المهمشون


حسن مدن
2021 / 9 / 9 - 14:41     

لم يكن محمد البوعزيزي عاملاً في مصنع، ولا منتسباً إلى البلدية أو أي إدارة حكومية أخرى، كان صاحب عربة يبيع عليها الخضار، أي أنه ينتمي إلى تلك الفئة التي تصنف عادة بالمهمشين، الذين تعج بهم المدن والبلدات العربية، وفي أغلبيتهم نازحون من الأرياف حيث تنعدم فرص العمل، نحو المدن المأزومة أساساً، والعاجزة عن استيعابهم في وظائف أو مهن، ف"يخترعون" لأنفسهم أعمالاً لنيل الرزق، من قبيل تلك التي كان البوعزيزي يمارسها .
ما يطلق عليه العشوائيات في مصر، وأحزمة الفقر التي تشكلت حول العواصم والمدن العربية، وتضخم عدد القاطنين فيها، حتى بات يضاهي عدد سكان المدن الأصليين، الضاحية الجنوبية في بيروت وما يعرف بأرياف دمشق وحلب وغيرها، هي نتاج الهجرات الواسعة التي تفرضها الظروف المعيشية الخانقة، أو الحروب الأهلية، وربما الكوارث الطبيعية، فالكثير من أحياء مدينة سيدي بوزيد التونسية شهدت حركة تعمير من قبل النازحين من الأرياف المجاورة على أثر فيضانات جرت في نهاية ستينات القرن الماضي .
المشتغل على التركيبة السكانية والاصطفافات الطبقية في المجتمعات العربية قد يتيسر له، ولو بعناء، الحصول على إحصاءات تقريبية عن عدد عمال المصانع، وأصحاب الورش والحرفيين، وعن عدد العاملين في القطاع العام، وموظفي الحكومة، لكنه لن يتمكن من الحصول على بيانات عن هؤلاء الموصوفين بالمهمشين، لأن هذه البيانات غير متيسرة حتى لدى الأجهزة الحكومية المعنية، فهم يقعون خارج أي تصنيف معترف به للوظائف والمهن، رغم أن أعدادهم مهولة، وتشكل بيئة للانفجارات الاجتماعية، وأرضاً خصبة للتطرف .
بعض الدراسات التي عالجت التحولات الاجتماعية - الاقتصادية في العالم العربي تتحدث عن ظاهرة يطلق عليها الاقتصاد اللاشكلي، والمقصود به الأنشطة الاقتصادية الواقعة خارج أو على هامش القوانين المعتمدة والتصنيفات الكلاسيكية، والتي تفلت من إمكانية حصرها إحصائياً .
ومع أن مفهوم الاقتصاد اللاشكلي واسع بحيث يشمل أنشطة غير اقتصادية لكنها موجهة لغايات اقتصادية من قبيل اقتصاد الفساد، لكنه يحتوي أيضاً الفئات المهمشة موضوع الحديث التي تُجبرها الحياة على تدبر أمورها المعيشية بطريقة لا تخلو من الفطنة والنباهة، لكنها تظل عاجزة عن بلوغ المراتب التي ينظمها الاقتصاد المعترف به، والداخل في التصنيفات والاحصاءات .
لكي نفهم بصورة أفضل فوضانا العربية الراهنة، علينا أن نفتش عن الأسباب ليس فيما يعترف به، وإنما فيما لا يعترف به أيضاً .