كيف الخروج من المتاهة


سعيد مضيه
2021 / 9 / 21 - 13:32     

يتلقى الانتظاريون المراهنون على التدخلات الدولية صدمات من حكام إسرائيل وحلفائهم العرب؛ إذ يؤكد حكام إسرائيل إصرارهم على مواصلة الاستيطان على كامل الأرض الفلسطينية، بينما تكتفي الدول العربية ودول الغرب بإعلان المعارضة أو بتوجيه انتقادات منافقةبينما تعزز علاقات التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي مع إسرائيل الأبارتهايد. يعلن المسئولون في الغرب انهم لن يمارسوا الضغوط على إسرائيل كي تعدل عن نهج الاستيطان والتهويد. ولا ندري لأي غرض، حيال هذه التعنت الإسرائيلي والدعم الغربي يطالب مسئولون مصريون العودة للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. هل المقصود تخدير القيادة الفلسطينية بسراب التفاوض ؟ ام هو حرص المسئولين المصريين على التمظهر بدور لهم بالمنطقة؟
حكام إسرائيل لا يضيعون مناسبة دون تأكيد استمرار الاستيطان بوتائره المعهودة وبأنهم لن يرضخوا لضغوطات أميركية او غير اميركية تستهدف تهدئة النشاطات الاستيطانية. تلك آخر تصريحات بينيت، رئيس الوزراء ، امام رؤساء ما يسمى "مجالس المستوطنات بالضفة الغربية" . وعلى غرار بينيت أكد وزير الحرب، غانتس ، منتصف شهر أيلول الجاري، عدم وجود نية لدى الحكومة الإسرائيلية بوقف النشاطات الاستيطانية او التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين حول الانسحاب من الأراضي المحتلة.
بلا مواربة يعلن بينيت فرض نظام أبارتهايد، دولة واحدة بفلسطين تنكر على اهل البلاد الأصليين أي حقوق وطنية او إنسانية، ومن لا يرغب بمقدوره النزوح ، وهذا أفضل! بينيت رجل الأبارتهايد! والاسم الحقيقي للدولة "إسرائيل الأبارتهايد"، كما يدعوها بكل موضوعية وصدق الصحفي التقدمي في إسرائيل، جدعون ليفي، في صحيفة هاآرتس. كان رده على الصلف الإسرائيلي أقوى وأشد وقعا من رد رئيس حكومة فلسطين. صرخ بحرقة ، صرخة في بيداء مترامية : " كم كان من المروع والمزعج فهم رؤيته لخمسة ملايين شخص حكم عليهم بأن يعيشوا في وضع أقل من بشر إلى الأبد. هذا هو الشخص الذي تحتضنونه، يا جو بايدن وأنجيلا ميركل وعبد الفتاح السيسي. أيها العالم، هل أنت مستيقظ؟ هذا هو الشخص الذي تحتضنونه!".
لعل في تعلل الإسرائيليين بالشكوى الى المحكمة الدولية أنهم يريدون حمل مصر على انتزاع قرار فلسطيني بسحب الشكاوى ، تماما مثلما اشترطت إسرائيل للدخول في مفاوضات مدريد شطب قرار الأمم المتحدة بأن الصهيونية حركة عنصرية ، وكان لها ذلك دون ان تقدم ادنى تنازل .
رغم الصلف الإسرائيلي المسنود بالقوة العسكرية ، وربما في ضوء الصلف والإسناد، ليس من رد غير النضال الشعبي المكشوف والمعلن محليا وإقليميا ودوليا . وإسرائيل تتفاخر بجواسيسها بين الفلسطينيين ومخبريها الذين ييقتحمون أسرار الفصائل الوطنية، يتصور البعض ان من الصعب قيام مقاومة شعبية للاحتلال. والحقيقة عكس هذاالتصور تماما ؛ فالحراك الشعبي المكشوف هو القوة التي يتعذر اختراقها او تفتيتها إن تولت قيادتها منظمة ثورية تتقن اساليب التنظيم والمواجهة والحشد والتعبئة ، وقبل كل شيء تفعّل شواحن التنظيم والتوعية السياسية والفكرية بين الجماهير المتحركة للمقاومة.

بنفس موضوعية جدعون ليفي ، لكن بدون نبرة استغراب الفجيعة ، قيم النهج الكولنيالي الإسرائيلي جيف هالبر ، الذي شغل عبر عقود منصب رئيس لجنة "مناهضة هدم بيوت الفلسطينيين", وحاليا يصدر أبحاثا في الأنثروبولوجيا . كتب يوم 9 أيلول الجاري على موقع كاونتر بانش الإليكتروني، ان "إسرائيل لا تتوانى عن السعي لتقديم أجندتها للاندماج بالمنطقة من خلال الدخول في تحالفات مع الأنظمة الاستبدادية تخدم أغراضها و تقسم المنطقة بين قطبين متناحرين؛ تفاقم عسكرة المنطقة ، تنظم حسب رغبتها هجماتها ضد الدول المجاورة وتهمش القضية الفلسطينية". يخلص الباحث الى تاكيد ان المنطقة تكابد العزلة والتهميش المضطردين، وعليها إن أرادت الخروج الى العالم الحديث إجراء "تحولات جوهرية" .
جيف هالبر داعية الدولة الديمقراطية الواحدة بفلسطين، لكن بدون أبارتهايد. وهذه لا تشكل إطلاقا الحل المباشرقصير الأجل؛ فهذا الحل يستوجب اولا تحرير إسرائيل من النفوذ الصهيوني وانفصالها عن النظام الامبريالي. إن دولة فلسطينية ديمقراطية تعني شطب كل نتائج الحروب العدوانية وتصفية النفوذ الامبريالي بالمنطقة تنجزه الشعوب العربية في نضال مشترك من اجل تحررها الوطني والإنساني . نجد مشروع هالبر مفصلا في كتاب أصدره هذا العام في لندن، "تفكيك كولنيالية إسرائيل تحرير فلسطين: الصهيونية الكولنيالية.. الصهيونية وقضية إقامة الدولة الديمقراطية الواحدة" .
يقدرهالبر بموضوعية في مقالته ضعف القوى الإيجابية بالمنطقة، "المناضلون من أجل مشاركة فعلية بالمجتمعات الديمقراطية ولديهم القدرة على أحداث تطور اقتصادي ومقاربة قضايا المنطقة محصورون في زاوية ضيقة ، إن وجدوا حيزا ليسمعوا صوتهم" . الامكانيات محدودة في إجراء تحول سريع ضمن الظروف القائمة. وهذا التحول من شانه نقل الجماهير الهاجعة ، المرتبكة والحائرة الى قوة ثورية للتغيير تعي الواقع اللذي تود تغييره ، وتغير ذواتها أثناء تغيير الواقع، وتعي القوى والمصالح المتضاربة والمؤثرة على مسارات المنطقة . هذا التحول الثوري ينجزه حزب او تحالف أحزاب ثورية.
يزكي الباحث مطالب الجماهير المنتفضة في بدايات العقد الماضي ، حيث تركزت مطالب المنتفضين على قضيتين جوهريتين، او "نظامين إيديولوجيين قائمين بالمنطقة " حسب تعبيره: راسمالية الليبرالية الجديدة وتحدي السلفية الإسلامية رغم انها تتجلى بنماذج مختلفة من بلد لآخر.
حقا فالليبرالية الجديدة قامت على اكتاف السلفيتين المسيحية والصهيونية ، ولتبرير طابعهما الشاذ عن روح العصر تم استفزاز السلفية الإسلامية كي يدور صراع مفتعل على أساس ديني ، من شأنه تمويه طبيعة الصراع بالمنطقة وتضليل الجماهير الشعبية. حملت الليبرالية الجديدة على الإسلام ، باعتباره سبب تخلف االشعوب الإسلامية ، وفي نفس الوقت تعهدت حركات جهادية بالمال والسلاح ودفعتها لتخريب مجتمعات العراق وسوريا ثم بقية المجتمعات العربية.
دعمت الليبرالية الجديدة استبداد الأنظمة الأبوية وصدرت من مطابخها الثقافية وعبر قنواتها ومنابرها ، ثقافة الكراهية وعنصرية البيض، وكذلك ثقافة القسوة تسفه التضامن والرعاية الاجتماعية، تشيع الداروينية الاجتماعية – البقاء للأصلح ، والأصلح من يتفوق ماليامن خلال النهب والقرصنة. تريد الليبرالية الجديدة هدر الوعي لدى الجموع البشرية في المنطقة والعالم ، كي لا تنهض لمقاومة مشروع الامبرطورية العالمية للرأسمالية.
حقا ما لاحظه هالبر من نتائج نشر الليبرالية الجديدة في أقطار المنطقة ان "كل دولة بالشرق الأوسط عارضت ولم تزل قيام مجتمع حر وحكومة ديمقراطية شفافة ، وتطور اقتصادي لمنفعة الشعب حقا، كما ترفض التخلي عن العسكرة وتوجيه البلايين المهدرة سدى على التسلح لخدمة الحاجات الاجتماعية المحلية".
الليبرالية الجديدة أشاعت البؤس في الحياة الاجتماعية واستنفرت الشعوب في مختلف بقاع المعمورة للنضال ضد الفقر المريع والبطالة واستلاب البشر. وبذا لم يعد بمستطاع الأنظمة الموالية الحكم بالأساليب القديمة، فبات التطرف اليميني الفاشي حاجة للرأسمالية ، تلجأ اليها كلما داهمتها الأزمة. والولايات المتحدة الأميركية تكمن في أحشاء نظامها نزعات الفاشية. وحاليا يقود الحزب الجمهوري الحملات الفاشية يقوده الرئيس السابق ترامب.
يوجه الجمهوريون الى الديمقراطييين، بقصد ترويعهم وإركاعهم، نعوت " البلشفية" و"الحكم الشمولي" و"الاستبداد الصيني" لحملهم على التردد والارتباك في طرح سياسات بديلة للنهج العسكري العدواني المرهق حتى للخزينة الأميركية. يقول الصحفي اليساري باول ستريت ، وهو يرصد هجمات الجمهوريين، "ان كون قيادة الحزب الديمقراطي أسرى تمركز الشركات الكبرى والثروات والسلطات المالية الضخمة، وتعمل في خدمة امبراطورية رأسمالية عالمية يمنعهم من اتهام شركائهم الجمهوريين بالفاشية". يستنكف الديمقراطيون عن مساندة مطالب الجناح التقدمي الداعية الى " الرعاية الصحية للجميع ، تحكم العمال في العمل ، نزع أسلحة الشرطة ودولة الاعتقالات الجماعية ،حرية التعليم العالي، برامج عمل أخضر للجماهير ، تمزيق نظام البنتاغون العملاق وإعادة استثمار مخصصاته الهائلة لتلبية الحاجات الإنسانية والاجتماعية المهملة.. إن ذلك يعتبر في نظر اليمين الفاشي المتحكم بالحزب الجمهوري سياسات "تزيل اميركا من الوجود" .
وكاتب آخر هو ريتشارد وولف، مؤسس حركة "الديمقراطية الفاعلة" ، يؤكد تعمق ازمة الرأسمالية ويقول: " توجد الديمقراطية إذا ما، وعندما ينظم المجتمع نفسه حول المشاركة الكاملة وعلى قاعدة التكافؤ بين جميع أعضاء المجتمع . الاقتراع العام يعتبرخطوة باتجاه ديمقراطية شكلانية على أقل تقدير ، لأن الناخبين ينتخبون قادتهم عبر صناديق الاقتراع. أما مدى صحة الديمقراطية الشكلانية فيتوقف على جماعية الجماهير المقترعة والتكافؤ الحقيقي بلا لبس لتأثير الناخبين على حصيلة الاقتراع. " غير أن " المجتمعات المستقرة في العديد من بقاع العالم الحديث تمارس ديمقراطية شكلانية، تسمح لأفراد ذوي دخل مرتفع وثراء استخدام اموالهم للتاثير على الأخرين في تصويتهم؛ بينما يمارس تأثيرا أقل ذوو الدخل المنخفض والثروة المتواضعة".
نتيجة للوضع الذي وصفه ريتشارد وولف طغت سيطرة الرأسمالية الاحتكارية على الدولة وأشيع الفساد في اجهزة الحكم. باتت واقعا متعينا تحذيرات الرئيس الأميركي الأسبق روزفيلت ، إذا ما تفوق أفراد او جماعات بقدراتهم على قدرات الدولة فذلك يعني الفاشية. وكان دوايت أيزنهاور قد ودع منصبه الرئاسي عام 1960 بالتحذير من تنامي قدرات التجمع الصناعي العسكري.
وفي الهند أيضا تتحول " اكبرديمقراطية في العالم" الى دولة فاشية تضطهد المسلمين وتميز ضدهم في التشريعات ؛ كما يقترف ميليشيات تابعة للحزب الحاكم ، بهاراتيا جاناتا في ولاية تريبورا أعمال حرق وتدمير ضد مكاتب الحزب الشيوعي ، ردا على انتقادات صحافته لسياسات الحكم. غدت الهجمات روتينية منذ العام 2018 ، حين تولى حزب جاناتا الحكم بالولاية . وتم في هذه الأثناء تدمير عدد كبير من المكاتب الحزبية ومكاتب الصحف والهيئات التابعة للحزب الشيوعي .
وفي جنوب إفريقيا اغتيل القائد النقابي مدوزو، الذي قاد إضراب ثمانية آلاف عامل تعدين يعملون بشركة امبالا بلاتينيوم هولدينغز. تم الاغتيال والقائد النقابي يهم بدخول قاعة المداولات لحل الإشكال. واغتيل أيضا في جنوب إفريقيا نائب رئيس نقابة كبيرة اخرى في البلاد.
عينة من تعاظم أخطار الفاشية يلهم حكام المنطقة لتشديد وإحكام قبضاتهم على الأمور . بلاوي مشتركة تعانيها شعوب المنطقة وينتظرها ما هو أشد ينجم عنها بصورة بدهية وجوب قيام نضال مشترك يتساند ويتكامل. " القضايا المتضمنة الحريات المدنية والإنسانية والحكم الصالح واقتصاد قابل للنمو في متناول الجميع وحياة ثقافية متنوعة وخدمات اجتماعية.. كلها جرى إهمالها والتقليل من أهميتها كاهتمامات إنسانية، و كل حركة شعبية بالمنطقة ترفع هذه المطالب إنما تعبر عن التضامن مع نضال الحركات الأخرى " يقول جيف هالبر. يضاف لذلك اقتطاع جزء من الدولارات النفطية لتمويل مشاريع"خيرية" وبناء مدارس وجامعات خاصة ومستشفيات خاصة يديرها المنظمات السلفية، بقصد تنظيم تفاعلات يومية بالجماهير وكسبها بجانب التيار السلفي.
إن مبادرة الامبريالية بالعداء للإسلام والحركات الإسلامية طعنات من الخلف ؛ فقد أشهرت العداء، وهي تحتضن حركات إسلامية تطارد اليساريين ، وأشهرت العداء ولما تنفض هذه الحركات غبار المعارك في أفغانستان خدمة للامبريالية وتحالفا معها. الامبريالية هي التي أوجدت القاعدة واطلقت على عناصرها كنية "المجاهدون من اجل الحرية"؛ واوجدت بعد ذلك داعش وقدمت ، هي وعملاؤها بالمنطقة، لها الأسلحة والأموال. ثم انقلبت عليها وناصبتها العداء بعد أنحاز مهمتها.
كيف بمقدورنا تقديم قضايا سياسية تقدمية بديلة للسلفية الدينية؟
يحذر جيف هالبر من الوقوع في شباك الدعايات الامبريالية. "علينا ان ندرك ان التنافس الجاري حاليا بين الشعوب والطبقات والجماعات الدينية والإيديولوجيات والدول يدور حول قضايا يتم إثارتها واستغلالها من قبل حكومات وقادة سياسيين وميديا مدجنة تتحايل كلها من أجل تقسيمنا ، رغم أن للقضايا المثارة جذورها في التاريخ" . انطلاقا من هذه البيئة الملغمة يتوجب عدم ترك قوى تقدمية في أي بلد بالمنطقة فريسة لقوى الثورة المضادة. يتوجب البحث عن انماط من التعاون والائتلاف والتضامن المتبادل.
عندما تتعرض الجماهير لأزمات تتلفت اولا باتجاه اليسار ؛ وإن لم تعثر عليه او إذا خيب الآمال تتجه الى اليمين ، وهو في المنطقة التيار السلفي. لذلك يتوجب ان يظل اليسار حاضرا بالساحة ولديه الإجابات الصحيحة والشافية على تساؤلات الجماهير. "على التقدميين ممن يحظون بقدر من الحرية السياسية العمل على مد يد المساعدة للتقدميين المعرضين لاضطهاد وقمع أنظمة الاستبداد في بلدانهم.علينا ان نكون بجانب الجمهرة من اللاجئين في منطقتنا، كي نضمن عدم استثنائهم في مجتمعاتنا أو نضالاتنا. وعلينا تجاوز النزاعات السياسية وتعزيز الروابط بين الإسرائيلييين المناهضين للكولنيالية والتقدميين العرب بوساطة فلسطينيين ربما يتحقق بذلك أرقى أشكال التضامن".
لتعزيز التفاعل والتنسيق بين الحركات التقدمية يتوجب الاستفادة من تكنولوجيات المعرفة. منجزات العلم هي من إبداع العقول ويجب ان تكون بمتناول الجماهير الشعبية. كما ان الآداب والفنون والمكتبات والمعارض الفنية ومعارض الكتب والصناعت الحرفية يجب أن تكون بمتناول الجماهير الشعبية ، وليست حكرا للنخب. وللأسف يقاطع هذه الأنشطة كوادر أحزاب التغيير ولا يعيرونها الاهتمام اللازم. علينا الاكثار من ندوات الإنترنت ولقاءات الفيديو كونفرنس ؛ "فمن خلال الاتصالات الإليكترونية تنفتح مواضيع النضال على بعضها البعض. بعد ذلك يتطلب الأمر تشكيل قواعد شعبية تشبك أجندتنا المحلية والإقليمية والعالمية ... لكن يلزمنا تحشيد دعم إقليمي للمزيد من القضايا المحلية ذات الأهمية والملحة" .
هكذا تتشابك بالتدريج الحركات التقدمية من محلية الى إقليمية الى حركات عالمية تخوض النضال المشترك ضد إفرازات الرأسمالية على الصعيد العالمي: نهب الاحتكارات ، إفقار الجماهير وسلب الحريات ، تلويث البيئة واختلال المناخات والعنصرية وعنصرية التفوق العرقي للبيض وغيرها الكثير من طواهر البؤس ومخاطر الإبادة الجماعية والتحيز ضد الشعوب الملونة.
ينهي هالبر مقالته بالدعوة لتطوير النشاط الشعبي وترقيته باضطراد من خلال تشبيكه مع النضالات الأممية الجارية . "أخيرا نحن بحاجة لتطوير نمط جديد من الديبلوماسية ‘من ألقاع’، دبلوماسية تقرننا محليا وقوميا وإقليميا مع المجتمع الدولي التقدمي. إن بزوغ حركات اجتماعية كفاحية ، نقابات ومؤسسات أبحاث ، توفر مصدرا واعدا لقوة كونية جديدة. فهذه الحركة الملتزمة بالعدالة الاجتماعية تمثل القوة المضادة للسياسات العابرة للقارات. حينئذ تغدو المشكلة كيف نواجه بنجاعة السياسات الأنانية لحكومات المنطقة المستبدة بلا رحمة منتزعين لأنفسنا مساحات من الحرية السياسية ننطلق منها لاستكمال اجندتنا. في مجرى النضال ضد الحكومات المستبدة سوف تساعدنا القدرة على حشد الدعم من جانب رفاقنا الدوليين على إفساح ذلك الحيز- لكننا سنحتاج الى وضع برنامج سياسي مفصل متناسق لكي يأتي التحشيد منظما ومركَّزا بفعالية. وهذا يعني أيضا ان علينا ربط نضالنا بنضالات الأخرين، مثلما نربطه بالنضالات الكونية ضد الظروف الكولنيالية الجديدة لليبرالية الجدية التي تفرز الازمات الكارثية العالمية الماثلة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والبيئة.
بهذه الوسائل السلمية ، وبالاستناد الى تفعيل طاقات الجماهير الثورية وتصعيد الحراك الشعبي درجات بالتدريج مقرونة بنشر الوعي الثوري على أيدي أحزاب ثورية للتغيير الاجتماعي تسترشد بالفكر الثوري. فهذا الحراك بالشروط الواردة يتصدون له بالإرهاب ، لكن يستحيل صده أو إيقافه. يواجه إرهاب الرجعية للحراك الشعبي التنديد الواسع من القوى الحية في العالم. يمكن، بل يجب قهر العوائق المعترضة دروب التحرر والتقدم والتنمية.

.