مجتمعاتنا لا تعتني بحقوق الإنسان ولا حرية الفكر والتعبير


سامى لبيب
2021 / 9 / 18 - 19:08     

- لماذا نحن متخلفون (82) .

صارت حرية الفكر والرأي والتعبير من بديهيات الإنسان المعاصر ومفهومه عن حقوق الإنسان ليصير الإفتئات أو الإنتقاص أو التهمييش من هذه الحريات درب من دروب الإنتهاك لإنسانية الإنسان , ولكن يقفز سؤال مهم وصادم عندما نسأل عن أهمية وجدوي حرية الفكر والتعبير فى مجتمعاتنا العربية أو بالأخري فى المجتمعات المتخلفة هل هي قضية حيوية ومصيرية أم شكل من أشكال الترف الفكري أم لا جدوي منها .
من البديهيات أيضا أن حرية الفكر والرأي والتعبير والنقد هي الضمانة هي التي تحصن المجتمع من الإستبداد والتفرد والفساد وإستئثار السلطة لمصالح فئوية فهذا لا جدال فيه , ولكن هل تجدي حرية الفكر والرأي والتعبير فى مجتمعاتنا أم هي من الرفاهية والترف بل قد تجلب نتائج عكسية كما سنرى .
بداية الإنسان العربي أو للدقة إنسان الشعوب المتخلفة لا يعنيه حرية الفكر والرأي والتعبير ولا يعتني ولا يحفل بها ويراها ترف لا جدوي منه والبعض يراها فتنة على ثوابته , وليس هذا فكر وممارسة وأداء الأنظمة العربية كما يُشاع لينطلق عدم الإعتناء هذا من ثقافة تتوجس وتحظر الحرية وتعتبرها من بدع الشيطان ومؤامرات الغرب للخروج عن تراثنا وثوابتنا .
الأمور لا تكتفي بعدم الإعتناء بمصادرة الحريات فحسب بل لاد اعي لحرية الفكر والرأي والتعبير والنقد طالما الحياة مُترفة حيث يتوافر المأكل والملبس والسكن والأمثلة على ذلك واضحة جلية فمواطني السعودية والخليج لا يعيشون أي أجواء للحريات والديمقراطية فلا توجد أى مؤسسات تمارس الحريات والديمقراطية ورغم ذلك فهم لا ينتقضون ولا يطالبون بحرية الفكر والتعبير ولا تعنيهم في شئ طالما حياتهم مترفة .
هكذا كان الحال أيضا في شعوب عاشت فى أجواء أنظمة وطنية وقومية ومدنية وفرت إلى حد ما عدالة إجتماعية وإنحازت للطبقات الوسطى والمهمشة كحال مصر عبد الناصر فقد تم كبح حرية الرأى والتعبير ولم يثور المصريين بالرغم أنهم ذاقوا هذه الحريات قبل الثورة بل على العكس تحملوا سقوط هذا النظام وإنهياره ونكباته على أثر هزيمة 67 ليعيشوا على أمل أنه منحاز للطبقات الفقيرة من الشعب .
نخلص من هذا أن حرية الفكر والرأي والتعبير لا تعني الشعوب المتخلفة فما يعنيها هو توفير الحياة الكريمة لها ولعل هذا يدعم أصحاب فكرة المسيح أو المهدي المنتظر الذين يتصورون أن الحل يكمن فى قدوم زعيم مدني يحمل مشروع وطني سواء يساري أو قومي أو علماني أو إسلامي ينحاز للطبقات المهمشة والكادحة أو يقدم الرفاهية للشعب وحينها تصير حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير كلام فارغ لا طائل من وراءه .

مصيبة حرية الفكر والرأي في مجتمع متخلف .
- تصير حرية الفكر والرأي والتعبير مصيبة فى المجتمعات المتخلفة حيث الفوضي والإنحياز للأفكار المتطرفة فلا يكون تقييمنا هذا بناء علي حالة قنوط ويأس من هذه المجتمعات بل لأسباب تدخل فيها ينيتها وثقافتها .
- بداية هذه المجتمعات لم تذوق طعم الحرية لأزمان طويلة ساحقة نتاج ثقافة متجذرة لا تحترم حرية الآخر طالما هو خارج ثوابتها وهويتها , فأنت ليس لك الحرية فى ترك دينك مثلا , فإين المعين والمحتوي الثقافي الذي يستوعب فكرة حرية الفكر والرأي والإعتقاد فى مجتمع تتجذر فيه ثقافة الدين وهيمنة حكم الأب وزعيم القبيلة والوالي .
- عندما تكون هناك ثقافة وذهنية لا تقيل فكر وإعتقاد الآخر لتكفره وتنجسه , ولا تكتفي الأمور برفض دين الآخر بل بمذهبه , فالسني يُكفر وينبذ الشيعي والقرآني والشيعي كذلك , فكيف تتوسم فى ذهنية ستعتمد وتشدو لمبدأ حرية الفكر والإعتقاد .
- مجتمعاتنا تعيش فكر ومنهج الفكر الشمولي الإستبدادي سواء يمينياُ أو يسارياً طالما تتوسم في أن هذا الفكر سيجلب اللبن والعسل ولعل هذا يفسر لنا إنحياز الجماهير للأفكار القومية ثم الإسلامية فى السنوات الأخيرة ولا يكون هذا الإنحياز إقتناعاً بخطابها بل عاطفة وهوى لا تكتفي بالحماس بل برفض وتعنت لأي حرية أفكار وأراء مغايرة .
- الطبيعة والتركيبة الذهنية والثقافية للمواطن العربي هي السبب فى ضيق أفقه وتعنته فهو يتحمس وينتمي للفكرة والأيدلوجية أولا قبل مبدأ ومنهج حرية الفكر والرأي والتعبير الحر , فليس لديه أي قدرة على مراجعة أفكاره وأيدلوجيته , فأيدلوجيته هي التي تَقود وتُسيَر وتُحجم حرية فكره وتعبيره وهذا يسري على اليساريين والإسلاميين على السواء , فالأيدلوجية أولا ولا حرية لفكر يحاول تطويرها وتهذيبها .
- نتيجة أن شعوبنا عاشت فترات طويلة من القهر والإستبداد والتفرد فيكون فرصتها في التعبير هو الصخب والتمرد متى توسمت مجالا للتعبير عن رأيها وهذا ما يحدث فى وسائل التواصل الإجتماعي فتجد تطرف وتمرد وصخب نتاج الإنفلات وخروج العفريت من قمقمه .
- الصخب والتمرد والفجاجة سمة أساسية فى منهجية تفكير العربي فهو لا يعبر عن رأيه وفكره بشكل حضاري بل ينال بالسب والإساءة واللعن لأي فكر آخر , وهذا نتاج ثقافة تزدري وتسيئ لأي فكر وإعتقاد مغاير وهذا تشهده في كل المواقع الدينية بل كان للحوار المتمدن حظ من هذه الفجاجة والإساءة , والأمور لا تقتصر على الإسلاميين الذين لهم نصيب الأسد فى الإساءة بل طالت الفرق الشيوعية المتباينة وكل من ينتقد تطييقات لينين وستالين وماو .
- يهتم المواطن العربي بالتفتيش عن هويتك الشخصية وإنتمائك قبل أن يواجه ويناقش أفكارك فمن هنا ينطلق لتصنيفك وإعداد العدة لمواجهتك , فلا مجال لإستقبال أفكارك وإحترامها ومناقشتها منطقيا ولامجال لإعلاء فكرة أن الإختلاف لا يفسد للود قضية , فأنت من الأعداء والمتآمرين والكفار والمتصهينين والمرتدين إلى آخر قائمة النبذ والعداء , فلا تسأل هنا عن إحترام حرية الفكر والرأي والإعتقاد والتعبير .
- عندما تكون هناك ذهنية فكر تعتبر النقد إساءة ونيل من الثوابت والقيم والمقدسات , فلا مكان في ذهنهم أن النقد يعني التصحيح والتصويب بل هو خطوط حمراء وإقتراب من دوائر التحريم .
- عندما يكون حرية الفكر والرأي والإعتقاد المغاير هو فكر تآمري يبغي إختراق والنيل من أفكارنا وثوابتنا ومقدساتنا وأيدلوجياتنا , فلا تأمل فى وجود منهجية تحترم حرية الفكر والرأي والإعتقاد .
- عندما تُنتهك حقوق الآخر والمرأة فى المجتمعات الإسلامية وتجد قبول ودفاع من المجتمع لهذه الإنتهاكات , فلا تسأل عن إمكانية تطور الشعوب وإعتمادها لحقوق الإنسان وحرية الفكر والإعتقاد أو حتى لممارستها لهذه الحقوق والحريات , وتزداد المصيبة عندما تتقلص الدوائر وتضيق لقبول الإنتهاكات فى مجالات ونواحي شتي .
- عندما تتواجد ثقافة الوصاية للأب ورجل الدين وزعيم القبيلة والدولة بحيث تصير وصايتهم عرف وناموس إجتماعي قبل أن تكون قانونية فلا تأمل فى حرية فكر ورأي وتعبير .
- عندما تتواجد منظومة تعليمية تعتمد على الحفظ والتلقين وإعتماد لما هو مُعلن ومُقرر لتقتل أى بادرة إبداع ونفكير فلا تأمل فى شعوب ستعتني وتحتفي بحرية الفكر والرأي والتعبير .
- عندما تحتفي شعوب بالغازي والمُستبد وبذكري الغزو وعيد ميلاد القائد , فلا تأمل من هذه الشعوب أن تعتني بقصة حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والتعبير .
- عندما نجد شعوب تنتفض من حرية التعبير في بلاد ليست بلادها كمثال الرسوم المسيئة للنبي محمد بل تعتدي على أصحابها , فهل تتصور أنها ستسمح وتسامح فى حرية تعبير ببلادها .
- عندما نجد شعوب تنتفض لحقوق الإنسان المنتهكة فى فلسطين والبوسنه بينما لا تتحرك شعرة من رؤوسهم مع إنتهاك حقوق الإنسان في دول أخري بأفريقيا ,فهنا لا تتصور انهم يدافعون عن حقوق الإنسان فى فلسطين ولا يحزنون بل هو تعاطف قبلي عصبي.
- عندما نجد شعوب تقبل بل تحتفي بإعتقال الإخوان والشيوعيين فلا تقيم وزنا لإختلافهم سياسياً وفكرياً فلا تأمل أن ينتاب هذه الشعوب أي أمل في إحترامهم لحرية الفكر والتعبير وحق الإختلاف .
- عندما يكون السب واللعن والإساءة والإزدراء سمة التعاطي مع فكر الآخر كمنهجية تعامل لتنطلق من ثقافة وصف فيها الإله الآخر بالأنعام والكلاب والأفاعي والأنجاس وأحفاد القردة والخنازير فهل تتصور أن هناك ألف باء للإيمان بحرية التفكير والرأى والإعتقاد وبأي شكل حضاري في التعامل .
- عندما نحتفي بالمقدس والتابوهات ويتصدر فكرنا لترتفع المقدسات والتحريمات في ذهنيتنا بل نجبر الآخرين على الإنسياق والتبجيل لتابوهاتنا وتحريماتنا , فهل تتوقع حرية فكر ورأى وإعتقاد .
- عندما تتواجد ثقافة وسلوكية من رأى منكم منكرا فليغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه لترسخ الوصاية وحشر الأنوف في شئون الآخرين فلا تتوقع أي إحترام أو إعتناء بحرية الفكر والرأي والإعتقاد .
-عندما تكون هناك ذهنية لفكرة إغلظ عليهم تجاه الآخر فلا تنتظر إمكانية قبول حرية الفكر .
- حقوق الإنسان وحرية الفكر والتعبير لن تتواجد في مجتمعاتنا العنصرية الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية وعندما نتوهم أنها متواجدة فهي حرية وحق وكرامة دين وعرق وطائفة .

الخلاصة وما الحل .
- للأسف نحن شعوب لا تعتني ولا تهتم بقصة حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والتعبير , فهذه قضايا بعيدة عن مفردات أدمغتها لنسال ما الحل لتطوير ونهضة هذه الشعوب لتساير العصر وتستحق لقب إنسانية.
- أتصور الحل لا يكمن فى دعوة وتبشير المثقفين والتنويرين بمدى أهمية حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والتعبير كأساس لتقدم الشعوب , ليكون البديل العملي هو تحرير الشعوب من إرث ثقافتها االقميئة يفضح هذه الثقافة وقسوتها وعدوانيتها وبترسيخ مفردات ثقافية إنسانية حداثية كفكرة التمسك بالحريات المدنية وقبول الآخر وحقه في الفكر والإعتقاد علاوة على التحرر من الوصاية وقهر الآخرين مع إعلاء لمفهوم السلام والسلم الإجتماعي , ويساعد قى ذلك قوة الإعلام العالمي وإعلاءه لقكرة حقوق الإنسان وحرية الفكر والتعبير .
- أن نبدأ بالتعامل الصحيح والصحي مع الأطفال بإعادة النظر فى العملية التعليمية الغارق في الحفظ والتلقين بإقامة تعليم جيد وعصري يعتمد على التفكير الحر , مع ترسيخ إحترام مفاهيم حرية الجميع فى الفكر والرأي , بل الإحتفاء بكل فكر مبدع جديد , مع الإعتماد علي منظومة قانونية صارمة تحافظ وتصون الحريات الشخصية أولا ولكن صعوبة هذا تكمن في أن المعلمين يفتقدون لنظرة صحيحة للعملية التعليمية وأن القوانين لا تجدي في وسط شيوع الفوضي !
- يجب الإستعاضة عن حقوق الإنسان وحرية الفكر والتعبير مؤقتاً بالإعتناء بتحقيق مفهوم الكرامة الإنسانية التى تتكأ على توفير المأكل والملبس والعمل والحياة الكريمة للبشر فهذا ما يهم شعوبنا ولا يعنيها حجم الإنتهاكات التي تصاحب ذلك والتاريخ والواقع يشهد بذلك , ومن هنا تولدت الآمال بالزعيم والقائد الملهم الذي يحقق ذلك ليتم بلع كل المصائب والبلايا والفساد والإستبداد , ولكن يظل الخطر جاسماً فلا أمل فى ديمومة الحلول الفوقية فسنعيد كَرة التخلف والتردي من جديد ليبقي نصف البلاء ولا البلاء كله !
قد تجلب رؤيتي الإحباط والتشاؤم ولكن هذا هو الواقع .

دمتم بخير .
لا تحرر ولا تقدم قبل أن نتحرر من ثقافتنا القميئة .