هل وضع الاقتصاد العراقي سليم ؟


عادل عبد الزهرة شبيب
2021 / 9 / 10 - 20:42     

تستخدم الاحصائيات والتقارير الاقتصادية حول نشاط القطاعات الاقتصادية المختلفة في قياس اداء هذه القطاعات لتقييم الوضع الاقتصادي للبلاد ومعرفة مدى قوة الاقتصاد او ضعفه اضافة الى قدرة التنبؤ بالحالة الاقتصادية في المستقبل . وبهذا الصدد فقد حدد خبراء الاقتصاد عدة مؤشرات تعكس الصورة الحقيقية لاقتصاد البلد , حيث تشخص هذه المؤشرات وجود الجوانب السلبية في الاقتصاد والتي تحتاج الى معالجة (والاقتصاد العراقي زاخر بهذه السلبيات ), او وجود جوانب ايجابية تحتاج الى تعزيز وتطوير والاستمرار في البناء عليها . وهي توفر الدلائل حول السياسات التي تنفذ حاليا والتي تعطي نتائج ايجابية حسب ما مخطط له او انها لم تحقق النتائج المرجوة . اضافة الى امكانية التوقع المستقبلي حيث يمكن توقع الاتجاه المستقبلي لمضامين مؤشر ما من خلال استعراض التغير في قيمة المؤشر على امتداد فترة زمنية معينة.
ومن هذه المؤشرات التي تحدد سلامة اقتصاد البلاد من عدمها :-
1. معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي ( نمو الدخل ) .
2. معدل البطالة ومؤشرات التوظيف وسوق العمل .
3. معدل تضخم الأسعار .
4. وضع الموازنة الحكومية والعجز فيها .
5. المديونية الخارجية .
6. ميزان المدفوعات ( التجارة الخارجية ).
7. مؤشرات الثقة .
8. السياسة النقدية ومعدلات الفائدة .
9. مؤشرات قطاع الاسكان .
ولو طبقنا هذه المؤشرات على الاقتصاد العراقي نجد ان وضع الاقتصاد العراقي غير سليم فهو اقتصاد استهلاكي , استيرادي غير منتج وريعي وحيد الجانب يعتمد كليا على تصدير النفط الخام دون تصنيعه مع تهميش القطاعات الاقتصادية الاخرى كالصناعة والزراعة والسياحة والنقل والتعدين وغيرها , وما يزال اقتصادنا يواجه العديد من التحديات الاقتصادية الخطيرة التي تهدد معدلات النمو والاستقرار الاقتصادي في البلد , وقد تأثر الاقتصاد العراقي كثيرا بالهبوط المزمن لأسعار النفط وتذبذبها ,حيث يتميز اقتصادنا باعتماده الكبير على القطاع النفطي في تكوين ناتجه المحلي الاجمالي, ويعد الناتج المحلي الاجمالي احد المؤشرات المعبرة عن مستوى الاداء الاقتصادي للدولة ’ وقد شهد الناتج المحلي في العراق بالأسعار الجارية تذبذبا واضحا نتيجة للظروف التي مر بها البلد من حروب وفرض عقوبات اقتصادية’ كما انه محكوم بالتذبذب بإيرادات النفط التي تعتمد على الاسعار العالمية. وقدر الناتج المحلي الاجمالي بحوالي ( 69,556 ) مليون دولار عام 2007 محققا بذلك معدل نمو بحوالي 34,7 % , وساهم في نمو الناتج المحلي للعراق تواصل ارتفاع اسعار النفط في تلك الفترة وزيادة عائدات صادرات النفط خلال عامي 2006 - 2007 , وقد ادى انخفاض اسعار النفط التي شهدتها اسواق العالم مؤخرا الى التأثير على معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي . فهو اذاً يعبر في الوقت الراهن عن مستوى الاداء الاقتصادي للدولة الذي يتميز بالضعف وعدم القدرة على تنويع مصادر الدخل القومي فبقي الاقتصاد العراقي اقتصادا متخلفا ريعيا وحيد الجانب يعتمد كليا على تصدير النفط الخام دون العمل على تحويله الى منتجات نفطية وصناعات كيمياوية وبتروكيمياوية.
اما بالنسبة الى مؤشر البطالة في العراق فالبطالة تمثل مشكلة حقيقية وهي تتطلب وضع استراتيجية شاملة وفق ارادة سياسية وتنسيق الجهود المتاحة . وتشير مصادر حكومية الى ارتفاع نسبة البطالة والبطالة المقنعة في العراق, ويرى خبراء ان البطالة المقنعة في العراق مرتفعة في ظل الأوضاع غير الطبيعية في عدد كبير من المنشآت الحكومية الانتاجية والخدمية , وتزداد البطالة بين خريجي المعاهد والكليات والدراسات العليا حيث لا يجدون عملا مناسبا لهم حتى ان موازنة عام 2018 قد خلت من التعيينات لتساهم في زيادة عدد العاطلين عن العمل كما تضمنت ايضا الغاء الدرجات الوظيفية الشاغرة بسبب الوفاة او التقاعد او الاستقالة. والبطالة في العراق تتداخل مع الفقر فمع ارتفاع معدلات البطالة يتسع نطاق الفقر والعكس صحيح. ووفقا للإحصائيات يأتي العراق في مقدمة دول الشرق الأوسط بنسبة البطالة وكذلك ارتفاع نسبة النساء العاطلات. ويشكل مؤشر البطالة نقطة سالبة للاقتصاد العراقي وعجز الادارة عن حل المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم . وتشهد مدن العراق المختلفة اليوم تظاهرات واسعة من اجل توفير فرص العمل اضافة للخدمات الاخرى والتي واجهتها الحكومة بالرصاص الحي خلافا للدستور الذي ضمن حرية التعبير والتظاهر السلمي .
وفيما يخص مؤشر التضخم والذي هو عبارة عن ارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار خلال فترة زمنية عادة تكون سنة او اكثر , ويؤدي هذا الارتفاع الى انخفاض القوة الشرائية للنقود اي فقدان النقود لقيمتها الحقيقية وقابليتها على شراء السلع والخدمات , والعراق من البلدان النامية التي عانت من هذه المشكلة حيث ارتفاع اسعار السلع المستوردة والاختلال في سعر صرف الدينار العراقي بسبب الظروف السياسية, وقد ساعد التحسن في سعر صرف الدينار على انخفاض معدل التضخم خلال السنوات 2008 و2009 و2010 ويعود ذلك الى سياسة البنك المركزي وتبنيه لسياسة نقدية هدفها الضغط على ارتفاع معدل التضخم ثم رفع قيمة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية . ونلاحظ اليوم ان سعر صرف الدولار مقابل الدينار ما يزال مرتفعا بعد ان كان الدينار العراقي يعادل في السبعينات من القرن الماضي اكثر من ثلاثة دولارات لكل دينار . وبهذا الصدد فقد اعلنت وزارة التخطيط عن ارتفاع معدل التضخم في العراق خلال ايلول 2017 بنسبة ( 0,4% ) بسبب ارتفاع اسعار الأغذية والمشروبات والملابس والأحذية والسكن والصحة والنقل والسلع والخدمات المتنوعة . ويعد مؤشر التضخم في العراق مؤشرا سلبيا للاقتصاد العراقي .
اما فيما يتعلق بوضع الموازنة الحكومية فقد تميزت موازنات العراق للسنوات الماضية بوجود نسبة من العجز المخطط فيها حيث بلغ في موازنة 2018 بحدود 13 تريليون دينار , وهي تتميز بأنها موازنة قروض وضرائب وموازنة توزيعية تقوم بتوزيع الايرادات المالية النفطية على الوزارات وهي ليست موازنة برامج واداء , اضافة الى ذلك فإنها حددت النفقات بأكثر من 104 تريليون دينار , وحددت الايرادات النفطية لعام 2018 بأكثر من 77 تريليون دينار , في حين ان الايرادات غير النفطية تم تحديدها بأكثر من 14 تريليون دينار , ويمول العجز عن طريق القروض الداخلية والخارجية. فالموازنة اذاً عبارة عن سلسلة قروض خارجية تكبل العراق الى جانب ديونه السابقة البالغة اكثر من 30 مليار دولار. كما تميزت الموازنة بارتفاع النفقات العامة بشكل كبير وهذا يدل على انه ليس للحكومة برامج انمائية واضحة المعالم, ويشكل الانفاق التشغيلي مؤشرا خطيرا في دولة نامية كالعراق الذي يحتاج الى موارد كبيرة لتطوير البلاد واعادة الاعمار في كل المجالات . اما بالنسبة للتحديات التي تواجه موازنة 2018 فتتمثل بالتأخر في اعداد الحسابات الختامية وهي غائبة عن الموازنات السابقة , اضافة الى عدم وجود رؤية حكومية حول مسار وطبيعة الاصلاح الاقتصادي وكذلك سوء الادارة المالية وعدم القدرة على التصرف المنهجي في الموارد, كما ان تقدير النفقات لا يمثل صورة حقيقية للنفقات او الايرادات التي يحصل عليها العراق وكذلك فان عملية اعداد الموازنة تشوبه كثير من الممارسات السياسية والاجتماعية والصراعات والضغوطات والتهديدات مما ينعكس سلبا على اعدادها وبالتالي يبعدها عن الأساليب العلمية . والموازنة لعام 2018 تمت المصادقة عليها من قبل مجلس النواب بدون موافقة الكرد ولم يصادق عليها رئيس الجمهورية على اساس وجود 31 مادة فيها مخالفة للدستور العراقي .اي ان الموازنة عليها خلافات كبيرة. اضافة الى ذلك هناك مشكلة الفساد المستشري والذي يحول دون تنفيذ مشاريع الموازنة بشكل كفوء وتقديم الخدمات العامة بشكل مقبول. كما ان التأخر في اقرار الموازنة العامة كل عام يؤدي الى التأخر في اطلاق صرف مبالغ التخصيصات من قبل وزارة المالية وهذا يترك تأثيرا سلبيا على تنفيذ المشاريع وانجازها .
فالموازنة العامة تعبر عن سلبيات الاقتصاد العراقي وتعبر ارقامها واهدافها عن برنامج العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحكومة خلال الفترة المالية المقبلة والتي هي موازنة تشغيلية وليست انتاجية وموازنة توزيعية وليست موازنة برامج واداء وهي موازنة قروض وضرائب وهي تقشفية.
اما بالنسبة الى المديونية الخارجية كأحد مؤشرات سلامة الاقتصاد العراقي , فالعراق تحول الى بلد مدين ورث قسما من ديونه البغيضة عن النظام السابق وتجاوزت ديونه 130 مليار دولار وقد زاد عليها مؤتمر الكويت المنعقد في شباط 2018 , في ظل كثير من المشكلات التي يعانيها اقتصادنا الوطني ., علما ان القروض التي يحصل عليها العراق موجهة لسداد العجز في الموازنة وليست لإقامة مشاريع انتاجية تزيد من موارد الدولة . وقد زادت ديون العراق نتيجة انهيار اسعار النفط وكلفة الحرب ضد داعش الى جانب ديونه الموروثة. وقد نجح العراق في عام 2004 بشطب نحو 100 مليار دولار من ديونه على خلفية توقيع اتفاق نادي باريس . وقد اصبحت ديون العراق وفوائدها تهدد بأخطار مالية واقتصادية واجتماعية تحد من جهود التنمية وتعرقل مشاريع اعادة الاعمار .
لقد بدأ الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي للعراق بالتدهور اكثر باحتلال داعش لثلث الاراضي العراقية عام 2014 واستثمار مواردها من قبله ونزوح اعداد كبيرة من السكان ما احدث خللا كبيرا في التوزيع الديموغرافي اضافة الى تهريب الأموال للخارج وتعطيل عدد كبير من المؤسسات وهدر في المال العام وفساد شمل مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
فمؤشر الديون ايضا يعتبر مؤشرا سلبيا لسلامة الاقتصاد العراقي.
وبخصوص ميزان المدفوعات كمؤشر آخر لسلامة الاقتصاد العراقي فهو يشمل الصادرات التي تصدرها الدولة والواردات التي تستوردها . وهو بمثابة المرآة التي تعكس او التي يرى من خلالها العالم الخارجي واقع الاقتصاد لبلد ما, وبالنسبة للميزان التجاري العراقي فهو سلبي دائما تزيد فيه كفة الواردات على الصادرات حيث ان العراق يستورد كل شيء حتى سلة غذائه وليس لديه شيئا يصدره عدا النفط , ولذلك فالميزان التجاري في العراق هو لصالح الدول المجاورة التي يستورد منها كإيران وتركيا والاردن ودول الخليج وغيرها من الدول الاخرى وهو مؤشر سلبي للاقتصاد العراقي .
وفيما يتعلق بمؤشر الثقة بمناخ الأعمال والاستثمار فلا تتوفر الثقة في الاعمال في العراق واعتبر العراق من قبل المنظمات الدولية المتخصصة من اسوأ البلدان في العالم في مجال الاعمال وهذا يرجع الى الفساد الكبير المتفشي والبيروقراطية والارهاب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي اضافة الى عدم وجود بيئة صالحة للاستثمار خاصة من ناحية القوانين.
اما بخصوص مؤشر قطاع السكن في العراق فحدث ولا حرج حيث يعاني العراق من العجز السكني ولم تحاول الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حل هذه المشكلة المتأزمة ويعاني منها بشكل خاص اصحاب الدخل المحدود والفقراء , ونتيجة لذلك انتشرت ظاهرة السكن العشوائي خارج المدن وفي محيطها وحتى في داخلها في ظل عجز الحكومة عن حل المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم في ظل الزيادة المستمرة للسكان .
اذاً كل المؤشرات الاقتصادية للاقتصاد العراقي تتميز بأنها مؤشرات سلبية حيث لم تتمكن كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 من معالجة هذه السلبيات وتحقيق التنمية الاقتصادية – الاجتماعية وتحويل الاقتصاد العراقي الى اقتصاد متنوع ومنتج ومصدر .