الانتخابات والفساد الجماعي أي واقع وأية آفاق؟.....11


محمد الحنفي
2021 / 8 / 25 - 15:54     

سلامة الانتخابات من الفساد الانتخابي، وتغير أوضاع الشعب المغربي:.....2

د ـ والضمير، لا يوجه السلوك، بقدر ما يعبر عن طبيعة السلوك، الذي قد يكون إيجابيا، أو سلبيا. فوجود الضمير الحي، يعبر عن السلوك الإيجابي، ووجود الضمير السلبي، يعبر عن ممارسة السلوك السلبي.

فالسلوك الإيجابي، تعبير عن شخصية متزنة، وإيجابية، وفاعلة في الواقع، وعاملة على وحدة المجتمع، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، في تحرير الإنسان، من كل أشكال الاستلاب المادي، والمعنوي، وساعية إلى تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بالإضافة إلى كونها ساعية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية، التي تعتبر أرقى ما وصل إليه الإنسان، لإقامة العدل الإنساني على الأرض.

والسلوك السلبي، المعبر عن موت الضمير، في شخصية صاحب السلوك السلبي، الذي يعبر عن وجود شخصية منحرفة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، لا تسعى إلى التحرر من الاستلاب، الذي يسيطر عليها، بقدر ما تعمل على المحافظة عليه بامتياز، كشخصية مستعبدة. وقد تسعى إلى تحقيق الديمقراطية، ولا تقول بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما أنها لا تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ولا تقول بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية؛ بل تسعى إلى المحافظة على التوزيع غير العادل للثروة القائم، الذي يخدم مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وفي إطار الموضوع، الذي نتناوله، فإننا نجد/ كذلك:

أن السلوك الإيجابي، المعبر عن وجود ضمير حي، يرفض رفضا باتا، أن يلجأ الناخبون إلى بيع ضمائرهم، مقابل ما يتلقونه من أموال، لا قيمة لها. وذلك بأن يحرص أصحاب الضمائر الحية، على التعبير الحر، والنزيه، عن رأيهم في الترشيحات المعروضة للتصويت، من أجل اختيار حر، ونزيه، للشخص الذي يمثلهم، في إطار الجماعات الترابية، مهما كان، وكيفما كان، لجعل الضمير الحي، يؤثر في الواقع، تأثيرا إيجابيا، يخدم مصالح سكان الجماعة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

أما السلوك السلبي، فمن موت الضمير، في جماعات الناخبين، الذين يعرضون ضمائرهم الميتة للبيع، على رصيف الانتخابات، من أجل أن يتلاعب سماسرة، أو تجار ضمائر الناخبين، الذين لا يهتمون، كبائعي ضمائرهم، إلا بجيوبهم التي لا قاع لها، وليس لها في الواقع أي شكل من أشكال الاحترام، لا للشعب، ولا للجماهير الشعبية الكادحة، التي ينتمي إليها الناخبون، العارضون ضمائرهم للبيع، من أجل شرائها من قبل سماسرة، أو تجار ضمائر الناخبين، وإعادة بيعها للمرشحين، الذين يراهنون على شراء ضمائر الناخبين، من أجل الوصول إلى عضوية أي مجلس جماعي.

والذي ينقصنا في المغرب، هو التربية على حماية الضمير، من كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. ونظرا لغياب هذا الشكل من التربية، فإن حاملي مختلف الضمائر، يصيرون معتقدين، بأن من حقهم بيع ضمائرهم، بأي شكل من أشكال الانتخابات الجماعية: الترابية، أو البرلمانية، مع أن الأمر ليس كذلك، خاصة، وأنه يعتبر جريمة، في حق أنفسهم، وفي حق سكان الجماعة، التي ينتمون إليها، وفي حق الشعب المغربي، وفي حق الوطن، وفي حق الدولة المغربية؛ لأنها تدخل في إطار الفساد الانتخابي.

ه ـ وتوجيه سلوك الأفراد، والجماعات، في مكان ما، وفي زمن ما، يرجع إلى العقل، نظرا لأنه هو الذي ينتج الفكر، الذي يوجه سلوك الأفراد، والجماعات، والشعوب، وهوالذي ينتج القيم، التي تلتصق بالسلوكات الفردية، والجماعية، والشعبية، وهو الذي يحمل الأفكار الموروثة، وينتج الأفكار الجديدة، ويعمل على بثها في المجتمع، سواء كانت هذه الأفكار اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية.

وما دام الفكر الذي ينتجه العقل البشري، هو الذي يوجه سلوك الأفراد، والجماعات، والشعوب، فإن التوجيه الساري في المجتمع المغربي، هو توجيه فاسد؛ لأنه يجعل الناخبين، المتفاعلين معه، يعتقدون: أن من حقهم بيع ضمائرهم، لأي كان، في أي انتخابات تجري في الواقع المغربي، إما لسماسرة، أو تجار ضمائر الناخبين، الذين يعيدون بيعها للمرشحين، الذين يبحثون عنها، من أجل أن توصلهم إلى الجماعات الترابية، وإما إلى المرشحين مباشرة.

وما دام الفكر السائد في المجتمع المغربي، وخاصة، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فاسدا، فإن الأمر يقتضي، منا، أن نعمل على محاربة الفكر الفاسد، بإشاعة الفكر الجاد، والمسؤول، والهادف إلى جعل الأفراد، والجماعات، والشعب، يعيدون النظر في فكرهم، وفي مسلكيتهم، لجعل شخصيتهم خالية من الفساد، وأن لا تتعاطى معه، بأي شكل من الأشكال، مما يجعلهم يمتنعون عن بيع ضمائرهم، ليختفي من الوجود، سماسرة، أو تجار ضمائر الناخبين، وليختفي، كذلك، المرشحون، الذين يراهنون على شراء ضمائر الناخبين، حتى يسود فيما بيننا، كأفراد، وكجماعات، وكشعب مغربي، أن لا نفكر في إنتاج الفساد الانتخابي، وأن نحرص على أن تكون الانتخابات، عندنا، قائمة على أساس الحرية، والنزاهة.

و ـ والعقل، أو الضمير، قد يرتبط بالمستوى العلمي للأفراد، أو الجماعات، وقد لا يرتبط بها، مع ضرورة، أن المستوى العلمي، قد يؤدي إلى تطور العقل، وقد يؤدي إلى جعل الضمير، بعيدا عن ممارسة الفساد الانتخابي، وقد لا يكون الأمر كذلك، خاصة، وأننا نجد متعلمين، إلى درجة الإجازة، يبيعون ضمائرهم، وضمائر أسرهم، وعائلاتهم، وقد نجد مرشحين، حاصلين على شهادة الدكتوراه، يشترون ضمائر الناخبين، من سماسرة، أو تجار ضمائر الناخبين، في أي قرية، وفي أي مدينة، من أجل الوصول إلى عضوية الجماعات الترابية، ليشتري ضمائر الناخبين الكبار، من أجل احتلال المسؤولية الأولى، في الجماعة التي هو عضو فيها، حتى يتفرغ الدكتور، لنهب ثروات الجماعة الترابية، لادخار الأموال التي يشتري بها ضمائر الناخبين: الصغار، والكبار، في الانتخابات المقبلة، بعد شراء التزكية، من حزب معين.

فلا فرق، في الانتخابات الجماعية، بين متعلم، وغير متعلم، بين الدكتور، والأمي، في ممارسة الفساد الانتخابي، ولا فرق بين الأثرياء الدكاترة، الذين يشترون ضمائر الناخبين: متعلمين، وغير متعلمين، وبين الأثرياء من الأميين، الذين يشترون ضمائر الناخبين: متعلمين، وغير متعلمين، خاصة، وأن الفساد الانتخابي، عندما يعم، يهون.

والمشكل هنا، قائم في السلطات المحلية، أو الإقليمية، أو الجهوية، أو الوطنية، التي تسكت عن الفساد الانتخابي، الذي يجري أمام أعينها، ولا تحرك ساكنا. فإذا توجهت إليها بشكاية، معينة، يكون ردها: أنها لم تضبط أي حالة متلبسة، وفي إمكانها، أن تعمل على إفساد الانتخابات، بالسكوت على ممارسة الفساد الانتخابي، عن طريق التخلص من ممارسيه، سواء كانوا ناخبين، أو سماسرة، أو تجارا في ضمائر الناخبين، أو مرشحين، يراهنون على شراء ضمائر الناخبين. خاصة، وأن السلطات القائمة، هي التي تملك إمكانية السماح بممارسة الفساد الانتخابي، أو تعمل على منعه، واستئصاله من الواقع، في أفق العمل، على فرض احترام إرادة الناخبين، التي تعتبر جزءا، لا يتجزأ من إرادة الشعب، الأمر الذي يترتب عنه: ضرورة أن تكون الانتخابات حرة، ونزيهة.

ز ـ ونجد، أن الأثرياء، حتى وإن كانوا دكاترة، وأساتذة جامعيين، يلجأون إلى شراء ضمائر الناخبين، عندما يترشحون، إلى الانتخابات الجماعية، أو غيرها، من منطلق: أن المسألة، لا علاقة لها بالمستوى المعرفي، أو العلمي للمرشح، بقدر ما لها علاقة بالانتخابات:

هل هي فاسدة؟

هل هي غير فاسدة؟

فإذا كانت الانتخابات غير فاسدة، فلا مجال فيها لشراء ضمائر الناخبين؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يزج بنفسه في السجن، لمجرد ممارسته للفساد الانتخابي، الجماعي، وهو يعرف أنه فساد انتخابي، جماعي، سواء تعلق الأمر بالناخب، أو بسمسار الانتخابات، أو المتجر في ضمائر الناخبين.

أما إذا كانت الانتخابات فاسدة، فإن أي مرشح، سواء كان أميا، أو متعلما، إلى مستوى الدكتوراه، أو أستاذا جامعيا، لا بد له أن ينخرط في ممارسة الفساد، الذي تسمح به السلطات القائمة، في مستوياتها المختلفة، فيشترون ضمائر الناخبين، سواء كانوا متعلمين، أو غير متعلمين، وبالتالي: فإنهم، عندما يصلون إلى عضوية أي جماعة، يتحولون إلى ناخبين كبار، يعرضون ضمائرهم (الكبيرة) للبيع، إلى أكبر ثري من بينهم، حتى يتفرغوا إلى ممارسة كل أنواع الفساد الجماعي، الأخرى، التي تسيء إلى الجماعة الترابية، التي تشعر بها، وإلى السكان، وإلى الشعب، وإلى الوطن، وإلى الدولة، التي تشتهر مختلف جماعاتها الترابية، بالفساد الانتخابي، وبالفساد الجماعي، وخاصة منه، الفساد المنتشر في مختلف الجماعات الترابية، والذي يترتب عنه، غالبا، ضياع الحقوق الإنسانية: الفردية، والجماعية، والشعبية.

ونظرا لأن الفساد الجماعي، يسيء إلى الأفراد، وإلى الجماعات، وإلى سكان أي جماعة؛ فإن على السلطان المسؤولة محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، أن تعيد قراءة ممارستها، تجاه الفساد الانتخابي، والجماعي، وانعكاس ممارسة ذلك الفساد، على السكان، وعلى الشعب، وعلى سمعة الدولة المغربية، على المستوى الدولي، حتى تعمل على مصادرة كافة أشكال الفساد، على المستوى الوطني، وعلى المستوى الجماعي، وخاصة منه، الفساد الانتخابي، في أفق الوصول إلى تكريس الانتخابات الحرة، والنزيهة. والفساد الجماعي، الذي يمارسه الأعضاء الجماعيون، وتمارسه الإدارة الجماعية، في أفق العمل على إيجاد جماعات بدون فساد.