نتّحد حول ماذا وضمن أيّ أفق ؟

علي البعزاوي
2021 / 9 / 7 - 18:53     

إنّ اليساريين والتقدميين عموما وبقطع النظر عن تقديراتهم لما وقع يوم 25 جويلية أ كان انقلابا أم تصحيحا لوضع وصل مرحلة التعفن، يتفقون على فكرتين أساسيتين: الأولى عدم العودة إلى ما قبل 25 جويلية والثانية عدم الرجوع إلى ما قبل 14 جانفي.

إنّ هاتين الفكرتين يمكن أن تشكلا منطلقا وارضية لعمل مشترك مستقل عن كل الأطراف الرجعية والشعبوية داخل الحكم وخارجه بهدف رسم طريق جديد للخروج من الأزمة وتحقيق مطالب الثورة التي ناضل من أجلها الشعب التونسي وقدّم في سبيلها الشهداء والجرحى.

الفكرتان يمكن بلورتهما في جملة من المهمات التي يمكن المراكمة على طريق تحقيقها أخذا في الاعتبار حالة موازين القوى في هذه المرحلة من المسار الثوري. هذه المهمات الكبرى والأساسية تتمثل في تقديرنا في: السيادة الوطنية التي من دونها لا يمكن التقدم والرقي وبناء اقتصاد قوي قادر على ضمان العيش والكرامة للتونسيات والتونسيين. وتتمثّل أيضا في العدالة الاجتماعية، عدالة حقيقية بين الجهات والفئات، خاصة وأنّ الواقع يؤكد حدة التناقضات الطبقية وبروز أقلية تملك نسبة هائلة من الثروة وأغلبية ما فتئت تزداد فقرا وتهميشا تتعزز صفوفها كل يوم بوافدين جدد. وتتمثل أخيرا في معالجة الديمقراطية الناشئة التي أصابها طيلة العشر سنوات الأخيرة التعفن والتلوث بسبب المال السياسي الفاسد والتدخلات الخارجية فأضحت أحد أسباب الأزمة العامة إن لم نقل أهمها على الإطلاق.

في علاقة بالسّيادة الوطنيّة
نعتقد أنّ الوصول إلى هذا الهدف أي تحقيق الاستقلال الكامل والفعلي لتونس يتطلب سلسلة من المراكمات من خلال تحقيق جملة من المطالب التي يمكن أن تشكل عنوان نضال مشترك:
– مراجعة كل الاتفاقيات غير المتكافئة مثل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وكل القوانين التي مهدت لاتفاقية التبادل الحر والشامل مع الاتحاد الأوروبي (الأليكا) والمضمنة في مجلة الاستثمارات وفي قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص الخ… نراجع هذه الاتفاقيات من زاوية الدفاع عن مصالح الشعب التونسي كأولوية قصوى لا توفر حلول لازمات اقتصاد دول المركز على حساب الاقتصاد المحلي.
– رفض قانون استقلالية البنك المركزي وإعادة هذه المؤسسة إلى حضيرة الدولة باعتبارها رمزا للسيادة النقدية.
– فتح تحقيق في المديونية (audit ) منذ عهد بن علي إلى اليوم ورفض خلاص الديون الكريهة التي استفاد منها الكمبرادور الفاسد على حساب الشعب.
– مراجعة العلاقة مع صندوق النقد الدولي والتعويل على القدرات الذاتية لتمويل ميزانية الدولة واتخاذ قرارات للغرض (ضريبة استثنائية على الثروات الكبرى – خلاص مستحقات الدولة من المتهربين ضريبيا – اكتتاب وطني…)
– تأميم الثروات الوطنية (بترول فسفاط غاز ماء…) والتجارة الخارجية وتجارة الجملة ووضع حد للمضاربات والاحتكار.

في علاقة بالعدالة الاجتماعية
إنّ العدالة الاجتماعية في بعدها الاستراتيجي لا يمكن تحقيقها في ظل دولة الكمبرادور الحالية. لكن بالإمكان المراكمة على طريق فرضها وذلك بـ:
– توجيه المجهود التنموي نحو المناطق الداخلية والحدودية الأكثر فقرا بتدخل من الدولة تخطيطا وتمويلا وتشغيلا ومتابعة ومراقبة. الدولة مطالبة بالمبادرة ببعث المشارع الصناعية والفلاحية والمتعلقة بالبنية التحتية، مشاريع ذات قدرة إنتاجية وتشغيلية عالية يمكن أن تساهم في تخفيف حدة الفقر والحد من البطالة التي ما انفكت تستفحل في السنوات الأخيرة.

– تمكين المعطلين أصحاب الشهائد من مقاسم في الأراضي الدولية مع مرافقتهم لضمان نجاحهم في تطوير مشاريعهم.
– تمكين المعطلين من منحة بطالة مع الحق في العلاج المجاني وإسناد العائلات المعوزة وتوسيع دائرة المنتفعين بعد دراسة علمية للقدرة الشرائية.
– إقرار الضريبة التصاعدية على المداخيل ورقمنة الجباية للحد من الإفلات من الدفع
– ضبط الأسعار بما يتناسب مع معدلات الأجور ويحفظ القدرة الشرائية لعموم الشعب.
– تغيير العملة المحلية لإجبار الاقتصاد الموازي على الالتحاق بالاقتصاد المنظم.

في علاقة بالديمقراطية الشعبية
الواضح أنّ الديمقراطية الليبرالية الحالية تعفنت وأصبحت مصدرا لقلق التونسيات والتونسيين واضطرت فئات واسعة من الشباب لمقاطعة الشأن العام والبحث عن حلول أخرى خارجها وهو ما ساعد الرئيس قيس سعيد على اتخاذ جملة الإجراءات الاستثنائية الأخيرة التي وجدت مناخا ملائما للقبول والترحيب. هذه الديمقراطية بحاجة إلى مراجعة جذرية ليس بالعودة الى نقيضها أي الحكم الفردي والاستبداد مثلما كان في العهد النوفمبري بل بإصلاح وتوسيع هذه الديمقراطية وتجذيرها حتى تستوعب أبناء الشعب بمختلف طبقاتهم وفئاتهم. وللوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة لابد من تحقيق جملة من المكاسب الجزئية التي يمكنها المساعدة على تحقيق الهدف:

– حماية المكتسبات الحالية في مجال الحقوق والحريات (حرية التعبير والنشاط والانتظام …) والعمل على تعميقها وتوسيعها.
– مراجعة القانون الانتخابي بما يتيح لكل الفئات الشعبية التمثل في المجالس والهيئات المنتخبة (عمال – فلاحين – شباب – نساء – حرفيين – موظفين…) على قاعدة كوتا لكل فئة وحذف العتبة واعتماد التمثيل النسبي في الاقتراع وتكفل الدولة بمصاريف الحملات الانتخابية وتجريم المال السياسي الفاسد والإعلام المنحاز وتوظيف الدين في الصراع السياسي …

– إعادة النظر في قانون الأحزاب والجمعيات ومنع التمويل الأجنبي
– تجذير الحكم المحلي وتمكينه من شروط النجاح والاستمرار حتى يلعب دوره التنموي الديمقراطي ويعيد الاعتبار للمشاركة المواطنية في الشأن العام.
إنّ هذه المطالب المباشرة يمكن أن تستقطب العديد من الأطراف الحزبية والمدنية الديمقراطية والتقدمية وتعبّئ العديد من الفئات والطبقات التي لها مصلحة في تحقيقها. وهي قادرة على أن تشكل حولها القطب المستقل الذي يمكن أن يلعب دور المنقذ من الأزمة العميقة والشاملة التي تهز البلاد والمجتمع.
كما أنّ تحقيق هذه المطالب وأخرى كثيرة يمكن الاتفاق عليها من شأنه أن يعبّد الطريق نحو تحقيق السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الأوسع، أي الديمقراطية الشعبية التي تفتح بدورها الطريق أمام تكريس أحد شعارات الثورة التونسية “السلطة للشعب”.