في تكريم عيسى مدانات


فهمي الكتوت
2021 / 8 / 27 - 23:50     

كتب عبد القادر ياسين - مع اقدام الإمبريالية البريطانية على تأسيس (حلف بغداد)، في شباط/ فبراير 1955، حتى ازداد تدويل قضايا العرب، وبدأ نهوض وطني، ساد معظم أقطار المشرق العربي، ومصر. واستعصى الأردن على الحلف، وأُحبطت زيارتي الرئيس، التركي، جلال بايار والجنرال البريطاني، تمبلر، إلى الأردن كانون الأول/ ديسمبر 1955.
كنت وقتها ضمن من التحقوا بالتدريب العسكري، وحين عدنا إلى مدرسة فلسطين الثانوية، في مدينة غزة، حيث نتلقى الدراسة، لم نطق صبراً، فنظمنا مظاهرة، كدت أن أفصل من المدرسة بسببها.
توالت اخبار الاردن، وكيف أن المظاهرات افشلت زيارتي بايار وتمبلر، وأرغمت الوزارة الأردنية على الاستقالة، واستجدت أزمة وزارية استفحلت باطراد، وساد المظاهرات شعار رئيسي، أغلب الظن أن الرفيق عيسى مدانات هو من صاغه، وقد دأب على سك الشعارات، ارتجالاً، وسرعان ما كانت تنتقل كنار في الهشيم، من مدينة إلى أخرى، أما الشعار فكان: " يا مستعمر نُوح وابكي على قبر الحلف التركي.

عاش الاردن نهوضاً ثوريا، كان له ما بعده، حيث تم طرد الجنرال البريطاني، جلوب، من رئاسة أركان الجيش الأردني، واصطحب معه كل الضباط البريطانيين، ليتولى أمر الجيش الأردني، لأول مرة ضابط أردني، هو راضي عنَّاب، الذي سرعان ما خلفه علي أبو نوار. وجرت أول انتخابات برلمانية نظيفة، في تشرين الأول/ أكتوبر 1956، اكتسحتها القوى الوطنية، والتقدمية.
لكن الاستعمار الأمريكي الطامح الى وراثة نظيره البريطاني في مستعمراته ومنها الأردن، حث خطاه لوراثة بريطانيا في الأردن. وواتته السانحة، حين شنت بريطانيا، وفرنسا، واسرائيل، (العدوان الثلاثي) على مصر. والحقيقة أنه كان عدوانا رباعيا، قبل أن تنسحب منه القوات الأمريكية، التي اشترط الرئيس الأمريكي، دوايت أيزنهاور، ألا تشترك قواته إلا ل 24 ساعه، الوقفت الذي قطعه رئيس الوزراء البريطاني، أنطوني إيدن، لإسقاط عبد الناصر.
بعد إخفاق هذا العدوان في تحقيق أهدافه السياسية، تقدم أيزنهاور بمبدأه المعروفة" لملء الفراغ في الشرق الاوسط"، الناشىء عن خروج بريطانيا وفرنسا منه. ما صبَّ الزيت على نار الخلافات بين تياري الحكم في الأردن، فكان ما كان.
في عز احتدام الأزمة، انتقل أبو عامر إلى الضفة الغربية، سراً، في سيارة د. عبدالعظيم أنيس، المحرر السياسي لجريدة "المساء" القاهرية، في هذه الضفة تتمتع القوى الوطنية والتقدمية، بنفوذ واسع، أما الحكم فقبضته رخوة هناك.
حُسمت المعركة على النحو المعروف، في نيسان/ أبريل 1957، في الأردن. و هذه المعركه حافلة بعشرات الدروس، وقد رصد أغلبها الباحث الأردني المرموق، الصديق الدكتور عصام محمد السعدي. وأغلب الظن أن مذكرات فقيدنا أبو عامر، ستلقي مزيدا من الأضواء على هذه الأزمة.
استمر أبو عامر ضمن من تبقى من قادة الحزب الشيوعي، يقود من تبقى من أعضائه خارج السجن، إلى أن تم اعتقال أبو عامر، بعد نحو العام، ليقضي سبع سنوات في المعتقل، ولم يُفرج عن مئات الشيوعيين الأردنيين إلا بعد ثماني سنوات (1965)، بمناسبة تولية الأمير الحسين ولاية العهد، ناهيك عن أن علاقة الحكم الأردني كانت تحسنت مع النظام الناصري، ومن منظمة التحرير الفلسطينية، ليعود ذاك الحكم، في نيسان/ أبريل 1966، ويشن حملة اعتقالات واسعة ضد الشيوعيين، والبعثيين، والقوميين. ولم يفلت أبو عامر من هذه الحملة إلا بوجوده خارج البلاد، مع بضعة رفاق آخرين.
وقعت هزيمة 1967 الصاعقة، فلم يجد الحكم الأردني بداً من الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين. وعاد أبو عامر إلى عمان، ليشارك في قيادة (الحزب)، قبل ان تتعملق المقاومة الفلسطينية، ما تسببَّ في استفحال التناقضات (الحزب)، ووصل الأمر بأحد قادته أن نشر مقالاً، مسَّ فيه هذه المقاومة. فكتبتُ رداً عليه في شهرية "الكاتب" القاهرية. وبعد عدة عشرة أسابيع، وصل ابو عامر، والدكتور يعقوب زادين، و طلباني، وحيُّوني على هذا المقال.
حين أُخرجت فصائل المقاومة الفلسطينية، بقوة السلاح من الأردن، على النحو المعروف، ظن صاحب المقال بأن أوان قطع الثمار قد هلَّ، فصارع الى خطوته المتسرِّعة، في تشرين اول 1970.
مرت الأيام واشتد المرض على أبو خالد ( فؤاد نصار)، الأمين العام للحزب، فأوكل أمر الأمانة العامة بالوكالة لأبي عامر، ما أوغر صدر البعض، وفقدنا أبو خالد، خريف 1976. وبدأت مشاكل من نوع جديد، تُطل برأسها داخل الحزب، ولطالما اتخذ الصراع مظهرا غير مبدئي.
اشتدت الهجمة غير المبررة على أبي عامر، بعد أن كان ضمن أغلبية أعضاء اللجنة المركزية للحزب - مع قيام (الحزب الشيوعي الفلسطيني). فجاء انفجار جديد داخل الحزب، بإجراءات تعسفية، غير مسبوقة في حياة هذا الحزب.
باختصار، ننتظر المزيد، حين يتم نشر مذكرات فقيدنا أبو عامر، الذي لم يزل يعيش بيننا، بأفكاره، وممارساته.