديفيد، وعلى اوسع نطاق. يكتب بابه:"لدينا تقرير موثوق وصادق حول ما حصل في كامب ديفيد أعده حسين آغا وروبرت مالي ، من وزارة الخارجية الأميركية . نشر تقريرهما المفصل في "نيويورك ريفيو أوف بوكس"، ويبدأه الكاتبان بنفي الادعاء الإسرائيلي ان عرفات قد نسف القمة.. توضح المقالة أن مشكلة عرفات الرئيسية لدى وصوله الى القمة كانت ان حياة الفلسطينيين في الأراضي ساءت بعد اوسلو. قدم عرفات اقتراحا شديد العقلانية ، بحسب هذين المسئوليْن الأميركييْن ، وهو انه - وبدلا من ‘الاستعجال لوضع حد نهائي للصراع خلال أسبوعين- على إسرائيل اتخاذ بعض الإجراءات التي تعيد ثقة الفلسطينيين بفوائد ومنافع عملية السلام"[325].
وحسب شهادة المسئوليْن الأميركييْن رفض باراك تغيير سياسة اسرائيل تجاه المستوطنات اليهودية او وقف الإساءات اليومية بحق الفلسطينيين . موقف باراك المتشددد لم يترك اي خيار امام عرفات"[316]. ومع ذلك كذب مدعيا أنه قدم تنازلات !
كانت " الانتفاضة الثانية تعبيرا جماعيا عن الاستياء من الخيانة في أوسلو ، فاقمه استفزاز شارون. ففي سبتمبر 2000، وكان زعيم المعارضة ، جال في الحرم الشريف ( المسجد الأقصى) بمواكبة امنية وإعلامية ضخمة ما ولد انفجارا للتظاهرات الغاضبة " [316 ] واجهته إسرائيل بعنف لا مبرر له.
قدّر الفرع السويدي لمنظمة "أنقذوا الأطفال " ان ما بين 23600 و 29900 طفل يحتاجون الى العلاج الطبي نتيجو إصابات لحقت بهم جراء الضرب خلال السنتين الأولى والثانية من الانتفاضة ، وان ثلثهم هم دون سن العاشرة" [276].
وحشية الإجراءات الإسرائيلية بعد فشل كامب ديفيد " اتت نتيجة الطاعة شبه الكاملة التي أبداها النظام القضائي لنزوت الحكومة والجيش وطلباتهما. وهو ما مكن الجنرالات والسياسيين من تخطي الخطوط الحمر التي وضعها الإسرائيليون لأنفسهم. وفي منتصف التسعينات تقريبا اندمج النظام القضائي عضويا وغير مشروط في إدارة السجن الكبير. [293].
أجرى صحافيان اسرائيليان كبيران هما عوفر شيلاه ورفيف دراكر ، مقابلات مع رئيس الأركان وخبراء استراتيجيين في وزارة الدفاع .. استنتج الكاتبان ان جيش الدفاع الإسرائيلي كان يمر في صيف 2000 بحالة إحباط إثر الهزيمة المذلة التي الحقها به حزب الله، الذي اجبر الجيش على الانسحاب بشكل كامل من لبنان. تولد خوف من تاثير هذا الانسحاب على صورة الجيش بحيث يبدو ضعيفا ، ونشأت حاجة ماسة الى استعراض القوة"[317].
كتاب إيلان بابه تجسيد لتضامن مثقف يهودي شريف مع الشعب الفلسطيني ، دقق في الأرشيفات وخرج بتوصيف دقيق للسجن الأكبر، حالة وجودية للفلسطينيين مثلت في خيال المخططين لعدوان حزيران. سردية فضحت المستور الذي عجزت الدعاية الفلسطينية والعربية عن الوصول اليها، مع أنها مضمنة في أرشيفات تم الإفراج عنها . مما لا شك فيه ان للكتاب ومقالات اخرى نشرها الكاتب دورًا في الموقف شبه الإجماعي داخل مؤتمر حزب العمال البريطاني، المنعقد قبل أسابيع .
يتوجب علينا ، نحن نزلاء السجن الأكبر استلهام نص وروح الكتاب لتوحيد القوى لإطلاق الطاقات الكامنة في جماهير الشعب الفلسطيني لوأد نظام الأبارتهايد. وإذا استلهمنا مقولة عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، وهي صحيحة حقا، فإن الحراك الشعبي يطلق قوة هي الأقدر والقوة الغلابة؛ ذلك انه كحراك شعبي سلمي يستنفر قوى مضاعفة تمارس الضغوط على إسرائيل ومسانديها ، تعيد الى الأذهان المخدرة بالأفيون العنصري وعيها بالواقع.