زعيم الطبقات الفقيرة وقائد تصحيح مسار 17 ديسمبر أم منقذ السيستام ؟


بشير الحامدي
2021 / 10 / 4 - 16:45     

شخصيات كثيرة صدّرها التاريخ في لحظات تراجع مرعبة للحركة الثورية للعب لعبة المخلّص ولكنه في نفس الوقت جعلهم يكتبون وعلى صفحاته أرذل سير الحكام.
العشر سنوات الأخيرة كانت كافية لتصنع من حركة النهضة أكبر أحزاب السيستام وتفقد فيها الجماهير ثقتها
العشر سنوات الأخيرة حكمت كذلك بتشتت وانهيار الفاعلين الحقيقيين في 17 ديسمبر لعجزهم عن التحول مع الجماهير ومن داخلها لقوة تأسيسية راديكالية للتغيير الجذري ولكنها في نفس الوقت مكنت الطبقة الوسطى من أن يصبح لها ممثلون سياسيون لأول مرة منذ حكم الديكاتور بورقيبة.
كل هذه الأوضاع مهدت لاهتراء المنظومة التي صعدت على أنقاض الانقلاب على 17 ديسمبر 2010 ومكنت من ظهور قيس سعيد كمنقذ للسيستام لصالح شقّ من شقوق البرجوازية ذلك الشق الذي أسس الدولة ما بعد الكولونيالية.
مثل هذه الشخصيات "المنقذة" مثلت دائما وعبر التاريخ العجلة الخامسة التي تلجأ إليها الطبقة البرجوازية أو أحد شقوقها وخصوصا زمن الأزمات الحادة لإنقاذ النظام والدولة ككل من السقوط وبالتالي إنقاذ نفسها وهذا تحديدا ما يقوم به الآن قيس سعيد الوافد لمؤسسة الرئاسة من مسار الانقلاب بعد انتخابات 2019 بما أعلن عنه سواء في 25 جويلية أو في 22 سبتمبر.
قيس سعيد والحلقة المغلقة التي تخطط له تقدما أشواطا في تنفيذ مشروع الانقلاب الثاني على 17 ديسمبر الثوري بتجميد البرلمان وبإعلانه الإجراءات الاستثنائية التي أسقطت دستور 2014 لحساب دستور صغير مكنه من وضع كل السلطات بيده وهو ما سيجعله ممسكا بكل القرار السياسي حين وضع كل الترتيبات المتعلقة بوضع دستور جديد وبالاستفتاء عليه وكذلك بالقوانين الانتخابية التي يبدو أن السيد الرئيس والحلقة المغلقة المحيطة به ليسوا في عجلة من أمرهم لمباشرتها فورا. يبدو ذلك واضحا بعد تعيين رئيسة الوزراء أخيرا والإعلان قريبا عن أعضاء حكومتها الذين سيكلفون بتسيير الشؤون اليومية للوزارات حسب التعليمات الرئاسية التي سيضعها الرئيس التي لن تختلف عن السياسات السابقة التي طبقتها كل الحكومات التي جاءت بعد حكومتي محمد الغنوشي الأولى والثانية أوائل سنة 2011.
لن تختلف سياسات سعيد عن سابقاتها في جل المسائل المصيرية للشعب التونسي كمسالة المديونية ومسألة الثروات والموارد ومسألة التشغيل ومسألة مكافحة الفساد ومسألة المحاسبة ... فقيس سعيد والحلقة المغلقة التي ينفذ مشروعها وحكومتهما سيواصلون سياسة التداين ورهن حاضر ومستقبل التونسيين وسيعسكرون مواقع انتاج الثروة وحراستها لصالح الشركات النهابة الأجنبية (بترول غاز فسفاط موانئ أراضي دولية) بتعلة حاجة تونس للاستثمار والمستثمرين الأجانب وسيفتحون الباب على مصراعيه لبيع وخصخصة ما تبقى من شركات وبنوك عمومية.
سياسات قيس سعيد لن تلتفت للمليون معطل أو أكثر لتشغيلهم عبر تحميل راس المال المحلي كلفة ذلك بل ستواصل في نفس التمشيات السياسية السابقة سياسات البنك الدولي المتعلقة بالبطالة وستتبنى حلوله التي لم تنتج غير مزيد من البطالة على امتداد أربعة عقود من الزمن ومزيد تركز الثروة بيد أقلية من أصحاب المشاريع الكبرى وانتشار التفقير في صفوف من لا يملكون والذي شمل في العشرية الأخيرة فئات واسعة من الطبقة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة التي صارت أوضاعها أقرب إلى المسحوقين منها إلى الفئات العليا البرجوازية.
سياسات قيس سعيد وحكومته لن تذهب بعيدا في مكافحة الفساد وستكتفي في أحسن الحالات بتنفيذ مشروعه الذي أعلن عنه المتعلق بالعفو عن الفاسدين مقابل أن يستثمروا جزءا من الأموال التي نهبوها في المناطق الداخلية.
قرارت قيس سعيد وسياساته القادمة سوف لن تلبي طموحات مناصريه خصوصا أولئك المنحدرين من الطبقات الشعبية والذين دفعتهم الأوضاع وفشل حركة النهضة في العشر سنوات الأخيرة وإحباطاتهم في تغيير أوضاعهم نحو الأحسن ليكونوا في صف كل تغيير حتى وعن كان على راسه الشيطان. أولئك الذين بالنسبة لهم المهم هو إبعاد حركة النهضة عن الحكم متناسين أن النهضة لم تكن تحكم بمفردها وأن شقا فاسدا آخر كان يشاركها الحكم منذ 2014 ومتناسين أيضا أن قيس سعيد نفسه هو من عين بعد انتخابات 2019 رئيسي الحكومتين الأخيرتين "إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي".
سيشبعنا سعيد وحكومته حديثا عن عدم الرجوع إلى ما قبل 25 جويلية ولكن في الحقيقة وهذا سيتبين بعد اشهر أن مثل هذا الحديث لا مصداقية له وشكلي للاستهلاك فحكومته سوف تكون مجبرة على الجلوس مع بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل وستكون مجبرة على إجراء مشاورات مع اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وقد تتوسع هذه المشاورات لتشمل بعض الأحزاب اللبرالية خصوصا منها تلك التي لا تمثل لها العودة للنظام ذي الراس الواحد الذي يمنح الرئيس كل السلطات أي مشكلة ولا ترى مشكلة في تواجدها في برلمان بأغلبية مؤيدة للرئيس ويقتصر دورها على التشريع لقراراته وتزكيتها.
إننا أمام مرحلة من التاريخ استبدادية بكل المقاييس. استبداد ليس على شاكلة الاستبداد البورقيبي ولا على شاكلة استبداد الديكتاتور بن علي ولا حتى على شاكلة إستبداد السيسي في مصر إنه إستبداد أنتجه الانقلاب على ديمقراطية الانتقال الديمقراطي الفاسدة باسم تصحيح مسار الثورة من قبل شق من شقوق منطومة هذه الديمقراطية وبإسناد واضح من أجهزتها المسلحة وعن طريق "منقذ" يتوهم كثير من مناصريه أنه وافد من خارجها وبمقدوره إنقاذ الشعب من القمع والجوع والتفقير في حين أنه منقذ للسيستام والعصفور النادر الذي فرضته أزمات النظام المريض على الشق الذي يريد استعادة مساحة النفوذ من حركة النهضة ويحكم عبره بمفرده.
سيهيمن الشق البرجوازي الذي كان بالأمس القريب في وفاق مع حركة النهضة على كل مساحات الفعل باسم الرئيس الذي يرى أنه هو الشعب وأن سلطته هي سلطة الشعب مدعوما بجهاز الدولة المسلح وبالأحزاب والجمعيات والمجموعات السياسية الموالية لهذا الشق ليستمر الانتقال الديمقراطي في طوره الثاني بقيادته حاكما ناهيا باسم "سلطة الشعب" و "دولة القانون".
04 أكتوبر2021