الانتخابات والفساد الجماعي أي واقع وأية آفاق؟.....19


محمد الحنفي
2021 / 9 / 10 - 20:40     

تخلف جماعاتنا نتيجة لاعتماد الفساد الجماعي:.....3

ط ـ ونجد أن التخلف الجماعي متعدد الأوجه، نظرا لدواعي التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

فتخلف جماعاتنا الترابية، باعتبارها مهتمة بتقديم مختلف الخدمات، إلى سكان الجماعة، وإلى الوافدين عليها من خارج السكان، يتمثل في:

أولا: ضعف البنيات التحتية: جملة، وتفصيلا، سواء تعلق الأمر بالماء، أو بمجاري الماء غير الصالح، أو بالكهرباء، أو بالطرقات، على مستوى تراب الجماعة، أو بتنظيم الأسواق التجارية اليومية، أو بتنظيم الشوارع، والأزقة، أو بتنظيم النقل العمومي داخل الجماعات الحضرية، والقروية، الترابية، أو بتنظيم النقل بين الجماعات الترابية، داخل الإقليم، وخارجه، على مستوى الجهة، وعلى المستوى الوطني، وغياب، أو ضعف محطات وقوف السيارات، داخل الجماعات الحضرية بالخصوص، وانعدام المحطات التحت أرضية، التي تضم الواحدة منها عشرات السيارات.

ثانيا: سيادة الفساد الجماعي، الذي يمارسه الأعضاء الجماعيون، والإدارة الجماعية، في العلاقة مع المواطنين، سواء تعلق الأمر بالمحسوبية، أو بالزبونية، أو بالإرشاء، أو بالارتشاء، خاصة، وأننا نعرف الدور الذي يلعبه الوسيط، كعضو جماعي، في العلاقة مع أعضاء المكتب، أو في العلاقة مع الإدارة الجماعية، أو أي إدارة جماعية، وفي العلاقة، كذلك، مع أعضاء المكتب الجماعي، مما يجعل من أعضاء الجماعة، أي جماعة، ممرا لانتشار الفساد، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ثالثا: التمسك بالعادات، والتقاليد، والأعراف، التي أكل عليها الدهر وشرب، باعتبارها تراثا، تجب المحافظة عليه، في الوقت الذي لا يعتبر التمسك بها، إلا تعبيرا عن التخلف، الذي تعيشه الجماعة، على مستوى العقلية السائدة، التي تعتبر بمثابة سجن، نحرم فيه من كل شيء، بما في ذلك الحياة، التي نعيشها، والتي يمكن أن تصادر منا داخله؛ لأن التمسك بالعادات، والتقاليد، والأعراف، إعلان عن العجز، الذي يصيب ساكنة أي جماعة ترابية، تجاه تحديات التقدم، والتطور، الذي تقتضيه الحياة المعاصرة، التي نعيشها.

وهذا العجز، المشار إليه، يعتبر بمثابة قيد، يحول دون استفادتنا من التغييرات القائمة، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

ي ـ ولتجاوز جماعاتنا، لمظاهر تخلفها، التي تحول دون تقدمها، وتطورها، فإن على المسؤولين عنها، وعن السلطات الوصية، أن تعمل على:

أولا: وضع حد لكل أشكال الفساد الانتخابي، والجماعي، قبل، وأثناء الحملات الانتخابية، وبعد تحديد المسؤوليات الجماعية، بالنسبة للأعضاء الجماعيين، سواء تعلق الأمر بالفساد الذي يمارسه الأعضاء الجماعيون، أو تعلق بالفساد الذي تمارسه أقسام، ومصالح الإدارة الجماعية، خاصة، وأن الفساد بمثابة حاجز بين الجماعات الترابية ،وبين أي شكل من أشكال التقدم، والتطور.

ثانيا: إحالة كل من يثبت في حقه ممارسة الفساد، على المحكمة، من أجل أن تقول كلمتها فيه.

ثالثا: إحالة كل من مارس الفساد، وحكم عليه بحكم معين، على المجلس التأديبي الجماعي، الذي يتخذ في حقه قرارا معينا.

وفي حالة رجوع الموظف الجماعي، أو العامل الجماعي، إلى العمل، لا يكلف بنفس المهام، التي كان يمارسها في الإدارة الجماعية.

أما إذا كان الفاسد عضوا جماعيا، فإن على المحكمة أن تتخذ في حقه قرارا، بإيقاف عضويته في الجماعة الترابية.

رابعا: القيام بحملة، من قبل مسؤولي السلطات الوصية، وعبر وسائل الإعلام المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، من أجل توضيح الإجراءات، ضد ممارسي الفساد الانتخابي، وضد الأعضاء الفاسدين، وضد العاملين الفاسدين، في الإدارة الجماعية، وضد المواطنين الذين يتعاملون مع الجماعة، ومع الإدارة الجماعية بالفساد، سعيا إلى جعل الفساد، في ذمة التاريخ.

خامسا: التعامل مع الفساد الجماعي، باعتباره معرقلا لتقدم، وتطور الجماعة الترابية، كجماعة تهم الشأن العام، والشأن الإعلامي، الذي يتتبعه الإعلام الهادف، ويجرمه، إذا حاد عن الطريق الصحيح، حرصا على الجماعة، والدفع بها، من أجل التخلص من كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل تحويل جماعاتنا الترابية، إلى جماعات بدون فساد.

أي ـ وتقتحم جماعاتنا الترابية، مجالات التقدم، والتطور، في أفق تقدم الشعب المغربي، وتطوره، من خلال العمل على انتفاء كل أشكال الفساد، من ملفات الجماعات الترابية: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، إذا كان المسؤولون يحرصون على سلامة وطننا من الفساد، بالإضافة إلى الحرص على انتفاء الفساد، من مختلف إدارات الدولة، سواء كان هذا الفساد، ذو طبيعة اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية، لإفساد إدارة الدولة، ولا ينفى الفساد الجماعي، بقدر ما يعمل على تنميته، وإشاعته في المجتمع، وجعل المواطنات، والمواطنين، يمارسن، ويمارسون الفساد، تجاه إدارة الدولة، وتجاه الإدارة الجماعية.

ونحن عندما نمارس الفساد، مع إدارة الدولة، ومع الجماعات الترابية، ومع الإدارة الجماعية، فإننا نجد أنه: ليس من حقنا أن نطالب بوضع حد للفساد، وليس من حقنا، أن نشتكي من شيوع الفساد، في إدارات الدولة، وفي الجماعات الترابية، وفي الإدارات الجماعية؛ لأننا نعتبر مواطنين فاسدين.

وأي مواطن، لا يمكنه أن يؤكد وطنيته، إلا بالامتناع عن الفساد، حتى وإن كان في غير صالح المواطنين، الممتنعين عن ممارسة الفساد، برفع شأن المواطن، كما يرفع شأن الوطن، كما يرفع شأن إدارة الدولة، كما يرفع شأن الجماعة، كما يرفع شأن الإدارة الجماعية، خاصة، وأن السمعة الطيبة للمواطن، ولإدارة الدولة، وللجماعة، وللإدارة الجماعية، أفضل بكثير مما عليه واقعنا.

بي ـ ويمكن أن نعتبر: أن اهتمام جماعاتنا الترابية، بمجالات التقدم، والتطور، هو اقتحام للشعب المغربي، لكل المجالات، حتى يصير متقدما، ومتطورا. وفي أفق ذلك، لا بد من العمل على جعل الوعي المتقدم، والمتطور، بأهمية الاهتمام بتقدم جماعاتنا الترابية، وبتطورها، على المستوى الوطني؛ لأن تقدمها، وتطورها اقتصاديا واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، هو تقدم، وتطور للوطن ككل، وحرص، أكيد، على تقدم الإنسان المغربي، كأفراد وكجماعات، على المستوى العلمي، والأدبي، والمعرفي، والفلسفي، وكجماعات، على المستوى الجماعي، حتى ينعكس ذلك على تقدم الشعب المغربي، وتطوره، ليصير الوطن المغربي ككل، متقدما، ومتطورا، ولتصير الدولة المغربية، متقدمة، ومتطورة.

ومفهوم التقدم، والتطور، يتجسد في انتفاء الفساد، في فكر، وفي ممارسة الأفراد، والجماعات، مما يجعل جميع المجالات المغربية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، خالية من كل أشكال الفساد، لسبب واحد، وهو أن انتفاء الفساد من الفكر، يجعله منتفيا من الممارسة، نظرا لكون الفكر يوجه الممارسة. فإذا كان الفكر فاسدا، فإن الممارسة، لا بد أن تكون فاسدة، وإذا كان الفكر بعيدا عن الفساد، فإن الممارسة تكون خالية من الفساد.

ومشكلتنا: أن معظم المغاربة، لا يفكرون إلا في الفساد، مهما كان نوعه. وعندما تكون هناك انتخابات، نجد أنهم لا يفكرون إلا في الفساد الانتخابي، والفساد الانتخابي، يقتضي أن يتحول الناخب، إلى عارض لضميره، على رصيف الانتخابات، ليشتريه سماسرة الانتخابات، أو تجار ضمائر الناخبين، لإعادة بيعها، إلى المرشحين، الذين يراهنون على شراء ضمائر الناخبين.

وإنتاج الفساد الانتخابي، لا يختلف عن إنتاج بقية أشكال الفساد الأخرى، الشائعة في المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة للتجارة في الممنوعات، ومنح امتيازات الريع المخزني، والتهريب من، وإلى المغرب، إلى غير ذلك من أنواع الفساد، التي لا تعبر إلا عن انعدام الوعي بخطورة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

جي ـ ومعلوم، أن تقدم الشعب المغربي، وتطوره، يعتبر تقدما، وتطورا للوطن المغربي، وللدولة المغربية، على المستوى العالمي؛ لأن تقدم الشعب، وتطوره، لا يعني إلا أن جميع أفراد الشعب، أصبحوا واعين بخطورة كل أنواع الفساد، التي تسيء إلى الإنسان، وإلى الجماعات الترابية، وإلى الشعب المغربي، وإلى الوطن المغربي، وإلى الدولة المغربية، إلى الحضارة الإنسانية على المستوى العالمي. وهو ما يجعلنا ندرك: أهمية الوعي بخطورة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من منطلق: أن هذه الأنواع من الفساد، هي التي وقفت، وتقف وراء تخلفنا الاقتصادي، وتخلفنا الاجتماعي، وتخلفنا الثقافي، وتخلفنا السياسي، مما يحول دون اقتحامنا أبواب التاريخ، من أجل الفعل فيه، ومن أجل اعتبارنا مساهمين في عملية البناء الهادف، الذي لا نستطيع تجاوزه، حتى نحتل مكانتنا التاريخية، التي تجعلنا حاضرين، في مختلف المنتديات، كتاريخ، وكواقع متقدم، ومتطور، يجعل من المغرب دولة تستحق الذكر، وتستحق الاطمئنان إليها، وتستحق الاعتزاز، والافتخار بها.

غير أن المسؤولين عن المغرب، في مستوياتهم المختلفة، لا يهمهم أن يكون المغرب كذلك، وأن تكون دولته كذلك، بمن فيهم مسؤولو الجماعات الترابية، الذين يساهمون، بنهبهم لثروات هذه الجماعات، في تخلف هذه الجماعات، وفي تخلف المغرب.