العراق ينتحب


فلاح علوان
2021 / 9 / 29 - 22:33     

طوال أيام التظاهرات التي حولتها الحكومة والمليشيات المرتبطة بالنظام الى مذبحة، كانت أمهات الشباب الذين قتلوا تنتحب، ولم يتوقف النحيب إثر إنحسار زخم التظاهرات، بل إمتد مع إستمرار الإغتيالات والخطف والتغييب.
وقبل هذا أيضاً، كان الناس في العراق ينتحبون، وهذا النحيب لم يبدأ مع حكومة ما بعد 2003، فقد سبق هذا التقويم تاريخ من الفاشية والقمع، وقد ناح الناس خلاله طويلاً.
جرى قتل أكثر من 800 متظاهر وناشط خلال أيام، على يد أجهزة السلطة ودعائمها المليشياتية، والعصابات السائبة المدعومة والموجهة، وكل ما كانت تسميه السلطة بالطرف الثالث، وهي عملية تستّر على الجناة، وهي تدخل في باب الإشتراك في الجريمة قانوناً. كان الشباب الذي انتفض قد طالب بالتغيير، ورفع شعارات واضحة تعبر عن رفضه للاوضاع القائمة، وسرعان ما شرعت العديد من القوى التي ركبت الموجة، الى حرف التظاهرات عن اهدافها بإسم الإنتفاضة وبإسم مطالب الشعب، وجرى الالتفاف على الشعارات الراديكالية، بشعارات الإصلاح، فإصلاح العملية السياسية، ثم المطالبة بالانتخابات المبكرة، وكل هذه الشعارات لم تكن ضمن الشعارات التي رفعها المتظاهرون أوائل تشرين – أكتوبر 2019.
لقد جرى الالتفاف على الحركة وإجهاضها واستبدال المطالب بشعارات القوى الحاكمة والمهيمنة، وبدعم وتيسير من الأمم المتحدة وممثليها.
تستعر اليوم حمى الدعاية الإنتخابية، وترفع الكتل السياسية الحاكمة التي قتلت الناس أو شاركت في قتلهم، شعارات ودعايات انتخابية، مصحوبة بتهديد ضمني بخراب المجتمع وإنهيار البلاد ما لم يتم انتخابها. وتتبادل الكتل المرشحة، التهم حول الفساد والمال السياسي، وتتبدى الطائفية والقومية بأشد أشكالها شناعة وتعصباً، ويصبح السيرك الإنتخابي ميداناً للتنافس بين الكتل حول الحصص والنصيب في السلطة القادمة.
ولسان حال الناس الذين قتلوا يقول " ما لأجل هذا ضحينا بأنفسنا".
قاطع الملايين من الناخبين إنتخابات 2018، ولم يشارك في الإنتخابات ولا أقل من ربع الناخبين، بل تشير بعض الإحصائيات الى أقل من 18% ممن يحق لهم التصويت، وهي نسبة لا تمنح الشرعية لتشكيل حكومة. إن أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين قد قاطع الإنتخابات، وربما سيقاطع نفس هذا العدد أو أكثر الإنتخابات المزمع إجراؤها، ولكن القائمين على ما يعرف بالعملية السياسية سيشكلون حكومة وسيواصلون الحكم.
إذن، فالحكومة لا تعتمد على شرعية شعبية أو دستورية، إن لها آلياتها في إدامة حكمها وتقاسم السلطة، وهو أمر لا يحسم عبر الإنتخابات، لأن الإنتخابات تدار من الكتل الحاكمة والمتمرسة في التسلط وإعادة انتاج نفسها كسلطة. لقد قال الشعب كلمته، ولكن نقص الإستعداد وقصور في الرؤية السياسية والتنظيمية حالت دون تطور التظاهرات الى ثورة شعبية، أو الى قوة تفرض التراجع على الحكومة والنظام السياسي.
إن الإنتخابات الحالية هي إحتواء للاحتجاجات الجماهيرية، وإعادة إنتاج القوى السياسية الحاكمة، وتقوية النظام بوجه الشعب الرافض لهذه السياسة وهذا النظام. إن الدعاية الرائجة بعنوان " العراق ينتخب" ستقود الى بقاء العراق، والاحرى جماهير المحرومين تنتحب من جراء سياسات النظام.