قراءة سريعة في الانتخابات الألمانية الأخيرة واسقاطاتها


عبد السلام أديب
2021 / 9 / 28 - 09:21     

أولا: حول نتائج العملية الانتخابية في ألمانيا يوم الاحد 26 شتنبر 2021:

1 – حصل الاشتراكيون الديموقراطيون (SPD) على حصة الأصوات الأعلى: 25,7 % بزيادة 5,2 % نقطة بالمقارنة مع سنة 2017؛

2 - تراجعت حصة التصويت لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمسيحي الاجتماعي (CDU-CSU) إلى 24,1 % ، وهي أقل نسبة تصويت منذ تشكيلها؛

3 - حصل حزب الخضر على 14.8 % ، أي أقل مما توقعته استطلاعات الرأي، لكنه لا زال يشكل أفضل نتيجة (بزيادة 5.8٪ نقاط)؛

4 - حصل حزب الشركات الصغيرة، والسوق الحرة: الديمقراطيون (FDP) على 11.5 % بارتفاعً طفيفً عن عام 2017؛

5 – لم يحقق الحزب اليساري ديلينك ما كان يطمح اليه إذ تراجع إلى 4,9 % فقط من نسبة 9,2 % التي حققها عام 2017. ويبدو أن العديد من الناخبين اليساريين تحولوا إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أجل هزيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛

6 - كما خسر البديل المناهض للهجرة الى ألمانيا (AFD) قوته، حيث انخفض بنسبة 2,3 % نقطة، على الرغم من أنه كان يحتفظ بقاعدته الانتخابية في الأجزاء الفقيرة من ألمانيا الشرقية؛

7 - بلغ معدل الإقبال الإجمالي على صناديق الاقتراع 76,6 %، بزيادة 0,4 % فقط عن عام 2017. ويبدو ذلك مرتفعًا مقارنة بالانتخابات التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية أو في بريطانيا، لكنها في الواقع نتيجة منخفضة وفقًا للمعايير الألمانية حتى بعد ضم ألمانيا الشرقية في عام 1990، حيث التصويت أقل. فقد بلغت هذه المشاركة في بداية السبعينات الى 91,1 %؛

8 وتجذر الإشارة الى أن حصيلة الحزبين الرئيسيين انخفضت الى أقل من 50 % لأول مرة في تاريخ الجمهورية الفدرالية الألمانية. فقد تشردمت السياسة الألمانية، مما يهدد ضمان استمرارية مصالح رأس المال؛

9 – ونظرا لأن أي حزب لم يحصل على الأغلبية في البوندستاغ، فالامر اصبح يتطلب شهورا من الجدل للوصول الى تشكيل الأغلبية الحكومية؛

10 – من المفروض ان يكون زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز هو المفضل لتشكيل ائتلاف حاكم، لكن الشركاء المحتملين، وهم كل من حزب الخضر وحزب FDP، لا يتفقان على السياسات الاقتصادية والاجتماعية؛

11 – فحزب ال FDP للأسواق الحرة يفضل أن يتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمسيحي الاجتماعي CDU-CSU؛

12 – أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، فيريدان تشكيل ائتلاف اذا ما استطاعا اقناع الحزب الديموقراطي الحر عبر تقديم وزارة المالية له، وبالتالي وقف أي زيادة في الضرائب أو اللوائح الخاصة بالأعمال وعدم السماح للديون الحكومية بالارتفاع أكثر، أي تطبيق درجة من التقشف؛

13 - يريد الخضر تسريع تحرك ألمانيا نحو الحد من انبعاثات الكربون، لكن ليس لديهم أي سياسات ذات مصداقية لتحقيق ذلك ضمن القيود التي تفرضها الرأسمالية الألمانية. كما أن رفع الحد الأدنى للأجور وخفض الحد الأقصى للسرعة على الطرق السيارة الألمانية هو أبعد ما يمكن عن التحقق.

ثانيا: أوضاع الرأسمالية الألمانية في ظل الانتخابات الحالية

1 – تعتبر المانيا اليوم القوة الاقتصادية الأولى والأكثر اكتضاضا في الاتحاد الأوروبي، فهي تمثل أكثر من 20 % من الناتج المحلي الإجمالي للكتلة؛

2 - حافظت ألمانيا على قدرتها التصنيعية بشكل أفضل بكثير من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، حيث لا زال التصنيع يمثل 23 % من الاقتصاد الألماني، مقارنة بـ 12 % في الولايات المتحدة الأمريكية و 10 % في بريطانيا. ويوظف التصنيع 19 % من القوة العاملة الألمانية، مقابل 10 % في الولايات المتحدة و 9 % في بريطانيا؛

3 - ويعود النجاح النسبي للرأسمالية الألمانية مقارنة بالاقتصادات الأوروبية الكبرى الأخرى الى التوسع الذي عرفه الاتحاد الأوروبي أولا مما مكنها من نقل قطاعاتها الرئيسية إلى مناطق ذات أجور أرخص كإسبانيا والبرتغال، ثم لاحقًا في أوروبا الشرقية المجاورة؛

4 – ثم استفادتها ثانيا بشكل أكبر من إنشاء منطقة العملة الموحدة، مما جعلها في وضع تنافسي قوي في التجارة داخل منطقة اليورو والمحافظة على مشتريات رأس المال من الخارج بأسعار متدنية؛

5 - كما ساهم ثالثا فرض قانون هارتز أربعة سنة 2004 من طرف حكومة الحزب الاشتراكي الديموقراطي في انشاء نظام أجر مزدوج أبقى الملايين من العمال بأجور منخفضة كعمال مؤقتين وبدوام جزئي للأعمال الألمانية. ويمكن اعتبار ذلك نسخة حديثة مما أسماه ماركس "بالجيش الاحتياطي للعمل"، أو ما نسميه بالبطالة المقنعة؛

6 - فقد أرسى هذا القانون الأساس للارتفاع الحاد في ربحية رأس المال الألماني منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛

7 – هناك اليوم حوالي ربع القوة العاملة الألمانية يحصلون على أجر منخفض، باستخدام تعريف مشترك أقل من ثلثي المتوسط، وهي نسبة أعلى من جميع الدول الأوروبية السبعة عشر، باستثناء ليتوانيا؛

8 – وقد قررت دراسة حديثة أجراها معهد أبحاث التوظيف (IAB) أن عدم المساواة في الأجور في ألمانيا قد ازداد منذ التسعينيات، لا سيما في الشرائح الدنيا من المداخيل؛

9 – كما تضاعف عدد العمال المؤقتين في ألمانيا ثلاث مرات تقريبًا خلال السنوات العشر الماضية حيث بلغ حوالي 822 ألفًا، وفقًا لوكالة التوظيف الفيدرالية؛

10 ونتيجة لذلك ظهر جليا أن انخفاض نسبة العاطلين عن العمل في القوة العاملة الألمانية قد تم تحقيقه على حساب الدخل الحقيقي للعمال. وحيث ينتشر الخوف من العائدات المنخفضة إذا أصبحت المرء عاطلاً عن العمل، جنبًا إلى جنب مع التهديد بنقل الأعمال التجارية إلى الخارج إلى بقية منطقة اليورو أو أوروبا الشرقية، فكلها عوامل أجبرت العمال الألمان على القبول بالزيادات المنخفضة للغاية في الأجور، بينما حقق الرأسماليون الألمان توسعًا كبيرًا في الأرباح؛

11 – اجمالا انخفضت الأجور الحقيقية الألمانية خلال حقبة منطقة اليورو وهي الآن أقل من مستوى سنة 1999، بينما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الألماني شكليا بنحو 30 %؛

12 - لم تتمكن الرأسمالية الألمانية رغم نجاح اقتصادها الرأسمالي من الهروب من قوى الانحدار الناجم عن الكساد الطويل. فمنذ الانهيار المالي العالمي لسنة 2008-2009، ركدت الربحية الألمانية وبدأت في الانخفاض منذ عام 2017، حتى قبل أن يضرب فيروس كورونا سنة 2020. فالربحية الالمانية الآن قريبة من أدنى مستوياتها في أوائل الثمانينيات؛

13 – ويواجه قطاع التصنيع الألماني المعتمد على الطاقة مشاكل كبرى أمام محاولة تحقيق أهداف التقليص من الاحتباس الحراري. فوجهة الصادرات الألمانية الرئيسية بعد الولايات المتحدة هي الصين التي تباطئ اقتصادها خلال جائحة كرونا، بينما تطالب الولايات المتحدة أوروبا بتقليص علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الصين. كما أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يشكل البقرة الحلوب للرأسمالية الألمانية. لذلك ستكون السنوات المقبلة أكثر صعوبة بالنسبة للرأسمالية الألمانية من السنوات الماضية؛

14 – على عكس الانطباع السائد، فألمانيا ليست مجتمعا متساويا. فهناك تفاوتات إقليمية كبيرة، بين الغرب والشرق، وعلى الرغم من أن التفاوت في الدخول ليس كبيرًا بالمعايير الدولية، فإن عدم المساواة في الثروة هو من بين الأسوأ في أوروبا.