رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (103) II: الإنتاج الرأسمالي كإنتاج لفائض القيمة ج 2


كارل ماركس
2021 / 9 / 26 - 10:23     


II: الإنتاج الرأسمالي كإنتاج لفائض القيمة ج 2

إن عملية الإنتاج الرأسمالية هي وحدة عملية العمل وعملية إنماء القيمة. وابتغاء تحویل النقود إلى رأسمال يجري تحويلها إلى سلع تؤلف عوامل عملية العمل. وينبغي استخدام النقود أولا لشراء قدرة – العمل، وثانياً لشراء الأشياء التي لا يمكن بدونها استهلاك قدرة – العمل، أي التي لا يمكن لقدرة – العمل بدونها أن تعمل. إن المغزی الوحيد لهذه الأشياء، في صلب عملية العمل، هي أنها وسائل عيش للعمل، قیم – استعمالية للعمل؛ فهي بإزاء العمل الحي ذاته محض مواد ووسائل، وبإزاء منتوج العمل هي وسائل إنتاج، وبإزاء الظرف المتمثل بأن وسائل الإنتاج هي نفسها منتوجات، فهي منتوجات تشكل وسيلة لإنتاج منتوج آخر، منتوج جديد. والواقع إن هذه الأشياء لا تلعب هذا الدور في عملية العمل بسبب أن الرأسمالي يشتريها، بسبب أنها الشكل المتحول لنقوده، فالعكس هو الصحيح؛ إنه يشتريها لأنها تلعب هذا الدور في عملية العمل. فبالنسبة إلى عملية الغزل بما هي عليه، مثلا، لا يهم إطلاقا إن كانت الأقطان والغزول تمثل نقود الرأسمالي، أي تمثل رأسمالا، أو أن النقود الموظفة هي رأسمال بالتعريف. فهي لا تصبح وسائل ومواد عمل إلا بين يدي الغازل في أثناء عمله، وهي تصبح كذلك لأنه يغزل، لا لأنه يأخذ بعض القطن الذي يخص شخصا آخر ويصنع منه غزولا لذلك الشخص نفسه بمعونة المغزل الذي يخص بالمثل ذلك الشخص عينه. إن السلع لا تتحول إلى رأسمال عن طريق استعمالها أو استهلاكها بصورة منتجة خلال عملية العمل؛ فهذا يقتصر على جعلها عناصر لعملية العمل. وبمقدار ما تكون هذه العناصر الشيئية لعملية العمل قد اشتريت من جانب الرأسمالي، فإنها تمثل رأسماله. ولكن الشيء ذاته ينطبق على العمل نفسه. فهو أيضا يمثل رأسماله، ذلك لأن مالك المقدرة على العمل يملك ذلك العمل بفعالية امتلاكه نفسها للشروط الشيئية الأخرى للعمل، التي اشتراها. وهو لا يملك فقط العناصر الخاصة لعملية العمل؛ فالعملية بمجملها هي ملك له. إن رأس المال الذي كان نقودا في السابق، يرتدي الآن شکل عملية العمل. لكن واقع أن رأس المال قد استولى على عملية العمل، وإن العامل يعمل نتيجة ذلك لأجل الرأسمالي عوضا عن أن يعمل لنفسه، لا يعني حصول أي تغير في الطبيعة العامة لعملية العمل نفسها. إن واقع أن النقود، حين تحول إلى رأسمال، إنما تُحوّل في آن واحد إلى عناصر عملية العمل، وتكتسي بالضرورة مظهر مواد ووسائل العمل، لا يعني أن مواد ووسائل العمل هي رأسمال بحكم طبيعتها بالذات، مثلما أن الذهب والفضة ليسا نقوداً بحكم طبيعتهما بالذات، لمجرد أن الذهب والفضة هما من بين الأشكال التي ترتديها النقود. إن الاقتصاديين المعاصرين يهزأون بسذاجة تفكير المذهب النقدي Monetary System حين يجيب عن سؤال: ما هي النقود؟ بالقول: إن الذهب والفضة هما نقود. ولكن هؤلاء الاقتصاديين أنفسهم لا يخجلون من الإجابة عن سؤال: ما هو راس المال؟ بالقول: رأس المال هو قطن. لكن هذا هو عين ما يفعلون حين يعلنون أن مواد ووسائل العمل، وسائل الإنتاج أو المنتوجات التي تخدم في خلق منتوجات جديدة، وباختصار سائر الشروط الشيئية للعمل، هي رأسمال بحكم طبيعتها بالذات؛ وإنها رأسمال لأنها، وبمقدار ما إنها، تساهم في عملية العمل بفضل خواصها المادية كقیم استعمالية. وسيكون أمرا متسقاً لو أن الآخرين أضافوا إلى قائمتهم: رأس المال هو لحم وخبز، إذ رغم أن رأس المال يشتري قدرة – العمل بالنقود، فإن هذه النقود في الواقع لا تمثل سوى الخبز واللحم، وباختصار سائر وسائل عيش العامل(1). ففي ظروف معينة، يمكن لكرسي بأربع أرجل وبقماشة بنفسجية أن يستخدم كعرش. لكن هذا الكرسي نفسه، وهو شيء للجلوس، لا يصبح عرشا بفضل قيمته – الاستعمالية. وإن العنصر الجوهري الأساسي في عملية العمل هو العامل نفسه، وفي العصر القديم كان هذا العامل عبداً. لكن ذلك لا يتضمن أن العامل عبد بالطبيعة (رغم أن هذا الرأي الأخير ليس غريبا تماما عن أرسطو)، أكثر مما أن المغازل والأقطان هي رأسمال بطبيعتها لمجرد أنها تستهلك هذه الأيام على يد العامل المأجور في عملية العمل. إن حماية المطابقة بين علاقات إنتاج اجتماعية خاصة وبين خواص طبيعية شيئية لبعض المواد، لمجرد أنها تمثل نفسها بهيئة مواد معينة، هو أشد ما يبهرنا حين نفتح أي كتاب مدرسي في الاقتصاد ونرى منذ الصفحة الأولى كيف يتضح أن عناصر عملية الإنتاج، مختزلة إلى شكلها الأعم، هي الأرض، ورأس المال، والعمل(2). ويحق للمرء أن يقول إنها ملكية عقارية، وسكاكين، ومقصات، ومغازل، وأقطان، وحبوب، وباختصار مواد ووسائل العمل والعمل المأجور. فمن جهة، نسمي عناصر عملية العمل المرتبطة بسمات اجتماعية مميزة تخصها في مرحلة تطور تاريخي معين، ومن جهة أخرى نضيف إليها عنصراً يؤلف جزءا من عملية العمل بصورة مستقلة عن أي تشكيلة اجتماعية خاصة، كجزء من الاتصال الأبدي بين الإنسان والطبيعة. وبخلط استيلاء رأس المال على عملية العمل بعملية العمل نفسها، يحول الاقتصاديون العناصر الشيئية لعملية العمل إلى رأسمال، لمجرد أن رأس المال نفسه يتحول إلى عناصر مادية لعملية العمل من بين أشياء أخرى، خالقين بذلك وهماً. ولسوف نرى أدناه أن هذه الأوهام لا تدوم إلا بمقدار ما أن الاقتصاديين الكلاسيكيين ينظرون إلى عملية الإنتاج الرأسمالي، حصراً، من زاوية عملية العمل، وأنهم بالنتيجة يصححونها من بعد ذلك. ولسوف نرى، قبل كل شيء، أن هذا الوهم هو وهم ينبع من طبيعة الإنتاج الرأسمالي نفسه. ولكن من الجلي، حتى في هذه اللحظة، أن هذه منهجية ملائمة لتبيان الصلاحية الأزلية لنمط الإنتاج الرأسمالي، ولاعتبار رأس المال عنصراً طبيعياً خالداً في الإنتاج البشري بما هو عليه. إن العمل هو الشرط الطبيعي الأزلي للوجود البشري. وعملية العمل ليست سوى العمل ذاته، منظوراً إليه في هذه اللحظة من ناحية نشاطه المبدع. من هنا فإن العناصر العامة لعملية العمل مستقلة عن أي تطور اجتماعي خاص. إن وسائل ومواد العمل، التي يتألف قسم منها من منتوجات عمل سابق، تلعب دورها في كل عملية عمل، في كل عصر، وفي كل الظروف. فإذا اسميتها، إذن، باسم «رأسمال» منطلقاً من المعرفة اليقينية التي تقول: إن شيئا ما يلصق دائما (semper aliquid haeret) فإنني أكون قد برهنت على أن وجود رأس المال قانون أزلي من قوانین طبيعة الإنتاج البشري، وأن القرغيزي الذي يقطع بسکین سرقها من روسي أعواد القصب لكي يجدلها ويصنع منها قارباً هو رأسمالي حقيقي شأنه شأن الهر فون روتشيلد. وأستطيع أن أبرهن بسهولة مماثلة أن الاغريق والرومان كانوا يقيمون قداسة جماعية لأنهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الخبز، وأن الأتراك يرشون أنفسهم يومياً بالماء المقدس مثل الكاثوليك لأنهم يغتسلون يومياً. هذا هو صنف الترهات الدخيلة السطحية التي يجدها المرء مبثوثة برضى متغطرس عن النفس، لا من قبل أناس من شاكلة ف. باستيا(*) أو من الكراريس الاقتصادية الصغيرة لجمعية تقدم المعرفة النافعة

(Society for the advancement of useful knowledge) أو قصص تنويم الأطفال للأم (mother) مارتينو(**)، بل يجدها حتى في كتابات مراجع ثقاة بارزين؛ وعوضا عن تبیان أن رأس المال هو ضرورة طبيعية موضوعية، كما يأملون، فإن كل ما ينجحون في القيام به هو دحض هذا الوجود الضروري بالنسبة إلى طور تاريخي محدد من عملية الإنتاج الاجتماعية. ولكن إذا كان يزعم أن رأس المال ليس سوى مواد وأدوات عمل، أو أن العناصر المادية لعملية العمل هي رأسمال بطبيعتها، فإن بوسع المرء أن يردّ بصواب أننا في مثل هذه الحالة نحتاج حقا إلى رأسمال ولكن ليس إلى رأسماليين، أو بقول آخر إن رأس المال ليس سوى اسم اخترع لخداع الجماهير(3).

إن العجز عن فهم عملية العمل كشيء مستقل، وفي الوقت نفسه كجانب من الإنتاج الرأسمالي، يغدو ساطعاً أكثر حين يقول لنا السيد. ف. وایلاند، على سبيل المثال، إن المواد الأولية هي رأسمال وإننا بمعالجتها نتوصل إلى المنتوج. وهكذا فإن الجلد هو منتوج الدباغ، وهو رأسمال الإسكاني. فكل من “المادة الأولية” و”المنتوج”، إنما هما مصطلحان يشيران إلى أشياء في عملية العمل، وليس لأي منهما في ذاته ولذاته أيما علاقة بـ رأس المال، رغم أن كلا من المادة الأولية، والمنتوج يمثلان رأس المال منذ اللحظة التي يستولي فيها الرأسمالي على عملية العمل(4). لقد استغل السيد برودون ذلك كله بـ «عمقه» المعتاد. «كيف يتأتى أن مفهوم المنتوج يتحول بغتة إلى مفهوم رأس المال؟ من خلال فكرة القيمة. نعني القول، إنه كي يتحول المنتوج إلى رأسمال، فينبغي للمنتوج أن يتعرض إلى عملية تقييم (اعطاء قيمة) حقيقية، أي ينبغي أن يشتري أو يباع، وأن يناقش سعره ويثبت عن طريق نوع من الغرف الحقيقي. فحين يأتي الجلد الطري من الجزار يكون منتوج الجزار. أفرض أن الجلد الطري قد اشتراه دابغ جلود. إن هذا الأخير يزج به أو بقيمته في رصيد استغلاله. وبعد ذلك، ومن خلال عمل الدباغ فإن رأس المال هذا يصبح منتوجاً مرة ثانية».

إن السيد برودون يميز نفسه هنا بمنظومة ميتافيزيقيا زائفة يقوم عن طريقها أو بإدخال أشد الأفكار الأولية بساطة عن رأس المال في «رصيده الاستغلالي» ثم يبيعها إلى الجمهور کمنتوج عالي الجودة. إن مسألة كيف يمكن أن تتحول المنتوجات إلى رأسمال هي، في ذاتها ولذاتها، عديمة المعنى، ولكن الجواب يثبت أنه جدير بالسؤال. في الواقع إن المسيو برودون يكتفي بإبلاغنا حقیقتين معروفتين تمام المعرفة: أولا، إن المنتوجات تخدم في بعض الأحيان كمواد أولية يزمع تصنيعها، وثانياً، إن المنتوجات هي أيضا سلع؛ أي: إنها تمتلك قيمة يتوجب عليها أن تصمد لمحنة التبادل بين الشاري والبائع قبل أن يكون بوسعها أن تتحقق. ويلاحظ «الفيلسوف» نفسه:

«إن الفرق بين رأس المال والمنتوج، بالنسبة إلى المجتمع، لا وجود له لكن هذا الفرق ذاتي تماما بالنسبة إلى الأفراد».

«La différence, pour la Société, entre capital et produit n’existe pas. Cette différence est toute subjective aux individus».

إنه يسمي الشكل الاجتماعي التجريدي «ذاتياً»، ويطلق على تجريده الذاتي اسم مجتمع.

وما دام الاقتصادي ينظر إلى عملية الإنتاج الرأسمالي في نطاق عملية العمل فقط، فإنه يعلن أن رأس المال مجرد شيء، مادة أولية، أداة، إلخ. ولكن يخطر له، من بعد ذلك، أن عملية الإنتاج هي أيضا عملية إنماء للقيمة، وأن الأشياء، في هذه العملية الأخيرة، لا تدخل في الاعتبار إلا كقيمة. «إن رأس المال نفسه يوجد تارة في شكل مقدار من النقود، وتارة في شكل مادة أولية، أداة، سلعة ناجزة. وهذه الأشياء ليست رأسمالا تماما؛ إن رأس المال يسكن في القيمة التي تمتلكها هذه الأشياء»(5). وبمقدار ما إن هذه القيمة «تصون ذاتها، وتديم نفسها، وتضاعف نفسها، وتنفصل عن السلعة التي خلقتها، وتبقى، كخاصية ميتافيزيقية لا جوهرية، دوماً في حوزة المنتج نفسه (أي الرأسمالي)»(6) فإن الشيء نفسه الذي أعلن قبل قليل إنه شيء، يوصم الآن أنه «فكرة تجارية»(7).

إن منتوج الإنتاج الرأسمالي لا هو محض منتوج (قيمة – استعمالية) ولا هو محض سلعة، أي منتوج ذو قيمة – تبادلية، بل هو منتوج خاص به، نعني تحديداً فائض قيمة. إن منتوجه هو سلع تملك قيمة – تبادلية أكبر، أي تمثل عملا أكبر مما وُظّف في إنتاجها بهيئة نقود أو سلع. إن عملية العمل هي، في الإنتاج الرأسمالي، وسيلة لا غير، أما الغاية فتقدمها عملية إنماء القيمة أو إنتاج فائض القيمة. وحالما يخطر ذلك للاقتصادي، حتى يعلن أن رأس المال هو ثروة تستخدم في الإنتاج لتوليد «ربح»(8).

لقد رأينا أن تحویل النقود إلى رأسمال ينشطر إلى مجالين متمایزین كلياً، ومستقلين تماما، إلى عمليتين منفصلتين كلياً الأولى تنتمي إلى عالم تداول السلع وهي تنفذ في السوق. إنها بيع وشراء قدرة – العمل. والثانية هي استهلاك قدرة – العمل التي جرى اقتناؤها، أي: عملية الإنتاج ذاتها. في العملية الأولى يتواجه الرأسمالي والعامل بوصفهما محض مالكين لكل من النقود والسلع على التوالي، وإن صفقتهما، شأن صفقة سائر الشارين والباعة، هي تبادل تعادلات. في العملية الثانية يظهر العامل لبعض الوقت (pro tempore) كمكون حي من رأس المال نفسه؛ وتستبعد مقولة التبادل هنا بالكامل نظرا لأن الرأسمالي قد حصل، عن طريق الشراء، على كل عوامل عملية الإنتاج، الشيئية والشخصية على السواء، قبل أن تبدأ العملية. وعلى أي حال، رغم أن العمليتين توجدان مستقلتين جنبا إلى جنب، فإن كل واحدة تشرط الأخرى. الأولى تستهل الثانية، والثانية تكمل الأولى.

إن العملية الأولى، بيع وشراء قدرة – العمل، لا تعرض علينا الرأسمالي والعامل إلا کشارٍ وبائع للسلع، وما يميز العامل عن بائعي السلع الأخرى هو الطبيعة الخاصة، القيمة – الاستعمالية الخاصة للسلعة التي باعها. ولكن القيمة – الاستعمالية الخاصة للسلعة لا تمس الشكل الاقتصادي للصفقة؛ بل إنها لا تحقر واقع أن الشاري يمثل النقود، والبائع يمثل سلعة. وبغية تبيان أن العلاقة بين الرأسمالي والعامل ليست سوى علاقة بين مالكي سلع يبادلان النقود والسلع بعقد حر لما فيه منفعتهما المتبادلة، حسبنا عزل العملية الأولى، والتمسك بطابعها الشكلي. إن هذا الابتكار البسيط ليس شعوذة سحرية بل هو يضم مجمل حكمة الاقتصاد المبتذل.

لقد رأينا أن الرأسمالي يجب أن يحول نقوده ليس إلى قدرة – عمل فقط، بل إلى عوامل شيئية لعملية العمل أيضا، أي وسائل إنتاج. ولكن إذا أخذنا رأس المال كله، ووضعناه على هذا الجانب، أي كلية الشارين لقدرة – العمل، وإذا أخذنا كلية بائعي قدرة – العمل، كلية العمال ووضعناها على الجانب الآخر، لوجدنا عندئذ أن العامل مرغم لا على بيع سلعة بل على بيع قدرة – عمله الخاصة كسلعة. سبب ذلك أنه يجد، على الجانب الآخر، كل وسائل الإنتاج، كل الشروط المتشيئة للعمل سوية مع كل وسائل العيش، النقود ووسائل الإنتاج، تقف في تضاد معه، وفي مواجهته كملكية غريبة عنه. بكلمات أخرى، إن كل الثروة المادية تواجه العامل بوصفها ملكية مالكي سلع. وما نعنيه هنا أنه يعمل باعتباره لا – مالك، وإن شروط عمله تواجهه بوصفها ملكية غريبة. إن حقيقة أن الرأسمالي رقم (1) يملك النقود وأنه يشتري وسائل الإنتاج من الرأسمالي رقم (2) الذي يملكها، في حين أن العامل يشتري، وسائل عيشه من الرأسمالي رقم (3)، بالنقود التي حصل عليها من الرأسمالي رقم (2)، لا يغير في شيء من الوضع الجوهري المتمثل في أن الرأسماليين رقم (1) و (2) و(3)، هم، معا، مالكون حصريون للنقود ووسائل الإنتاج والعيش. إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا بأن ينتج وسائل عيشه الخاصة، ولا يمكن له أن ينتجها إلا إذا كان يمتلك وسائل الإنتاج، الشروط الشيئية للعمل. ومن الجلي منذ البداية أن العامل المجرد من وسائل الإنتاج، هو محروم من وسائل العيش أصلا، مثلما أن الإنسان المحروم، على العكس، من وسائل العيش، ليس في وضع يؤهله لخلق وسائل إنتاج. وهكذا، حتى في العملية الأولى، فإن ما يسم النقود والسلع بميسم رأسمال، منذ البداية، حتى قبل أن يتم تحويلها فعلياً إلى رأسمال، ليس طبيعتها النقدية ولا طبيعتها السلعية، ولا القيمة – الاستعمالية، المادية، لهذه السلع کوسائل إنتاج أو وسائل عيش، بل الظرف الذي يجعل هذه النقود وهذه السلع، وسائل الإنتاج هذه ووسائل العيش هذه، تواجه قدرة – العمل، المحرومة من كل ثروة مادية، كقوى ذاتية مستقلة، مجسدة كأشخاص في إهاب مالكيها. إن الشروط الشيئية الضرورية لتحقيق العمل مُغربة عن العامل، وتتجلی كأصنام حبيت بإرادة وروح من عندها. وباختصار تظهر السلع کشارٍ للأشخاص. فشاري قدرة – العمل ليس سوى تجسيد في صورة شخص للعمل المتشییء الذي يكرس جزءا من نفسه إلى العامل في شكل وسائل عيش كيما يلحق قدرة – العمل الحي لصالح الجزء المتبقي منه، ويبقي نفسه سليما بل حتى أن ينمو متجاوزاً حجمه الأصلي بفضل هذا الإلحاق. ليس العامل هو من يشتري وسائل الإنتاج والعيش، بل وسائل العيش هي من يشتري العامل بغية دمجه في وسائل الإنتاج.

إن وسائل العيش هي شكل خاص من الوجود المادي الذي يواجه به رأس المال العامل قبل أن يحصل هذا الأخير عليها من خلال بيع قدرة – عمله. ولكن عندما تبدأ عملية الإنتاج، تكون قدرة – العمل قد بیعت أصلا، وبالتالي تكون وسائل العيش قد دخلت قانونياً (de jure) على الأقل في رصيد استهلاك العامل. إن وسائل العيش نفسها هذه، لا تؤلف عنصرا من عملية العمل التي تتطلب، عدا عن حضور قدرة – العمل الفعالة، لا أكثر من مواد العمل ووسائل العمل. والحقيقة، بالطبع، أن العامل يجب أن يدیم مقدرته على العمل بمعونة وسائل العيش، ولكن ذلك، أي استهلاكه الخاص، الذي هو في الوقت نفسه إعادة إنتاج قدرة – عمله، يقع خارج نطاق عملية إنتاج السلع. ومن الجائز، في الإنتاج الرأسمالي، أن يلتهم رأس المال، فعلياً، كامل الوقت المتاح (disponible) للعامل، وأن يكون استهلاك وسائل العيش، فعلياً، لا أكثر من حادث عارض في عملية العمل، مثل استهلاك المحرك البخاري للفحم، والعجلة للشحوم، والحصان للعلف، ومثل كامل الاستهلاك الخاص للعبد الذي يكد. وتماشيا مع ذلك، فإن ریکاردو، على سبيل المثال (أنظر الحاشية رقم 8 سابقا)، يدرج «المأكل والملبس» في قائمة واحدة مع المواد الأولية وأدوات العمل، «كأشياء تعطي العمل تأثيره» (effect to labour) وبالتالي تخدم كـ «رأسمال» في عملية العمل. ومهما يكن ذلك في واقع الأمور، فإن وسائل العيش التي يستهلكها العامل هي سلع كان قد اشتراها. وحالما تصبح بين يديه، بل بوضوح أكبر، حالما يكون قد استهلكها، فإنها تكفت عن أن تكون رأسمالا. فهي لا تؤلف جزءا من العناصر المادية التي يتجلى فيها رأس المال في عملية الإنتاج المباشرة، رغم أنها تؤلف شكل الوجود المادي لرأس المال المتغير الذي يدخل ساحة السوق کشار لقدرة – العمل، في نطاق التداول(9).

وحين يأخذ رأسمالي 500 تالر، فيوظف 400 منها في وسائل الإنتاج، و100 في شراء قدرة – عمل، فإن هذه الـ 100 تالر تشکل رأسماله المتغير، ويشتري العمال، بواسطتها، وسائل العيش، أما من الرأسمالي نفسه أو من آخر غيره. وليست هذه المائة تالر شيئا آخر سوى الشكل النقدي لوسائل العيش التي تؤلف في الواقع القوام المادي لرأس المال المتغير. إن رأس المال المتغير يكف عن الوجود في عملية الإنتاج المباشرة: فلا هو يوجد في شكل نقود، ولا في شكل سلع، بل في شكل عمل حي حصل عليه الرأسمالي عن طريق شراء قدرة – العمل. وبفضل هذا التحول وحده لرأس المال المتغير إلى عمل يمكن لكمّ القيمة الموظف في نقد أو سلع أن يتحول إلى رأسمال. وهكذا حين ننظر إلى عملية الإنتاج الرأسمالي ككل وليس فقط إلى الإنتاج المباشر للسلع، نجد أنه على الرغم من أن بيع وشراء قدرة – العمل (اللذين يشرطان تحويل جزء من رأس المال إلى رأسمال متغير) منفصلان كلياً عن عملية الإنتاج المباشرة، بل إنهما يسبقانها حقا، فإنهما مع ذلك يشكلان الأساس المطلق للإنتاج الرأسمالي، وهما لحظة مندمجة به تماما، وذلك حين نعاين عملية الإنتاج في كليتها، لا أن نقتصر على معاينة إنتاج السلع المباشر. إن الثروة المادية تحول نفسها إلى رأسمال ببساطة لمجرد أن العامل يبيع قدرة – عمله كيما يعيش. إن المواد التي هي الشروط الشيئية للعمل، أي وسائل الإنتاج، والمواد التي هي شروط مسبقة لبقاء العمل نفسه، أي وسائل العيش، تصبح، معاً، رأسمالاً لا لشيء إلا بسبب ظاهرة العمل المأجور. إن رأس المال ليس شيئا أكثر مما أن النقود هي شيء. ففي رأس المال، كما في النقود، نجد أن علاقات إنتاج اجتماعية خاصة معينة بين البشر تظهر بمثابة علاقة للأشياء بالبشر، أو أن علاقات اجتماعية معينة تظهر بمثابة خواص طبيعية للأشياء في المجتمع. فبدون طبقة تعتمد على الأجور (Salariat)، يواجه الأفراد الفاعلون بعضهم بعضا كأشخاص أحرار، ولا يمكن أن يوجد إنتاج فائض قيمة، ولكن بدون إنتاج فائض القيمة لا يمكن أن يوجد إنتاج رأسمالي، بالتالي لا يوجد رأسمال ولا رأسمالي! إن رأس المال والعمل المأجور (على هذا النحو نصف عمل العامل الذي يبيع قدرة – عمله الخاصة) لا يعبران إلا عن جانبين من العلاقة الواحدة ذاتها. فالنقود لا يمكن أن تصبح رأسمالا ما لم تبادل لقاء قدرة – العمل، وهذه سلعة يبيعها العامل نفسه. وبالعكس، لا يمكن للعمل أن يكون عملا مأجوراً إلا عندما تواجهه شروطه الشيئية الخاصة بمثابة قوی مستقلة ذاتياً، ملكية غريبة، قيمة توجد لأجل ذاتها ولصيانة ذاتها، وباختصار توجد كرأسمال. وإذا كان رأس المال في جانبه المادي، أي في القيم – الاستعمالية التي يمتلك فيها وجوده، ينبغي أن يعتمد في وجوده على الشروط الشيئية للعمل، فإن هذه الشروط الشيئية ينبغي بالمثل، في الجانب الشكلي، أن تواجه العمل كقوی مستقلة ذاتياً، وغريبة عنه، أن تواجهه كقيمة – عمل متشیئ – عامل العمل الحي كمحض وسيلة تصون بها ذاتها وتزيد بها نفسها. وهكذا فإن العمل المأجور، نظام الأجور (Salariat)، هو شكل اجتماعي من العمل، لا غنى عنه للإنتاج الرأسمالي، مثلما أن رأس المال، أي القيمة النشيطة، شكل اجتماعي لا غنى عنه ينبغي أن تتلبسه الشروط الشيئية للعمل كيما يصبح العمل عملا مأجوراً. وعليه فإن العمل المأجور شرط ضروري لتكون رأس المال ويظل الشرط الضروري المسبق للإنتاج الرأسمالي. لذا، رغم أن العملية الأساسية، تبادل النقود لقاء قدرة – العمل، أو بيع قدرة – العمل، لا تدخل بما هي عليه في عملية الإنتاج المباشرة، فإنها تدخل حقا في إنتاج العلاقة ككل(10).

وكما رأينا، فإن العملية الأولى، بيع وشراء قدرة – العمل، تفترض سلفا أن وسائل الإنتاج ووسائل العيش قد أصبحت أشياء مستقلة في مواجهة العامل الفعلي، أي تشترط سلفا حلول وسائل الإنتاج والعيش في إهاب أشخاص کشارين يبرمون عقدا مع العمال كبائعين. وحين نغادر هذه العملية التي تنفذ في السوق، في ميدان التداول، ونمضي مباشرة إلى عملية الإنتاج الآنية، نجد أنها عملية عمل في الأساس. ويدخل العامل في عملية العمل دخول عامل في علاقة فعالة اعتيادية مع وسائل الإنتاج التي تحددها طبيعة وغاية العمل نفسه. إنه يحوز على وسائل الإنتاج ويعالجها، ببساطة، على أنها وسائل ومواد عمله. وإن طابع الاستقلال الذاتي لوسائل الإنتاج هذه، والطريقة التي تحتفظ بها باستقلالها في ذاتها وتفصح بها عن عقلها الخاص، وانفصالها عن العمل – إن ذلك كله ينقض في الممارسة. وتدخل الشروط الشيئية للعمل الآن في وحدة اعتيادية مع العمل ذاته؛ وتؤلف مادة نشاطه الإبداعي، تؤلف الأعضاء الضرورية لهذا النشاط. إن العامل يعالج الجلود التي يدبغ، بوصفها محض موضوع لنشاطه الإبداعي، لا بوصفها رأسمالا. إنه لا يدبغ جلد الرأسمالي(11). ولو درسنا الإنتاج كعملية عمل فقط، فإن العامل يستهلك وسائل الإنتاج كمجرد وسائل عيش للعمل. لكن الإنتاج هو أيضا عملية إنماء للقيمة، وهنا يعتصر الرأسمالي قدرة – عمل العامل، أو يستولي على عمله الحي باعتباره أكسير حياة رأس المال: إن المواد الأولية وموضوع العمل بعامة، لا توجد إلا لامتصاص عمل الآخرين، أما وسيلة العمل فلا تخدم إلا كموصل، کواسطة لعملية الامتصاص هذه. وبدمج قدرة – العمل الحي في المكونات الشيئية لرأس المال، يغدو هذا الأخير وحشاً حُبي بالحياة، فيبدأ بالنشاط «كما لو أنه جسد موله بالغرام»(***).. وبما أن العمل لا يخلق قيمة إلا في شكل نافع معين، وبما أن كل شكل نافع معين من العمل يستلزم مواد ووسائل ذات قيم – استعمالية خاصة، مغازل، أقطان للغزل، ومطرقة وسندان وحديد لطرق المعادن، إلخ، فلا يمكن للعمل أن يستنزف إلا إذا اتخذ رأس المال مظهر وسائل الإنتاج اللازمة لعملية العمل الخاصة المعنية، فبهذا المظهر وحده يمكن له أن يلحق العمل الحي. هذا إذن هو السبب الذي يجعل الرأسمالي، والعامل، والاقتصادي السياسي الذي لا يستطيع أن يرى عملية العمل إلا كعملية يملكها رأس المال، يجعلهم يرون جميعا أن العناصر المادية لعملية العمل هي رأسمال بسبب من خصائصها المادية. وهذا هو سبب عجزهم عن فصل وجودها المادي كمجرد عناصر في عملية العمل عن الخواص الاجتماعية المندغمة بها، هذه الخواص التي هي حقا ما يجعلها رأسمالاً. إنهم غير قادرين على القيام بذلك لأن عملية العمل التي تستخدم الصفات المادية لوسائل الإنتاج كوسائل عيش للعمل، تتطابق في الواقع العملي مع عملية العمل التي تحيل وسائل الإنتاج نفسها هذه إلى وسائل لامتصاص العمل. ففي عملية العمل، إذا عايناها لذاتها صرفاً، يستخدم العامل وسائل الإنتاج. وفي عملية العمل التي ينظر إليها أيضا كعملية إنتاج رأسمالية، فإن وسائل الإنتاج تستخدم العامل، بحيث يظهر العمل محض وسيلة تمكن كمّاً معيناً من القيمة، أي كتلة معينة من العمل المتشیئ، لأن تمتص العمل الحي كيما تديم وتنمي ذاتها. وبهذه النظرة، فإن عملية العمل هي عملية الإنماء الذاتي لقيمة العمل المتشیئ بتوسط العمل الحي(12). إن رأس المال يستخدم العامل، أما العامل فلا يستخدم رأس المال، وإن الأشياء التي تستخدم العامل وتملك بالتالي استقلالاً، ووعياً وإرادة خاصة بها في شخص الرأسمالي، هي رأسمال(13).

وبمقدار ما إن عملية العمل هي مجرد وسيلة وشكل فعلي لعملية إنماء القيمة، أي بمقدار ما إن غايتها هي استخدام العمل المتشئ في الأجور كيما تُحِلّ شيئياً، في السلع، كمية إضافية من العمل غير المدفوع، فائض قيمة، أي لكيما تخلق فائض قيمة، فإن زبدة العملية بمجملها هي مبادلة عمل متشییء لقاء عمل حي، مبادلة عمل متشییء أقل، لقاء عمل حي أكثر. وفي مجرى التبادل، تتم مبادلة مقدار من العمل متشییء في النقود كسلعة لقاء مقدار مماثل من العمل متشییء في قدرة عمل حي. واستنادا إلى قوانين التبادل السلعي، تنتقل قيم متعادلة من يد إلى يد، أي تنتقل مقادير متساوية من العمل المتشییء، رغم أن المقدار الأول متشییء في شيء، والثاني في شخص من لحم ودم. لكن هذا التبادل يقتصر على استهلال عملية الإنتاج التي يتم، بواسطتها، التخلي عن عمل في شكل حي أكبر مما جرى تقديمه من عمل في شكل متشییء. وعليه فإنها لمزية كبيرة من مزايا الاقتصاديين الكلاسيكيين أنهم صوروا مجمل عملية الإنتاج بلغة المتاجرة بين العمل المتشییء والعمل الحي، وإنهم بالتالي عرفوا رأس المال بوصفه عملا متشیئا بالمقارنة مع العمل الحي. نقصد القول إنهم يصورون رأس المال كقيمة تقوم بإنماء قيمتها ذاتياً بتوسط العمل الحي. وتقتصر نواقصهم على أنهم أولا كانوا عاجزين عن تبيان كيف يمكن التوفيق بين هذه المبادلة لعمل حي أكثر لقاء عمل متشییء أقل مع قوانين التبادل السلعي ومع تحديد قيمة السلع بوقت العمل. وقد أدى ذلك إلى فشلهم الثاني وهو خلطهم تبادل كمية معينة من العمل المتشيىء لقاء قدرة – العمل في عملية التداول خلطة فادحة بما يجري في عملية الإنتاج، أي تحديداً امتصاص العمل الحي على يد العمل المتشییء في شكل وسائل الإنتاج. لقد خلطوا عملية التبادل التي تجري بين رأس المال المتغير وقدرة – العمل خلطة تامة بالعملية التي يجد فيها العمل الحي نفسه خاضعاً للالتهام والامتصاص من رأس المال الثابت. ويضرب هذا الفشل جذوره في الغشاوة «الرأسمالية»، نظرا لأن الأمر بالنسبة إلى الرأسمالي نفسه، الذي لا يدفع لقاء العمل إلا بعد أن يكون قد أنمی قیمته، يتمثل في أن مبادلة مقدار صغير من العمل المتشیئ لقاء مقدار كبير من العمل الحي يظهر بمثابة عملية منفردة تجري بلا توسط. لذلك، فعندما يقارن الاقتصادي المعاصر رأس المال كعمل متشییء بالعمل الحي، فإن ما يفهمه بالعمل المتشیئ ليس منتوجات العمل بمعنى أن لها قيمة – استعمالية وتجسد أفعالا نافعة معينة للعمل، بل منتوجات عمل بمعنى أنها أساس مادي لمقدار معين من العمل الاجتماعي العام وبالتالي من القيمة، النقود التي تنمي قيمة نفسها ذاتياً عن طريق استيلائها على العمل الحي للآخرين. إن عملية الاستيلاء هذه يتوسطها التبادل الذي يقع، في سوق السلع، بين رأس المال المتغير وقدرة – العمل، ولكنها تكتمل، ليس إلا، في عملية الإنتاج الفعلية (14).
إن خضوع عملية العمل لرأس المال لا تؤثر بادئ الأمر على النمط الفعلي للإنتاج، وتقتصر آثارها العملية على ما يلي: إن العامل ينحني لسيطرة وتوجيه وإشراف الرأسمالي، رغم أن ذلك بالطبع من ناحية عمله الذي يعود إلى رأس المال، لا غير. ويحرص الرأسمالي على أن لا يبذر العامل وقتا، كما يحرص، مثلا، على أن يسلم له منتوج ساعة عمل في كل ساعة، وأن لا ينفق سوى وقت العمل الوسطي الضروري لإنتاج المنتوج. وبما أن علاقات رأس المال معنية، في الأساس، بالسيطرة على الإنتاج، وبما أن العامل، بناء عليه، يظهر باستمرار في السوق كبائع والرأسمالي کشاري، فإن عملية العمل نفسها تستمر بكامل مداها، ولن تنقطع كما كان سيحصل لو أن العامل كان منتجاً مستقلا للسلع، يعتمد على بيع سلعه إلى زبائن فرديين، لأن الحد الأدنى من رأس المال ينبغي أن يكون كبيراً بما فيه الكفاية لتشغيل العامل باستمرار ولضمان ألا تكون هناك ضرورة لبيع سلعه في عجلة (15). أخيراً، إن الرأسمالي يجبر العمال على إطالة أمد عملية العمل إلى أكبر ما يمكن خارج حدود وقت العمل اللازم لإعادة إنتاج المقدار المدفوع أجوراً، نظرا لأن هذا العمل الفائض هو الذي يقدم له فائض القيمة (16).

ومثلما أن مالك السلعة معني بالقيمة – الاستعمالية للسلعة فقط لأنها حامل لقيمتها – التبادلية، كذلك فإن الرأسمالي معني بعملية العمل فقط لأنها حامل لعملية إنماء القيمة وأداة لها. وفي إطار عملية الإنتاج أيضا – بمقدار ما هي عملية إنماء للقيمة – تستمر وسائل الإنتاج في ألا تكون أكثر من قيمة نقدية، غير مبالية بالشكل المادي الخاص، بالقيمة – الاستعمالية المميزة التي ترتديها القيمة – التبادلية لباسا. وبالمثل، لا يحتسب العمل كنشاط منتج ذي نفع خاص، بل يعد ببساطة كجوهر خالق للقيمة، كعمل اجتماعي عام منخرط في فعل تشييء نفسه، حيث تكون الميزة الوحيدة الهامة هي كميته. من هنا فإن كل ميدان إنتاج، في نظر الرأسمالي، هو مجرد میدان يتوظف فيه رأس المال کیما ينتج المزيد من النقود، كيما يحافظ على النقود الموجودة أصلا ويزيدها، أي كيما يحصل على عمل فائض. إن عملية العمل تختلف بالاختلاف بین میدان إنتاج وآخر، وكذلك حال العوامل المستخدمة في العملية. فالأحذية لا يمكن إنتاجها بمعونة المغازل والقطن والغازلين. لكن توظيف رأس المال في هذا الفرع أو ذاك من الإنتاج، والكميات التي يتوزع بها رأس المال الكلي للمجتمع على مختلف ميادين الإنتاج، وأخيرا الشروط التي يهاجر فيها من صنف إنتاج إلى صنف آخر – إن ذلك كله يتحدد بالشروط المتغيرة تبعاً لحاجات المجتمع إلى منتوجات هذه الصناعة أو تلك؛ نقصد القول إن ذلك يتحدد بحاجة المجتمع إلى القيم – الاستعمالية للسلع التي خلق؛ إذ رغم أن القيمة – التبادلية للمنتوج هي ما يدفع لقاءه، فإن المنتوجات لا تشترى إلا لأجل قيمتها – الاستعمالية.

(بما أن المنتوج المباشر لعملية الإنتاج هو سلعة، فإنه عن طريق العثور على شارين السلعة إنما يستطيع الرأسمالي تحقيق رأسماله الذي يحل في نهاية العملية في السلعة، أي تحقيق فائض القيمة الذي تحتويه هذه).

لكن رأس المال هو، في ذاته ولذاته، غير مكترث بالطبيعة الخاصة بكل میدان إنتاج. فأين يوظف وكيف يوظف، وإلى أي مدى ينقل من ميدان إنتاج إلى آخر أو يعاد توزيعه على مختلف ميادين الإنتاج – إن ذلك كله إنما يتحدد بمدى سهولة أو صعوبة بيع السلع المصنعة. إن حركة تدفق رأس المال، في الواقع الفعلي، تتعرقل بعقبات لا يسعنا بحثها في الإطار الراهن. ولكننا سنرى، من جهة، أنه يخلق الوسائل التي يتغلب بها على العقبات التي تنشأ من طبيعة الإنتاج ذاتها، ويزيل من جهة أخرى، بتطور نمط الإنتاج الخاص به ذاته، كل العوائق القانونية وما فوق الاقتصادية التي تعترض حرية حركته في مختلف ميادين الإنتاج. وهو يطيح، قبل كل شيء، بسائر الحواجز القانونية أو التقليدية التي تمنعه من شراء هذا النوع أو ذاك من قدرة – العمل التي يجدها موائمة له، أو التي تمنعه من الاستيلاء على هذا الصنف من العمل أو ذاك. زد على ذلك، رغم أن قدرة – العمل ترتدي شكلا مميزاً في كل ميدان خاص من الإنتاج، مثل المقدرة على الغزل، والدباغة، ومعالجة المعادن، إلخ، بحيث أن كل ميدان إنتاج يتطلب مقدرة على العمل تتطور في اتجاه خاص، مقدرة خاصة على العمل؛ رغم ذلك، يبقى صحيحاً أن مرونة رأس المال، وعدم اكتراثه بالأشكال الخاصة لعملية العمل التي يحصل عليها، إنما يوسعها رأس المال ناقلا إياها إلى العمل، إذ يطلب منه أن يكون قادراً على المرونة نفسها أو طلاقة الحركة(*4) في الطريقة التي يطبق بها قدرة – عمله. وكما سنرى، فإن نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه يضع العوائق في طريق ميوله الخاصة، لكنه يزيح كل المعوقات القانونية وما فوق الاقتصادية الأخرى التي تقف في طريق طلاقة الحركة هذه(17). ومثلما أن رأس المال، كقيمة تنمي نفسها ذاتياً، ينظر بعين اللامبالاة إلى المظهر المادي المميز الذي يتلبسه هو في عملية العمل، سواء كمحرك بخاري، أو كوم سماد أو حریر، كذلك فإن العامل ينظر إلى المحتوى الخاص لعمله بلا مبالاة مماثلة. إن عمله يعود إلى رأس المال، وإنه لم يبع شيئا سوى القيمة – الاستعمالية للسلعة، بل إنه لم يبعها إلا للحصول على النقود، وبالنقود، للحصول على وسائل العيش. إن تغيراً في أسلوب عمله لا يعنيه إلا لأنه مع كل أسلوب خاص من العمل يتطلب تطويراً مختلفاً لقدرته على العمل. وإذا لم تعطه لا مبالاته بالمحتوى الخاص لعمله المقدرة على تغيير قدرته على العمل حسب الأمر، فإنه سيعبر عن لا مبالاته بتحفيز بديله، الجيل الصاعد، على الانتقال من فرع صناعي إلى آخر، تبعا لحالة السوق. وكلما كان الإنتاج الرأسمالي أعلى تطوراً في بلد ما، كان الطلب على طلاقة حركة قدرة – العمل أكبر، وازدادت لا مبالاة العامل إزاء المحتوى الخاص لعمله، وازدادت مرونة حركات انتقال رأس المال من میدان إنتاج إلى آخر. إن علم الاقتصاد الكلاسيكي يعتبر طلاقة حركة قدرة – العمل، ومرونة رأس المال بمثابة بديهة، وهو محق في هذا، نظرا لأن هذا هو ميل الإنتاج الرأسمالي الذي يفرض إرادته بلا رأفة رغم كل العوائق، التي هي، في كل الأحوال، من صنع يديه. وعلى أي حال، فابتغاء تصوير قوانين الاقتصاد السياسي في نقائها، نقوم بتجريد منابع الاحتكاك هذه، كما هو معمول به في الميكانيكا، حيث تتوجب معالجة الاحتكاكات التي تنشأ، في كل تطبيق خاص، حسب قوانينها العامة (18).

ورغم أن الرأسمالي والعامل يواجهان بعضهما في السوق فقط کشار، كنقود، من جهة، وكبائع، كسلعة، من جهة أخرى، فإن هذه العلاقة تتلون، سلفاً، بالمحتوى الخاص لتعاقدهما؛ ويصح ذلك بوجه خاص، طالما أن كلا الطرفين يظهران في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي باستمرار، وعلى الدوام، في السوق، متلبسين الدورين المتضادین ذاتهما. ولو بحثنا العلاقات بين مالكي السلع بوجه عام في سوق العمل لرأينا أن مالك السلعة الواحد نفسه يظهر، على التناوب، کشار وبائع للسلع. إن كون اثنين من مالكي السلع يختلفان عن بعضهما کشار وبائع، واقعة ذات أهمية متناقصة أبداً، نظرا لأن كل واحد يأخذ، في مجرى الوقت، كل الأدوار في ميدان التداول. ومن الصحيح أيضا أنه ما إن يكون العامل قد باع قدرته على العمل، وحولها إلى نقود، فإنه هو الآخر يصبح شارياً، ويظهر الرأسماليون بإزائه مجرد بائعين للسلع. ولكن النقود، بين يديه، ليست شيئا سوى وسيلة تداول. ففي سوق السلع الفعلي، إذن، يكون من الصحيح تماما أن العامل، شأن أي مالك آخر للنقود، هو شار، ويتميز بذلك وحده عن مالك السلعة كبائع. ولكن النقود، في سوق العمل، إنما تجابهه دائما كرأسمال في شكل نقد، ولذا فإن مالك النقود يظهر له كرأسمال في إهاب شخص، كرأسمالي، ويظهر هو من جهته لمالك النقود مجرد قدرة – عمل في إهاب شخص، وبالتالي تجسد شخصي للعمل، أي كعامل (19). إن الشخصين اللذين يواجهان بعضهما في السوق، في ميدان التداول، ليسا مجرد شار وبائع، بل رأسمالي وعامل يجابهان بعضهما کشار وبائع. وعلاقتهما کرأسمالي وعامل مشروطة سلفا بعلاقتهما کشار وبائع. وعلى عكس الوضع في حالة الباعة الآخرين، لا تنبع العلاقة، مباشرة، من طبيعة السلع. فتلك تشتق من واقع أن لا أحد منهما ينتج مباشرة المنتوجات التي يحتاجها كي يعيش، بحيث أن كل واحد منهما لا ينتج غير منتوج مفرد كـ سلعة يبيعها من بعد ذلك كيما يكون قادراً على الحصول على منتوجات الآخرين. غير أننا لسنا معنيين هنا، على أي حال، بتقسيم العمل الاجتماعي، الذي يغدو فيه كل فرع من العمل مستقلا بذاته، بحيث أن الاسكافي، على سبيل المثال، يصبح بائع أحذية ولكن شاري جلود وخبز. فما نحن نعني به هنا هو تقسيم مكونات عملية الإنتاج نفسها، مكونات تنتمي لبعضها بعضا حقا؛ إن هذا التقسيم يقود إلى فصل مطرد لهذه العناصر ثم تجسدها في أشخاص واستقلالها بإزاء بعضها بعضا، بحيث أن النقود كشكل عام للعمل المتشییء تصبح شاري قدرة – العمل، المنبع الحي للقيمة – التبادلية، وبالتالي للثروة. إن الثروة الحقيقية هي النقود من وجهة نظر القيمة – التبادلية، وهي من جهة نظر القيمة – الاستعمالية وسائل العيش ووسائل الإنتاج – إن هذه الثروة، تتجلى بهيئة أشخاص في تضاد مع إمكان الثروة، أي قدرة – العمل، التي تتجلی كشخص مختلف.
بما أن فائض القيمة هو المنتوج المميز لعملية الإنتاج، فإن ما ينتج ليس مجرد سلعة، بل أيضا رأسمال. ففي عملية الإنتاج يتحول العمل إلى رأسمال. إن نشاط قدرة – العمل، أي العمل، يشيّئ نفسه في مجرى الإنتاج وبذا يصبح قيمة؛ ولكن بما أن العمل قد كفّ عن أن يخص العامل حتى قبل أن يبدأ بالعمل، فإن ما تشيأ ذاتياً بالنسبة إليه، هو تشیؤ عمل غريب وبالتالي قيمة، أي رأسمال، مستقل عن قدرة – العمل الخاصة به. إن المنتوج يخص الرأسمالي، وهو في نظر العامل جزء من رأس المال شأن عناصر الإنتاج. من جهة أخرى، فإن مقداراً معطی من القيمة – أو النقد – لا يصبح رأسمالا فعلية إلا عندما يبدأ، في المقام الأول، بتحقيق ذاته كقيمة نامية، بأن يصبح قيمة في حالة صيرورة، وهو يحقق مبتغاه هذا حين يدمج نشاط قدرة – العمل، أي العمل، في عملية الإنتاج ويصبح مالكاً لهذه الطاقة. وثانياً، ينبغي أن يدر فائض قيمة كشيء متميز عن قيمته الأصلية، وهذا بدوره نتاج تشيؤ العمل الفائض.

إن العمل يغدو، في عملية الإنتاج، عملا متشيئاً، أي رأسمالا في تضاد مع قدرة – العمل الحي، وثانياً، إن القيمة الأصلية، بامتصاص العمل في الإنتاج، بالاستيلاء عليه بهذه الطريقة، تغدو قيمة في صيرورة، وبالتالي قيمة تخلق فائض قيمة مختلفة عن نفسها. وبسبب من أن العمل ينقلب، في مجرى الإنتاج، إلى رأسمال، يمكن لنا القول إن الكم الأصلي من القيمة ينمي نفسه ذاتياً، وإن ما كان في البدء رأسمالا بالقوة يصبح رأسمالا بالفعل (20). (*5).

____________

(1) رأس المال هو ذلك الجزء من ثروة البلاد، والذي يستخدم في الإنتاج ويتألف من الغذاء والملابس، والأدوات والمواد الأولية، والآلات، إلخ، الضرورية لتنفيد العمل، (ریکاردو، [مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب]، ص 89). رأس المال هو جزء من الثروة الوطنية، يستخدم أو يزمع استخدامه في تدعيم إعادة الإنتاج. (ج، رامزي، [بحث في توزيع الثروة، 1836] ص 21). “رأس المال… جنس خاص من الثروة … مكرس للحصول على مواد نافعة أخرى. (ر. تورنز، [An Essay On The Production of wealth بحث في إنتاج الثروة، ص 69 – 70]) “رأس المال… ينتج… كوسيلة لإنتاج جديد”. (سنيور، المبادىء الأساسية للاقتصاد السياسي، ص 318 – الطبعة الفرنسية). حين يكرس رصيد ما للإنتاج المادي فإنه يتخذ اسم رأس المال، (هـ. ف. شتورخ Cours d ‘ economie Politique دروس في الاقتصاد السياسي، طبعة باريس، 1823، المجلد الأول، ص 207). “رأس المال هو ذلك الجزء من الثروة المنتجة مكرس لأجل الإنتاج (روسّي Cours d ‘ economie politique دروس في الاقتصاد السياسي، 1836 – 1837، طبعة بروکسیل، 1842، ص 364). إن روسّي يعتصر دماغه عبثا حيال “صعوبة” ما إذا كان بالوسع اعتبار المواد الأولية، رأسمالا أم لا. إنه يعتقد أن بوسع المرء حقا أن يميز بين [رأس المال – المادة] (Capital – matiere)، و[رأس المال – الأداة] (Capital- instrument) “ولكن هل حقا إن المواد الأولية (La matiere premiere) أداة إنتاج؟ أليست هي بالأحرى المواضيع التي ينبغي أن تشتغل عليها أدوات الإنتاج؟” (ص 367). إنه لا يدرك أنه ما دام يخلط رأس المال بتجلياته الطبيعية فيدعو بذلك الشروط الموضوعية للعمل رأسمالا، فإنها تنقسم حقة إلى مواد عمل وأدوات عمل، ولكنها كلها وسائل إنتاج على قدم المساواة، بقدر ما يتعلق الأمر بالمنتوج. وهكذا نراه على الصفحة 372 يشير إلى رأس المال ببساطة على أنه “وسائل إنتاج ليس ثمة فرق بين رأس المال وأي کسر آخر من الثروة: إن مادة معينة لا تصبح رأسمالا إلا بفضل استخدامها، نعني القول إنها ينبغي أن تستخدم في عملية إنتاجية، كمواد أولية، كأداة أو كوسيلة للتجهيز”. (شیربولييه، الثروة أو الفقر، ([Riche [5se] ou Pauvre [td) باريس، 1841، ص 18).
(2) أنظر على سبيل المثال، جون ستيوارت میل، مبادئ الاقتصاد السياسي، المجلد الأول، الكتاب (J.S. Mill, Principles of Political Economy V.I, b.I)
(*) مثلا: سفسطات اقتصادية، باريس 1846 – 1848. [ن. ع].

(**) هارييت مارتينو، أمثلة في الاقتصاد السياسي، 9 مجلدات، لندن، 1832 – 1834. [ن. ع]

(3) “يقال لنا إن العمل لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة من دون رأس المال – وإن رأس المال کالمعول لمن يحفر – وإن رأس المال ضروري للإنتاج کالعمل نفسه. إن العامل يعرف ذلك كله، لأن حقيقة ذلك تأتيه يومياً؛ لكن هذا الاعتماد المتقابل بین رأس المال والعمل لا علاقة له بالوضع النسبي لكل من الرأسمالي والعامل؛ كما أن ذلك لا يبين أن الأول يمكن أن يُعال من جانب الأخير. فما رأس المال إلا كذا مقدار من المنتوج غير المستهلك؛ وإن الشيء الموجود في هذه اللحظة، إنما يوجد مستقلا عن، ولا يتطابق بأي حال مع، أي فرد خاص او طبقة. ولو آل كل رأسمالي وكل ثري في المملكة المتحدة إلى الزوال في لحظة واحدة، فلن تزول بزوالهم ذرة واحدة من الثروة أو رأس المال، بل لن تكون الأمة نفسها أقل ثراء حتى وإن بمقدار قرش. ليس الرأسمالي بل رأس المال هو الضروري لعمليات المنتج، وإن هناك فارقاً هائلا بين الاثنين، كالفارق بين الحمولة الفعلية وورقة الشحن”. (ج. ف. برای، مظالم العمل وعلاج العمل، إلخ، لیدز، 1839، ص 59).

(J.F. Bray, Labour’s Wrongs and Labour’s Remedy, etc, Leeds, 1930, p.59).

“إن رأس المال هو ضرب من كلمة باطنية شأن الكنيسة أو الدولة، أو أي واحد من تلك الاصطلاحات التي يخترعها أولئك الذين يسلبون بقية البشرية لإخفاء اليد التي تسرقها”. (دفاعا عن العمل ضد ادعاءات رأس المال، إلخ، لندن، 1825. ص 17).

(Labour Defended against the Claims of Capital, etc., London, 1825, 17).

إن مؤلف هذا الكراس هوت. هودجسكين، أحد أبرز وأهم الاقتصاديين الإنكليز المعاصرين. وبعد عدة سنوات من نشر المؤلف الذي نقتبس منه أعلاه، والذي لا تزال أهميته معترف بها (أنظر على سبيل المثال، جون لالور، النقود والأخلاق، إلخ، لندن 1852(، صدر ضده کراس غُفل من التوقيع وضعه اللورد بروهام، الذي كان رده لا يستحق الذكر بما تميز به من سطحية تشمل كل النتاجات الاقتصادية لذلك الدعي المتعطل.
(4) “إن المادة التي… نحصل عليها لغرض دمجها بصناعتنا الخاصة نحن (!)، محولين إياها منتوجا، هي ما يدعى رأسمال؛ وبعد أن يكون العمل قد بذل، والقيمة قد خلقت، فإنه يسمی منتوجاً. وهكذا فإن المادة نفسها قد تكون منتوجاً للواحد، ورأسمالا للآخر. وما الجلد إلا منتوج للدباغ، ورأسمال للإسكاني”. (ف. وایلاند، المرجع نفسه، ص 25). يعقب ذلك الهراء المقتبس اللاحق من برودون. مجانية الائتمان – مناقشة مع السيد باستيا والسيد برودون، باريس، 1850، ص 179-180-182.
(Gratuit du Crédit. Discussion entre M. F. Bastiat et M. Proudhon, Paris, 1850, p. 179180-182).
(5) أنظر (ج. ب. ساي، [أطروحة في الاقتصاد السياسي، المجلد الثاني، ص 429، الحاشية). وحين يقول كيري: “رأس المال هو… كل المواد التي تمتلك قيمة – تبادلية” (هـ. سي. کيري، مبادئ الاقتصادي السياسي Principles of Political Economy الجزء الأول، فيلادلفيا، 1837، ص 294). فإن هذا يرتد إلى تفسير رأس المال المشار إليه في الفصل الأول: “راس المال – هو سلع” (Capital – is commodities)، وهو تفسير لا يشير لشيء سوی تجلي رأس المال في عملية التداول.
(6) سیسموندي، المبادئ الجديدة، إلخ، المجلد 1، ص 89.
(7) أنظر أيضا: رأس المال هو فكرة تجارية Le Capital est une idée commerciale» (سیسموندي، دراسات، إلخ، .Etudes etc، المجلد II، ص 273).
(8) “رأس المال. هو ذلك الجزء من الثروة المدخرة (Stock) في بلد من البلدان، التي تحفظ أو تستخدم بهدف الربح في إنتاج وتوزيع الثروة”. (ت. ر. مالتوس، تعريفات في الاقتصاد السياسي Definitions in Political Economy، طبعة جديدة، إلخ، أعدها جون كازنوف، لندن، 1853، ص 10). “رأس المال هو جزء من الثروة المستخدمة لأجل الإنتاج، وعموماً بغرض الحصول على ربح”. (ت. تشالمرز، في الاقتصاد السياسي On Political Economy، إلخ، لندن، 1832، الطبعة الثانية، ص 75).
(9) هذه هي النقطة الصائبة التي تميز سجال روسّي ضد إدخال وسائل العيش ضمن مكونات رأس المال المنتج. أما مدى بعد تفسيره عن الهدف، ومدى الارتباك الذي ينشأ عن العقلنة التي يأتي بها، فهما شيء آخر نأتي عليه في فصل لاحق(م).
[(م) يعالج مارکس ذلك في الغروندريسة (Grundrisse). ولم يتطرق إليها قط في أي موضع، لا في رأس المال ولا في نظريات فائض القيمة]. [ن. ع].
(10) يمكننا على الفور أن نستنبط ما يفهمه ف. باستيا عن ماهية الإنتاج الرأسمالي حين يعلن أن نظام الأجور شكلانية خارجية لا صلة لها بالإنتاج الرأسمالي، ثم يكتشف الحقيقة “ليس شكل المعاناة الأجرية هو ما يخلق تبعيته (تبعية العامل)” (تناغمات اقتصادية، Harmonies économiques، باريس، 1851، ص 378). وهذا اكتشاف – بل هو علاوة على ذلك قطعة من انتحال مشوّه مأخوذ عن اقتصاديين حقيقيين – جديرٌ كله بجاهل لبق اكتشف في المؤلف نفسه، أي في عام 1851 ما يلي: “والشيء الحاسم الذي لا يباری هو اختفاء الأزمات الصناعية الكبرى في إنكلترا” (ص 396). ورغم أن باستيا قد أزال الأزمات الكبرى من إنكلترا بمرسوم أصدره مطلع عام 1851، فإن إنكلترا شهدت أزمة عظمى في موعد لم يتجاوز عام 1857، ونستطيع أن نقرأ في التقارير الرسمية لغرفة التجارة الإنكليزية، أن أزمة صناعية أخرى ذات أبعاد لا مثيل لها من قبل كانت ستنشب عام 1861، لولا اندلاع الحرب الأهلية الأميركية.

(11) “علاوة على ذلك فمن شروحات الاقتصادي نفسه نرى في عملية الإنتاج، كيف أن رأس المال، إنتاج العمل، يتحول على الفور ومن جديد إلى الجوهر المادي، إلى مادة العمل؛ ونرى بالتالي كيف أن انفصال رأس المال عن العمل، القائم موقتاً، تنقضه وحدة الاثنين”. (ف. إنجلز، الحوليات الألمانية – الفرنسية، إلخ، ص 99).
(***) غوته، فاوست، الجزء الأول، قبو أورباخ، البيت 2141.
(12) “العمل هو الواسطة التي يغدو بها رأس المال منتجاً … للربح”. (جون وايد، المرجع المذكور، ص 161). “إن العمل الحي، في المجتمع البورجوازي ليس سوى وسيلة لزيادة العمل المتراكم”. (بیان الحزب الشيوعي، 1848، ص 12).
(13) إن واقع أن لوسائل العيش خصائص اقتصادية معينة، وأنها تشتري العمال، أو أن وسائل الإنتاج، مثل الجلود وقوالب الأحذية، تستخدم مساعدي الإسكافي – إن هذا القلب للشخص والشيء قد أصبح جزءا لا يتجزأ من الطابع المادي لعناصر الإنتاج في كل من الإنتاج الرأسمالي نفسه وفي خيال الاقتصاديين. وهذا ما هو عليه الحال في الواقع بحيث أنه عندما يری ریکاردو، مثلا، أن من الضروري تقديم تحليل عن العناصر الطبيعية لرأس المال، فإنه يستخدم بصورة طبيعية، من دون تحفظات أو تفكر من أي نوع، التعابير الاقتصادية الصحيحة. هكذا يتحدث عن “رأس المال أي وسائل استخدام العمل”، (أي ليس الوسائل التي يستخدمها العمل، means employed by) (labour بل وسائل استخدام العمل، (.the means of employing labour))، (المرجع نفسه، ص 92)، و (كمية العمل التي يستخدمها رأس المال، (quantity of labour employed by a capital) (المرجع نفسه، ص 419)، «الرصيد المكرس لاستخدامهم، (العمال) the fund which is to» .(employ them» (ص 252، إلخ). وبالمثل ففي ألمانيا المعاصرة یدعی الرأسمالي، هذا التجسيد الشخصي للأشياء التي تأخذ العمل، يدعی: معطي العمل (Arbeitsgeber)، فیما يدعى العامل الفعلي الذي يعطي عمله بأنه: متلقي العمل (Arbeitssnehmer). “في المجتمع البورجوازي، يكون رأس المال مستقلا وله فرديته، في حين أن الشخص الحي تابع ولا فردية له”. (بیان الحزب الشيوعي، المرجع نفسه).
(14) العمل المباشر والعمل المتشییء، العمل الحاضر والعمل الماضي، العمل الحي والعمل المدخر، إلخ، هذه جميعاً صيغ يستخدمها الاقتصاديون للتعبير عن علاقات رأس المال والعمل. العمل ورأس المال.. الأول عمل مباشر … والآخر عمل مؤخرا. (جیمس میل، Elements of Political Economy عناصر الاقتصاد السياسي، لندن، 1821، ص 75). عمل سابق (رأس المال)… عمل حاضر. (إي. جي. وایکفیلد في طبعته لأعمال آدم سميث، لندن 1836، المجلد الأول، ص 231، الحاشية). عمل متراکم (رأس المال).. عمل مباشرة (تورنز، المرجع نفسه، الفصل الأول ص 31). العمل ورأس المال، أي العمل المتراكم، (.Labour and Capital that is accumulated labour) (ریکاردو، المرجع نفسه ص 499). إن التسليفات الخاصة للرأسمالي لا تتألف من قماش، (أو من أية قيمة؛ استعمالية عموما)، “بل من عمل” (مالتوس، مقياس القيم The Measure of Values إلخ، لندن، 1823، ص 17-18). “مثلما أن كل امرئ مرغم على الاستهلاك قبل أن ينتج، فإن العامل الفقير يجد نفسه في حالة تبعية للرجل الثري، ولا يستطيع أن يعيش ولا أن يعمل بدون الحصول من هذا الأخير على منتوجات وسلع موجودة، لقاء منتوجات وسلع يتعهد بإنتاجها بعمله الخاص… ولكيما يغريه (يغري الرجل الثري) على الموافقة على ذلك، كان من الضروري الموافقة على أنه حيثما تمت مبادلة العمل المنجز من قبل لقاء العمل المزمع إنجازه، فإن هذا الأخير سيكون ذا قيمة أكبر من الأول”.

(سیسموندي، الثروة التجارية، De la richesse commerciale، باريس، 1803، المجلد الأول، ص 36، 37).
إن السيد ف. روشر، الذي لا يملك، كما هو واضح، أوهن فكرة عما كان الاقتصاديون الإنكليز يقولونه، والذي تذكر بصورة متأخرة أن سنيور عمّد رأس المال باسم “التقشف” abstinence))، يدلي بالتعليق البروفيسوري التالي، وهو تعليق يتميز، بالمناسبة، ببراعة نحوية: “إن مدرسة ریکاردو تريد أيضا أن تدرج رأس المال تحت مفهوم العمل، تحت عنوان «العمل المؤخر». وهذا غير ملائم لأن بالطبع (!) مالك رأس المال قد عمل بالتأكيد (!) أكثر من مجرد (!) إنتاج (!) وصيانة (!) رأسماله، إنه يمتنع ليتقشف تحديدا عن التمتع به لنفسه، ويتطلب في مقابل ذلك، فائدة مثلا”، (ف. روشر، المرجع نفسه). [إن البراعة التي يذكرها مارکس هي إشارة إلى لعب روشر على كلمتي (حفظ أو صيانة) (Erhaltung) و(امتناع أو تقشف) (Enthaltung). ن. ع].

(15) «لو حصل، باطراد الوقت، تغير في موقعهم (أي العمال) الاقتصادي، لو أصبحوا عمال رأسمالي يسلفهم الأجور مسبقاً، فإن شيئين يحدثان: أولا، إن باستطاعتهم الآن أن يعملوا باستمرار، وثانياً، سيأتي وسيط (agent)، تكون وظيفته ومصلحته في أن يحرص على أن يقوموا بالعمل باستمرار… ها هنا إذن، استمرارية متزايدة في عمل سائر هذه الطبقة من الأشخاص. إنهم يعملون يوميا من الصباح إلى المساء، ولا ينقطعون انتظاراً أو بحثا عن زبون… لكن استمرارية العمل، التي تغدو ممكنة على هذا النحو، إنما يجري ضمانها وتحسينها بالإشراف الذي يزاوله الرأسمالي. لقد سلف أجورهم، وهو سيتلقی منتوجات عملهم. وإن مصلحته وامتيازه أن يحرص على أن لا يعملوا بصورة متقطعة او بتباطؤ”. (ر. جونز، [منهج Textbook، إلخ]، ص 32 ومواضع أخرى).
(16) “ثمة بديهية يقرها عموماً الاقتصاديون هي أن كل عمل ينبغي أن يخلف فائضاً. وبرأيي أن هذه الفرضية صحيحة بصورة شاملة ومطلقة: إنها نتيجة تترتب على قانون التناسب (!) ويمكن اعتبارها خلاصة مجمل العلم الاقتصادي. ولكن، إذا سمح لي الاقتصاديون القول، إن المبدأ القائل إن كل عمل يجب أن يخلف فائضاً لا معنى له استنادا إلى نظريتهم، وغير قابل لأي برهان”. (برودون، فلسفة البؤس). في كتابي: بؤس الفلسفة، باريس، 1847، ص 76 – 91، بينت أن السيد برودون ليست لديه أدنى فكرة عما يعنيه فائض العمل، (excedant du travail) أي تحديداً المنتوج الفائض، الذي يتجلى فيه العمل الفائض أو العمل غير المدفوع الذي يؤديه العامل. وبما أنه يرى أن كل عمل في الواقع ينتج مثل هذا “الفائض” (excedant) في الإنتاج الرأسمالي، فإنه يحاول شرح هذه الحقيقة بالإشارة إلى خاصية طبيعية غامضة يتميز بها العمل، وبأن يشق طريق الخروج من هذه الصعوبة بإطلاق مثل هذه الكلمات متعددة المقاطع (Sesquipedalia verba) من قبيل نتيجة تترتب على قانون التناسب” (corollaire de la loi de la proportionnalite)، إلخ.
(*4) القدرة على الانتقال المرن من فرع لآخر، أي تعدد مهارات وأغراض العمل. [ن. ع].
(17) “إن كل إنسان سوف ينتقل بسهولة، ما لم يكبحه قانون، من مهنة إلى أخرى، حسب مقتضيات مختلف التقلبات في الصناعة”. أنظر: تأملات تتعلق بإزالة القيود عن تصدير القمح، إلخ، لندن، 1753، ص 4.
(Considerations concerning taking off the Bounty on Corn Exported, etc., London, 1753, p.4).
(18) ليس ثمة مكان تظهر فيه مرونة رأس المال، وطلاقة حركة العمل ولامبالاة العامل بمحتوى عمله ظهوراً ساطعاً أكثر مما في الولايات المتحدة لشمال أميركا. ففي أوروبا، أو حتى في إنكلترا، لايزال الإنتاج الرأسمالي تحت تأثیر وتشويه بقايا الإقطاعية. إن واقع أن الخبازة، وصنع الأحذية، إلخ، لم تقف على أساس رأسمالي في إنكلترا إلا حديثاً، إنما يرجع بالكامل إلى الظرف المتمثل في أن رأس المال الإنكليزي ظل محتفظاً بالتصورات الاقطاعية عن الجدارة بالاحترام. فقد كان “جديراً بالاحترام”، بيع الزنوج للعبودية، ولكن لم يكن جديراً بالاحترام صنع المقانق والأحذية والخبز. من هنا فإن كل الآلات التي تغزو الفروع الصناعية، غير الجديرة بالاحترام، بالنسبة إلى الرأسمالية في أوروبا، تأتي من أميركا. وعلى غرار ذلك، لا نجد مكانا يبدي فيه الناس عدم الاكتراث بنوع العمل الذي يزاولونه أكثر مما في الولايات المتحدة، ولا تجد مكانا أكثر منها يدرك فيه الناس بوضوح أن عملهم ينتج على الدوام المنتوج نفسه، النقود، ولا نجد مكانا أكثر منها ينتقلون فيه عبر أشد أنواع العمل تبايناً، بعدم اللامبالاة ذاتها. إن اطلاقة الحركة، هذه تبدو وكأنها علامة مميزة للعامل الحر، على نقيض العبد الشغيل، الذي تكون قدرة – عمله مستقرة، وقابلة للاستخدام بأسلوب يحدده العُرف المحلي. “إن عمل العبد متخلف تماما من ناحية طلاقة الحركة. فإن زُرع التبغ، أصبح التبغ المادة الوحيدة، ويجري إنتاج التبغ، مهما كانت حالة السوق، ومهما كان وضع التربية”. (کایرنز، المرجع نفسه، ص 46، 47).
(19) «إن علاقة الصناعي بعماله.. علاقة اقتصادية صرفة. فالصناعي هو رأسمال، والعامل هو عمله» (ف. إنجلز، وضع الطبقات العاملة، إلخ، ص 329).
(20) «إنهم، (العمال) يبادلون عملهم، أي قدرة – عملهم لقاء القمح، (أي وسائل العيش) وهذا يؤلف إيرادهم، اي استهلاكهم الفردي). … في حين أن عملهم قد أصبح رأسمالا لأجل سيدهم». (سیسموندي، المبادىء الجديدة، المجلد الأول، ص 90). «إن العمال الذين يتخلون عن عملهم في عملية التبادل يحولونه [منتوج سنة كاملة] إلى رأسمال». (المرجع نفسه، ص 105).
(*5) عند هذه النقطة تنتهي الفقرة الأولى المضافة، التي تضم من المخطوطة الصفحات المرقمة -496m 469a. واستنادا إلى توجيهات مارکس [انظر، ص 1079 من الطبعة العربية. ن. ع]. ينبغي أن تعقبها فقرة مضافة ثانية أعطاها مارکس الأرقام 262 – 264. غير أن الصفحة 262 مفقودة.