انحلال الحزب الشيوعي العراقي/ 5


عبدالامير الركابي
2021 / 9 / 4 - 16:47     

مع ثورة 14 تموز 1958وقع التصادم الفاصل والحاسم، بين قوى الحداثوية المناهضة شكلا للدولة المفبركة من قبل الاحتلال، وبين الاليات الصامته المتعدية للكيانيه، وفي حين كانت هذه لحظتها قد افصحت عن هزيمة النموذج والكيانيه الغربية، واندحارها الكلي، ذهبت الأحزاب المتشكله في "جبهة الاتحاد الوطني"، وفي مقدمها وعلى راسها الحزب الشيوعي العراقي، الى أعادة محاولة تكريس النمط المذكور، بالاصرار على تشبية الخاصيات الرئيسية للثورة الكونيه الثانيه ( بعد الأولى التي اندلعت عام 1920)غير الناطقة، ب"الثورة الوطنيه البرجوازية" بنموذحها المتعارف عليه، المنقول عن النموذج الغربي، الغالب وقتها، الامر الذي كان من شانه، وضع القوى المذكورة، ليس فقط خارج الاليات العراقية، بل نقلها فورا الى المعسكر المضاد، ليجعل منها قوى معاكسه ومضادة للحقيقة الوطن كونية. الامر الذي ياخذ القوى المذكورة ليحولها بعد التحوير، الى مادة أساس، ومرتكز للافنائية الثانيه الجزئية الريعيه العقيدية الحزبيه، المستندة لنواة قرابيه ( اهل الخبرة/ واهل الثقه) بحسب تصنيف صدام حسين.
ليست القوى المذكورة مجتمعة قد اتخذت المسار ذاته، ولا هي تجلت من حينه على شاكله وسلوك واحد، فحزب الليبراليه المفترض ان يكون ابان لحظة وزمن "الثورة البرجوازية" في الطليعة، غاص في سيرورة انتهائية، اخذته الى الذوبان والخروج من اللوحة كليا بعد الستينات، وبعد محاولة فاشله قام بها الجادرجي لتحويل الحزب الى حزب " اشتراكي" على شاكله أحزاب "الأممية الثانيه". هذا في حين عرف البعث باعتباره القوة الأكثر تلاؤما مع مشروع سلطة بديله لتلك الأولى 1921/1958، عرف تحويرا نقله من حزب ارضسوادي الى حزب قيادته تنتمي الى العراق الأعلى (عراق الجزيرة)، بعد سطو ضباط المناطق المذكورة على قيادته، وصولا لتغيير نسبة من يحتلون مواقع قياديه في الحزب بصورة كاسحه، بالاخص في الستينات، وبعد ان كانت القيادة القطرية للحزب المذكور تضم مايقارب ال80 بالمئة من أبناء ارض السواد حتى عام 1963 انقلب الحال بسرعه لينشأ فرع من الحزب اخر، لاعلاقة تكوينبة بنيويه له بالاول.
والشيء ذاته حصل مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي عرف في المؤتمر الرابع(1) 1985مجزرة، هي الفصل الثاني من عملية التصفية التي تعرض الحزب بعد 8 شباط 1963 وقعت على يد عزيز محمد وبطانته الكردية، تمخض عنها المؤتمر الرابع المنعقد في كردستان، بطرد كل من يمكن ان يقف عثرة بوجه الانقلاب الكردي، وكان حزب ارض السواد الشبوعي قد تمت تصفيته عام 1963 بالعنف وجسديا، ليعدم الرهط الثاني من قيادته مااتاج الفرصة لعزيز محمد كي يسطو على قيادة الجزب، محولا إياه الى حزب كردي، لاصلة له بالمجركات الوطنية العامه، وما كان ماقد حدث بالاصل، غريبا، او من دون مؤشرات سابقة، فالصراعية الكردية، البغدادية، الجنوبيه كانت حاضرة منذ أيام "فهد"، تمثلت في حينه، وبعد إعدامه مباشرة، باصطراعية يهوديان بغداديان، واربعه اكراد، على زعامة الحزب، لم يكن لها ان تتحقق وقتها بظل اليات الصراع الافنائي الجزئي الأول 1921/1959 مادعم وقتها موقع سلام عادل، ومنحه القدرة على إعادة تكريس الاشتراطات الأرض سوادية، مكررا تتابعية، المنتفك / النجف، التشكلية الوطنيه الحديثة، بانتقال قيادة الحزب، من الناصرية، الى النجف والفرات الأوسط.
واهم ماقد تميز به الطور المذكور هو الادقاع الفكري حتى النقلي السطحي منه، مع الاجتراريه، وانعدام الصدقية، والخداع الضمني، وبالمقارنه بالطور الأول المنتهي مع ثورة 14 تموز من تاريخ الحزب، لم يعرف عنه اليوم أي مجهود ينم عن رغبه، ناهيك عن القدرة على الخوض فيما قد طرا على الصراعية الوطن كونيه، مع النموذجية الكيانيه الغربية،غير الوارده أصلا، وفي الوقت الذي كان الحزب قد عرف ابان الطور الأول محاولات تعرف على الاشتراطات التي حلت على العراق مع الاحتلال وبعده، فلقد أظهرت قيادة عزيز محمد جهلا وفقرا كليا لهذه الجهه، مقارنه بالشروط التي عاشتها، وماقد تبدل من ظروف، بينما كانت هي تتصرف بانفصام وازدواجيه، تستغل من ناحية تاريخ الحزب في طوره الأول، بينما هي تسيد اليات وقانون الصراعية الكردية مع النظام الجديد القائم بعد 1968، فكانت تنهج بداية بين 1968/ 1977 نهج مايمكن ان نطلق عليه خيار "بعثيي الجبال"، الذي على اساسة أقيمت الجبهة الوطنيه والقومية التقدميه عام 1973 ، قاتل الشيوعيون يناء عليها، وقتها حاملين السلاح الى جانب الجيش العراقي والبعث ضد الحركة الكردية، الى ان فشل خيارهم المذكور، فعادوا منكسرين اذلاء الى حضن القيادة الكردية بعد 1977 بحيث انهم ماكانوا قادرين على اصدار بيان ادانه، لمجزرة رهيبه ارتكبتها جماعة الطالباني بحق الشيوعيين في "بشت اشان".
يختلف موقع وصورة ودلالات حضور ودور الحزب الشيوعي كليا، بحسب زاوية النظر التي يجري النظر اليه من خلالها، ايديلوجيا طبقيا متوهما وتلفيقيا، لااساس له، او وطن كونيا، بمعنى ان مانتحدث عنه هو ماسبق التنوبه به من وجود عراقين، عراق عراقي، وعراق ملفق استعمار غربي، له امتدادات داخل البلاد على مستوىيي الدولة والقوى الرديفة لها، والمتصارعه معها، او التي تواكبها. فالحزب الشيوعي التلفيقي الاسقاطي، هو حزب واحد وممثل للطبقة العاملة وللاشتراكية، اما حزب الاصطراعية الوطن كونيه، الكيانيه الوطنيه بوجهها الاحتلالي والنموذجي، فهو شيء اخر مختلف كليا، تغير دوره وموقعه بحسب عمل الاليات العراقية من طور اول منتسب الى المعسكر العراقي، ابان فترة الافناء الجزئي الأولى، الى حزب كردي عنوانه الأول و مرتكزه حلمه لعب دور "بعثيي الجبال"، قبل ان تحل الاصطراعيه الإقليمية، مع بشائر الحرب العراقية الايرانيه، وتتبدل معطيات واليات الاصطراع، الى ان تحول الحزب من وقتها الى كردي بحت، ثم الى قوة مؤيدة للغزو والاحتلال الأمريكي، تاتمر باوامره، وتتلقى توجيهاتها من سفارته في بغداد، وقد صار قوة بذاتها، همها ومحور انشغالها "الحزب بماهو غاية"، ماخوذه بالبحث عن الأسباب التي تؤمن استمراره، وبقاء هيكليته، بغض النظر عن اية اعتبارات مبدئية مجرده، قادته على الاغلب مرتبطون بهذا الشكل او ذاك بالاجهزه المخابراتيه الدوليه.
ولايملك من هم على راس الحزب المذكور، ومن يسمون قادته، الحد اللازم من الشفافيه، او من الوطنيه التي تؤهلهم، او يمكن ان تجعلهم يقفون وقفة صادقة، او شبيهة بتلك التي عرفها حزب الجادرجي، ليعلنوا حل ماهم منشغلين به، وساعين لاستمراره لاسباب واغراض شخصية بحته، صغيرة، تليق بامثالهم، وبما قد آلت اليه سيرورة كيانهم المنفصل عن الأساس الوطني التكويني البنيوي التاريخي العراقي، الامر الذي كانت اتاحته حالة تأخر النطقية الوطن كونيه.
فمع نهوض الغرب الحديث، وصولا الى بداية القرن العشرين تحديدا، كان العراق ومنذ القرن السادس عشر، قد مر بحالة تشكل وانبعاث في دورة تاريخيه ثالثة، راهنه، بعد دورتين عرفهما تاريخه، أولى سومرية بابلية ابراهيميه، وثانيه عباسية قرمطية انتظارية، الثالثة الحالية من بينها، اجتازت طورين سابقين على الحضور الأوربي الإنكليزي، قبلي، وانتظاري، اتسما بتاخر النطقية، وتعذر التعرف على الذات، ظلت على ماهي، مع غلبه وهيمنه النموذجية والافتكارية الغربيه، التي انتجت حالة اتباعية، تمثلت في الوطنيه الايديلوجيه الحزبية، المستعارة، والمنقولة، الزائفة، ترتكز الى الفبركة الكيانيه التي لجا لها الغرب مفهوما تعريفيا للعراق، بامل اخضاعه، فاقام فيه دولة مركبه من خارج النصاب المجتمعي، والتشكل التاريخي.
تنتهي الحزبيه الايديلوجيه كليا، مع بدء النطقية العراقيه الوشيكة، بعد مامرت الصراعيه مع الغرب ونمطه ونموذجه، بطور افنائي جزئي اول، وطور افنائي جزئي ريعي ثاني، اعقبه، وصولا الى الافنائية الكليه التي جاءت لتعزز عودة آليات "العيش على حافة الفناء"، التي هي خاصية بنيوية مميزه لكينونة العراق الأسفل، السومري، ابتداء ولاحقا، وهي ماقد عاد العراق ليخضع لمفاعيله من جديد اليوم، بصيغة اعلى، هي الثانيه المستمرة منذ الحرب العراقية الايرانيه 1981/1988 الى اليوم، حروبا كونيه، وحصارات لم يعرف مايماثلها كيان في التاريخ، عدا الاحتراب الداخلي، وحرب المففخات التي يعادل عدد ضحاياها عدد ضحايا حرب بين دولتين .. الخ من اتون الموت الذي لاتوقف له، وانحلال البنى السلطوية المقصود، مع اعتماد أمريكا والاقليم، سياسة اللاكيانيه، ومنعها، مكان الكيانيه المفبركة المفروضة، وكل هذا كان جديرا بان يخرج الوطنيه الايديلوجيه الزائفة من التدوال، ليحولها الى شبح وهمي، باق قائما اذا كان كذلك، بحكم التردي الشامل.
ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " افرزت النتائج التي اسفر عنها المؤتمر الوطني الرابع الذي يعتبر اهم المؤتمرات التي عقدها الحزب الشيوعي العراقي، جملة من متغيرات تركزت بالدرجة الأساس في تغيير تركيبة القيادة حيث فقد اكثر من ثلتي أعضاء اللجنه المركزية السابقة مراكزهم الحزبية لسبب او لاخر، وتعزز دور الكادر الكردي في الحزب" صلاح الخرسان/صفحات من تاريخ العراق السياسي الحديث/ " الحركات الماركسية" 1920 ـ 1990/ مؤسسة العارف للمطبوعات/ بيروت ـ لبنان/ ص 203 .
(2) ويورد الكتاب أعلاه في الصفحة 160نص بيان صادر عن الاجتماع الاعتيادي الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي في 18/2/1977 يقول : "ان اتخاذ إجراءات الحزم ضد النشاط التامري، حق من حقوق الثورة، ومبدأ يحدد واجبات القوى الثورية في صيانه منجزاتها" كما يرد في الصفحة ذاتها القول: "ولم يكتف الشيوعيون بالتضامن مع السلطة، وانما سيروا مفارز ودوريات مشتركة مع البعثيين في محافظتي النجف وكربلاء، كتعبير عن التلاجم المصيري بين الحزبين الشقيقين" وذلك اثناء وبعيد انتفاضة خان النص عام 1977.