من وحي انتخابات المغرب


حسن مدن
2021 / 9 / 11 - 15:58     

يُقال إن حزب العدالة والتنمية، النسخة المغربية من حركة «الإخوان المسلمين»، توقع تراجع عدد المقاعد البرلمانية التي حصدها في انتخابات عام 2016، والتي بلغت 125 مقعداً أهلته لرئاسة الحكومة لدورة ثانية، لكن هذا التراجع لن يتجاوز عشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين مقعداً؛ حيث سيحتفظ بنحو ثمانين أو سبعين منها، وهي كفيلة بأن تبقيه فاعلاً سياسياً قوياً وربما شريكاً في الحكومة المقبلة، ولم يخطر في ذهن أحد من قادته وأعضائه ومناصريه «الطامة الكبرى» التي كانت في انتظاره؛ حيث تقلص عدد مقاعده إلى 12 مقعداً فقط، وهو أمر فاجأ حتى خصوم الحزب والمختلفين معه.
ما جرى ل «العدالة والتنمية» المغربي، يعيد إلى الصدارة النقاش حول سعة المسافة بين أداء أي قوة سياسية واجتماعية في أي مكان حين تنتقل من موقع المعارضة إلى إدارة الحكم في البلدان التي يقوم نظامها السياسي على تداول السلطة عبر آلية الانتخابات، أو حتى في البلدان التي تصل فيها إلى الحكم قوى معارضة عبر انقلابات أو ثورات، ليفاجأ الناس بأن أداءها في إدارة أمور البلد المعني لا يقل سوءاً عن أداء الحكومات التي كانت محل نقدها ومعارضتها؛ بل إن التجربة تشير، في الكثير من الحالات، إلى أنه يكون أسوأ بكثير، ما يجعل الناس تترحم على ما أصبح ماضياً على الرغم من مساوئه.
الموضوع طبعاً ليس بهذا التبسيط، ففيه تتداخل عوامل كثيرة معقدة يطول شرحها، ولكن يظل أن العبرة ليست في رفع شعارات جاذبة للجمهور أو «مدغدغة لمشاعره» كما يقال، حتى لو كانت صحيحة، وإنما في توفر الإرادة في وضعها موضع التنفيذ، وهو ما يتطلب الكفاءة والحكمة والصدق والنزاهة، والاتساق بين القول والفعل.
أي وصف لنتائج حزب العدالة والتنمية في المغرب في الانتخابات الأخيرة، سيظل قاصراً عن تشخيصها، فالقول إنها، بالنسبة إليه.. هزيمة كبرى، مدوية، فشل ذريع، حرج شديد أمام قواعده لن يفي بالغرض، ولن يكون من الممكن قراءتها خارج سياق مآلات تجارب الإسلام السياسي في الحكم، وهي ماثلة أمامنا الواحدة تلو الأخرى في السودان وتونس وأخيراً المغرب، وحتى في البلدان التي ما زال هذا التيار في السلطة فيها، فإنه محل معارضة شعبية واسعة، بسبب الفساد وسوء الإدارة وتغييب الكفاءات الوطنية عن مواقع الإدارة في الدولة، وتمكين مناصريه وأعضائه غير الأكفاء في الأغلب الأعم، وتوظيف المحاصصات الطائفيّة وسيلة للمكوث في السلطة.
وفي النتيجة فإننا إزاء نسخة فاشلة أخرى من الحكم بعد نسخة الأنظمة العسكرية التي حكمت تحت شعارات قوميّة نارية، لكنها كانت، في الممارسة، أبعد ما تكون عنها، فهي، في الجوهر، أنظمة فاسدة وقمعيّة.