أمريكا, العرب و المسلمون دمروا أفغانستان


كوسلا ابشن
2021 / 9 / 5 - 20:25     

في سنة 1978 حدث تغيير ثوري في أفغانستان بقيادة الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني, و تم إعلان الجمهورية الديمقراطية الأفغانية. برمجت القيادة الجديدة تغيير البنى التقليدية الإقطاعية و بناء مجتمع متقدم وحداثي, وهذا ما لم يرضي القوى الاقطاعية والزوايا الدينية و وراءهما الإمبريالية الأمريكية, فإندلعت الثورة المضادة ((المجاهدين)) في أرضية سهلة للمحرضين الأسلاميين في التأثير على شعب أغلبيته أميين في مجتمع متخلف و تقليدي. بدأت القيادة الجديدة في تنفيذ برامجها التنموية إلا أنها إصطدمت بالعمليات التخريبية المنظمة للعصابات الاسلامية المنطلقة من الأراضي الباكستانية والمدعمة من طرف الإمبريالية الأمريكية, ما دفع الدولة الإفغانية للمطالبة بالمساعدة السوفيتية, وفي سنة 1979 إستجابت القيادة السوفيتية للطلب الأفغاني.
التدخل العسكري السوفياتي, هو ما كانت أمريكا تطمح اليه لإغراق السوفيات في المستنقع الافغاني, و تبرير الإدانة الدولية للسوفيات والقيادة الأفغانية, و شرعنة التحالف الرجعي لدعم الثورة المضادة و خاصة الدعم السخي لمرتزقة العرب, وبدأت الدعاية التحريضية الرجعية في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا تطالب الشعوب للجهاد ضد الكفار السوفيات.
إعلان نجيب الله للمصالحة الوطنية, وإنقسام الحكومة الأفغانية و تحول بعض أعضائها الى صفوف المعارضة, بالإضافة الى الإنسحاب العسكري السوفياتي سنة 1989, أضعف الجبهة الداخلية, و في مارس 1992إضطر نحيب الله لتقديم الإستقالة وترك السلطة للحكومة المؤقتة, إلا أن الأوضاع كان مؤهلة للقوى الرجعية ((الجهادية)) الإرهابية لإقتحام كابول في نفس السنة, ( و ها هو التاريخ يعد نفسه حاليا).
مشيخات العروبة دعمت الثورة المضادة بالأموال والسلاح والمقاتلين (الأفغان العرب) ضد حرية الشعب الأفغاني وتقدمه وحداثيته, والإمبريالية الامريكية سلحت جيش المرتزقة ((المجاهدين)) بكل أشكال الأسلحة و خاصة الصوارخ المضادة للطائرات ( المدفوعة ثمنها من مشيخات العرب), كما لعبت دورا كبيرا في الدعم الإعلامي للثورة المضادة, وكانت أمريكا هي المبادر والمنظم للتجمعات والمؤتمرات المعادية للأفغان وحليفهم السوفيات, مثل تنظيم المؤتمر الإسلامي سنة 1980, أو دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار إدانة التدخل السوفياتي في أفغانستان, كما أن كارتر أقحم الرياضة في هذا الصراع, بإصداره قرار مقاطعة الألعاب الأولمبية بموسكو سنة 1980.
إنهزام المشروع التقويمي الحداثي, أتاح للمشروع الظلامي, في تلك الظروف التاريخية, الإنتشار والتجذر بين صفوف الفقراء في وسط الصراع العنفي بين الطوائف الظلامية في مجتمع تسوده الأمية, و تخلف البنيتين التحتية والفوقية, المشابهة لنموذج عصور القرون الوسطى.
نجحت أمريكا و زبنائها العرب والمسلمون بإجبار الجيش السوفياتي من الإنسحاب من أفغانستان والإطاحة بالنظام التقدمي الجديد. و كان الهدف الرئيسي لأمريكا أنذاك منع التمدد السوفياتي في المنطقة, وبنجاحها تركت أمريكا أفغانستان يتخبط في أتون التخلف و الحروب الظلامية التي أشعلتها الحركات الطائفية الاسلامية الارهابية, التي إنعكست سلبا على المجتمع والشعب, فزاد المجتمع الأفغاني تخلفا, وإزداد الشعب فقرا وأمية وإستبدادا من طرف طالبان, ولم يستفد من هذه الحروب الغير العادلة إلا أمراء الحرب وأمراء الأفيون, وأصبحت أفغانستان ملتقى الحركات الإرهابية الإسلامية و قاعدة لخطط الإرهاب الإسلامي العابر للقارات مثل العمليات الإرهابية في نيروبي و في دار السلام, والأكثر دموية كانت غزوة نيويورك المحتفية بعشرينيتها بعد أيام, وكانت هذه التفجيرات تعبير إنتقامي من تخلي أمريكا عن الدعم لأفغانستان الإسلامية و الحركات الاسلامية لما بعد سقوط الإتحاد السوفياتي و إنهيار المشروع الإشتراكي.
غزوة نيويورك أعادة الإمبريالية الأمريكية الى أفغانستان لإحتلاله بدعوى جلب الحرية للأفغان و محاربة الإرهاب الاسلامي, المتمثل في القاعدة وطالبان, وطيلة 20 سنة من الإحتلال و الإختفاء وراء أكذوبة محاربة الإرهاب الاسلامي, لم تكون لأمريكا ارادة حقيقية للقضاء على التنظيمات الارهابية, و ظل الدمار والتخريب والقتل كما بدأ مع حركة ((المجاهدين)) سنة 1979, وإستمر مع الإحتلال الأمريكي والناتو ولم يتغير شئ و كل ما بقي من البنية التحتية الشبه المنهارة كان من بناء السوفيات. من أكتوبر 2001 حتى اليوم,عشرون سنة من الاحتلال لم تعمل أمريكا والناتو إلا على غض الطرف على إزدياد إنتاج المخدرات و نمو أرباح تجارة الهيرويين التي كان جزء منها مخصص لطرفي الحرب الأمريكان و طالبان. كما أن عدوانية وهمجية أمريكا أكسبها عداوة الأفغان بسبب قصفها العشوائي للقرى والأرياف وتدميرها مجالها وقتل الأفغان الأبرياء, وحتى سنة 2003 قتل الطيران الأمريكي أكثر من 3600 أفغاني مسالم. أما الحصيلة الإجمالية للقتلى في صفوف الجيش الافغاني والمدنيين و حتى في صفوف الجيش الامريكي غير معروفة بدقة بسبب تكتم الجهات المسؤولة سابقا بدعوى أن الآمر قد يؤثر سلبا على معنويات الجيش والشعب.
محادثات الدوحة الأخيرة بين طالبان وأمريكا و وساطة عربية, أسرعت في الإنسحاب الامريكي وحلفائه, كما سرعت من تقدم طالبان والاستلاء على كابول, وهذا ما يدل على توصل الى إتفاق بين الأمريكان و حركة الطالبان ينهي الحرب و إعادة حركة طالبان للحكم في أفغانستان, لكن دون مصالحة وطنية ولا حل سياسي يرضي طرفيي الصراع الافغاني. إنسحبت أمريكا من أفغانستان وتركتها مدمرة, وقد ترجع هذه الأخيرة الى وضيفتها السابقة كقاعدة للإرهاب الدولي, رغم أن حركة طالبان تتمظهر على أنها إستخلصت الدروس من تاريخيتها, و تتصرف كأنها ستغير نهجها الإستبدادي تجاه الافغان سواء الدعوة الى العفو العام أو تشكيل حكومة تشاركية أو السماح بدمج النساء في الحياة العامة. كما أن الطالبان تتعهد بعدم السماح أن يكون أفغانستان قاعدة للهجمات الارهابية, لكن ليس هناك ضمانات لعدم إعادة النظام الشمولي والهمجي الطالباني الى أفغانستان, وإعادة التحالف الإستراتيجي الإسلامي بين طالبان والقاعدة وتصدير الارهاب الاسلامي الى خارج أفغانستان.
دمار أفغانستان و مآساة الشعب الأفغاني سببهما التحالف الرجعي الامبريالي (أمريكا والعرب والمسلمون), فهذا التحالف الارهابي التخريبي هو المسؤول الأول عن فشل مشروع تحديث وعلمانية الدولة الأفغانية وتقدمها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي وإستقرارها السياسي والآمني. إستراتيجية الإحتلال الأمريكي تكمن في إخضاع الدول "النامية" لمصالحه الآنية و البعيدة المدى , وهي تخطط دائما أكثر للمدى البعيد, كما تخطط لعرقلة تقدم ونمو إقتصاديات البلدان الناشئة أو في طريق النمو. أمريكا تخرب و تدمر ولا تعمر بلدا, بل تتركه مثل الكلب تابع لها.
محادثات الدوحة ستظهر بنودها ربما في المستقبل القريب, ليظهر الى العيان حجم المقايضات والمساومات لإعادة طالبان الى الحكم بعد عقدين من ترهيب الشعب الأفغاني, وإبتزاز دافعي الضرائب الأمريكيين لتبرير إنفاق الملايير من الدولارات على الإحتلال, بدعوى منع خطر الإرهاب الاسلامي المنطلق من أفغانستان, إلا أن الحقيقة هي فشل أمريكا و الناتو في وقف العمليات الارهابية الاسلامية في اوروبا وأمريكا بالتحديد. الوجود الامريكي في أفغانستان لم يفيد الأجهزة الأمنية والمخابراتية لمنع تفجيرا ماراثون بوسطن 2013 ومقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 183 آخرين من العدائين والمتفرجين والمارة. وكذلك لم تفلح دول التحالف في منع الارهاب الاسلامي في أوروبا مثل تفجيرات 11 مارس 2004 التي إستهدفت شبكة قطارات نقل الركاب في مدريد, وقتل فيها 191 شخصاً وجرح 1.755 آخرين. أوسلسلة الهجمات الإرهابية التي هزت باريس في نوفمبر 2015, أسفرت عن قتل 130 وجرح 368 شخص. وكذلك الهجمات الإرهابية التي تمت في لندن يوم 3 يونيو 2017.
التدخل الامريكي في أفغانستان أو في بلد آخر, لا يستطيع وقف العمليات الارهابية العابرة للقارات, لما لهذه التنظيمات من حنكة التعلم من التجارب الماضية و من تكتيكات جديدة و قدرة على اختراق الإجراءات الأمنية المشددة وتنفيذ هجمات إرهابية غير متوقعة, مثل عملية برلين في 19 دسمبر 2016 بدحس بشاحنة جموع الناس في سوق عيد الميلاد ومقتل 12 شخصا وإصابة خمسين اخرين بجروح.