أعيادنا ربما أصولها مأساوية.


محمود الرشيدي
2021 / 9 / 19 - 05:47     

وكأننا موعودون نَعًُدُّ الأيام وننتظر.
نترقَّب ونتحسَّس وصول محطات لطالما هيأْنا لها النفس والنفيس . أو هذا ما نتوهمه على الأقل.
في الماضي وعبر تاريخنا كانت لنا حُضوة عند أسلافنا حينما أَوْرَتونا ما أبدعوه لِسَحْق ما لم يختاروه ولا خَطَرَ على بالهم من مآس وآلام وأحزان.
أنانيتهم كانت حاضرة بقوة.
وبِقَدْر قساوة الحياة في إيذائهم، وكعادة من توالت عليهم الهزائم تصلبوا من كثرة استسلاماتهم، فوجدوا في وفرة هزائمهم ما يُحَوِّلونه إلى نصر . المقهور كذلك يتماهى مع قاهره .
و الشُحِّ وانعدام الظروف المُطَمْئِنَة التي تُحيي ما ضَمُرَ أو مات من غريزة الفرح وما يُبْهِج في الكيان ومِن حوله جعل أسلافنا ينحتون ببراعة كبيرة من أعتى الآلام والإنتكاسات أصناما متنوعة للسعادة والأمان وجعلوها أعيادا ومسرات تدور في ترتيبها الزمكاني مع كوكبنا وشمسنا ومجرتنا في فسحة الأكوان، بل خلدوها في ما لا يزل ظنًّا منهم أنهم خلدوا أنفسهم.
أتذكر مرة كنت أتأمل فرحة الأطفال وهم يخلدون عيد ميلاد أحدهم.
السرور الحقيقي كان جليا في وضوحه على الملامح.
وبراءة الصفحات البيضاء أو كما كان يبدو لي كانت جاهزة وشديدة الصفاء تُغْرِي بالنقش إن صادفت فنانا أو فيلسوفا أو عالما، أو الكل في واحد .
انعكاس العمل الحقيقي والجديد على هذه الصفحات، لو أُحْسِن تهييئها وتدريبها من أجل المستقبل، ومن أجل رؤية غير مشوشة في أفق بَدَّدْنا غيومه وحولناها سماداً للصفاء ، هو في نظري كما في ترقبات كل الأسوياء الطموحين ما يجعل من قاربنا المُتَرَهِّل أو مركبتنا العتيقة سُلَّماً أو معراجا إلى نبذ العادات أو على الأقل بعضها ونسيان النسيان الذي يرهبنا بآفة عدم التذكر .
إحياء الذكريات كذكرى الميلاد السنوية وغيرها هي عادة نَحْسَبُها إلغاءً للنسيان بينما هو معضلة نُقوِّيها ونشتكي في معظم الأحيان منها

الإحياء الدوري المتكرر لحدث بعينه في الزمان والمكان هو من العادة، وكل إعادة هي هدر للوقت في عمر أثمن من الثمين وأنفس من النادر. والعادة هي المشتل أو الحقل المناسب لنمو النسيان.
=التمرينات الرياضية والذهنية والجسمية من قَبِيل كمال الأجسام والحسحركية كالترويض الطبي هذا جانب آخر يدخل في مجال الصحة النفسية والبدنية لا غِنى عنه من أجل سلامتنا. =

عيد الميلاد كما رأيت أو لاحظت حينها يكاد يوحي بمشهد لوحة من ثلاث أو أربع مستويات: في المقدمة الأطفال جنبا إلى جنب، ووراءهم آباءهم وأمهاتم، الكل حول طاولة فوقها الحلوى والشموع والهدايا كالعادة.
جو احتفالي يَظهر من خلال فضاءه الذي يسبح على سطح أمواج هادئة من الأنغام الموسيقية المعادة هي الأخرى كعودة كل موسم بهذا الحدث.
ينقص المخاض والطلق والولادة لتتكرر (المأساة /الفرحة) كاملة .
وجوه الأمهات والآباء نصف بريق العيون فيها منكسر وكأن هناك خلفية ندم على المساهمة في مشروع عفوي غاب عنه كل تخطيط إلاّ من فكرة موروثة كالعادة بدون تحقيق في التدقيق ولا حتى تساؤل من قَبِيل المشاكسات والفضول التي عودونا عليها.
الوجوه في مجملها ارتسمت عليها جميع الإنفعالات بدون استقرار وكأنها تختفي لتظهر في اضطراب مستمر،
شيء واحد ووحيد حقيقي لا يخطئه صاحب فراسة هو :غياب الحقيقة، التي تُبرهن على غيابها بنفسها بفسيفساء مطموسة من الإنفعالات.
عقول أدركتها الحيرة في بداية طريق هؤلاء الأطفال.
عقول تكاد تُسْقِط من ماضيها المرير على نشئ لم يُنْتِج نفسه بنفسه، أو على الأقل بدأت تفكر في مدى تشابه المعاناة على اختلافها بين جيل سابق وآخر لاحق.وبالتالي بينهم وبين أبناءهم.
_هل احتفال اليوم، أو عيد الغد مثله، أوأحسن منه هو حقاً تعويض لهم عن مِحَن لَحِقَت بهم الآن أو سبق أن دمرت نفوسهم فيما مضى، أم ما سيجتازونه مستقبلا ؟؟
_كيف يمكن تنبيههم إلى أن أفراحنا هي تزوير للحقيقة؟؟
_متى نأمرهم بتفتيت المرجعيات وإخضاعها لعقولهم الناشئة والنقية؟؟
_أين نحن الآن؟؟
_من أين أتينا؟ وإلى أين نسير؟؟
أسئلة وأخرى أذواقنا أو كما حصل في أحايين كثيرة لمعظمنا، حينما نتذوق طعاما من غير مألوفنا لا نستطيبه أول الأمر ولا نستسيغه بل نكرهه لحد التقزز والغثيان أو القيء، ثم بعد ذلك وبفعل فاعل يُحَبَّبُ لنا بتكرار تذوقه، بل ويُصبح رُقيّاً في اللذة ومفخرة على موائدنا، أو بكل بساطة كحب بعد عداوة.