حركيّو الجزائر


حسن مدن
2021 / 9 / 21 - 20:49     

مع الفروقات غير القليلة بين الحالين، هناك أوجه شبه بين من يطلق عليهم "الحركيّون" في الجزائر وفرنسا، وبين الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأمريكيّة وقوات حلف الناتو خلال عشرين عاماً من وجود هذه القوات في أفغانستان.

لقد رأى العالم، عبر الشاشات، كيف تدافع الكثير من هؤلاء نحو مطار كابول للفرار بجلودهم بعد سقوط النظام السابق وهيمنة "طالبان" على السلطة في البلاد، مع أن ليس كل من فرّوا من افغانستان كانوا بالضرورة متعاونين مع قوات الناتو، فهناك الكثير من الناس، رجالاً ونساء، سعوا للنجاة من نمط الحياة المتزمت والصارم الذي ستفرضه طالبان في البلاد، خاصة وأن الأفغان خبروا هذا النمط عندما سيطرت طالبان وسواها ممن عرفوا ب"المجاهدين" أول مرة على السلطة هناك.

الحركيّون هم الجزائريون الذين اختاروا الوقوف ضد شعبهم وحركته الوطنيّة سنوات حرب التحرير الوطني من الاستعمار الفرنسي، وفضّلوا الوقوف إلى جانب المستعمر، محاربين معه ضد بني جلدتهم، لذا فهم في نظر أبناء شعبهم "خونة" أو "عملاء" للاستعمار، وحين استقلت الجزائر واضطر الفرنسيون للانسحاب منها، فرّ هؤلاء، بدورهم، إلى فرنسا، ولكنهم لم يلقوا هناك ما كانوا يتوقعونه من احتفاء واحتضان، من باب الوفاء لوقوفهم إلى جانب فرنسا، فتعرضوا للتهميش والإهمال، وربما الإزدراء. من يقف ضد شعبه عليه ألا يتوقع الاحترام حتى من السادة الذين خدمهم.

غالبية هؤلاء توفاهم الله. لقد انقضى نحو ستين عاماً على مغادرة فرنسا للجزائر. لكن لهؤلاء أولاد وبنات واحفاد، ورثوا عن آبائهم الوصمة ذاتها، وظلّ عدم الاعتراف بهم وتهميشهم مستمراً، مع أن غالبية هؤلاء الأولاد والأحفاد ولدوا في فرنسا ويحملون جنسيتها، وقد عاد أمر هؤلاء إلى الصدارة مؤخراً حين أقام الرئيس مانويل ماكرون حفلاً تكريمياً لهم في "الإليزيه" واعلن فيه عن مشروع قانون "تعويض" لهم قبل نهاية العام، وطلب الصفح منهم باسم فرنسا، في إشارة إلى أنّ البلاد أخلّت بواجباتها حيالهم.

فرنسا التي ما مازالت تكابر في الاعتذار للجزائر ولشعبها على ما اقترفته من فظائع هناك، اختارت أن تحتفي بمن خدموها من الجزائريين، لكنه احتفاء براغماتي صرف، فضحته مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف، حين كتبت في تغريدة على "تويتر" معلقة على كلام الرئيس: "سخاء إيمانويل ماكرون الانتخابي لن يصلح عقوداً من الإزدراء".

سندرك أبعاد كلام لوبان بشكل أفضل حين نعلم أن الحركيّين وأسرهم هم اليوم مجموعة تضمّ مئات آلاف الأفراد، ما يعني أنهم كتلة انتخابية يعتدّ بها في فرنسا، وتعبيراً عن غضبهم مما يعانون منه من تهميش، فإنهم أميل للتصويت لليمين المتطرف، واليمين عامة.