حول الثورة المغربية و فئات المجتمع المغربي


احمد المغربي
2021 / 9 / 29 - 14:44     

قد يبدوا الحديث عن الثورة في المغرب كحدث يحتمل حدوثه في القريب العاجل مجرد كلام طوباوي حتى بالنسبة لبعض اليساريين و لا أعتقد أنه سيكون من المفيد تضييع الوقت في جدالات غير مثمرة مع من نُكِن لهم بعض الاحترام إذ أن المستقبل كفيل بإثبات صحة التوقع الثوري أو تفنيده لكن ما سنتطرق له في هذا المقال بإيجاز هو مسألة أرى أن لها أهمية كبيرة بالنسبة لمستقبل الثورة في المغرب سواء حدثت بعد سنة أو عشر سنوات
في تصوره للطريق الذي يجب أن تسير فيه الثورة المغربية ينقسم اليسار الثوري بشكل عام لاتجاهين أحدهما يرى أن لانتصار الثورة يلزم أن لا تتخطى الحدود الرأسمالية في مرحلتها الأولى وآخر يرى أن الثورة في المغرب لا يمكن أن تنتصر إلا كثورة اشتراكية و يستند كل طرح منهما على تصور معين حول المجتمع المغربي تتبعه تصورات مختلفة حول التحالفات و السياسات اللازمة للنصر
و بالرغم من استقلالي التنظيمي عن جميع الأحزاب و التيارات فلا أخفي أنني أتبع الخط الثاني لكنني أرى في نفس الوقت أن هناك بعض التفاصيل التي لا يجوز التغاضي عنها فقد يكون من الخاطئ الحديث عن مجتمع غير رأسمالي في المغرب كما سيكون مثيرا للسخرية اعتبار أقوى برجوازي و رأسمالي في البلد اقطاعيا بسبب طقوس القرون الوسطى التي تبرز بشكل فاضح و مخزي في بعض المناسبات لكن التغاضي عن خصوصيات المجتمع المغربي لن يكون صحيحا أو غير ذي تأثير على التصور العام وأعتقد أنه يجب أن يكون ضمن أي بحث يسعى للدقة تقدير و توضيح وزن(أي كم) الفئات التي يعتبرها البعض هامشية لعدم وجودها في خانة البرجوازية أو البروليتاريا لأنه علينا في صياغتنا لرؤيتنا أن لا نتغاضى عن الطابع المتخلف للرأسمالية في وطننا و لأن للفرق بين ضعف تلك الفئات أو قوتها دور كبير في تحديد تأثيرها على الوضع السياسي فرغم أن ظروف حياتها و نشأتها و وجودها في المحيط الشعبي من بين العوامل التي تجعلها موضوعيا خارج دائرة أعداء الثورة إلا أننا نلاحظ أنها في أغلب الأحيان تكون مكونا رئيسيا في الكتلة المحافظة التي تدعم النظام و استمرار الوضع على ما هو عليه
و أعتقد أنه إن أهملت قوى التغيير التقدمي هذه الفئات قد يستخدمها النظام الرجعي كدروع بشرية لحماية ذاته و رغم أن احتمال تحقق هذه الفرضية شبه منعدم الآن بسبب عدة عوامل أهمها انهيار الأوهام حول النظام و شرعيته إلا أن عدم بناء شرعية ثورية على أنقاض شرعية النظام المنهارة و التقلب الشديد للمزاج السياسي لتلك الفئات(أثناء الثورة بالخصوص) يجعل تأسيس هيمنة تشمل تلك الفئات ضرورة ملحة بالنسبة لكل القوى الثورية التقدمية و يشترط هذا التأسيس بعد وحدة القوى اليسارية أن تحمل بنود الدعاية و البرنامج الذي يرغب استقطاب تلك الفئات و كسر جمودها كل المصالح المادية الأساسية التي يمكن أن تجعلها ناشطة في حركة التغيير أو على الأقل مؤيدة لها بشكل إيجابي كما يجب أن لا نهمل ضرورة التميز الواضح (بالإضافة للوضوح) إذ يجب تفادي تشابه الخطابات لنستطيع كسب انتباه الجماهير التي سئمت من الكلام التي تسمعه في خطابات النظام و معارضته الشكلية و لكي تستطيع الجماهير تمييز اليسار عن القوى الأخرى
و في نفس الوقت علينا أن ندرك أن الجمود الذي يعتبر من أسس استمرار و استقرار النظام ليس جدارا صلبا يلزم لتحطيمه معجزة أو طاقة استثنائية بل هو أشبه بالشمع الذي يذيبه الواقع السياسي و الاجتماعي و ينبغي أن تكون علاقة الثوريين بهذا الواقع جدلية فلا ينبغي أن يكونوا سلبيين انتظاريين بل ينبغي أن يكونوا تارة كالبنزين و تارة أخرى كعود الثقاب ففي الحالة الأولى يُسكبون حول الجمود و يبدوا تأثيرهم منعدما لوقت طويل لكن بمجرد حدوث واقعة (أو أحداث) استثنائية تلعب دور عود الثقاب يشتعل حريق ثوري ما كان ليحدث بتلك القوة لولا البنزين و هم في هذه الحالة يكونون مثل بذرة وعي ثوري ذاتي تسقيها الظروف الموضوعية أما في الحالة الثانية التي يلعبون فيها دور عود الثقاب الذي يُرمى في أرض الواقع المليئة بالبنزين فمهما يبدوا نشاطهم الذاتي عرضيا إلا أن له أهمية كبيرة ففي غيابه يمكن أن تضيع الفرصة الثورية مع مرور الوقت أو يمكن في أحسن الأحوال أن تكون تلك الظروف الموضوعية مثل زلزال خفيف قد يزعزع أركان النظام لكنه لن يتسبب في انهياره و صحيح أن النشاط الذاتي الذي أشرت له تواجهه صعوبات كثيرة لكن في عصرنا لديه أيضا امكانات لم تكن متاحة للمناضلين سابقا فالحالة الأولى الذي تعتمد على نشاط طويل يمكن أن نقول أن القمع الشرس و التجاهل الأولي من طرف الجماهير يمكن أن يعيق فعاليتها لكن تجاهل أن الأنترنيت يتيح لنا التأثير في فئات واسعة بتكلفة ضئيلة أمر لا ينتج سوى عن الكسل و عدم القدرة على التطور الإيجابي فبالرغم من أننا نزدري هؤلاء الذين اعتبروا الربيع العربي ثورة مواقع التواصل الاجتماعي لا يجب أن نتغاضى عن الدور الإيجابي الذي لعبته هذه الأخير في الحياة العامة(الحراكات الشعبية - التنوير...) خلال العقد الأخير و في رأيي فلا غنى عن الأنترنت في محاولة تأسيس "هيمنة يسارية" و في محاولة كسر الجمود
أما بعد حديثنا عن الجمود و الفئات التي تعاني منه في المجتمع المغربي فلا يجب أن نهمل مرحلة ما بعد الجمود و دور تلك الفئات فيها لأن لتلك المرحلة أهمية أكبر بالنسبة لمستقبل المغرب و لأن الظروف الموضوعية حاليا تضمن إنهاء الجمود كما تُبَشر بإيقاظ أكثر الفئات تخلفا من الخمول لكن العديد من المناضلين يدركون أن دخول الجماهير الواسعة للساحة السياسية مجرد شرط من شروط التغيير الثوري و مهما بلغت أهمية هذا الشرط فوحده لن يكون كافيا إذ سيظل من الضروري تحديد الخط الصحيح و توحيد الجماهير الغير متجانسة على أساسه و رغم أن الجماهير تعرف جيدا ما لا تريد(وحتى ما تريد) فالطريق المؤدي لما لا تريد لن تتوصل له عفويا لأن الوصول للوعي السياسي لا يتم بالنفس السهولة التي يتم الوصول بها للوعي النقابي و لأن تعدد الأقطاب في اساحة السياسية و تشابه خطاباتهم سيزيد من إرباك الجماهير و كما هو معلوم فثمن التجارب في السياسة باهض جدا و يمكن أن تصبح التجربة مادة درس للآخرين لا للمشاركين فيها هذا فضلا عن أن الاستنتاجات التي يتوصل لها الناس انطلاقا من التجربة تكون مختلفة و حتى متناقضة و في هذه النقطة تكمن الخطورة التي يمكن أن تهدد الثورة المغربية إذ قد يكفي أن لا يواجه النظام الحركة التي ستستهدفه مباشرة بقمع دموي ليضمن عودته للحكم حتى لو وصل الأمر لهروبه وهزيمته المؤقتة فالحركات الجماهيرية بصفة عامة لا يمكن أن تستمر لوقت طويل في غياب الوضوح و النتائج الي تغدي استمرارها و في تنامي الفوضى السياسية التي تسبب احباطها أما من ناحية أخرى فالمغرب له خصوصياته التي تجعل اليسار المغربي أمام تحديات أصعب بكثير من تلك التي واجهتها القوى اليسارية في المنطقة خلال الربيع العربي و قد أشرت لذلك الارتباك الذي يسود في العديد من الحراكات الجماهيرية لأنه في الواقع المغربي يعني مشهد فوضى ستمهد حتما لنفور فئات من الجماهير من الثورة و عودتها للجمود الذي سيسهل على النظام سحق الثورة و طليعتها الصامدة وأشرت أيضا قبلها لضرورة تقدير وزن الفئات التي تبدوا هامشية في المجتمع لأن تلك الفئات من ناحية تكون في كل الثورات عاملا مهما في نجاح استراتيجية الاستنزاف التي تستخدمها بعض الأنظمة بسبب تقلب المزاج السياسي الذي يلازمها دائما و لأن تحديد وزنها سيضمن عدم السقوط في فخ اهمالها من ناحية أخرى
و مهما كانت شدة الصعوبات يمكن أن نتغلب عليها إن تعاملنا معها بوعي و جدية كما يمكن أن نطمئن نفسنا بأن انتماء تلك الفئات للكادحين و حاجتها الموضوعية للتغيير عوامل تربطها عضويا بمشروعنا الثوري (الذي يمثل أساسا مصالحها) و تتيح لنا أيضا الحفاظ عليها في صفوف الثورة إن كانت سياستنا في التعامل معها سليمة رغم التقلب الشديد لمزاجها السياسي لكن من الضروري جدا بالنسبة للقوى الراديكالية عدم الغرق في وهم التفاؤل و تجاهل ما يدعوا للتشاؤم لأن من شروط إيجاد الحل الاعتراف بوجود المشكل و السعي لمعرفة كل جوانبه