قضايا مغربية


عذري مازغ
2021 / 9 / 21 - 22:14     

في 2018 زارني رفيق من ألمانيا اسمه "فيني" (wine) بعد زيارته للمغرب، كنت قد توسطت له مع أخي لمساعدته واستضافته بالمغرب في زيارته السياحية وهو عادة ولأكثر من 5 سنوات متتالية يزور المغرب بدون وساطات سياحية، كان دائما حين يعود من زيارته نصطدم في نقاشاتنا السياسية حول المغرب، مثلا، عندما زار مدن الشمال بالمغرب سنة 2015 كان معجبا جدا بها وكان يحدثني عن تقدم ملحوظ فيها بينما أنا كنت انتقد الأمر من منطلق أني ابن البلد واعرف عنه كل شيء وأن ما صادفه في الشمال هو مجرد تجميل للواجهة وكنت انتقد فيه كونه لا يعرف العمق المغربي.
في 2018 وعندما زار منطقتنا بخنيفرة سألني: "متى زرت المغرب؟"
ــ زرته في 2008
ــ مغرب 2008 ليس مغرب 2018
هذه شهادة ألماني يساري براغماتي بمعنى ما، أي أن يساريته ليست بذلك العماء الذي في يساريتي، لكن دعونا نفهم الامر من خلال طرح زوايا مختلفة :
يساريتي في المغرب علمتني تلك الثقة العمياء في مؤسسات الدولة، والحقيقة، حتى الآن لا أثق في مؤسسات الدولة المغربية: لا أثق مثلا في المبررات التي قدمها الجهاز القضائي (من خلاله النيابة العامة) في اعتقال نشطاء حراك الريف وقبله نشطاء سيدي إفني وصفرو ثم بعدة نشطاء حراك وجدة ثم صكوك اتهام لصحفيين نشطين مثل عمر والريسوني ، لا يستطيع "فيني" الألماني إقنعي بان تلك التهم هي تهم معقولة حتى لو كانت بحس يندى له الجبين مثل اغتصاب مثلي بخصوص الريسوني مثلا أو اغتصاب عمر لرفيقته المفترضة خصوصا وأن محاولات كثيرة للجهاز الامني حاول اعتقالهم قبل بتهم واهية ن وشخصيا أشك في نزاهة القضاء في قضية بوعشرين برغم مسحها باغتصاب نساء: لا اعتقد أن بوعشرين بصفاحته الصحافية سيرتكب عمليات اغتصاب في مكتبه والحال أن هذا الإخراج من طرف الأمن المغربي يشكك أصلا في نزاهته (أقصد نزاهة الأمن الذي لا ينتبه إلى أعمل السرقات وعنف "أطفال السيوف" في الشوارع المغربية، وإلى حالات الإحتقان الإجتماعية وينتبه بعيون استخباراتية لصحفيين مستقلين، كيف ساقبل هذه الحنكة الإستخباراتية لجهاز أمن مغربي يتغاضى الطرف عن ريع بن كيران الفاضح للعيان ويتربص فقط صحفيون؟؟ كيف سيقنعني "فيني" الألماني بأن المغرب تغير؟
النقاش مع الأوربيين يتسم بنوع من حسن الإنصات، هم لا يقمعون الفكر، "فيني" هذا يسمع ردودي حول حالات مغربية معينة، ليس متعصب لقناعته حول المغرب ، فهو يعتبر نفسه سائح فقط ومعلوماته هي ما رأت عينيه وهو أصلا يعرف أسطوانتي حول المغرب ، لقد سمعها حين كان يعمل معي في نفس النقابة الأندلسية التي خرج منها لنفس الأسباب التي جعلتني أستقل عنها أنا الآخر .
لكن حصل لي شيء آخر، آخر زيارة لي للمغرب كانت سنة 2008، وحتى عندما اتكلم مع إخوتي وبرغم بؤس المعانات دائما أسمع من اخي أن المغرب الذي أعرفه تغير، وحقيقة أنه تغير لكن في وعيي الموضوعي تغير بشكل سلبي : يعني المغرب الذي كنت اقضي فيه عطلة جيدة بأجرة شهر من إسبانيا ليس المغرب الحالي : بالنسبة لي تراكمت السلبيات وتقاربت قيم السلع المستهلكة بشكل فيه المستوى المعيشي صعب مقارنة بالدخل الفردي في المغرب ، مراة أسمع شيئا مختلفا: غن التغيير الذي يتكلمون عنه ليس تغيير في قيم السلع المستهلكة، بل تغيير آخر على مستوى البنيات التحتية والفوقية، على مستوى المشاريع الإقتصادية والعمرانية وغير ذلك وبتعبير آخر مغرب اليوم ليس هو المغرب الذي أعرفه لقد تحول من مغرب للمغاربة إلى مغرب للإستثمارات الاجنبية: البنيات التحتية تغيرت، الصناعات في المغرب تطورت، حتى في كرة القدم اندهشت حين رايت مركب مراكش، إنه اجمل وأحسن من مركب بلباو الذي يعتبر من أجمل المركبات في أوربا ، المغرب يصدر السيارات، فيه صناعات ثقيلة حربية ومدنية، المغرب يستثمر في عمق إفريقيا، المغرب فيه أكبر مولد للطاقة البديلة، كل ذلك صحيح لكن السؤال المطروح هو: ماذا بعد؟
الفقراء على حالهم، لا زال في المغرب من يسكن في الكهوف، لا زال الثلج يقتل المواشي بالاطلس الكبير والمتوسط، لا زال عندنا معتقلين سياسيين، لا زالت الأجور في المغرب لا تفي بالقدرة الشرائية للمواطنين ولا زال التعليم متخلف ولا زالت الامية والفقر والبطالة ولازال الفساد المالي قائما..
كيف يجب ان نوافق بين مغرب متطور على مستوى الهياكل الإقتصادية والإستثمارات وكذا البنى التحتية وبين ان نرى مواطنين أجمل ما فيهم هو تعبيرهم السحري على البؤس ؟
آخر لقاء لي مع "فيني" نصحني أن ازور المغرب فقط، قال بانه لا يستطيع أن يشرح لي كثيرا من الأمور، لكن علي فقط زيارة المغرب وقال لي بانه كألماني ستكون واجهته السياحية هي المغرب رغما عن انفي .
في الايام الاخيرة حاولت التطلع عن طريق النيت إلى المغرب ، استمعت إلى بلاطويات من مصر، الاردن، الإمارات، فرانس 24، الجزيرة، مواقع تونسية وجزائرية تشهد للمغرب بقفزة توعية باستثناء بعض المواقع الجزائرية النظامية التي فيها المغرب هو الشر نفسه، اطلعت على قوانين الإستثمار في المغرب والتي هي مشجعة اكثر للحوافز الإقاتصادية، لكن السؤال المطروح هو: هل سيستمتع المغاربة بالرفاه كما الدول الأوربيةحين يجني ثمار الإستثمارات؟ أقصد: هناك شركات تستثمر بدون ضرائب لمدة معينة، حين يفرض المغرب عليها ضرائب حسب الإتفاقيات هل ستبقى تلك التنمية ؟
في الإنتخابات الأخيرة بالمغرب لم تقدم الأحزاب السياسية برامج واقعية بل قدمت وعود كالعادة، كالتي تقدم في السبعينات والحال أن الأحزاب في اوربا وخلافا للمعتاد، الأحزاب المعاصرة بشكل حضاري، حين تقدم وعودا تقدم حوافزها الإقتصادية من قبيل مثلا: سنعمل على مجانية الصحة، سنقوم بخلق موارد مالية من كذا لخلق كذا وشراء كذا، سنلغي كذا ونستعمل ماله في كذا ، يعني تقدم برامج استنادا إلى الغطاء المالي في كيفية الحصول عليه وفي كيفية تصريفه: في المغرب لا وجود لحزب تكلم بهذا الشكل وبالتحدي ( أقصد أتحدى حزبا في المغرب قدم برنامجا بوضوح علمي ).
المعروف في المغرب هو ان الحاكم هو الملك، حتى المؤسسة الملكية لم تقدم توضيحا على مستوى كيف تخلق الرفاه للمجتمع المغربي من قبيل كذا!
ربما يمكننا تفهم إقبال هذه الإستثمارات المتنوعة وبعروض حافزة ومقننة بمعنى ما، يمكن لشركة ان تستثمر في المغرب لمدة معينة بدون حتى فرض ضرائب عليها، الدراسات الإقتصادية في المغرب لا تحدد الأفق بشكل سيعرف الشعب المغربي قيمة فوائد من الإستثمار هذا في أفق معين.
صحيح! ليست لدينا أموال لنستثمرها في اقتصادنا الوطني ولذلك نقدم حوافز استثمارية لأجل خلق تنمية محلية (مستدامة)، كل هذا جميل لو روفق بمعطيات جيواقتصادية تستشرف المستقبل بأرقام اقتصادية تظهر مدى نفعيتنا من ذلك، هذا هو الغائب في برنامج الاحزاب المغربية وهذا هو الغائب أيضا في النموذج الإقتصادي الجديد الذي كلف له بعض الاكاديميين ولم يستطيعوا تجاوز سم أفعى النظام فالنموذج الذي لا ينطق بكيفيات الامور ويسبح في تعميمات سوسيولوجية بدون ارقام اقتصادية هو نموذج معوق لأنه يتجاهل ميكانيزمات حركيته.
ربما تغير المغرب كما يقول صديقي "فيني" الألماني لكن ليس الأمر واضحا مثل وضوح القرار في ألمانيا: في المانيا حين يتحدثون عن التنمية يتحدثون عن مزاياها نحو المجتمع الألماني ، في المغرب يتحدثون فقط عن أرقام التنمية : تنمية الشركات المستثمرة وأرقام التصدير وأرقام الإيراد: التصدير ينفخ في التقدم والإيراد ينفخ في التخلف .
القضية الإعلامية بين المغرب والجزائر:
من العيب ان يصدق المغاربة أو أن يصدق الجزائريون الإعلام الذبابي المتفسخ في الفيديوهات اليوتوبية والصفحات الإفتراضية: نحن شعوب عقلانية تومن بالتاريخ والجغرافيا: نحن شعب واحد، لا نصدق "اكاديمي" من نظام المغرب كما لا نصدق "أكاديمي" من نظام الجزائر: حين يعلن النظامين على حرب علينا نحن الشعبين تكسيرها بخرق خرافة الحدود الجمركية: سنناضل لأجل وحدتنا ..