طالبان من جديد! وهزيمة أمريكا في أفغانستان


مؤيد احمد
2021 / 9 / 7 - 17:07     

طالبان من جديد!
وهزيمة أمريكا في أفغانستان

مع استيلاء حركة طالبان على كابل، عاصمة أفغانستان، يوم 15 آب 2021، وقعت سلطة البلاد من جديد في قبضة هذه الحركة، التي كانت قد سقطت قبل عشرين عاما نتيجة حرب أمريكا على أفغانستان واحتلالها لها، على خلفية الحرب الدائرة بين طالبان وأمريكا طيلة هذه السنوات.
علق الكثير من الصحفيين العالميين، ومن مختلف الاتجاهات السياسية والأيديولوجية، على انسحاب أمريكا بهذا الشكل السريع والمذل والسهولة التي بسطت طالبان سيطرتها بها وبدون مقاومة على كابل والهلع الذي خيم على آلاف الهاربين من البلاد المتوجهين الى مطار حميد كرزاي، كمظاهر لانهيار سيطرة ونفوذ الإمبريالية الغربية على العالم. وهو ما له ما يبرره، الى حد ما، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما حصل من تغييرات في التوازن بين القوى الإمبريالية العالمية خلال العقدين الماضيين. هذا، وان انهيار الحكومة الأفغانية وقواها المسلحة، وخلال أسابيع قليلة، وهروب رئيس جمهورية أفغانستان الإسلامية، أشرف غني، يشكل مشهدا آخرا من مشاهد هزيمة أمريكا التي كانت قد بنت آمالها على هذه الحكومة على الأقل لمقاومة طالبان وتوفير الوقت الكافي لانسحاب قواتها بأمان من البلاد.
وهكذا، نشهد في الوقت الحاضر، الصعود المجدد لحركة طالبان، تلك الحركة التي ارتكبت، و لا تزال، جرائم لا تحصى بحق الإنسانية وبحق المرأة والتي طبقت قبل الجميع الشريعة الإسلامية بحذافيرها لخنق المرأة ووفق أسلوب ومنهج القاعدة وداعش وسبقت داعش في ممارسة هذا القمع بحوالي عشرين سنة.
انبثقت طالبان في خضم الحرب الاهلية في أفغانستان، التي نشبت واستمرت بعد انهيار الكتلة السوفيتية وانسحاب قواتها من البلاد، وكنتيجة لتحولات حصلت في معسكر المجاهدين الإرهابيين الأفغان الذين تربوا في أحضان الهيئة الحاكمة الأمريكية وجهاز مخابراتها، سي. آي. أي، والدول المتحالفة معها، أو بالأحرى التابعة لها في المنطقة، مثل باكستان والسعودية، وذلك لتحقيق استراتيجيتهم في احتواء النفوذ السوفيتي هناك. كانت هذه السياسة والاستراتيجية الامريكية الداعمة للإرهاب الإسلامي هدية الإمبريالية الأمريكية المفضلة للمرأة في أفغانستان والمنطقة والتي يتباكى عليها الكثيرون الآن بعد انسحاب قواتها وبذريعة الدفاع عن حقوق وحريات المرأة.
لا شك، ان قمع المرأة وخنقها يكون ومنذ البدء ركنا محوريا ومركزيا في أجندة طالبان بالرغم من الادعاءات المخادعة والمواعظ الأخلاقية المزيفة لقسم من الأعلام الغربي والدولي و المتحدثين باسم المؤسسات الحاكمة في هذه البلدان والذين يريدون تجميل وجه طالبان ويقولون إنها ستتفهم الوضع الحالي في أفغانستان وستستفيد من تجاربها الماضية!.
إن التحول السياسي الحاصل في أفغانستان سيكون باعثا على إطلاق موجة جديدة أخرى من تصاعد الإرهاب الإسلامي وتفجيراته ومجازره، وموجة أخرى من بشاعات الإسلام السياسي ضد الجنس البشري النسوي وخنقها وإذلالها ليس في أفغانستان فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط برمتها ولسنوات عديدة قادمة. وهذا هو ما يمكن أن تنتظره المراة والجماهير التواقة الى الحرية والأمان في هذه المنطقة، فيما إذا استطاعت طالبان الاستمرار بالسلطة لفترة زمنية كافية، أو تدهورت الأوضاع في أفغانستان الى حرب أهلية وصراعات دموية فيما بين القوى الإسلامية الإرهابية المتنوعة.
إن الضمان الوحيد لمنع وقوع هذه السيناريوهات ليس باللجوء الى القوى الإمبريالية، أمريكا كانت او الصين أو روسيا، أو اللجوء الى الدول الإقليمية الاستبدادية والغارقة في الرجعية، مثل إيران أو السعودية او باكستان وغيرها، بل هو تنامي مقاومة ونضال الجماهير التحررية من العمال والكادحين والنساء وجميع المضطهدين وسائر من يتطلعون الى نيل حياة أكثر أمنا ورفاهية وسلاما في أفغانستان وبلدان المنطقة. إن انبثاق مد ثوري جديد في المنطقة وبسبب جملة عوامل موضوعية وذاتية امر محتمل وهذا هو الضمان للخروج من المأزق الحالي وسيكون دافعا قويا لتعزيز النضال التحرري في أفغانستان.
ان طالبان وداعش والقاعدة وغيرهم وبوصفهم قوى إسلامية إرهابية ظهروا الى المسرح السياسي على خلفية صعود الإسلام السياسي عموما منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي والهجوم الشرس للبرجوازية العالمية على كل ما هو اشتراكي وشيوعي وتحرري. لا يمكن إنهاء هذه الفترة من سيطرة الإسلام السياسي إلا بظهور ذلك النوع من المد الثوري على صعيد المنطقة، مد ثوري يوجه راس رمحه بالأساس ضد سلطات وتيارات الإسلام السياسي وضد البرجوازية الحاكمة بمختلف تلاوينها القومية والإسلامية والنيو ليبرالية وضد القوى الإمبريالية والإقليمية وتدخلاتها.

المغزى الفعلي لهزيمة أمريكا في أفغانستان
من حيث الظاهر يبدو ان ما جرى قبل عشرين عاما من احتلال امريكا لأفغانستان وهزيمتها الأخيرة، يشكلان دائرة كاملة، ويبدو كأن الأمور عادت الآن وببساطة الى ما كانت عليه في البدء أي تكاملت خطوط الدائرة ووصلت الى نقطة انطلاقها الأولى. غير ان الأمور لم تجر بهذا الشكل في العالم الواقعي، دع جانبا صعوبة وورطة إثبات وجود دوائر مغلقة كهذه في عالم السياسة والاستراتيجية العسكرية. ان الأحداث الأخيرة في أفغانستان ومنذ الأيام السابقة جرت في محيط وإطار العهد التاريخي الحالي، أي جرت في إطار وزمن التغييرات الحاصلة على المسرح السياسي والاقتصادي والعسكري للرأسمالية الإمبريالية العالمية وصراعاتها الجيو سياسية خلال عشرين سنة الماضية.
بقليل من التمعن، ندرك إن انسحاب أمريكا من أفغانستان هو الطور الأخير من عملية أوسع وأطول زمنيا بدأت مع تنفيذ استراتيجية الحرب على الإرهاب واحتلال أفغانستان، عام 2001، يرجع تاريخ هذا الانسحاب الى حيث بدأ نقيضها، أي الاحتلال العسكري للبلاد. وذلك لكون استراتيجية الحرب على الإرهاب حملت، بمعزل عن تصورات الهيئة الحاكمة عنها في أمريكا وأهدافها السياسية والعسكرية منها، تناقضات العهد التاريخي والتطورات الحاصلة في الرأسمالية الإمبريالية العالمية المعاصرة وتعدد أقطابها. إن هزيمة أمريكا في أفغانستان وانسحابها منها جزء من هزائمها في حروبها خلال قرن الواحد والعشرين في كل من أفغانستان والعراق وغيرها من الأماكن والإستراتيجية المسماة بـ "الحرب على الإرهاب". لقد كلفت هذه الحروب أمريكا عدة تريليونات من الدولارات، ولكنها لم تحقق لها الأهداف الاستراتيجية وجيو السياسية المتمثلة بتأمين تفوقها وتحكمها بمناطق نفوذ في منطقة الشرق الأوسط وفي أفغانستان بوجه رقبائها الإمبرياليين العالميين مثل الصين وروسيا، هذا عدا كونها حروبا غير متماثلة بوجه قوى إرهابية إسلامية ولم يكن ممكنا تحقيق الفوز فيها عن طريق التفوق العسكري والفني الصرف.
استطاعت أمريكا ان تسقط نظام البعث في العراق وحكم طالبان في أفغانستان عن طريق الحرب واستخدام قوات عسكرية هائلة وأحدث الأسلحة الفتاكة وعالية الدقة فيها، وان تؤسس حكومات مبنية على الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي الأمريكي والدولي لهما، غير إن ذلك لم يحقق إيجاد التغيير بشكل يضمن سيطرة أمريكا وبسط هيمنتها الإمبريالية ونفوذها الفكري والسياسي والعسكري على البلدين وعلى صعيد المنطقة بشكل ثابت. إن الأقطاب الإمبريالية العالمية وبالأخص الأقطاب الإقليمية المتعددة التي تحيط بالبلدين كانت هي الأخرى واقفة بالمرصاد لكي ترسم ملامح الدولة والنظام السياسي الذي أرسته أمريكا فيهما وبالأخص في العراق عن طريق شن الحروب بالوكالة وتقوية الإرهابيين من كل شاكلة ولون وتقوية الميليشيات المسلحة والتي حالت ومع جملة عوامل أخرى دون تأمين هذه السيطرة التامة لأمريكا بالأساس.
بالرغم من ان هزيمة أمريكا في أفغانستان لا تعني تخلي هذه الدولة الإمبريالية الكبيرة عن استخدام الحرب و العنف وآلتها العسكرية المدمرة في أماكن أخرى من العالم المعاصر لحسم الأمور لصالحها و لصالح الرأسمالية الإمبريالية الأمريكية في هذه المنطقة او تلك، في هذا البلد او ذاك و بأشكال مختلفة، غير إن هذا لا يغير من واقع كون الهزيمة هي هزيمة، بكل ما لها من تبعات سياسية وعسكرية و"نفسية" وما تحدثها من تغييرات في خارطة الصراع الجيو سياسي بين القوى الإمبريالية و الإقليمية، وما لها من انعكاسات داخل أمريكا نفسها وتأثيرات على الصراع الطبقي السياسي و الأيديولوجي الجاري فيها. ستبقى آثار هذه الهزيمة ولسنوات طويلة على جملة من السياسات والاستراتيجيات للطبقة الحاكمة في أمريكا وإداراتها المتتالية.

الدول الرأسمالية الإمبريالية المعاصرة وصراعاتها
ومناهضة الحرب
إن الرأسمالية الإمبريالية العالمية في عهد العولمة المعاصرة لا زالت تتطور وفق قانون التطور المتباين الاقتصادي للبلدان الرأسمالية المختلفة، وعلى هذا الأساس يحدث التطور المتباين للقدرات السياسية والعسكرية لهذه البلدان الرأسمالية وتبرز مراكز جديدة لتراكم راس المال العالمي (هذا هو ما استنتجه لينين كإحدى خصائص الرأسمالية الإمبريالية في عهده). هذه هي الأرضية والظروف التاريخية اليوم التي تحدد إمكانية تحقيق هذه الاستراتيجية العسكرية والسياسية او تلك من قبل هذه الدولة الإمبريالية او تلك وفي قلب هذا العالم المتخاصم والمتغير باضطراد.
لقد بدأت أمريكا حربها على الإرهاب سنة 2001بقصف قوى طالبان واحتلال أفغانستان ومن ثم وفي عام 2003 باحتلال العراق، وفي الوقت الحاضر تغيرت موازين القوى بين القوى الرأسمالية العالمية والأقطاب الاقتصادية. لم تعد أمريكا اليوم القطب الإمبريالي الأوحد في العالم ولا القدرة الخارقة العالمية الوحيدة، كما كان الحال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وذلك بالرغم من كونها لا زالت اقوى دولة عالميا اقتصاديا وعسكريا. هناك في العالم المعاصر الصين وهي دولة عظمى وقطب اقتصادي وعسكري هائل وهي الثانية بعد الولايات المتحدة، وهناك روسيا واقتدارها العسكري الهائل وأوروبا كقطب اقتصادي عالمي كبير. هذا عدا البرازيل والهند وجنوب افريقيا والكتل الاقتصادية والسياسية في جنوب شرق أسيا، وهناك أقطاب إقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا إيران والسعودية وتركيا والتي تتحكم بمصير الجماهير وبالأخص النساء في هذه المنطقة.
ان التطبيل للقوى الأمريكية واحتلالها للبلدان باسم الدفاع عن المرأة ونضالها ليس إلا خداع وإيهام الجماهير بهذه القوى الإمبريالية. ما يتحكم باستراتيجيات وسياسات هذه الدول الرأسمالية الإمبريالية هي مصالحها ومصالح صراعاتها العالمية، ولا علاقة لها ابدأ بما يتحقق من إصلاحات للمرأة أو نشر الديمقراطية والحرية أو إبعاد أخطار القوى الإرهابية عن الجماهير.
تاريخ العشرين سنة الماضية اثبت بوضوح مدى عقم النظريات التي كان يدافع عنها بعض من اليسار والمتمثلة بكون التدخل الإمبريالي الغربي العسكري يحقق "مهام إنسانية"، أو النظرية الأخرى التي اختارت السكوت حول الأهداف والمصالح الاستراتيجية الإمبريالية لأمريكا بذريعة الاستفادة التكتيكية من الأعمال العسكرية لحرب أمريكا على الإرهاب وطالبان وقصف أمريكا لأفغانستان ووصف ذلك بكونه يضرب أعداء الجماهير والمرأة في هذا البلد. هذا بالإضافة الى انتهازية التيارات السياسية البرجوازية القومية والليبرالية المعارضة في العراق او غيرها من البلدان التي كانت، ولا زالت، تدافع عن التدخل الأمريكي العسكري وعن حربها لتغيير الأنظمة الموجودة.
لم يكن انسحاب أمريكا من أفغانستان مشروطا بتحقيق أي إصلاح لصالح المرأة ولا لصالح الجماهير المحرومة في هذه البلاد. من المعلوم، إن الحروب الإمبريالية والتسلح والعسكرة للدول الرأسمالية الإمبريالية المعاصرة هي كلها استراتيجيات وسياسات وأعمال القوى الإمبريالية لتحقيق أهدافها ومصالحها لا غير، لذا من الضروري إن يقف اليساريون والاشتراكيون والطبقة العاملة ضدها بدون أي إبهام.
إن مناهضة الطبقة العاملة العالمية والحركة الاشتراكية العالمية واليسارية للحروب وتدخلات الدول الإمبريالية، هي حركة تحررية، فمن مهام الطبقة العاملة والاشتراكيين في جميع البلدان، ومن ضمنهم بلدان الشرق الأوسط توحيد النضال معهم. وفي الوقت نفسه من الضروري أن تسعى الطبقة العاملة والاشتراكيين في البلدان الإمبريالية لتوحيد نضالهم مع العمال والاشتراكيين والمرأة التحررية في بلدان الشرق الأوسط ضد الإسلام السياسي والأنظمة البرجوازية القومية الاستبدادية.
بعد عشرين سنة من احتلال أفغانستان وإسقاط طالبان أصبحت الإنسانية والمرأة مهددة من جديد، في ظروف وعهد آخر، باحتمالات صعود مد رجعي إسلامي آخر في منطقة الشرق الأوسط. فلا خيار للجماهير البروليتارية والكادحين وجميع الشيوعيين والتحررين سوى توحيد صفوف النضال من اجل مواجهة هذا المد، ولكن تطور هذا النضال مرهون في الوقت نفسه بالوقوف ضد الحروب الإمبريالية والعسكرتاريا لدول الرأسمالية الإمبريالية والدول الإقليمية وتقوية نضال جماهير العمال والكادحين المستقل في بلدان المنطقة.
30-8-2021