القطاع الاقتصادي غير المنظم في فلسطين أو ما يطلق عليه اقتصاد الظل او الاقتصاد الخفي


غازي الصوراني
2021 / 9 / 8 - 20:16     


(المصدر: كتاب غازي الصوراني " اقتصاد قطاع غزة تحت الحصار والانقسام" -الطبعة الأولى فبراير2019 غزة - الطبعة الثانية عمان الأردن – مارس 2019)
الاقتصاد غير المنظم هو الاقتصاد المقابل للاقتصاد المنظور أو المعلوم، ويوجد العديد من التسميات له والتي من بينها مسميات الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد غير المنظم، أو الاقتصاد المغمور، أو اقتصاد الظل، أو أو الاقتصاد الثاني، أو الاقتصاد غير المسجل او المرخص رسمياً.
مفهوم القطاع غير الرسمي (المنظم):
تميز استخدام مصطلح " القطاع غير الرسمي" بقدر كبير من عدم الدقة في البداية، وما زال حتى الآن يثير إشكاليات في التمييز بينه وبين مصطلح "القطاع الرسمي". وقد ارتبط مفهوم القطاع غير الرسمي منذ نشأته بالحضر، واعتبر ظاهرة مقترنة بارتفاع معدل التحضر، وفي بعض الأحوال يعبر المصطلح عن أصحاب المهن ذات الإنتاجية و/ أو الأجر المنخفض، والمهاجرين من الريف إلى المدن، على اعتبار أن أكثرهم قد لا يوفق في الحصول على فرصة عمل في القطاع الرسمي( ).
توسع قطاع العمل غير المنظم:
"يشهد توسعا متواصلا ليرى البعض فيه ميزات إيجابية، كونه يسهم في التخفيف من البطالة، في حين ينتقد آخرون فكرة عدم وجود غطاء حمائي المتمثل بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لمن يعمل تحت مظلة هذا القطاع( ) . كذلك توسع القطاع غير المنظم ليشمل مختلف الأعمال الزراعية المنزلية، والصيانة، والخدمات المختلفة مثل النقل والوساطات التجارية والعقارية، والتجارة غير المنظمة، مثل البيع على الأرصفة والباعة المتجولين، والتعليم الخصوصي، وكذلك أفراد العائلة من العاملين بدون أجر، والبرمجة وتصميم المواقع الالكترونية، وصيانة أجهزة الحاسوب والتصوير وأجهزة الستلايت وغيرها التي لا تتم من خلال وحدات اقتصادية (مؤسسات) مسجلة لدى الجهات الحكومية الرسمية. ويمثل القطاع غير الرسمي المصدر الأول لامتصاص الداخلين الجدد في سوق العمل من الشباب في الدول العربية
وفي هذا السياق فإن المنشآت غير المنظمة هي تلك التي تفتقر للسجلات الضريبية، أما إنتاجها فيباع جزء منه على الأقل في السوق. أما العمالة غير المنظمة فتعرف على أنها جميع العاملين في المنشآت في القطاع غير المنظم. وهم الذين لا يتمتعون بجميع المزايا العمالية التي فرضها القانون الفلسطيني مثل الإجازات المرضية والسنوية مدفوعة الأجر.
ويعمل القطاع غير المنظم بشكل مواز مع الاقتصاد المنظم وتستفيد منه بعض القطاعات المنظمة والمستهلكون لخفض التكلفة والأسعار، وتستفيد منه العمالة التي خرجت من القطاع المنظم أو تنخفض أجورها أو لا تستطيع العمل فيه للحصول على دخول تمكنها من مواجهة تكاليف الحياة وتأمين لقمة عيش لأسرها.
وتحاول اقتصادات متعددة التحكم بالاقتصاد غير المنظم من خلال وضع العقوبات والتنمية والتعليم والتوعية، بينما يرى كثير من المختصين أفضلية استغلال وتدعيم أدواره الإيجابية في مجالي النمو وتوظيف العمالة ومحاربة الفقر. ويعتمد هذا المفهوم على ازدواجية النشاط الاقتصادي في بلدان العالم الثالث، وانقسام اقتصادياتها إلى قطاعين: قطاع رسمي، وآخر غير رسمي .

ويشمل الاقتصاد غير الرسمي قسمين مختلفين، هما .:
1- قطاع المشروعات الصغيرة: وهو الجانب المنتج من الاقتصاد غير الرسمي، وهو أيضا القطاع الذي يستجيب للسياسات الاقتصادية، ويمثل نحو 25% من الاقتصاد غير الرسمي. وتشير التجارب الدولية إلى أن القطاع المنتج من الاقتصاد غير الرسمي يتمتع بقدرة كبيرة على امتصاص أعداد كبيرة من قوة العمل، كما يلبي احتياجات فئات الدخل المنخفضة.
2- قطاع العمل العشوائي: ويمثل استراتيجيات البقاء للفقراء، ويمثل حوالي 75% من الاقتصاد غير الرسمي، ويجب العناية به في إطار استراتيجيات محاربة الفقر، عن طريق التحويلات المباشرة.
وعلى هذا يرى البعض أن أنشطة القطاع غير الرسمي ليست مجموعة الأنشطة الطفيلية أو الهامشية أو غير المشروعة، بل أنها مجموعة من الأنشطة الاقتصادية النامية، التي تبدو واضحة في مجالات عديدة، مثل: صناعات الملابس، والأخشاب، وخدمات الإصلاح، وقطاع البناء والتشييد، وغير ذلك من المجالات الصناعية، والتجارية، والخدمية. ولا يعني ذلك استبعاد النشاطات الطفيلية أو الهامشية أو الخفية من القطاع غير الرسمي.
في الوقت الذي تنشط حركة العاملين في القطاع غير الرسمي في العالم للدفاع عن حقوقها، فثمة غياب عربي ملحوظ عن هذه المنظمات؛ وذلك لأسباب عديدة، منها: ضعف حركة المجتمع المدني وطغيان الدولة وعرقلتها أحيانا لهذه الحركة، علاوة على تدني الثقافة لدى شريحة العاملين في القطاع غير الرسمي ذاتها وانغلاقها على همومها المحلية دون الانفتاح على الحركات العالمية.
وتراوحت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بين 30% - 40% للعديد من البلدان النامية، وبازدياد حجم القطاع غير المنظم، ظهر العديد من الدراسات التي تناولت تأثيره الاقتصادي، حيث تشير الأدبيات الاقتصادية، غالباً، إلى حجم البطالة الواسع، وتزايد نسبة الفقر والفقر المدقع التي فرضت ظروفاً قاهرة على آلاف أرباب الأسر الفلسطينية عموما وفي قطاع غزة خصوصاً، اللجوء إلى هذا النمط من الاقتصاد غير المنظم المنتشر عبر آلاف المهن الفردية كالباعة المتجولين للعديد من السلع والملابس والخضار وغير ذلك، إلى جانب العاملين في قطاع النقل والمواصلات والإنشاءات غير المنظمة، وكل ذلك ارتبط بالمشاكل التنموية والاحتياجات التي تلبي الحد الأدنى من متطلبات الأسر الفقيرة.
انتشر الاقتصاد غير المنظم في الاقتصاد الفلسطيني بصورة كبيرة نتيجة للظروف السياسية التي مر بها الاقتصاد عموماً، ونتيجة مباشرة للانقسام الذي جرى منذ 14 عاماً وأدى إلى المزيد من أوضاع ومظاهر الركود وتزايد انتشار البطالة والفقر، الامر الذي دفع اتساع مساحة الاقتصاد غير المنظم في قطاع غزة خصوصا، حيث لجأت الأسر الفلسطينية لفتح المشاريع الاسرية المدرة للدخل والمشاريع الصغيرة إما بدعم من الأهل أو من خلال الاقتراض لتلك المشاريع الصغيرة التي تحتاج لرأسمال صغير من أجل توفير مصدر دخل ثابت، رغم انتشار كثير من المشاريع المتشابهة كالماركات أو محلات الحلويات أو الأدوات المنزلية وغيرها.
كذلك لا بد من الإشارة إلى القرار الخاطىء للسلطة الفلسطينية الذي طالب موظفي القطاع بعدم الالتحاق بوظائفهم في غالبية مؤسسات السلطة في القطاع، بذريعة حصار حركة حماس، مما دفع نسبة عالية منهم للبحث عن أعمال إضافية أخرى في إطار الاقتصاد غير المنظم، ثم تفاقم الأمر بقرار السلطة الفلسطينية إحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد المبكر، وترافق مع ذلك القرار تخفيض رواتب جميع موظفي السلطة في قطاع غزة بنسبة 50%، الأمر الذي فاقم بدرجات خطيرة من أوضاع ومظاهر العوز والفقر المدقع في أوساط الموظفين وعائلاتهم، ومن ثم اضطرارهم إلى دخول سوق العمل غير المنظم عموما ودخول بعضهم إلى المشاركة الإكراهية في إطار الإطار الخفي أو الأسود المرتبط بالعديد من الاعمال غير المشروعة.
وعلى الرغم من كل ما تقدم، لا يجب أن يغيب عن تحليلنا للأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة وما نتج عنها من مظاهر البطالة والفقر وغير ذلك، يعود السبب الرئيسي إلى الحصار والعدوان الصهيوني المتصل طوال العقود الماضية عموما، وسنوات الانقسام بشكل خاص.
وفي هذا السياق أشير إلى أن القطاع غير المنظم في الأراضي الفلسطينية يحتل موقعًا متميزًا من حيث حجم الأنشطة التي تمارس في إطاره، واستيعابه لعدد كبير من الأيدي العاملة، بالإضافة إلى المرونة العالية التي يتميز بها، والتي تؤهله للتكيف والاستجابة مع الظروف والمتغيرات التي تطرأ عليه
بلغ عدد المنشآت غير المنظمة في الاقتصاد الفلسطيني 62,493 منشأة عام 2008. وتشكل نسبة 49.7% من إجمالي عدد المنشآت، وتتوزع هذه النسبة بنسبة 45% في الضفة الغربية و 66% في قطاع غزة. وأن الغالبية العظمى من مالكي هذه المنشآت يعملون لحسابهم الخاص بنسبة 86%، وتمتلك الإناث نسبة 13.6% من المنشآت غير المنظمة مقابل 9.4% مملوكة للإناث في القطاع المنظم. كذلك بالنسبة للتعليم فإن غالبية مالكي المنشآت غير المنظمة أقل تعليماً، إذ بلغت نسبة الحاصلين على تعليم عالي 10% مقابل 21% في القطاع المنظم(. أما بخصوص حجم المنشآت، تعتبر المنشآت غير المنظمة أصغر حجماً ، حيث 60% منها تشغل عاملاً واحد، مقابل 42% في المنشآت المنظمة. أما تلك التي تشغل خمسة عمال فأكثر فتشكل حوالي 7% من مجمل المنشآت غير المنظمة، مقابل 17% في المنشآت المنظمة.
وفيما يتعلق بتوزيع المنشآت حسب النشاط الاقتصادي، توجد اختلافات واضحة بين القطاع المنظم وغير المنظم. إذ يضم القطاع الزراعي حوالي 23% من إجمالي المنشآت غير المنظمة، مقابل 2% من المنشآت المنظمة. وبذلك تشكل المنشآت الزراعية غير المنظمة ما نسبته 95% من إجمالي المنشآت الزراعية. كذلك تعتبر غالبية المنشآت العاملة في قطاع البناء هي منشآت غير منظمة، حيث تشكل المنشآت غير المنظمة ما نسبته 77% من إجمالي المنشآت في قطاع البناء. فيما بلغت نسبة المنشآت غير المنظمة في قطاع المواصلات، التخزين، والاتصالات نحو 5% فقط. أما بالنسبة لباقي النشاطات الاقتصادية (صناعة، وتجارة وفنادق ومطاعم، وخدمات أخرى) فتقارب فيها نسب توزيع المنشآت من حيث كونها منظمة أو غير منظمة إلى حد كبير.
أما بالنسبة لخصائص العاملين في المنشآت غير المنظمة، "بلغ عدد العاملين في القطاع غير المنظم 152,262 عامل ويمثلون حوالي 36.35% من مجموع العاملين في القطاع الخاص. كذلك تبين أن ثلثي العاملين في القطاع غير المنظم أي بنسبة 66.5% هم أعضاء أسرة غير مدفوعي الأجر، بينما شكلت هذه الشريحة 6% فقط من العاملين في القطاع المنظم. ومن حيث النوع الاجتماعي، بينت الدراسة أن نسبة الإناث العاملات في القطاع غير المنظم بلغت 40% مقابل 19% من النساء يعملن في القطاع المنظم".
وبخصوص مستوى التحصيل العلمي، تشكل نسبة العاملين الذين حصلوا على تعليم عالي في القطاع غير المنظم 17.5% من إجمالي العاملين فيه، مقابل 29% من إجمالي العاملين في القطاع المنظم. أما نسبة العاملين في القطاع غير المنظم من الحاصلين على تعليم أقل من المستوى الثانوي فقد بلغت 70% من إجمالي العاملين فيه، مقابل 55% في القطاع المنظم. أما بالنسبة لأجور العاملين، فقد أظهرت النتائج أن معدل الأجر اليومي للعاملين في المنشآت غير المنظمة أقل بنسة 27% عن معدل أجور العاملين في المنشآت المنظمة.
كذلك فإن غالبية مالكي المنشآت غير المنظمة 57% يعتمدون في تمويلهم على المدخرات الشخصية، إضافة إلى ذلك فإن 23% يعتمدون على قروض شخصية بدون فوائد، والتي يكون مصدرها عادة الأهل أو الأصدقاء. أما من يقترضون من البنوك، فلم تتجاوز نسبتهم 1% من أصحاب المنشآت. هذا وقد أفاد معظم هؤلاء أن الحصول على تمويل يعد أحد التحديات التي تواجههم.
مشاكل القطاع غير المنظم:
تمثل مشكلة هذا القطاع، أن العاملين فيه يفتقرون إلى الحدود الدنيا من الحقوق العمالية الأساسية، ويصنفون ضمن الفئات "الأشد فقراً بين العاملين بأجر". ويلاحظ الاتساع الدائم لهذا النوع من الأعمال بسبب انتشار واتساع رقعة الفقر، وتزايد معدلات النمو السكاني، البالغة (3.5%)، إلى جانب ضعف مستوى التدريب والتأهيل للعاملين، والتطورات التقنية المتسارعة التي تمكن العاملين من العمل من منازلهم.
ويتعرض غالبية العاملين في القطاع غير المنظم لانتهاكات شديدة في شروط العمل، ولا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويحوله إلى استقرار هش، ويمكن أن ينفجر في أي لحظة. ومن جانب آخر، تعد القطاعات غير المنظمة من فئة المتهربة ضريبيا، ولا ينعكس توسعها على الإيرادات العامة للبلد.
وكلما كبر حجم هذا القطاع ازدادت آثاره السلبية والمتمثلة في حرمان الخزينة العامة من موارد اصيلة من ضرائب ورسوم تسجيل، وغياب ضبط جودة المنتجات والخدمات التي تقدم للمجتمع لأنها ببساطة خارج قوانين وإجراءات السوق الرسمية، ثم حجم الأضرار التي تلحق بصغار العاملين الذين عادة يحرمون من حقهم في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وغيره من تأمينات وحقوق عمالية ومن الحماية القانونية بشكل عام، وعلينا أن نتصور حجم هذا الضرر حينما يقفز هذا القطاع ويقارب نصف الاقتصاد الكلي.
وتذهب أضرار اتساع القطاع غير المنظم أبعد من الحقوق العامة، إلى حقوق المجتمع والأفراد ومتلقي الخدمات، من الشكوى من أداء بعض المهن ورداءة بعض الخدمات المهنية التي تقدم، وعدم وجود ضابط أخلاقي ولا قانوني لها مثل بعض أعمال الإنشاءات الصغيرة، الأعمال المدنية، أعمال الصيانة في المنازل وغيرها من صناعات وأشغال صغيرة في الأغلب ما يجعل من الصعب الرقابة عليها، في الوقت الذي تعد معظم المهن في هذا القطاع مفتوحة ولا يوجد معايير تضبط من يمتهنها.
مقترحات لتطوير المنشأت العاملة في القطاع غير المنظم:
1. دعوة الجهات البحثية ذات الصلة لوضع تعريف ومعايير موحدة للقطاع غير المنظم، بما ينسجم مع التعاريف والمعايير الدولية.
2. دعوة الجهاز المركزي للإحصاء إلى تضمين استمارات التعداد العام للسكان لأسئلة يمكن استخدامها في توفير قاعدة بيانات أساسية عن هذا القطاع.
3. دعوة كافة الجهات المهتمة بتوفير الإحصاءات مثل: وزارة الاقتصاد الوطني والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني ووزارة المالية ووزارة الزراعة، ووزارة العمل إلى البدء بتوفير البيانات وزيادة الاهتمام بهذا القطاع.
4. تطوير سياسات "التعاقد من الباطن" مع القطاع الرسمي؛ إذ أنه من أهم الأدوات المتاحة لتطوير المكون الإنتاجي للقطاع غير المنظم تشجيع عمليات "التعاقد من الباطن"، بين وحدات القطاع المنظم (الخاص والعام) وبين وحدات القطاع غير المنظم، خاصة المنشآت الصناعية الصغيرة وورش الإصلاح والصيانة الصغيرة. ويمكن أن تلعب غرف التجارة والصناعة دوراً ملموساً في ذلك.
5. الاهتمام بتطوير الصناعات اليدوية والحرفية، وخاصة التي لها طاقة تصديرية في المستقبل، مثل: مشغولات المعادن الحرفية، والمنتجات الجلدية، والملبوسات التراثية والمطرزات.
6. تسهيل استخراج تراخيص مزاولة النشاط، خصوصا لأصحاب الأنشطة العاملة خارج المنشآت (المتجولين). والاستمرار في إقامة أسواق شعبية لتجميع الباعة المتجولين في أماكن يسهل وصول المستهلكين إليها.
7. ومن أجل تقليص حجم القطاع غير المنظم، يجب تحفيز المنشآت غير المنظمة للانضمام إلى القطاع المنظم عن طريق تذليل التحديات أو المصاعب التي تواجه تلك المنشآت.

ظاهرة الإقتصاد الخفي:
الاقتصاد الخفي أو اقتصاد الظل هو اقتصاد متنوع الأشكال، لكنه يعمل وفق مبدأ واحد هو مبدأ (السرية أو اللاعلنية)، متعدد الغايات لكنه ذو نزعة اقتصادية، توجد به كافة أشكال العلاقات الاقتصادية من (بيع وشراء - دائنية ومديونية - ربح وخسارة - تعاملات نقدية ومقايضة - بيع بالآجل وفوري.. إلخ)، وتوجد فيه كل أنواع الفساد والجريمة. وبأغلبه يعتمد على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ويتضمن أكثر أشكال التبادل قدماً (المقايضة) وأكثرها حداثة (التجارة الالكترونية)، ومن أبسط السلع (قوة العمل) إلى أكثرها تعقيداً (مخدرات وأسلحة)، إنه مجال خصب للغنى الفاحش والفقر المدقع، يضم شرائح متعددة سواء من حيث (العمر - الوضع الاجتماعي - الحالة التعليمية.. إلخ) يتواجد في كل الأنظمة (اشتراكية) أم (رأسمالية) أو ما بينهما، يعمل بمبدأ (أكبر ربح ممكن أو أقل خسارة ممكنة).
اقتصاد الظل أو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الأسود، أسماء عديدة لمفهوم واحد ازداد الاهتمام به كثيراً في السنوات الأخيرة، من أمثلته موظف في جهة ما يقود سيارة أجرة بعد العمل الأصلي علي سبيل العمل الإضافي‏,‏ وسباك يقوم بإصلاح ماسورة مياه تالفة لعميل ويحصل علي أتعابه نقداً لكنه لا يقر بهذا الإيراد لجهة الضرائب‏,‏ ومدرس يقوم بإعطاء دروس خصوصية ولا يقر بذلك لجهة تحصيل الضرائب كلها أمثلة للاقتصاد الغير رسمي أو اقتصاد الظل‏( ). ومن الأمثلة على الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة أيضا وغير النظيفة في الوقت ذاته والتي تدخل تحت مسمى الاقتصاد الخفي: تجارة المخدرات وتجارة السلع المسروقة والسلع المهربة ولعب القمار وتهريب البشر بين الدول والرشاوى والاختلاسات وكافة صور الفساد المالي التي تؤدي إلى كسب المال بطرق غير مشروعة واختفائه من القيود المحاسبية في القطاعين العام والخاص، والمقايضات غير الرسمية وغير المشروعة بالسلع والخدمات والمصالح والمنافع التي تقود إلى الفساد الإداري والمالي .
ويشمل اقتصاد الظل أنشطة اقتصادية مشروعة ونظيفة ولا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة مثل كافة الأعمال المنزلية التي يقوم بها أفراد الأسرة الواحدة أو بمساعدة جيرانهم وأقربائهم في المناسبات المختلفة وهي التي لا يتم تسويقها بل يتم استهلاكها داخل المنزل مثل طهي الطعام وتنظيف الملابس وتنظيف المنزل والعناية بالحدائق المنزلية وأعمال الصيانة الخفيفة للمنزل أو لبعض الأجهزة والأدوات.
اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي يندرج تحت سقفه نوعان يرفعان هذا الشعار:
- النوع الأول يتعامل بسلع أو يقدم خدمات مسموحاً بها مثل ورشة غير مسجلة، نجار لا يحمل رخصة من الجهة المختصة، مدرس يعطي دروسا خصوصية دون علم الجهات المسؤولة وهو يسمى الاقتصاد غير الرسمي.
- أما النوع الثاني فيقدم خدمات أو يتاجر في سلع غير مشروعة قانوناً مثل تجارة الأسلحة، الرشاوي، تجارة الأعضاء البشرية، التهرب الضريبي ويسمى الاقتصاد الأسود، أو المشين أو اقتصاد الجريمة.
وبغض النظر عن مسماه، هو يشمل كافة الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو المنشآت ولكن لا يتم إحصاؤها بشكل رسمي ولا تعرف الحكومات قيمتها الفعلية ولا تدخل في حسابات الدخل القومي ولا تخضع للنظام الضريبي ولا للرسوم ولا للنظام الإداري والتنظيمي.
وهنا بالطبع يبرز دور عمليات غسيل الأموال التي تستهدف تعظيم الثروات بشكل غير مشروع عن طريق إخفاء طبيعة وهوية الأموال المحصلة من أنشطة غير مشروعة لإدخالها ضمن الإطار المشروع.
أسباب تنامي ظاهرة الاقتصاد الخفي:
- يساهم التفاوت الكبير في الدخول وعدم تغطية أجور الشرائح المتوسطة والدنيا لمتطلبات المعيشة لأصحابها في تشجيعها على البحث عن وظائف إضافية لسد الحاجة أو اتخاذ النهج غير المشروع في تلقي رشاوي أو القيام بأنشطة مخالفة للقانون .
- غياب دور الحكومة فيما يتعلق بمعالجة حاسمة للفساد بكل أشكاله، وضعف تغطيتها لمراقبة حركة الأسعار ونقص السلع في الأسواق مما يشجع بعض الفئات على استغلال ذلك للقيام بدور تكميلي وتحقيق مكاسب طائلة خارج الإطار القانوني الرسمي للدولة.
- ضعف مخرجات التعليم يساهم في توسع هذا النوع من الاقتصاد، حيث إن تزايد أعداد الخريجين غير المؤهلين يعني عدم توافقهم مع متطلبات سوق العمل في وظائف جيدة، ومن ثم يكونون على استعداد للعمل في أنشطة أقل كفاءة لا تتبع أطراً تنظيمية خاضعة لمراقبة الحكومة.
- الأنظمة الضريبية غير العادلة هي التي تدفع الأفراد والمنشآت إلى البحث عن الحيل والطرق الملتوية للتهرب من الضرائب وتزوير الحسابات.
- تعقد الإجراءات الإدارية والتنظيمية وارتفاع الرسوم في أسواق العمل، إضافة لتعقد الإجراءات القضائية والأمنية في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية.
- ظهور الفساد الإداري والمالي لا شك يؤدي إلى ازدياد وتفاقم مشكلات الاقتصاد الخفي بكافة أشكاله .
- وجود البطالة المقنعة يؤدي إلى ظهور الاقتصاد الخفي.
دور التكنولوجيا في توسيع نطاقه:
ساهم التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا ووسائل الاتصال وتحويل الأموال عبر الانترنت، في توسيع نطاق الاقتصاد الموازي أو الخفي لا سيما مع تزايد السرقات التي تتم عبر الإنترنت.
وفي الوقت الذي توجد فيه قنوات شرعية معروفة عالمياً لتحويل الأموال، وعقد وإتمام الصفقات، تبقى هناك نوافذ لممارسة الأنشطة بأشكال غير مشروعة مثل النصب الالكتروني، ووجود شركات سمسرة وهمية للتجارة في العملات والعديد من الأصول والتي تستهدف جمع الأموال عن طريق الخداع.
خصائص اقتصاد الظل:
أمكننا طرح عدد من السمات الرئيسية التي تصفه وتُعد بمثابة خصائص له وهي:
- وجود الاقتصاد غير الرسمي بمثابة دليل على أن الاقتصاد الرسمي لم يعد يلبي طلب السكان المعنيين به.
- إن الاقتصاد الخفي ليس ظاهرة جديدة بل إنها توجد في كل العصور تقريباً، ولكنها أخذت تتعاظم في نهاية القرن التاسع عشر مع تجارة التبغ غير المشروعة وصناعة المشروبات الكحولية في أواسط القرن الماضي وتجارة المخدرات في القرن نفسه.
- إن طبيعة الاقتصاد غير الرسمي هلامية وصعوبة ضبط حدوده ووجود عدة عقبات أمام التعرف عليه وفي مقدمتها صعوبة الإعلام والاستعلام عنه وذلك بأنه عالم مغلق إلى حد كبير أمام مختلف وسائل الإعلام.
- إن نصيب الخيال في معالجته يكون في أغلب الأحيان أكبر من نصيب الواقع لأنه عالم عتيم وتنقصه الشفافية خاصة فيما يتعلق بموضوع الحسابات الذي يبقى في المنطقة المظلمة.
إن الاقتصاد الخفي هو أكثر إدراراً للربح من الاقتصاد الرسمي لذلك يلجأ إليه كثير من القوى العاملة.
- العاملون في الاقتصاد الخفي يتصفون بتدني مستوياتهم العلمية ، إذ أنه لا يوجد أي دور للشهادات والى مستويات التعليم أي لا يوجد ما يعيق التوظيف فيه إذ شمل جميع الطبقات من الشباب بغض النظر عن مستوياتهم العلمية.
الآثار الاقتصادية لاقتصاد الظل:
1- اقتصاد الظل يؤدي إلى تزايد معدل التهرب من دفع الضرائب والرسوم والغرامات حيث تفقد الحكومة إيرادات كبيرة تؤثر سلبياً على ميزانيتها العامة.
2- كلما ازداد معدل اقتصاد الظل على حساب الاقتصاد الفعلي ، الظاهر ، كلما أعطى معلومات وإحصائيات مضللة وغير دقيقة عن الإمكانيات الاقتصادية الحقيقية للمجتمع وأدى إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي ، وكذلك سوء إعادة توزيعه.
3- كما يؤثر اقتصاد الظل كثيرا ًعلى المجتمعات من الناحية الأخلاقية والاجتماعية التي من المفترض أن يعتمد التعامل بين كافة أفرادها على الوازع الديني والأخلاقي السليم النابع من ضمير الأفراد والرقابة الذاتية أولا.
4- اقتصاد الظل يعتبر مظهرا من مظاهر تخلف المجتمعات ، لأن من أهم سلبياته التي لا بد من التركيز عليها هي عملية هدر الموارد المادية و البشرية وسوء استغلالها . مما يؤدي إلى تفاقم معدلات البطالة ولجوء الأفراد إلى ممارسة أنشطة اقتصادية خفية غير سوية ، بسبب غياب الأنظمة الاقتصادية العادلة والسليمة التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة وحاجيات المجتمع الأساسية ، لا المصالح الخاصة والربح السريع.
وتقدر قيمة الاقتصاد الموازي بمصر بـ2.6 تريليون جنيه وهو يساوي حوالي خمسة أضعاف جملة الدخل القومي المصري، وأن الضرائب المستحقة على هذا القطاع لو تم إدراجها في الدخل القومي ستقدر بـ150 مليار جنيه، وهو قريب من العجز فى الموازنة العامة المصرية. وفي الجزائر يتراوح الحجم الكلي لأنشطة الاقتصاد الخفي ما بين 20% إلى 30% من الناتج المحلي، أما السعودية وصل حجم الاقتصاد الخفي إلى 549 مليار ريال أي ما يقارب خُمس إجمالي الناتج المحلي للمملكة حسب تقارير البنك الدولي لعام 2014 .
لذلك على الدول وضع خطة استراتجية طويلة المدى لمحاربة ظاهرة الاقتصاد الخفي من خلال تنمية الوعى الجماهيري بخطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع وأهمية الحاجة إلى تحجيم هذا الاقتصاد، من خلال معالجة الأسباب الكامنة وراء انتشار هذه الظاهرة من الناحية التشريعية والإجرائية كإدخال قوانين وإجراءات جديدة للتعامل مع الظاهرة مثل تخفيض أو على الأقل تثبيت مستويات الضرائب وتقليل اشتراكات التأمينات الاجتماعية وتغيير بعض قوانين العمل أو إلغائها، والتشدد في تطبيق العقوبات الموجودة أو إدخال إجراءات جديدة للحيلولة دون زيادة معدلات الاقتصاد الخفي، وكذلك زيادة أعداد المراقبين والمفتشين في هذا المجال بما يسمح بتقليل كافة أسباب انتشار هذا النوع من الاقتصاد لتفعيل أنشطة الاقتصاد الرسمي الذي يحقق التنمية والرخاء لكافة المجتمعات.