ارتفاع أرباح شركات التكنولوجيا من -الحرب على الإرهاب-


الطاهر المعز
2021 / 9 / 12 - 19:07     

المستفيدون من "الحرب على الإرهاب"


منذ عشرين سنة، أصبح شهر أيلول رمزًا ل"الحرب على الإرهاب"، لأن الضّربة كانت داخل أعتى قوة إمبريالية، ولأن معظم الضّحايا أمريكيون (وأمريكيات)، لكن من يذكر تاريخ 11 أيلول/سبتمبر 1973، وضحايا الإنقلاب الدّموي الذي نظمته الإستخبارات الأمريكية في تشيلي، ضد نظام حُكم وحكومة وبرلمان ورئيس مُنتَخَب ديمقراطيا؟
من يذكر شهر أيلول 1970 بالأردن، لما تحالفت الإمبريالية الأمريكية والأنظمة الرجعية العربية والكيان الصهيوني والإخوان المسلمون، ضد مُنظّمات الفدائيين الفلسطينيين؟ كان عدد الضحايا الفلسطينيين (أيلول/سبتمبر 1970) أعلى من عدد ضحايا "نيويورك" 2001، بأكثر من عشرة أضعاف، لكن عندما حصل انفجار نيويورك ومبنى وزارة الحرب الأمريكية، أطلقت القوة الإمبريالية الأعظم حملة إعلامية لتبرير العُدوان على الشعوب، ضمن خطّة واسعة أسمتها "الحرب على الإرهاب"، التي قتلت مئات الآلاف من مواطني أفغانستان والعراق والصومال ومالي واليمن وليبيا وسوريا، ولا تزال هذه الحُرُوب العدوانية والإغتيالات عن بُعد، وعمليات قصف تجمعات المواطنين المَدَنِيِّين مُستمرة، بالتّوازي مع تعزيز حلف شمال الأطلسي، واستخدامه في "الحرب الفاترة" ضدّ الصّين وروسيا، وارتفع إنفاق الدّول الإمبريالية (وخاصة الإمبريالية الأمريكية) على التّسلّح، فارتفعت أرباح مُجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، بالتوازي مع ارتفاع حدّة الفقر والبطالة، خصوصًا بعد أزمة 2008/2009، وخلال أزمة انتشار وباء "كوفيد 19"، حيث تعمّقت الفجوة الطّبقية بين مواطني كافة الدّول، وخصوصًا داخل الدّول الإمبريالية، ولذلك وجب تحويل وجهة انتباه العاملين والفُقراء عن واقعهم، وتوجيهه نحو "الأشرار" أو "الإرهابيين" القادمين من الخارج (بمن فيهم اللاجئون من بلدان دَمّرتها الجُيُوش الإمبريالية)، لِيُصبح "العدو" خارجيا ووهْمِيًّا، وبديلاً عن العدو الحقيقي، أي رأس المال والشركات العابرة للقارات وجهاز الدّولة الإمبريالية الذي يُدمِّر البُلدان ويضطهد الشّعوب ويستغل الكادحين، مع قَضْم حُقُوق المواطنين والعاملين تدريجيًّا، واستبدالها بحملات "تضامن" (خصوصًا في فصل الشتاء) مع الفُقراء والمُحتاجين، تُنفذها منظمات "خيرية، إنسانية، غير حكومية" ليتحول الحق في الحياة الكريمة والعمل والسّكن والرعاية الصّحّية إلى مِنّة، سواء داخل الدّول الرأسمالية الإمبريالية، أو في البُلدان الواقعة تحت الهيمنة، والتي دَمّرتها الحُروب العدوانية الأمريكية.
المُستفيدون من "الحرب على الإرهاب"

استفادت شركات التكنولوجيا والإتصالات الأمريكية من الحُرُوب العدوانية التي شنّتها الإمبريالية الأمريكية، خلال القرن الواحد والعشرين، وأصدرت ثلاث منظمات أمريكية، يوم الجمعة 10 أيلول/سبتمبر 2021، تقريرًا [إشراف جامعة "براون"، استنتجت أن شركات التكنولوجيا والإتصالات العابرة للقارات لا(أمريكية المَنْشَأ) ، كانت مُتواطئة مع الحكومة الأمريكية، وهي الرابح الأول من "الحرب على الإرهاب"، ومن تعميم مُراقبة السّكّان داخل الولايات المتحدة، لزيادة الضغط والقمع الذي يتضرر منه السكان الأصليون والسود ومُجمل المُضْطَهَدِين.
قَدّر التقرير أن شركات مايكروسوفت وأمازون وغوغل وفيسبوك وتويتر، حصلت على أكثر من 44 مليار دولار، خلال خمسة عشر سنة، بفضل العقود الموقعة مع الحكومة الأمريكية، بين 2004 و 2019، في إطار "الحرب على الإرهاب" التي انطلقت بعد انفجارات 11 أيلول/سبتمبر 2001، واستخدمت العديد من الوكالات الحكومية ووزارة الأمن الدّاخلي، ووزارة الحرب الأمريكية، خدمات شركات التكنولوجيا، وفي مقدّمتها شركتا "آمازون" التي تضاعفت قيمة عُقُودها ذات الصبغة العسكرية مع الحكومة الأمريكية، بين 1015 و 2019، نحو خمسة أضعاف، وتضاعفت قيمة عُقُود شركة "مايكروسوفت" ستة أضعاف، خلال الفترة من 2016 إلى 2018، وهي عُقُود ذات صبغة عسكرية، لا لُبْسَ فيها، حصلت "غوغل" و"فيسبوك" و"تويتر" على جزء منها أيضًا، وتخص 86% من هذه العُقُود الحُروب العدوانية الخارجية، أما وزارة الحرب الأمريكية فأنفقتْ 43,8 مليار دولارا، بين سنتَيْ 2004 و 2019، لشراء خدمات عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، وأنفقت وزارة الأمن الداخلي 348 مليون دولارا، لمراقبة المواطنين داخل الولايات المتحدة، وأنفقت وزارة الخارجية الأمريكية 258 مليون دولارا، وإدارة الخدمات العامة 244 مليون دولارا، ووزارة القَضاء 138 مليون دولارا، بحسب موقع "تيك إنِكْوِري"، الذي يُحاول جَمع إنفاق الحكومة الأمريكية على عقود التكنوليجيا، ويُشير الموقع أن الحكومة الأمريكية لم تُعْلن عن العديد من العُقُود، ما يُعَسِّرُ تقدير المبلغ الإجمالي لهذه العُقُود، كما يُشير التّقرير إلى تبادل المواقع، ليحتل العديد من كبار المسؤولين في الإدارة الإتحادية الأمريكية (الحكومة) مناصب قيادية بشركات التكنولوجيا، كما يحصل التبادل في الإتجاه الآخر، حيث يحتل مسؤولون سابقون في "غوغل" أو "آمازون" مناصب هامة في الإدارة الأمريكية.
أما بشأن العُقُود التي وقّعتها شركة "مايكروسوفت" مع وزارة الأمن الدّاخلي، فقدّرت قيمتها بأكثر من 225 مليون دولارا، خلال أقل من عشر سنوات، لجمع حجم ضخم من البيانات، ولمراقبة حركة وتصرفات بعض فئات السّكّان، ما يُعتَبَرُ تقييدًا مُبَطّنًا للحُرّيّات، فضلا عن العدوان الخارجي المُستمر، تُشارك في تنفيذه شركات التقنية المتطورة، العابرة للقارات، داخل الولايات المتحدة وخارجها، حيث يُشير موقع ( Tech Inequiry ) إلى توقيع هذه الشركات عُقُودًا هامة في بريطانيا وكندا ونيوزيلندا وغيرها، إذ قدّر التقرير الذي أشرفت على إعداده ونشْرِهِ جامعة "براون" أن شركات التكنولوجيا الأمريكية توسّعت، بفضل عُقُود الحكومة الأمريكية، لتُغَطّي 85 دولة، وأن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة على الحروب العدوانية الخارجية تجاوز ثمانية تريليونات دولارا، استفاد منها "مُجَمّع الصناعات العسكرية" بدرجة أولى، وتسببت "الحرب ضد الإرهاب" في وفاة أكثر من 900 ألف شخص، بعد 2001، وتمكنت شركات التكنولوجيا المتقدّمة "أمازون" و "غوغل" و "مايكروسوفت" من تعيين شخصيات نافذة في المؤسسات الحكومية الأمريكية، في مناصب قيادية بإدارة هذه الشركات الثلاث، ما جعلها تفوز بمعظم المناقصات المُتعلّقة ب"الحرب على الإرهاب"، بين سنَتَيْ 2012 و 2019، أي في سوريا وليبيا واليمن، إضافة إلى العراق ومَالي وأفغانستان وغيرها، وتمثل هذه العقود مع الحكومة موردًا هامًّا للعديد من شركات التكنولوجيا والإتصالات، ما يزيد من قيمة هذه الشركات في البورصة، ومن إيرادات مالكي الأسهم، وعلى سبيل المثل، بلغت قيمة عُقود تقنيات النّشاط "السّحابي" (آي كلود) لوكالة الإستخبارات المركزية التي استفادت منها شركات "آي بي إم" و "أوراكل" و "غوغل" و "مايكروسوفت" و "إيه دبليو إس" نحو عشرة مليارات دولارا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، واستفادت شركة "ماكروسوفت" بعقد بقيمة 22 مليار دولارا، لتزويد وزارة الحرب الأمريكية بتقنيات تحديد المواقع وبسمّاعات بتقنية "هولو لنس"...
إن هذه التقنيات المتطورة، لم تفل في عزم الشعب الفلسطيني، ولم تُقَلّل من عزم الأسرى الذين تمكنوا من "التّحرّر" من الأَسْر، ولو لفترة قصيرة، ولم تستطع آلة الحرب الأمريكية الحُؤُول دون هزيمة الجيش الأمريكي بفيتنام، سنة 1975، ولا بأفغانستان، سنة 2021...