الأرض تحترق.. هل يمكن أن تتلاشى الحضارة؟ *


رشيد غويلب
2021 / 8 / 27 - 14:15     

اعداد:

يتصاعد اللهب، حرائق حول البحر الأبيض المتوسط، في بلدان جنوب أوروبا، وفي أمريكا الشمالية والجنوبية وأفريقيا وآسيا وأستراليا. الرئتان الخضراء للعالم - الأمازون وسيبيريا - تختنقان بالدخان. قرابة 50 درجة مئوية عند خط العرض 50 درجة في كندا أو 48,8 درجة في صقلية، الهواء الساخن الحارق يحول الحياة اليومية عذابًا ويدمر المحاصيل. ولا يتوقف ذوبان الأنهار الجليدية في غرينلاند. وعلى الجانب الآخر طقس متطرف: أمطار غزيرة وعواصف عنيفة. فيضانات تموز تجتاح المانيا، لتؤكد ان كارثة المناخ قد وصلت القارة العجوز، فبعد جفاف لثلاثة مواسم متتالية، جاء الماء، وهزم حكومة المستشارة الغنية.
من الواضح أن هذه الكوارث ليست سوى بداية لتغير المناخ العالمي. وستتعرض البشرية لمزيد من التشوهات الجسيمة. ستؤجج صراعات جديدة حول المياه والتربة والموارد الأخرى، لا سيما في جنوب الكرة الأرضية، وستكون عوامل تصعيد للصراعات القائمة في جميع أنحاء العالم، وستسع الهجرة. شهد العام الفائت نزوح قرابة 31 مليون انسان بسبب الكوارث الطبيعية، كانت على الأغلب هجرة داخلية. لقد فروا من إعصار أمفان في آسيا، وكانوا ضحايا الأعاصير في أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي. وتسببت الفيضانات في أفريقيا والشرق الأوسط في نزوح الملايين من منازلهم. ولا تُحصى وفيات الكوارث الطبيعية في جنوب هذا الكوكب.
إن التعاقب السريع والمتزايد لظواهر التطرف في المناخ عالميا، هو نتيجة للاحتباس الحراري. يقول المجلس العالمي للمناخ في تقريره الأخير، إن الظواهر الجوية المتطرفة مثل الأمطار الغزيرة المستمرة وموجات الحرارة ستحدث، في المستقبل، أكثر فأكثر. وخلال تسع سنوات، يمكن أن يتجاوز الارتفاع في متوسط درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة، لذلك يحذر المجلس من أحداث مناخية قاسية غير مسبوقة، وخارجة عن السيطرة.
إن المعطيات الخاصة بالتطور المتوقع لمناخ الأرض، والتي لخصها توا الجزء الأول من تقرير الحالة للمجلس العالمي للمناخ، ليست جديدة بالكامل، الجديد هو الدقة الأكبر في النماذج المناخية التي تجعل التوقعات الإقليمية ممكنة. والجديد الأهم هو أن بعض السيناريوهات الواردة في التقارير السابقة كانت متفائلة للغاية. لأن التغييرات الأساسية عمليا لا رجوع فيها: ذوبان الجليد في القطب الشمالي، وارتفاع مستويات سطح البحر، وحموضة المحيطات. وحتى لو توقف إنتاج غازات الاحتباس الحراري على الفور، فلن تتوقف العمليات الجارية مرة واحدة، وفي غضون سنوات قليلة. ولا يمكن الآن تحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ، للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مقارنة بعصور ما قبل الصناعة، إلا بواسطة تدابير استثنائية. لكن السياسة المهيمنة وجماعات لوبي الشركات لم تبطئ وتحد من صناعة الوقود الأحفوري فقط، بل ستواصل القيام بذلك مستقبلا.
ان التطور الحالي، لم يكن مفاجئا، فمنذ سنوات، حذر البروفيسور جيم بينديل، الباحث في الاستدامة بجامعة كمبريا في المملكة المتحدة، من “أن الوقت قد فات لوقف تغير المناخ غير المنضبط” وأننا “نتجه نحو نسب مدمرة وغير قابلة للسيطرة من تغير المناخ الذي سيؤدي إلى الجوع والدمار، سيجلب الهجرة والمرض والحرب معه”.
وفي وقت مبكر من عام 2018، دعا جيم بينديل إلى “إدراك أن الانهيار الاجتماعي جاري بالفعل، ولكنه موزع بشكل غير متساو” وأشار إلى أن “ملايين من البشر يعانون بالفعل، وبشكل رهيب من فوضى المناخ”. في صيف 2018، عانت الهند من موجة حر غير مسبوقة ودرجات حرارة وصلت إلى 50 درجة مئوية. ومن المحتمل أن تستمر درجات الحرارة التي يصعب تحملها في الارتفاع خلال العقود القليلة المقبلة.
لا يرى بيندل الانهيار في جنوب العالم فقط. كتب في دراسة له بعنوان “التكيف العميق: خريطة للأبحار في مأساة المناخ”: “عندما تنظر إلى التغيرات المناخية الحالية، والانبعاثات المتزايدة وتدمير بيئات الحياة، والآثار البيولوجية، والأثار المدمرة للزراعة، وبطء ردود الفعل الاحترازية، والآثار الزراعية، وتعنت الرأسمالية والسياسيين التابعين لها، والاعتماد الثقافي على أفكار التقدم والسيطرة وزيادة الشعور بالذنب التي تتجنب الواقع وتشجع على الجهل والكراهية، فأعتقد أن الانهيار محتمل أو شبه مؤكد “. ان “قواعد سلوكنا، وما نسميه بـ ” الحضارة “- يمكن أن تتلاشى أيضًا”.
ان تغير المناخ خطر يداهم أمنا الأرض، ويتطلب انتفاضة بشرية عالمية للتغلب على هياكل سلطة الرأسمال، التي تسعى إلى ترسيخ نظام الوقود الأحفوري والنظام الحالي لأقصى قدر من التدمير البيئي والاستغلال البشري، إلى أجل غير مسمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*-عن موقع “شيوعيون” الالماني