ثقافة مدمرة وتاريخ مزيف أنتج شعوب متخلفة


سامى لبيب
2021 / 8 / 28 - 21:50     

- لماذا نحن متخلفون (81) .

- لعل المشهد الأفغاني الحالي خير دليل وشاهد على تأثير وقوة الثقافة الإسلامية المدمرة على تخلف الشعوب فنحن أمام مشهد غريب بتوالي سقوط المجتمعات المدنية وبقاء السلفية الرجعية حاضرة .
شهدت أفغانستان حضور للتيار الشيوعي مدعوما سياسيا وعسكريا وإقتصاديا من الإتحاد السوفيتي السابق , ولكن ما لبت إن إنهار بدعم من المخابرات الأمريكية والغربية لتظهر القوي السلفية منتصرة ثم ماليثت إن إنقلبت أمريكا والغرب على طالبان لترتب المشهد الأفغاني وفق رؤيتها ولتؤسس لمجتمع مدني .
لن نتطرق إلى إنصراف الولايات المتحدة عن المستنقع الأفغاني ولا تآمرها ولن نثير التنسيق والتخطيط لعودة طالبان ثانية , ولا عن تساقط النظام كقطع الدومينو وهرولته بالهروب , ليعنينا هشاشة المجتمع الأفغاني لتنعدم أى مقاومة للظلاميين دفاعا عن المجتمع المدني والحريات .

- لا تقل أن هناك قوي عسكرية لطالبان تفرض حضورها ولكن هناك هشاشة للقوي المدنية فى التصدي لتُفضل السكون والهروب إضافة إلى حضور ودعم وتأييد للحل الإسلامي السلفي فى المجتمع الأفغاني والذى يتوافق مع التركيبة القبلية والهيمنة الذكورية .
من هنا تبرز تأثير الثقافة المتخلفة على حاضر ومستقبل الشعوب , ولكن تلك الثقافة لا تعمل لوحدها بحكم العادة بل تتكأ على علاقات إنتاج متخلفة تدعمها وتروج لها لتأتي الإشكالية الكبري عندما تسود وتهيمن علاقات إنتاج بدائية لتستحضر ثقافة يكون لها الحضور والهيمنة .

- لا يكون تحليلي هذا بناء على موقف مناهض لحضور طالبان والقاعدة وكاقة التنظيمات الرديكالية الإسلامية فنحن نتعامل مع سيسولوجيا المجتمع وتأثير الثقافة علي نهجه وسلوكه وتطوره لذا نستحضر أراء وتحليل عالم الإجتماع الفذ ابن خلدون فى الحضارة الإسلامية المزعومة والتأثير المدمر للثقافة والفكر الإسلامي .

- يستشهد الشيخ ناصر بن حمد الفهد، في كتابه " حقيقة الحضارة الاسلامية" بأراء وتحليل ابن خلدون المؤرخ وعالم الاجتماع الامازيغي الفذ للثقافة الإسلامية , فهذا العالم كتب الكثير في وصف لأخلاق وطبائع العرب البدو في عصره. , ليؤكد إبتعاد البدو عن الحضارة وعدم امتلاكهم لها ففاقد الشئ لايعطيه حسب قوله , وإنما أيضا إنعدام علاقة الشرع بالعقل الأمر الذي لم يفهمه الكثير من مسلميي العصر الحديث حتى الآن.
يقول ابن خلدون في هذا الصدد واصفا أحوال قبائل البدو الغازية :" لم تكن لهم معرفة بالعلوم بمقتضى احوال السذاجة والبداوة ولان القوم عندئذ لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوي"، (مقدمة ابن خلدون )
أما بصدد الحالة الحضارية للعرب في ذلك الوقت فيقول، في الفصل السادس والعشرون من " مقدمة ابن خلدون " : أن العرب اذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب العرب أمة وحشية , أهل نهب وعبث , وإذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب، يهدمون الصروح والمباني ليأخذوا حجارتها أثافي للقدور, ويخربون السقوف ليعمروا بها خيامهم، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد، وأنهم أبعد الناس عن العلوم والصناعات".

- الغريب ان ابن خلدون، الذي عاصرهم يصف لنا طبائع العرب الفاتحون بشكل يختلف تماما عن ماتعلمنا اياه المدارس القومية فيقول: " طبيعتهم انتهاب مافي أيدي الناس، وأن رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون اليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع انتهبوه. لايكلفون على أهل الاعمال من الصنائع والحرف أعمالهم ولايرون لها قيمة ولا قسطا من الاجر والثمن , ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض فهمهم مايأخذونه من أموال الناس نهبا وغرامة .. وايضا فهم متنافسون في الرئاسة وقل ان يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان اباه او اخاه أو كبير عشيرته إلا في الاقل وعلى كره من اجل الحياء , فيتعدد الحكام منهم والامراء وتختلف الايدي على الرعية في الجباية والاحكام .. فيفسد العمران وينقض" (مقدمة ابن خلدون) . وقال: " إن العرب لا يلُّمُّهُم إلاَّ دين و لا يجتمعون إلا بإِيمَانْ. فإذا تخَلَّى الدِّين عنهم أو تخَلُّوا هُمْ عن الدين، فإنَّ المَوْجَةَ الصَّاعدة ترْتَدُّ، و الأمة المُستَجْمَعَة تصبح متفرقه، و الذين و حدتهم يد الله ستوزعهم يد الشيطان. والنفس العربيه.. نفس مصابة بالفردية، بالمفاخرةِ وبأشياء أخرى كثيره .

- كان ابن خلدون قد أشار أن الفتح العربي لمصر بقيادة عمرو بن العاص قام بحرق مكتبة الاسكندرية العامرة عام 640 م بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب , وظلت حمامات الاسكندرية تستخدم الكتب كوقود لمدة ستة اشهر. يقول:" وكان الجنود الذي صحبهم عمرو بن العاص في فتواحته في مصر من البدو القح الذين لم تهذبهم الحضارة والمدنية بعد، ومن ثم فإنهم لم يقدروا الكتب والمكتبات حق قدرها" (مقدمة ابن خلدون، طبعة دار القلم) ،
كذلك فعل سعد بن الوقاص بذخيرة الفرس الفكرية حيث احرق كتبهم أو أغرقها بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، لمخالفتها لنصوص الشريعة الاسلامية (موسوعة تاريخ اقباط مصر) وحتى صلاح الدين الأيوبي سار على خطى عمر بن الخطاب فأمر بتدمير المكتبات الفاطمية , وقام جنوده بنزع جلود الكتب ليصنعوا نعال منها , وصلاح الدين الأيوبي فعل بمكتبات الشام نفس مافعله بمكتبات مصر"( كتاب الاسكندرية والحريق والاحياء د. شعبان عبد العزيز خليفة)

- ابن خلدون هو العملاق الذي لاحظ عدم وجود علاقة بين الإسلام والحضارة حيث يقول: " العقل معزول عن الشرع وانظاره" ( مقدمة ابن خلدونص 892). هذا في الوقت الذي نرى فيه ان صورة الروم الحضارية في اذهان عرب الجزيرة كانت مختلفة تماما عن صورة العرب في ذهن ابن خلدون وبقية علماء العصر الذهبي للخلافة الإسلامية .

- من كل ذلك لايجوز الاستنتاج أن تربع الغزاة البدو على أكتاف الحضارات الجاهزة التي تغلبوا عليها ونهبوها , فلا يعني أن الاسلام هو الذي بنى الحضارة وإلا لكنا رأينا الحضارة التي تنتج عنه في بلاده الاصلية في الجزيرة العربية إلا إذا كانت ثقافة الموت والتمييز والاخضاع هي الثقافة المعنية.
تيار السلفيين والفقهاء يَعون تماما هذا الجانب، فهم يعلنون بوضوح وجهراً ان جمهرة أعلام العصور الإسلامية كإين رشد لا علاقة لهم بالإسلام , وانما هم نتاج فكر الحضارات السابقة على الإسلام، ويصمونهم بالزندقة , حيث يصنفون فيها غالبية الاعلام التي ترمز الى العصور الذهبية للخلافة الاسلامية مثل ابن المقفع وجابر بن حيان والكندي وعباس بن فرناس وابن رشد والرازي والفارابي ومسكويه والكثير غيرهم (كتاب: حقيقة الحضارة الاسلامية، للشيخ ناصر بن حمد الفهد) .
ابن خلدون ، الذي استثنوه من الزندقة والشعوبية، هو الذي نفى العلاقة بين الحضارة والإسلام كما رأينا سابقا. والشيخ ناصر بن حمد الفهد لم يأت بشئ من عنده، فتكفير هؤلاء ورد في كتب التراث الاسلامي السني. قال الكشميري:" ابن سينا الملحد الزنديق القرمطي غدا مدى شرك الردى وشريطة المنتدى"، ( كتاب فيض الباري،). وقال الذهبي" وقد كفره الغزالي ( يقصد ابن سينا) في كتاب المنقذ من الضلال وكفر الفارابي"، ( كتاب سير الاعلام) ، .

- إن العرب فاقدون للعلم بطباعهم وهذا ما يؤكده العديد من علماء عصر الازدهار، ، فيقول القاضي صاعد بن محمد الاندلسي:" واما علوم الفلسفة فلم يمنحهم الله عز وجل شيئا منه، ولا هي اطباعهم للعناية به, ولا أعلم أحد من صميم العرب شهر به إلا أبو يوسف يعقوب بن أسحاق الكندي وأبو محمد الحسن الهمداني" ( كتاب طبقات الامم ) .

- الثقافة المدمرة .
لم يكتفى الغزو الإسلامى بإفلاسه الحضارى ليترك إرث ثقافى مُدمر ومُخرب فى الشعوب التى إحتلها وإستوطنها تتمثل بدايةً فى محو الهوية واللسان والإرث التاريخى لتلك الشعوب ليحدث بتر وطمس ومحو لتاريخ تطور الشعوب مع عدم وجود بديل حضاري جديد , ولم تكتفى الامور بقطع الصلة بتاريخ وإرث حضارى عظيم بل بإحتقاره وإزدراءه تحت مسمى وثنيته , لذا تجد أجيال من المصريين يحتقرون ويزدرون ويتنصلون من ماضيهم كون تاريخهم وثنى غير موحد .
تأسست ثقافة تحتفى بالغازى وتمجده وتمجد رموزه المستبدة الطاغية وتعتبر هذا تاريخ مشرف عظيم ليصاحب هذه الرؤية المشوهة حالة إزدواجية , فالمصري مثلاً يلعن ويستاء من المستعمرين والغزاة بينما يفتخر ويمجد الغازى والمستعمر العربي لتسري مفردات ثقافية مدمرة فى الكيان الإسلامي تحترم القاهر المستبد وتمجد النقل قبل العقل وتقصر العلم فى علوم الدين وتُنفر من الفلسفة والتأمل والحداثة وتمجد ثقافة الآخرين على تاريخها وثقافتها .

- لو حاولنا سرد الآثار السلبية للغزو والثقافة الإسلامية فقد نحتاج لوقت لنكتفى بهذا القدر , ليبقى أن نتوقف ونتأمل فى هذا الإرث الثقافي الماضوي محاولين التحرر من قبضته وزيفه وقهره وتخلفه متبنين ثقافة العصر لعلها تفلح فى نجاتنا من براثن التخلف والدونية .

-ما أشبه اليوم بالأمس عندما نلاحظ التشابه الشديد فى فكر وسلوك السلف والخلف , فالمعاداة لكل الأفكار حاضر وبقوة وذو إقصاء , وثقافة النقل قبل العقل حاضرة تفرض نفسها على قكر وسلوك السلف والخلف على السواء مهملة التطور الطبيعي للمجتمع ,
ليبقي إقصاء الآخر وتحقيره حاضرا سائداً حتى بين الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة ليكون العداء والتناحر مكون أصيل في الثقافة الإسلامية .
العداء للمرأة حاضر دوماً بحكم أن الشريعة والثقافة مقوضاً ومزدريا ليغزي هذا بقاء منظومة الهيمنة الذكورية حاضرة متقدة دوما خاصة في المجتمعات القبلية .
هناك خلل وإشكالية كبيرة فى ذهنية المجتمعات الإسلامية , فالتاريخ تم قبول زيفه وتحويره والتعاطي معه بإزدواجية , فالإنتهاكات والمذابح تم قبولها وتمجيدها طالما هي من إنتاج السلف بينما هي مرفوضة من قبل المستعمرين لتصير المعايير والتقييمات متباينة تعلن عن الإنحياز لتاريخ السلف مهما كان متوحشاً فلا عجب عندما نجد هذا الفكر حاضراً فى ذهنية التنظيمات الإسلامية لتقدم صور بشعة فى القتل والإنتهاك والإغنصاب .

مثال أفغانستان هو نموذج صارخ عندما تُستحضر الثقافة بكل مفرداتها لتخرب وتدمر المجتمع لتشده إلى غياهب التخلف والتردي , فلا نجاة من هذا المصير الأسود إلا بتطور علاقات الإنتاج لينتج مجتمع مدني له ثقافته الجديدة المواكبة للحضارة والتطور ولكن ولكن هل قوي التخلف ستسمح بذلك ؟!

دمتم بخير .
لا تحرر ولا تقدم قبل أن نتحرر من ثقافتنا القميئة .