مقال في الحب


المنصور جعفر
2021 / 9 / 18 - 13:45     

الحب الزواجي واحدة من اكبر الظواهر في التاريخ وهذا الموضوع يواشج "الحب" بالوعي والعقل ويحاول نقد النظرة السائدة في صور الثقافة المثالية لمجتمعات العالم الثالث إليه التي تختزله في كونه مجرد إنفعال عاطفي لذيذ وممنوع، يصعب التحكم فيه، أو يتعذر تحويله لآلة وعي وتنمية لتعاملات تكوين النفس والأسرة والمجتمع. وهدف هذا الموضوع كسر الصورة النمطية عن "الحب" وتحويل صورته في الأذهان من شهقات وآهات سريعة التبخر ما عدا الحب الأول إلى آلة ذهنية وجدانية مستقرة واعية ومفعمة بالمشاعر أسها معرفة الإنسان لطبيعة نفسه وطبيعة الشخصية التي يريد الاقتران بها والمجتمع الذي يريد تكوينه بداية من عقلنة أسلوب تكوين أسرته الخاصة أي بداية من أسلوب معرفة وفهم وأختيار نصفه الآخر.



1- التاريخ التقليدي لتبلور الحب:
استناداً على قصص الحب الشهيرة عنترة السوداني وعبلة العربية، وروميو اليهودي وجولييت الكاثوليكية، بالإمكان القول ان الحب عاش في الثقافة المثالية في مجتمعات اللغة العربية مصورة إياه كعملية وجدانية مثنوية صرفة خارج بنى العقلانية والسياسة، بينما هو داخل شروط العقلانية والسياسة ويتأثر بهما ثقافة إثنية وعشيرة ومقامات طبقية بفعل معيشة وتعليم وثقافة مجتمع طرفيه.



2- عناصر الحب:
من عناصر الحب ثلاثة أحوال نفسية تحدث في أحد طرفيه وتتطور بتفاعلها من حال إلى حال أحسن:
1- حال معرفة، تتطور إلى
2- حال صداقة وإلفة، تتطور إلى
3 حال مودة وإثارة للفرح،
إجتماع هذه الأحوال الثلاثة في نفس واحدة مع بعض عوامل الثقافية الجنسية يعني تكون "الحب" في طرف واحد ولو تكررت في الطرف الثاني تكون علاقة الحب قد تبلورت.
فوجود هذه الأحوال الثلاثة في تعامل نفس مع آخرى يؤشر إلى ارتقاء تلك النفس وحبها للآخر، أما وجود هذه الأحوال في طرفي علاقة توالد وتراكم "المعرفة والصداقة والإلفة والمودة" فيؤشر إلى إن هذه الأحوال الخام المفككة إرتقى تفاعلها إلى مرحلة تبلور "الحب" ذوالجنس والزواج.



3- معادلة المحبة:
نسبية وليس كمعادلات الرياضيات فإن نسب وجود هذه العناصر أو التعاملات ذات الهرمونات وأنشطة الدماغ، يجب أن تكون متقاربة في الطرفين في نفس الفترة بل في نفس الوقت. فليس من الموجبية أن يكون طرف في مرحلة المعرفة الأولية عن الإسم والشخصية وأن يكون الطرف الآخر قد أكمل كل مراحل المعرفة والصداقة والإلفة والمودة وبدأ في السهر والتهيج الجنسي.



4- تطور الحب وتبلوره:
عبر الزمان، وعبر مختلف المجتمعات القديمة والحديثة الريفية والمدينية تختلف أنواع "المعرفة" وأنواع "الصداقة"، من معرفة الأكلة المفضلة إلى زمالات النضال إلى صداقات مجتمع البعد العاشر في الفيسبوك، لكن تبقى متشابهة أمور "الألفة" وأشهر صورها الأشواق وإفتقاد وجود المحبوب، وحال "المودة" وأشهر معالمها كلمات وأشعار وهدايا وبذل النفس والنفيس للمحبوب.
في كل هذه الإختلافات تتغير بعض التفاصيل لكن تبقى الأحوال والصور العامة لتكون ووجود الحب.



5- صعوبة تحديد الحب:
بحكم امتزاج المشاعر يصعب على ذات محاصرة بأمور المعيشة تبين الفروق الدقيقة بين كل من "المعرفة"، "الصداقة"، "الألفة"، و"المودة" فتخطئي في تقدير إكتمال الواحد منهم نأهيك عن فرزهم عن حال "الحب" كبناء كلي من هذه الأحوال الثلاثة، بل إن الذات المحَرقة بالأسعار والواجبات المنزلية أو المشلهتة بجفاف أمور المعيشة والبقاء أو بخلافات الوالدين قد تظنهم كلهم شيئاً واحداً جميلاً تحبه وتعشقه أو حتى قد تتصوره أمراً كريهاً تتجنبه.

غالباً ما تقدر الذات المشلهتة الحال الواحد من هذه الأحوال أو كلها تقديراً مختل الزمن، إما بالحذر والبطء أو بالرغبة واللهفة.
وقد يؤدي هذا الخلل الشعوري الزمني أو الزمني الشعوري إلى ما يسمى "الصدمة" سواء كانت صدمة موجبة بإنفجار فرحة أو ك كانت صدمة سلبية بحدوث ألم وحزن نتيجة سوء التقدير أو ضعف إحساس طرف بشعور الآخر.



6- العامل الخلاق والعامل الجنسي:
في صور نظريةً، يحتوي نوع المعرفة والصداقة والثقافة الراقية على امكانات فهم متكامل للطرف الآخر لكن عامل الجوع أو عامل الطمع الجنسي قد يحول بشكل ناعم حال العقلانية الإجتماعية المصبوبة في تربية الطرفين إلى عملية عقل/جنون مثنوية في طرفي العلاقة، فتنتهي بتفاعل سيكولوجيات الشغف والوله وكل ممنوع مرغوب إلى حالة انحصار التفكير العاطفي بين الطرفين في هدف ختم العلاقة بالزواج وتذليل عقباته وفتح الطريق المجتمعي إلى مرحلة الولادة كـ(((نهاية))) سعيدة للحب بأن "يخلفوا صبيان وبنات".
ففي كثير من مجتمعات العالم الثالث يجري تعليم الحب الزواجي بتصويره كمقدمة عاطفية سعيدة تنتهي بالزواج ونهاية شهر العسل وبداية متاعب مصاريف المعيشة والولادة وتربية الأولاد، بدلاً لتصوير الحب والزواج معاً كحالة ذهنية متكاملة للتجمل والعدل والإحسان في كل معاملة.



7- الأجمل:
الأجمل للحياة أن يستمر الحب السابق للزواج رغم تحقق الاتصال والإرتياح الجنسي بين الطرفين بحيث يكون الزواج مرحلة فرهدة للعلاقة الثنائية وتحولها لعلاقة إجتماعية رغدة ووافرة بأمور شخصية مادية كتحسين التعلم أو كتحسين العمل، أو تكريب جهود محلية أو وطنية بزيادة خدمة قضية من قضايا المجتمع القريبة لأي من الطرفين.

أي ان توفر الراحة الجنسية والولادة، لا يجب ان يكون اضعافاً لدور العامل الخلاق العملي أو الإجتماعي أو السياسي المنشط لحيوية الطرفين الاجتماعية أو السياسية، فشجرة الزواج يجب أن تكون كبيرة وافرة لا تنحصر في فقط الطعام والنظافة والإنجاب والتربية.



8- السماحة وأهم مكوناتها:
أهم معالم السماحة سماحة الأخلاق ، ومنها "التسامح" بزيادة معرفة وفهم طبيعة الطرف الآخر وما يحبه وما يكرهه، زيادة تواشج في فعلها خلال دقائق ثم اليوم تخفيض كل ما يثير الضيق والتوتر والغضب عند الطرف الآخر وزيادة ما قد يبهجه.

من أهم عوامل السكينة والرحمة معرفة كل طرف لموجات الطرف الآخر اليومية صباحاً وظهراً وعصراَ ومساءاً وليلاً، وكذلك معرفة موجات الطرف في كل يوم من أيام الأسبوع وفي الشهر، خاصة فترة الآلام الشهرية، وفترات الحمل والولادة، وتوترات كل سنوات التغذية والتنشئة والمساندة التي قد تطول في المجتمعات المدينية الحاضرة في العالم الثالث إلى خمسة وعشرون عاماً. أي إن
أهم ما يفيد السماحة هو إدراك طبيعة تفاعل النفس وتفاعل الآخر مع متغيرات الحياة والإنتباه إلى تغيرات هذا التفاعل.



9- تركيم عوامل البهجة:
لعل من أشهر عوامل بهجة طرفي الزواج الهدايا الصغيرة اليومية بين الطرفين المتمثلة في شكل خدمة غير متوقعة، أو نزهة، أو ترويح، أو كلمات تضامن أو عبارات غزل، أو عبارات إعزاز أو مودة، أو سماع أغنية، وكل الأشكال المناسبة لتحسيس الطرف الآخر إنه مهم، وإنه جميل، وإنك تحترمه وتحبه كإنسان وليس فقط كحيوان جنسي، أو كشر لابد منه، وأن تظهر له حقاً أو حتى من باب المجاملة أو التشجيع إنك تعاني سواء قليلاً أو كثيراً عندما تحس بتعبه معك أو عمله شيئاً من أجلك.



10- تربية الحب وتعليمه:
لإصلاح المجتمعات والأخلاق في مجتمعات العالم الثالث مهم ان تشمل نهوج التربية والتعليم أمور "الشخصية"، "التعارف"، "الحب" "الزواج"، "الطلاق"، وبعض أمور "الحمل والولادة"، "الموت"، "المشاكل الأسرية"، "المشاكل العائلية"، "المجتمع والدولة" جمعها وتنويعها في مادة واحدة على عام واحد أو أعوام مختلفة، قد يكون إسم هذه المادة التربوية التعليمية "الأخلاق" أو "الحياة الإجتماعية"، المهم أن يتعهدها الحكماء من التربويين الثقاة.



11- الفؤاد:
مهم لرقي الفهم والإحساس والمجتمع معرفة وتقدير التواشج بين الوعي والحب: بأن الوعي منارة للعلم وان العلم منارة الأخلاق والمحبة، وان الحب منارة لهم جمعة. وإن تواشج الوعي والعقل والوجدان يحقق نموءاً متكاملاً للإنسان في قلب أو فؤاد مثنوية أنانيته وإنجابها - بحسن محبة الآخر- عالماً جديداً أجمل.