ثقافة الإسلام وإزدواجية الشخصية العربية


سامى لبيب
2021 / 9 / 25 - 21:53     

-لماذا نحن متخلفون (83) .

في هذه السلسلة من :"لماذا نحن متخلقون " نخوض في أسباب تخلف شعوبنا العربية , لأعزي هذا التخلف في تلك السلسلة التى تجاوزت ثمانون مقالاً وبحثاً إلي الثقافة الإسلامية والعربية , فهذا الإرث الثقافي هو الذي شكل وكون ملامح وجذور تخلفنا .
ل تكون إثارتي لكلمة ثقافة كما يتبادر للذهن عن سعة وحجم المعارف والمعلومات لأعني بالثقافة منهجية تفكير وسلوك أي طريقة أداء وتعامل مع الأفكار والأحداث ومشاهد الحياة بإستدعاء المخزون المعرفي والتراثي الذي يتعامل مع هكذا أمور لتكون له منهجية وطريقة خاصة في المعالجة ونمط التفكير .
إذا تفحصنا مجتمعاتنا العربية الإسلامية بنظرة تحليلية موضوعية سنلاحظ حالة من التشوش الفكري والازدواجية الحادة التي يعيشها المواطن العربي والتي أصبحت جزءًا أصيلاً في تكوينه وسمة تميز شخصيته , ومن هنا نتلمس حجم التشوش الفكري وإزدواجية المعايير والسلوكيات وهذا نتاج إرث وتراث ثقافي إسلامي عروبي نحت وشكل الشخصية بكل عوارها , ومن هنا دعونا ننثر بعض الخواطر والتأملات التي تتعامل مع الشخصية والنفسية والذهنية الإسلامية لتبرز أن ملامحها وقسماتها تعود إلى ثقافة إسلامية عتيدة .

- من أبرز إزدواجيات الشخصية العربية الإسلامية الخلل في التعاطي مع المرأة , فهناك إنتهاك صارخ لحقوقها وإنسانيتها بدءًا من مستوى الأسرة التي تفرق بينها وبين الذكور بإقامة الحظر عليها , وصولاً إلى مستوى الدولة التي تفرق بينهما بشكل سافر فبعض الدول تعطي أولوية للرجل في العمل والترقيات ومنع النساء عن بعض المهن والمناصب هذا خلاف طالبان التي منعتها من الدراسة والعمل وإعتدت عليها بالضرب فى الشوارع .. رغم هذا الإنتهاك فالمسلمون يدركون جيدا أن هكذا هي الشريعة الإسلامية ولكن يبلغ التدليس والزيف والنفاق بهم حداً ليرددون القول بأن الشريعة أعطت المرأة حقوقها .
المؤسف فى الأمر ان الرجال باتوا لا يدركون ما آلت إليه هيمنتهم وإجحافهم وتزداد الأمور مأساة عندما تتكيف النساء وتستعذب هذا القهر وتتعايش معه بل تجد الملتزمات دينيا منهن يشدن به فهكذا هي شريعة الإله وهكذا هي الرجولة والأنوثة ...الغريب في الأمر أن الخوف والتردد ودفن الرؤوس في الرمال هو حال المسلمين فلم يجرؤ مثقف واحد أن يعلن أننا بحاجة لإلغاء الشريعة أو تعديلها إسوة باليهود والمسيحيين الذين إعتمدوا شرائع مدنية ليبقي الحال كما هو عليه .

- إن الشخص العربي بغض النظر عن انتماءه الديني أو الطائفي يرى أن ما يعتقده هو الحق المطلق وبالتالي فما يعتقده سواه هو باطل مطلق , وهذا الباطل في أفضل الفروض يستوجب العذاب في الآخرة وفي أسوأها يستوجب الإضطهاد والقتل في الدنيا ,فنظرة الإنسان العربي نظرة أحادية تنفي الآخر تمامًا ولا تراجع معتقداتها إلا فيما ندر بل ترفض أي خروج عليها إلا في بعض الصغائر التي لا تقدم و لا تؤخر أما إذا وصل الأمر لخلاف حقيقي فغير مقبول و لا مكان له .

- كان أبي دائمًا ما يلعن نظام عبد الناصر والحكومات العربية التي أخرتنا بديكتاتوريتها حسب وجهة نظره , وكان يطالب بالحرية و الديموقراطية , تلك الديموقراطية التي لم أشهد أنه مارسها يوماً في محيط الأسرة وهكذا حال كل الأسر العربية , فرب الأسرة هو صاحب الكلمة الأخيرة حتى و إن استشار , وتتعدى هذه المشكلة محيط الأسرة إلى مدرس الفصل الديكتاتور وأستاذ الجامعة الطاغية و رئيس العمل المطلق اليد , لينسى الشخص العربي أن الحكومة هي إفراز مجتمعي وأن الديموقراطية لا تهبط على الناس بالباراشوت و إنما تبدأ من بينهم حتى تصل لأعلى تمثيل لها في الحكومات .

- هذه الإزدواجية بين التغني بالديمقراطية والحريات وممارسة الديكتاتورية والتسلط هي من سمات الشخصية العربية التى تستمدها من التراث الذي يعلن عن طاعة أولي الأمر منكم , وطِع الأمير حتي لو ضربك وسلب مالك , ليتجذر مفهوم وسلوك الديكتاتورية متأسساً فى اللبنة الأولي المتمثلة فى الأسرة والعائلة فلا تستغرب من إتساعها لتشمل زعيم القبيلة والوالي والرئيس .

- العقلية الإسلامية متناقضة إزدواجية فتارة تعلن عن حرية الفكر والإعتقاد مستشهدة بآية من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ورغم ذلك تجده ينبذ ويضطهد الكافر والملحد ويدعو لقتلهما كما يؤيد قتل المرتد عن الإسلام لتتلاشي أى إمكانية ورؤية لحرية الفكر وإعتقاد !

- يتفرد المسلم عن أى إنسان آخر بحرصه على التفتيش فى هويتك قبل التعامل معك فمن خلال هويتك سيحدد كيف يتعامل معك وهذا يرجع لطبيعة ثقافته اللافظة لأي مغاير علاوة على تصديرها فكرة المؤامرة .

- ينفرد المسلم دون سائر البشر في أن تعامله الطيب يكون مع من يحمل هوية الإسلام فلا يكون هذا السلوك مع الجميع , كما لا يُحسن لفقير إلا من بني الإسلام , ولتجد أن نشاط وخدمات الهلال الأحمر وهي منظمة خيرية خاصة بالمسلمين فقط , ويعزي هذا إلى ثقافة وتراث تحرص على الجماعة في مواجهة أصحاب الثقافات الأخري حيث هناك فكر ونهج تصادمي عدائي للكفار فلا إحسان ولا تودد بل مواجهة وإغلظ عليهم .

- يعيش المسلم داخل شرنقة إسلامه التى تعلن العداء للآخر وفوبيا المؤامرة فلن يرضي عنك اليهود والنصاري حتي تتبع ملتهم ومن هنا ياتي التوجس من الآخر الذي يريد النيل من إسلامه .

- يتفرد المسلم عن سائر الشعوب فى توجسه وعداءه للآخر فلا يتعايش معه ولا يقبل بأى صيغة قبول وإحترام له وهذا لا يشمل كل المسلمين فالمدنية كان لها تأثير , ولكن تجد هذا التوجس والتشرنق حاضراً فى الجاليات الإسلامية بأوربا فهي سعت سعياً حثيثاً على الهجرة والحصول على الإقامة والجنسية فى بلاد متحضرة ورغم ذلك فهم يعلنون إزدراءهم لهذه المجتمعات ومنهم من يناهضوها ويمارسون إرهابهم .

- ينفرد المسلم دون سائر البشر في دس أنفه في حريات وسلوك الآخرين ومحاولة فرض رؤيته أو قل وصايته متبعاً منهجية ووصية من رأي منكم منكراً فليغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه مما يخلق هذا وصاية على الآخرين ورخصة لممارسة الفضول ودس الأنوف في شئون الآخر .

- الشخص العربي هو الوحيد في العالم الذي يعيش ويجتر الماضي ليتغنى بأمجاد ليس له أي دور في صناعتها , بل لم يقدر على الحفاظ على أبسط منجزاتها أو الأخذ بأسباب تقدمها .. إن الشخصية العربية تختلق لحاضرها المُهان أسباباً خارجة عنه تخترعها اختراعاً وتتباهى بتاريخٍ لم تعيه حتى ألهاها عن حاضرها فصارت لا تعيهما معاً , لتصر أن تقدمها سيحدث إن عادت للماضي , متغافلة أن أجدادها تقدموا بفهم حاضرهم وتطويره و ليس بالرجوع لماضيهم .

- أنظر إلى سلوك أصحاب الشركات والمحال فهم يستحلون التهرب من الضرائب وتهريب البضائع دون دفع رسومها الجمركية كذا إستغلال ظروف السوق وفصل العمال تعسفيًا لتخفيض التكاليف ألخ ,بالرغم من هذا فهم يتصدقون بشكل دوري ويذبحون الذبائح في المواسم والأعياد وكافة المناسبات وقد يخرجون الزكاة على أموالهم , ولتفسير منطقهم من هذه الأفعال المتناقضة , فهذه فريضة سينالون عليها ويقبضون مقابلها حسنات أو ينالون الثناء والإشادة والوجاهة من المتابعين بينما خدمة للمجتمع لا تجدي .. هذه الإزدواجية والتناقض فى السلوك هو شئ متعارف وينم عن شخصية لا تقيم وزنا لإلتزماتها المجتمعية بينما الرياء والنفاق هي غايتها .

- لقد حض الإسلام على العمل وإعمار الأرض والبحث والتفكير والتساؤل واتخاذ الأسباب كما يروجون دعائيا , ولكن كعادة التأسيس للإزدواجية أخبرونا أن رزق الإنسان وعمره وشقاءه وسعادته أمور يكتبها عليه ربه وهو في بطن أمه , كذلك أخبرونا عن اللوح المحفوظ بكل ما يحويه من إقرار واقع مهما اجتهدنا , ومن هنا تفهم سر التكاسل والإهمال فى العمل فالأمور قدرية ومَحسومة ومُرتبة ومُقسمة سلفا .

- تعيش الشخصية الإسلامية فوبيا وهوس الحرام والحلال , فهي دائمة السؤال عن الحلال والحرام فى أبسط الأمور البديهية ولا يكون هذا إلتزاماً وحرصاً دينيا بقدر أنها شخصية غير ناضجة لم يتم فطامها بعد , تفتقد لأي تفكير منطقي لتستطيع التفرقة بين الصح والخطأ يضاف لذلك أنها تحاول التسلل إلى الخطأ الذي لم يتناوله الدين , فالخمر حرام ولكن فلنتعاطي الحشيش فلم يورد فيه نص صريح .. الخلل ياتي من إنعدام فكرة الصح والخطأ عموما لتتقبل ما يملي عليها من تحريمات وتحليلات .

- العقل الإسلامي لا يستطيع أن يتعامل مع الأمور بمنطقه وحسه وفهمه ليعتمد على أصحاب الفتاوي يفتونه فى أتفه الأمور ولتتوقف الأمور على مدي وعي ومرونة الشيخ أو تطرفه لتزداد هذه العقلية هشاشة وبوار وإحتياجها لمن يرضعها فكرياً .

- العقل والفكر الإسلامي لا يكون له وجود بدون تحقير وإزدراء الآخر وإعلان التمايز والفوقية عليه , فالوجود من خلال المواجهة والعداء لتتلمس هذا من تلاوته لصلاة يكررها خمس مرات يوميا تُعلن عن ذم الضالين والمغضوب عليهم , فبدلا من أن تُعلن الصلاة عن ترسيخ قيمة ومعني معين تعتني بهذا الذم والتمايز لتؤسس لمنهجية التصادم والعداء .

- عندما يسأل المسلم شيخه أنه يشرد أثناء أثناء الصلوات والفروض ليكون رده عليه أن تقيم الصلوات أولاً ولتحاول ألا تشرد لتأسس ذهنية تتعامل مع الأمور كفروض وواجبات لازمة الإنجاز , فلا رؤية تقول فلتكف عن الصلاة طالما ذهنك شارد لتنشأ شخصية روتينية نمطية كالطبل الأجوف ولتمتد الأمور في شتي مناحي الحياة فلا يهم التركيز والإخلاص والوعي بل إنجاز المهمة رغماً عن أنفك .. هذا لا يقتصر على أتباع الإسلام فحسب فله حضور فى كافة الأديان لتتشكل شخصية القطيع فلتفعل فحسب .

- الشخصية العربية الإسلامية تحمل قدر هائل من التهافت والتشوش الفكري لتتقبل ثقافة تمنع معتنقيها عن أشياء ليكافئهم بها الإله بعد ذلك وأعني الخمر و الجنس لتصل إلى حد غير مقبول منطقياً , فهذه الأمور منعها الإسلام منعاً باتاً في الدنيا ولكن هناك وعد للمؤمنين بمنحهم نفس الأشياء في الآخرة , فأصبحت هذه الأشياء سيئة إلى درجة إقامة الحد و جيدة إلى حد التمني , و أصبح المسلم يكره هذه الممارسات و يشتهيها , يرفضها ويحبها , يمارسها ويندم عليها , لا يريدها و يخشى أن يُحرم منها , وهكذا تأسست هذه العقلية القابلة لهذا التناقض والمستسيغة لهذه الازدواجية ولتتأسس ذهنية تقبل القبح وتشتهيه , فلا يكون القبيح قبيحاً كمعيار أخلاقي وذوقي , وتصير هذه الإزدواجية نمط ومنهجية حياة لتجد هذه الشخصية ترفض أشياء عدة ثم تتمناها وتطلبها كسلوك ينم عن تشوش فكري وضباع أي بوصلة للتقييم والشفافية .

- تناولت كثيرا نقد للأديان عموما والإسلام خاصة منها تناقض صفات الإله فلا يشفع لها التأويل المُفرط المُخل ولا يصح اجتماعها في ذات واحدة بداهةً متي كانت مطلقة مثل الضار/النافع , المنتقم/العفو , الجبار/الرحيم والكثير غيرها , لتقبل العقلية الإسلامبة هذا التناقض لأسباب عقيدية , ولتزداد المصيبة بألفة هذا التناقض فلم يعد يزعجها أو يدهشها .

- كذا تناولت موضوع التسيير مستشهداً بآيات عديدة مع تفسيراتها تثبت أن الأمور جبرية ولا يوجد أي إحتمال للتخيير , ورغم هذا لم أجد من يحاول الرد علي هذه الإشكالية , فالعقل الإسلامي ألف التناقض ولم يعد يدهشه أو قل أن هذا العقل فقد أى قدرة على التوقف والتفكير والتأمل فهل تتوقع من هكذا عقل أى قدرة على الجدل والتطور .

الأمثلة السابقة للتدليل و ليست للحصر ، وهي ليست شبهات كي لا ينبري البعض مدافعًا أن هذا ليس في الإسلام ، و لكن الإسلام ليس بكائنٍ حي ينطق شارحًا نفسه وإنما ينطق به الرجال والواقع , وهذه رؤيتنا ورصدنا لحضور الثقافة الإسلامية وآثارها .

- دمتم بخير .
لا تحرر ولا تقدم قبل أن نتحرر من ثقافتنا القميئة .