الفئوية، تخفض فردية الأراء وتقوي الحزب


المنصور جعفر
2021 / 9 / 1 - 10:02     

إلى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي السوداني، وإلى كل المشفقين على الاوطان من بؤس السياسة من إنخفاض ثقة الكادحين في نُخب الأحزاب:

هدف هذا النص بدء معالجة جزء من حالة الضمور الحزبي ونفور كثير من الناس من الأحزاب أو من السياسة.

العلاج الرئيس الذي يقدمه هذا النص لحالة زيادة الضعف والتقلص الحزبي هو تثوير النشاط الحزبي ثم السياسي بزيادة دور الفئات الكادحة في إعادة تأسيس وتحريك أمور الأحزاب وفي إنتخاب قياداتها، وبالتالي تخفيض أمراض البرجوازية الصغيرة داخل الأحزاب وأولها مرض الضعف الفئوي المعبر عنه بارتفاع عدد الآراء الفردية داخل أو خارج البنية الحزبية المناسبة وما يسببه إرتفاع الضغط من زيادة في مشاكل تفرغ كل هيئة حزبية بأي تعامل موجب أو سالب مع كل هذه الأراء .



1- أهم أصول الأزمة:
الجزء المهم من أصل الأزمة السياسية في السودان والعالم مرتبط بالتركيبة الطبقية والفئوية لتكوين أجسام وقيادة الأحزاب، بمختلف مسمياتها وآيديولوجياتها.


2- جزء من شكل الأزمة:
(أ) السيطرة:
قليل من الأعضاء والقيادات من الفئات الكادحة وغالبية الأعضاء والقادة من فئة البرجوازية الصغيرة.

(ب) التفكير الخطي:
سيادة نمط ثقافة البرجوازية الصغيرة وتفكيرها المرتبط برص جزئي ومتتابع لتصوراتها الصغيرة في خط واحد قليل النقاط وضعيف التفاعل.

(ج) الأثار السلبية:
مع احادية وفردية تصور وعرض القضايا الفرعية أو الأولية تزيد الخلافات حول ترتيب القضايا وكيفية بداية الحلول؟



3- نموء الأزمة في كل الأحزاب:
في كل حزب تتفاقم أزمة التناقضات الفكرية التنظيمية، وتظهر أكثر في الأحزاب اليمينية زاليسارية ذات النشاط الكبير والعدد الكثير من المنظرين والعدد القليل من كراسي القيادة. ومن ثم تنشأ لعبة الكراسي القليلة والآراء الكثيرة مبينة جزءاً مهماً من خلل البناء والتنظيم.



4- البداية النظرية لكل الأزمات:
(أ) تعدد المرجعيات، وتعدد عناصرالكلام وإختلاف سياقاته:
لو نظرنا إلى الفروق المنطقية بين بعض البنى النظرية تظهر (((الأخطاء))) العملية أو يتم اصطيادها. هذه "الفروق النظرية" هي الفروق الرأسية والأفقية بين كل من: "الفكرة"، الفلسفة"، "الآيدولوجيا"، "النظرية"، "البرنامج الكبير"، "برنامج التمهيد"، "برنامج المجال"، وثيقة حزبية، من المستحيل وجود نص أو كلام يتوافق تماما مآئة في المآئة مع ثمانية بنى نظرية، فضلاً عن توافقها مع تفسيراتها وشروحها. ومن ثم يسهل في كثير من الأحزاب أتهام أو إدانة فرد أو هيئة بخطأ ما، او تبرئته بنص من هذه البنى الثمانية أو شروحها. وتزيد معضلة الحقيقة والعدالة في الحياة الحزبية بتكاثر الآراء الفردية وبتداخل عدد من الآراء في نص واحد.

ففي أي حزب في أي بلد بإمكان أي عضو أو أي هيئة التمسك بأي فرق بين هذه الكائنات النظرية، وتصويره انه الموقف الصحيح، إزاء ما يعتقد أنه خطأ.

(ب) فشل حرية التعبير: بحكم تعدد المرجعيات واختلاف صيغ الكلام، وسياقاته لم تحقق المنابر النظرية ونوادي الثرثرة ومجلاتها النظرية حول (((الأخطاء))) أي حل لأي أزمة. ومن المتفق عليه منذ آلاف السنين إن ما هو صحة عند (أ) قد يعد خطأ عند (ب). وفي مراحل التأسيس وبداية البناء يحتدم هذا النوع من الخلافات ويتفاقم إلى حالة متوالية من المكلمات والعكاظيات مثالها التاريخي "الجدال البيزنطي".
والجدل البيزنطي حالة تنتهي أحسن نتائجها إلى تبلور إنقسامات وازاحات وتكرار الجدال حول أي عنصر كانت له "الصحة؟" و"ما هو عيار الصحة؟"، و"ما هي الصحة نفسها؟" و"ماهو "العيار؟" و"ما طبيعة تشكيله؟" و"طبيعة اعتماده؟" و "من هم الذين اعتمدوه؟"، و "على أي أساس وأي هدف كان الإعتماد؟" وفي أي ظروف اعتمدوه؟" .. إلخ هذا النوع التوالدي من الأسئلة والحجج التفكيكية التي بلورها "السفسطائيون" في تاريخ المعرفة منذ غورياس إلى سقراط، أستاذ أفلاطون.

(ج) طبيعة الفشل:
هذا النوع التشريحي المتواصل من الأسئلة والتنظيرات يفيد في تعديد الأخطاء لكنه بحكم توليده وإكثاره مجالات الاختلاف يصعب مهمات التجميع والفرز والبناء.



5- بدايات الحل:
(أ) إختراع "البرنامج":
في سياق حل الأزمة بين كثرة الكلام وقلة الإنجاز (مع عوامل أخرى) تبلورت في اوروبا القرون من السادس عشر إلى التاسع عشر التنظيمات التقدمية الأولى وكانت كياناتها تجمع السمة النقابية والسمة الحزبية في آن واحد، وحاولت الخروج من حالة الإنفراد ومن حالة الجدل البيزنطي بين مدارس التاريخ والفلسفة والسياسة والعلوم بصوغ برنامج (حرفي) يحدد أهدافها وآلاتها، ولعل فكرة "البرنامج" تبلورت بإمتزاج خبرات "العهد والميثاق" و"الخريطة" و"جدول عمل الورشة".

(ب) الوضع الطبقي والفعالية النسبية للبرامج:
كان إختراع "البرنامج" في عمومياته كافياً لتوجيه الأعمال البرجوازية ضد استبداد الإقطاع، ثم استعمله الشيوعيون لتنمية نضال الكادحين ضد البرجواز، لكن في تفاصيل الحياة تم بناء الأحزاب الجديدة النوع بنفس أسلوب البناء الإداري أو التنظيمي الهرمي الذي كون به الحرفيين التجار تنظيماتهم وكانت تنظيمات مضادة للإقطاع ومعادية للكادحين، مع احتفاءها بأصحاب القدرات الحرفية الذهنية سادة المنطقية في الكلام وذوي الاهتمامات والأطماع غير التجارية المباشرة (الموظف، المحامي، المهندس، إلخ أصحاب الياقات البيضاء والأيدي النظيفة)

(ب) غربة الكادحين في أحزابهم:
كان ولم يزل بناء الأحزاب الجديدة النوع بناءاً مضاداً لتكتل البرجواز ومضادا لتشتت الكادحين، وكان ولم يزل مبتعداً عن تآمر الأورستوقراطية وعن غوغائية الشعبوية لكن تفرد هذه الأحزاب لم يحسن تحويل كل آراء البرجوازية الصغيرة ولا كل آراء البرجوازية الكبيرة، ولا كل آراء الطبقة العاملة إلى طاقة ثورية، بسببين رئيسين:
السبب الأول هو التأثير القوي آلاف السنين لهرمية الإقتصاد وهرمية الثقافة وهرمية الدولة على أنشطة التغيير.
السبب الثاني هو التحول التدريجي لهذه الأحزاب من تجمعات فئوية إلى تجمع أفراد، ومن سموء الإندماج المصيري في قضية الطبقة العاملة وشموخ نضالها الوجودي إلى حالة "اتحاد طوعي بين أفراد"! وهلم جراً


6- توالي انصراف الجماهير وضمور الأحزاب:
عموماً مع ضغوط المعيشة وتضليل الإعلام وانتشار ثقافة الحل الفردي والكسب بالهجرة أو بتجارة صغيرة، باخت أحلام التغيير الوطني الشامل وانخفض إنفعال الشعب بأمور الحكم والسياسة وأنصرفت جماهير الكادحين عن كل الأحزاب، ولكن مع وجود الأسباب المعيشية والإعلامية يوجد سبب (مبدئي) لابتعاد بعض الثوريين عن السياسة والأحزاب وهو سيادة البرجوازية الصغيرة في الحياة السياسية وفي داخل الأحزاب الثورية وتبديلها الرمضاء بالنار خاصة تكرار نخبة الأحزاب لمحاولة التصدي لشبه الإقطاع بالتحالف مع البرجوازية (الوطنية) ثم محاولتها التصدي لخيانة وبطش البرجوازية بالدخول في "تجمع وطني" مع شبه الإقطاع، وهلم جراً، وهو كيان ليبرالي في مضمونه الطبقي الإقتصادي السياسي والسياسي وبرفعه نخبوية البرجوازية الصغيرة داخل أحزابه، من ثم نفر بعض الثوريين والوطنيين من هذه النخبوية أو الانتهازية أو من تكرارها وضعف ارتباط الأحزاب بهم وبأمور التغيير الجذري والثورية.



7- تفاقم الأزمة:
بزيادة النخبوية والأكثر الآراء الفردية وقلة مقاعد الهيئات بدأت وزادت المؤشرات إلى وجود حالتين متداخلتين:
(أ) حالة تعصب تنظيمي تتصور إن "ليس بالإمكان أبدع مما كان" وتميل إما إلى النوم تحت شعار "المحافظة على وحدة الحزب" وإما إلى التعصب و"التطهير" بفصل عدد كثير من "الرافضين لوحدة الحزب" وقراراته !
(ب) حالة خرمجة تتصور أن الحل يبدأ بإدانة القيادة وتغيير شخصياتها وحتى تكوين حزب جديد! ولاتقبل أن يبدأ الحل بتغيير تركيبة منظمات الحزب ونقلها من حالة النزعة الفردية إلى حالة التنظيم المباشر للسيطرة الفئوية.


8- بداية الحل:
بحكم التعارض بين تكاثر وجود البرجوازية الصغيرة ونشاطاتها مع تضييق نخبتها لمواعين وآراء الحزب يبدأ الحل ينقل هذه الأحزاب من حالة العضوية الفردية والإقناع الفردي والنقاش الفردي وتكراره، ومن حالة سيادة الفروع والمناطق وممثليها الأفذاذ على عمل الحزب، إلى حال فئوية تقوم فيه الهيئات الفئوية بتحريك عمل الحزب وقراراته.

بتحقيق هذا التغيير يتحول النقاش الحزبي من حالة الفردية حيث ((يرى الرفيق فلان إن من الضروري كذا وكذا)) إلى حال فئوية يتخذ فيها الكلام صيغة: ((تطالب هيئة المزارعين بكذا وكذا)) أو ((تطالب هيئة العمال بكذا وكذا)) وان تشكل الفئات الكادحة -بغالبية للرعاة والمزارعين والعمال وقليل من البرجوازية الصغيرة- غالبية مؤتمر ومركز الحزب.

ضد هذا التغيير الضرورى لإسعاف وإبقاء الحياة الحزبية اللف والدوران حول ان فلان قال كذا وفلان قال كذا وإنفعالات ((هلم نزيح مرتكب الخطأ، أو مرتكبو الأخطاء)) فدوران يقود إلى اختلافات جديدة على مرجعية الاتهام او الادانة أو التبرئة وتكرار للفشل المألوف في علاج البيروقراطية بالبيروقراطية ! أو علاج البيروقراطية بالفوضى! أو علاج الفوضى بالحسم الوقتي! أو علاج العرض دون علاج المرض! وتكرار فاشل لمحاولة تغيير سرعة ونوع النتيجة دون تغيير آلة وأسلوب تنظيم العمل !

في الختام رغم فردية رأيك ورأيي أإلا إني أويد إتجاه كلامك والآخرين إلى القول ن الأزمة متفاقمة حتى ولو كانت قليلة الظهور وتحتاج لمعالجة متكاملة منظومة الأدوات والفاعلية والزمن.