تونس: هل يستعد قيس سعيد لإعلان -ديمقراطية الاستفتاءات- التي ستنصبه حاكما مطلقا باسم الشعب؟


بشير الحامدي
2021 / 9 / 5 - 14:54     

يخطئ كل من يعتقد أن قيس سعيد، ولنقل الدائرة المحيطة به التي هي من يقرر كل شيء في الحقيقة، حين فعّل الفصل 80 من الدستور وأقال الحكومة وجمد مجلس نواب الشعب وأسند لنفسه كل السلطات، لم يخططوا لمظاهرات 25 جويلية ولم يوجهوها الوجهة التي يريدونها، لاستغلالها كحدث يشرع للإجراءات الاستثنائية التي أعلنها قيس سعيد عشية يوم 25 جويلية ذاته أو أنه ليس لديهم مخطط سياسي للمرحلة الاستثنائية وقدروا أن الوقت حان للبدء في تنفيذه.
اليوم أصبح الأمر يكاد يكون واضحا فمسالة مكافحة الفساد مسألة عارضة في هذا المخطط مثلها مثل محاسبة حزب حركة النهضة أو مسألة التشغيل أو المديونية أو مسألة الثروات و أن المطلوب أولا ليس أكثر من إثارة كثير من الغبار والجدل حول مسائل عامة متعلقة بإدارة اليومي من الشؤون والاكتفاء ببعض الإجراءات الفوقية هنا وهناك "في إطار الاحترام التام للدستور وحماية للدولة التونسية من كلّ محاولات العبث بها" كما يردد قيس سعيد دائما في تصريحاته بعد 25 جويلية لتحضير الأوضاع، وخصوصا خلق رأي عام شعبي "كتلة شعبية واسعة" "أغلبية" تساند الرئيس في كل الإجراءات التي يتخذها، للمرور إلى تغيير النظام السياسي وتعديل دستور 2014 أو التخلي عنه واستبداله بدستور جديد، دستور ينهي النظام الديمقراطية التمثيلية بصورة نهائية ويرسي نظام يمكن تسميته بنظام "ديمقراطية الاستفتاء" الذي سيفتح كل الأبواب أمام قيس لاحتكار كل السلطات بما أن الاستفتاء سيمكنه في الآن نفسه من شرعية ومشروعية أن يكون حاكما مطلقا متحكما في كل السلطات السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية.
إن انتخاب قيس سعيد لكرسي الرئاسة سنة 2019 كرد فعل على فشل "ديمقراطية" الانتقال الديمقراطي واعتباره من قبل منتخبيه أو جزء كبير منهم مرشحا من خارج المنظومة و ANTISYSTEME لا يستقيم فالرجل أتى للرئاسة بقوانين وتشريعات المنظومة وحتى أثناء إعلانه إجراءاته الاستثنائية فهو يؤكد كل مرة على أنه يتصرف وفق القواعد الدستورية ولم يخرج عنها ولن يخرج عنها ويجادل بالمشروعية التي منحها له النظام السياسي لهذه المنظومة الذي لم يعد ممكنا له الاستمرار وواجبه يحتم عليه إنقاذ الدولة والوطن من أيدي مخربيهما باسم الشعب وأنه لا رجوع للوراء إلى ما قبل 25 جويلية وإلى مسار الديمقراطية الفاسدة التي لم تنتج غير الفساد وتدجين القضاء واستثمرت فيها أحزاب ومجموعات وجمعيات و أفراد للسرقة والنهب والثراء غير المشروع باسم شرعية انتخابية لا تمنح أصحابها أي مشروعية ليكونوا حكاما متنفذين كما يردد وأنه حان الوقت لكشف حقيقية هذه الشرعية الزائفة والإطاحة بها عبر المشروعية التي أسندها الشعب لرئيس الجمهورية في انتخابات 2019 الذي يحق له بموجب هذه المشروعية أن يصحح المسار ويحمي الدولة والوطن من عبث العابثين ومن الذين تسللوا لنهب ثرواته عبر صناديق الاقتراع وعبر دستور 2014 الذي وضع على القياس.
حديث قيس سعيد عن المشروعية وتلميحاته الكثيرة بالعودة للشعب لا يمكن أن يفهم منه خصوصا وبعد تمديده في الإجراءات الاستثنائية وتهجينه لطلب توضيح مشروعه السياسي برده على من طالبوه بخارطة طريق على أن يبحثوا عنها في كتب الجغرافيا لا يفهم منه سوى أنه والدائرة المحيطة به مستمرون في الإعداد للقطع مع الديموقراطية التمثيلية والنظام السياسي الحالي وتوزيع السلطات التي جاء بها دستور 2014 وتعويض ذلك بـ"ديمقراطية الاستفتاء" فقراراتها بالنسبة لهم أكثر عدالة ومشروعية من قرارات مجموعات محدودة كالأحزاب والبرلمانات التمثيلية التي تحولت لمنصات نفوذ وتشريع للفساد وتجاوز للقانون لصالح مجموعات سياسية بعينها. "ديمقراطية شعبية" أو "ديمقراطية مباشرة" مناهضة للأحزاب يحققها الاستفتاء لا تسمح بتكون مراكز النفوذ في الحكم وتحقق الديمقراطية الاقتصادية والمساواة أمام القانون وتضمن السيادة الشعبية.
مثل هذه الديمقراطية التي ستختزل في تمكين شخص الرئيس من كل الصلاحيات عبر الاستفتاء هي في الحقيقة نوع من الديكتاتورية الجديدة والحكم الفردي المقنع ولا علاقة لها بالديمقراطية المباشرة القاعدية التي تحقق سيادة المواطنين على قرارهم وعلى ثروات بلادهم ولا تفصل بين الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية السياسية بل لا ترى الديمقراطية السياسية تتحقق إلا بتحقيق الديمقراطية الاجتماعية إنها قلب هرم هذه الديمقراطية ذاتها وافتكاك للقرار من الأغلبية ووضعه في يد الزعيم النظيف الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهي ديمقراطية شكلية تتعايش مع (اللبرالية الاقتصادية) ومجتمع الخمس المرفه لا يعنيها احتكار الأقلية للثروة ولا تعنيها مشاكل المجتمع العميقة كالمديونية والتشغيل وتوزيع الثروة والعلاقة بالقوى الاستعمارية واستقلالية القرار . إن ما يعنيها أكثر هو التمكين للزعيم وقد شاهدنا وعبر التاريخ عديد النماذج من مثل هذه الأنظمة أبرزها البونابارتية والنظام السياسي الذي تأسس في الهند في خمسينات القرن الماضي والنظام الذي أسس له الخميني. كذلك ظهرت مثل هذه الأنظمة في عديد بلدان أمريكا الجنوبية في الفلبين بعد الإطاحة بماركوس وفي فينزويلا مع شافيز وفي تشيكوسلوفاكيا مع فاسلاف هافل وصولا للقذافي طبعا.

05 سبتمبر 2021