تقييمات حذرة لتغير نهج طالبان


جاسم ألصفار
2021 / 9 / 16 - 23:28     

د. جاسم الصفار
31/08/2021
عندما تقرر الولايات المتحدة نشر قواتها في مكان ما خارج العالم الغربي، فإنها تخلق مشكلتين كبيرتين. الأولى عندما تغزو الولايات المتحدة دولة ما، وتدمر الوضع الجيوسياسي القائم في تلك الدولة ومحيطها، مهما كانت درجة استقراره قبل الاحتلال. والثاني عندما تسحب قواتها من هناك، لتترك وراءها اما الفوضى او حكومات مستلبة الإرادة أو مخاض عسير لولادة نظام بديل.
كان وصول الولايات المتحدة إلى أفغانستان في عام 2001 بمثابة بداية الوجود العسكري لواشنطن في قلب أوراسيا. تطلب ذلك تجهيز قواعد الدعم في آسيا الوسطى وإنشاء ممرات لوجستية عبر باكستان والبحر الأسود وبحر قزوين والقوقاز وأوروبا الشرقية وحتى روسيا. بالإضافة إلى ذلك، أدى الوجود العسكري إلى زيادة النفوذ السياسي والأيديولوجي الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي أثار مخاوف روسيا والصين وإيران. في الواقع، أدى نشر القوات في أفغانستان والعراق إلى جعل الولايات المتحدة القوة المهيمنة في أوراسيا.
بعد عشرين عاما، الولايات المتحدة تغادر وأفغانستان تتأرجح بين الفوضى والمخاض العسير لولادة امارة أفغانستان الاسلامية. سرعان ما هُزمت القاعدة، التي شنت هجمات 11 سبتمبر، لكن طالبان التي وفرت لها الملاذ تظل أقوى قوة في البلاد. طالبان هي في الغالب حركة بشتونية. وعلى أساس توازنات ودور المنظومة القبلية في أفغانستان فإن البشتون ليسوا من القوة بحيث يكونون قادرين على بسط سلطتهم بمفردهم على جميع أنحاء البلاد، لكن بدونهم يستحيل حكم أفغانستان.
بالنسبة للصين وروسيا وآسيا الوسطى، فإن طالبان ليست مشكلة طالما أنها تعمل داخل الحدود الأفغانية، ولا تأوي المتطرفين الدوليين، أو تنخرط في تهريب المخدرات. العلاقة الوثيقة بين طالبان وأجهزة المخابرات الباكستانية تفرض على هذه الدول إضافة الى إيران، توسيع اتصالاتها مع إسلام أباد لضمان علاقات امنة مع أفغانستان. برأيي، أن نجاح طالبان في انشاء دولة في أفغانستان سيجعل من باكستان قوة إقليمية كبيرة تستحق اهتمام دول الإقليم.
صحيح أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن مصالح وسياسات نيودلهي في أفغانستان تتعارض في كثير من النواحي مع تصرفات إسلام أباد. لذلك، قد تضطر دول الإقليم التي تملك علاقات طبيعية مع الهند، وعلى رأسها روسيا، توخي الحذر من توسيع علاقاتها مع الباكستان، حرصا على شعرة معاوية التي تربطها بنيودلهي.
العامل المحدد لعلاقة أفغانستان بدول الإقليم، هو النهج الذي ستتبعه طالبان في ادارتها للسلطة هناك. لذا، لتقييم الوضع في أفغانستان لابد من دراسة سلوك حركة طالبان التي استولت على السلطة في تلك البلاد في 15 آب/ أغسطس. وهنا يجب الانتباه إلى العديد من الوقائع المثيرة للاهتمام والتي من شأنها أن تعكس مواقف طالبان قبل استلامها للسلطة وبعيد سيطرتها شبه الكاملة على العاصمة كابول.
أولاً، تتوجه طالبان إلى موسكو، حيث يعقد ممثليها، بعد المحادثات، مؤتمراً صحفياً في 9 تموز/يوليو يعلنون فيه عن نواياهم في اجراء تحولات سلمية في منظومة الحكم. يعدون فيه بتطهير الإرهاب الدولي في جميع أنحاء أفغانستان ويدحضون الشائعات حول خططهم المزعومة لغزو جمهوريات آسيا الوسطى.
ثانياً، تقبل طالبان بالبرنامج الذي قدمته إيران الشيعية للتفاوض مع كابول الرسمية. وحتى بعد دخولهم لكابول، لم يرفض ممثلو طالبان التفاوض مع ممثلي السلطة لتنظيم إجراءات تسليمها سلميا لطالبان. والأكثر من ذلك أنهم طلبوا من السفارة الروسية في كابول، قبل أيام، التوسط في اجراء حوار مع المتمردين على سلطتهم في بنجشير.
ثالثًا، تطلق طالبان على الصين صفة صديق، وتصف الصينيين من الإيغور بالانفصاليين. في الوقت نفسه، تقدم بكين استثمارات لهم ولا تعرضها على الحكومة الرسمية، حينها. ولا يعني هذا، اطلاقا، أن الشائعات حول تمويل الصين السري لطالبان عبر باكستان صحيحة، بل هي مجرد رهانات صينية على مستقبل أفغانستان.
رابعاً، بالنسبة لإمكانية أن تكون لطالبان امتدادات في الدول الأخرى وخاصة في الباكستان، قال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، أن حركة طالبان الأفغانية غير مسؤولة عن أي أنشطة باسمها خارج حدود أفغانستان، مؤكدا في نفس الوقت، أن حركة طالبان باكستان لا تخضع لطالبان الأفغانية، وأنه سيتعين التعامل معها من قبل السلطات الباكستانية، وليس أفغانستان.
خامسا، تعلن طالبان حظرا على الاتجار بالمخدرات وتطمئن الدول المجاورة الى أنها مستعدة للتعاون معها لمنع انتشارها عبر الحدود. ومع أن تنفيذ هذا القرار يتجاوز قدرات طالبان حاليا، الا أنه إشارة طيبة لطمأنة الدول الأخرى.
سادسا، تتعاون طالبان مع السفارات ألأجنبية من أجل تنظيم عملية مغادرة أراضي أفغانستان بصورة آمنة ومريحة، كما أنها تتعاون مع قوات الناتو المسيطرة على مطار كابول من أجل تأمين محيطه وتسهيل عملية مغادرة الراغبين، أراضي أفغانستان.
وفقًا لمجلة الاكسبرت الروسية، تنوي حركة طالبان تشكيل مجلس من 12 شخصًا لحكم البلاد. وبحسب مصادر مقربة من قيادة طالبان، فإنه من أجل كسب المجتمع الدولي واستمالته لصالح الإدارة الجديدة، سيضم المجلس بعض "من المشاركين في الحكومة السابقة".
بالإضافة إلى ذلك، سيضم المجلس "الأشخاص الثلاثة الأكثر نفوذاً" - زعيم الجناح السياسي لطالبان الملا عبد الغني بردار، ونجل مؤسس حركة طالبان الملا محمد يعقوب، وشخصية رفيعة المستوى مرتبطة بطالبان ومحسوبة على ما يعرف ب «شبكة حقاني" خليل حقاني. وهناك رأي في طالبان بعرض مقعد في المجلس على أحمد مسعود، الذي يقود المقاومة في ولاية بنجشير، لكن هذا العرض مازال قيد الدراسة.
لذا، أجد أنه رغم كل التوقعات السوداوية عما سيؤول اليه الوضع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في أفغانستان تحت حكم طالبان، فانه من المبكر إطلاق أحكام نهائية، خاصة بوجود إشارات تغير في سلوك طالبان، قد لا يكون كبيرا، ولكنه محسوسا. لذا ليس غريبا، أن تتوسل الصين تعاونا اقتصاديا طويل الأمد مع باكستان وأفغانستان. وتعلن الولايات المتحدة، اليوم 31 آب/أغسطس، عن استعدادها لتقديم مساعدات مالية لطالبان.
كما أن روسيا تسعى كذلك، من طرفها لتحسين علاقاتها مع الحكومة الجديدة في أفغانستان. صرح بذلك المبعوث الرئاسي الخاص لأفغانستان مدير الدائرة الثانية لآسيا بوزارة الخارجية الروسية زامير كابولوف على الهواء مباشرة في برنامج سولوفييف لايف. وكان كابولوف قد أشار في وقت سابق الى أن علاقة روسيا بالحركة تمتد الى ثماني سنوات سبقت وصولها الى السلطة. ومن جهته، قال السفير الروسي في كابول دميتري جيرنوف، إن حركة طالبان منفتحة على مساهمة روسيا في بناء اقتصاد أفغانستان، بما في ذلك تنمية الموارد المعدنية.